مركز الامام الشيرازي ناقش.. قيم النهضة الحسينية والطريق الى بناء سلام عالمي
مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
2025-08-14 05:19
تحرير: عصام حاكم
عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث ضمن نشاطاته الفكرية حلقته الحوارية الموسومة (قيم النهضة الحسينية والطريق الى بناء سلام عالمي)، بمشاركة عدد من الشخصيات الأكاديمية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي عقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة، هذا وقد أدار الحلقة النقاشية الباحث في المركز محمد علاء الصافي وقدم فيها سماحة الشيخ مرتضى معاش، ورقة نقاشية وابتدأ حديثه قائلا:
"البعض قد يتساءل بخصوص الجامع الذي يجمع ما بين نهضة الامام الحسين (عليه السلام) بالسلام والسلام العالمي، وما هو الرابط بينهما، وما هو مفهوم السلام في تلك النهضة؟، وهل السلام مرتبط بالحروب فقط؟، وهل مفهوم السلام هو رد فعلا على الحروب المتصاعدة؟، كي يكون هدفا مطلوبا لإيقاف هذه الحروب؟.
بمعنى آخر ان يكون مفهوم السلام امر طارئا وليس امرا اساسيا، خصوصا وان العالم على مدى القرون الطويلة التي مرت لم ينعم العالم بالسلام الا فترة 200 سنة فقط في تاريخه، وما تبقى هي عبارة عن حروب مستمرة وهدر دماء مستمر على طول وعرض التاريخ الانساني، لذلك هناك مطالبة مستمرة بالسلام لإنهاء الحروب.
والجواب، ان السلام ليس امرا طارئا، بل حقيقة اساسية نابعة من النظام الكوني، وهو يعني الاستقرار والانتظام واليقين والمسير المنتظم للحياة، ويعني ايضا الانسجام ما بين الداخل والخارج.
فالإنسان الذي يعيش السلام والهدوء السكينة والطمأنينة هو انسان مستقر، لذلك السلام هو الاساس، والحرب هي امر طارئ، الى جانب ذلك الانسان لا يمكن قياسه بمصالح والمنافع، بل يقاس بالقيم الفطرية التي يحملها في ذاته، وهو ليس مجرد آلة او وجود هامشي، بل هو الوجود الاساسي والمحوري. بأن يكون الانسان حرا في خياراته وقراراته، هذا هو المعنى الغائي لوجود ذلك الانسان، وهو لا يقاس بالمنافع والمصالح ويصبح ضحية لحرب المصالح، المنافع ترتبط دائما بالغرائز، وهي التي تدفع بالإنسان نحو الصراعات ونحو الحروب.
بالنتيجة العقل هو امر فطري، لكن الحسد والحقد والطمع هي امور طارئة على الانسان، تخرج بسبب ضمور الحالة الفطرية لدى الانسان، السلوك الانساني مقيد بأمرين وهما الدوافع والحوافز، الدوافع هي ما ينبع من داخل الانسان ومن ذاته، اما الحوافز هي شيء خارج الانسان.
بالتالي الحافز هو الذي يبني الدافع عند الانسان وهو المكافأة والمحرك الحقيقي للحرب، بسبب الحوافز التي يشاهدها في حياته، وهذا خلاف الفطرة التي فطر الناس عليها، ولكن الحافز الخارجي والمثير الخارجي هو الذي يجعل الانسان يستجيب لتلك الحالة.
اليوم على سبيل المثال وليس الحصر الاعلانات التجارية التي تتصدر واقعنا الحياتي القائم على الاستهلاك، هذا الاستهلاك جاء بسبب حوافز خارجية يثيرها الاعلان في نفسه، فيتحول الى مستهلك من جراء دوافعه الاستهلاكية.
نموذج اخر يتصل في شبكات التواصل الاجتماعي او ما يسمى بالتمرير السلبي في الهواتف الذكية، هذه كلها حوافز خارجية تدفع بالإنسان لاقتناء تلك الاجهزة الذكية او تناول الاطعمة غير الصحية، فلذلك المصالح والمنافع هي التي تدافع نحو الحرب، وهي التي تجعل من الحرب امرا واقعا.
وهنا محل الاشكال هل العنف متأصل في داخل الانسان ام شيء عرضي؟، على سبيل المثال (فرويد) يعتقد ان الانسان في ذاته شرير وعنيف ومكبوت، وهذا مما يبرر للحرب وجودها كأمر طبيعي، وهو تبرير سيئ جدا لوجود الحروب والعدوانية، وهي دعوة صريحة للعنف والقتل والاستبداد والقهر. وذلك على اعتبارها من البديهيات او المسلمات العلمية التي يشهد لها التاريخ، ولولا ذلك الفهم المميت والمدمر لما شهد العالم حربين عالميتين راح ضحيتها (100) مليون انسان، بسبب هذه العقلية الظالمة والمستبدة والمميتة.
ولكن لو عكسنا المعادلة بالاتجاه المغاير تماما وذهبنا نحو السلام والاستثمار الخير في الانسان، سنكون امام وضع اخر وحياة اخرى اساسها الامن والامان، الامام الحسين (عليه السلام) وضع نصب عينيه حقيقة اظهار منظومة قيم السلام، والوقوف امام تلك العقلية الغاشمة، وهي عقلية الحرب والعنف، هذه العقلية لا تنتج الا الطغيان والاستبداد، لذلك الامام الحسين (عليه السلام) ومنذ اللحظة الاولى لخروجه من المدينة، أعلن صراحة انه لا يريد الحرب بل يريد السلام.
خاصة وان من مستلزمات اقامة الحرب هي اعداد العدة والعدد والخروج بجيش جرار، ولكنه (عليه السلام) اراد ان يثبت للناس انه هو الحاكم الشرعي للامة الاسلامية، لا من ناحية الشرعية الإلهية فحسب، بل من ناحية الاتفاق المبرم ما بين الامام الحسن (عليه السلام) ومعاوية، لذلك حاول يزيد ان يتخلص من الامام الحسين (عليه السلام) في المدينة وفي مكة وصولا الى كربلاء.
نستشف من خلال ذلك ان الامام الحسين (عليه السلام) لم يطلب الحرب، بل كان يريد ان يرسى قيم السلام والرحمة، الدليل على ذلك الامام الحسين (عليه السلام) في ليلة عاشوراء تكلم مع اصحابه وقال لهم:
(أمّا بعد فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكُم الله عنّي جميعاً خيراً، ألا وإنّي أظنُ يَومنا من هؤلاءِ الأعداء غداً إلّا وإنّي قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍ ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام، هذا الّليلُ قد غشيكم فاتّخذوه جَمَلا. وليأخُذ كلُ رجلٍ منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتّى يُفرجَ الله، فإنَّ القومَ إنما يطلبونني ولو قد أصابوني لَهوا عن طلب غيري).
لذلك فإنه لم يطلب الحرب بل طالب بالإصلاح حين قال(عليه السلام):
(وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين).
فالإصلاح ترتبط إمكانية تحققه بالسلام، والحرب تؤدي الى الفساد والظلم، وقد قال عزوجل:
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)الأنفال47.
كما ان نهضة عاشوراء كنت تتمحور حول قوة الحق وليس قوة البطش، وقوة الحق ركيزة جوهرية في السلام، اما الحرب بمعناها الاعم الاشمل هي باطلة، لأنها فيها سفك للدماء، لذلك نهض الامام الحسين (عليه السلام) ليبين لنا قوة الحق والحياة على اعتبارها هي الاساس، والموت يتحقق بالباطل، هذه المعاني هي تخفي من ورائها مفاهيم كبيرة جدا.
الانسان لا ينتصر في الحرب، بل ينتصر في السلام، لذلك من يدقق في تفاصيل الخطاب الحسيني يرى العديد من القيم السامية التي تدعو الى الحياة والسلام والعدالة: (ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برما).
فالسلام الحسيني يهدف الى تحقيق كرامة الانسان، اما الحروب فهي تنتهك الكرامة، ومن يرفع شعار الامن من خلال الردع، هم لا ينصفون الحقيقة، فالردع يأتي من خلال تأسيس الانسان وحماية كرامته.
لذلك نرى التفكير السيئ للأيديولوجيات ومنها الرأسمالية تنبعث منها الهيمنة والسيطرة والربح، بالنتيجة هي تؤدي الى عملية انتهاك كرامة الانسان، وتؤدي ايضا الى عبودية الإنسان واذلاله، وهذا خلاف النهج الحسيني الذي يدور في فلك: (لَا وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إِعْطَاءَ الذَّلِيلِ، وَلَا أَفِرُّ فِرَارَ الْعَبِيدِ)، فهذا النص فيه تبيان لكرامة الانسان وعزة الانسان، اساس هذه الحرية التي يطالب فيها العالم الغربي اليوم تأتي من خلال استخدم الاسلحة الجرثومية والنووية وبناء مايسمى بالردع الاستراتيجي، وهذا عين النفاق والازدواجية المريضة، التي لا تستقيم باي حال من الاحوال مع فكرة الحرية التي نادى بها الامام الحسين (عليه السلام).. (إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم).
من هنا لابد من العمل على بناء الاسس الرصينة التي من خلالها يمكن استثمار قيم النهضة الحسينية في نشر السلام في العالم، ومنها:
اولا: تفكيك الأفكار الهدامة وكشف تبريراتها السيئة حول أن الشر أصل في الانسان، فالفطرة هي خير في كل انسان، من خلال الفهم المتعمق لأهداف النهضة الحسينية.
ثانيا: تقشير الوعي الذاتي وإزالة الحجب المصلحية والرغبوية، التي تمنع من الخير الجماعي.
ثالثا: التركيز على بناء اخلاقيات الانصاف من النفس والخروج من قوقعة الذات، وبذلك يتم فهم معنى الحق والعدل والاحترام، ونبذ الباطل والظلم والطمع.
رابعا: بناء فهم جديد للسياسة يقوم على قيم إنسانية ثابتة لا تتغير بحسب مصالح السلطويين.
خامسا: التدريب الفكري والترويض النفسي على إدارة التحكم بالطمع. والخروج من حالة الاستهلاك الاعمى الى الإنتاج المثمر، من الانانية الى الايثار، من دائرة الذات الى افق الاخر بالعمل على نشر ثقافة التخلي عن الأشياء.
سادسا: تأسيس برامج تربوية تقوم على الأساليب المرنة واللينة، المحرضة على التراحم والتعاطف والمحبة، فالتربية الشديدة تؤدي الى قسوة القلب وتفجير النوازع العدوانية العنيفة والحربية.
وفي ختام هذه الورقة نستطلع آراءكم ونسترشد بها عبر هذه الاسئلة الثلاثة:
السؤال الاول: ما هي الأسباب التي تؤدي الى اختلال السلام واستفحال الحروب والصراعات في العالم؟
السؤال الثاني: ما هي القيم التي صدح بها صوت الامام الحسين (عليه السلام) من اجل نشر السلام ومجابهة العنف والذل والطغيان؟
السؤال الثالث: كيف يمكن للمؤسسات الدولية والدينية، وكذلك المراكز والحسينيات ان تساهم في تحويل القيم الحسينية الى مشروع سلام عالمي؟
المداخلات
المشروعية الدينية للثورة على الظالمين
- الدكتور خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للدراسات والتنمية الاستراتيجية:
ان الانبياء والاوصياء ومن دون ادنى شك هم جاءوا برسالة السلام، وبناء عرش الحقوق والحريات ويحمون السلام بين الناس، وتحقيق السعادة التي ارادها الله لهم عزه وجل.
فهم ينطقون عن السماء، والله سبحانه وتعالى لا يريد ان يعادي البشر، بل يريد ان يقوم اعوجاج ذلك البشر، لكن الانسان في طبيعته ككائن بشري يجمع بين قدرته على الذهاب في طريق الشر، وقدرته على الذهاب نحو طريق الخير.
وكلما تمادى الانسان في كلا الطريقين كلما زاد تسافلا او ازداد كمالا، ولذلك الذي يسير في طريق الخير سوف يزداد كمالا ويؤسس لعرش الخير، الذي يتلخص من خلال قيم وانماط حياة وعلاقات اجتماعية ومؤسسات حكم ومؤسسات خيرية او ما شابه ذلك.
على امل ان ينظم حياته وحياة الاخرين، بالنتيجة الكل يشعر بانه اخذ ما يستحق واخذ الحياة التي يحلم بها، بالمقابل عندما يذهب الانسان الى طريق الشر تلقائيا سوف يؤسس عرش الشر، وهذا الشر سوف يتجسد ايضا بنخب علاقات وقيم مؤسسات او ما شابه ذلك.
بالنتيجة اصبح لدينا طريقين واحد للخير واخر للشر، وهناك معسكر للخير ومعسكر اخر للشر، وكلا المعسكرين يؤسس مصادر قوة له، حتى يدافع عن ما يؤمن به، بالتالي لا يمكن لمعسكر يرفع ورود ان ينتصر على معسكر يرفع المدافع، لذلك علينا ان نميز بين العدوان والردع، وبين الحرب المشروعة واللا مشروعة.
العدوان هو ما يقوم به معسكر الشر ليعتدي على اعراض الناس وعلى ارواحهم واموالهم وحقوقهم وحرياتهم، في مقابل ذلك على معسكر الخير ان يكون لديه ادوات للردع لدفع هذا العدوان، لذلك قال الله سبحانه وتعالى: (وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ومنافع للناس).
لذا لا نستطيع ان نطلب من معسكر الخير ان يكون اقل كفاءة او اقل قدرة في مواجهته لمعسكر الشر، فعندما يقوم معسكر الشر بالاعتداء على الاخرين بغية تحقيق منافعه ومصالحه، حينذاك على معسكر الخير ان يكون مستعدا استعدادا كاملا لهذه المنازلة، من اجل ان يحافظ على قيمه.
لذلك الامام الحسين (عليه السلام) لو اراد ان ينشر الورود على الناس، لكان يزيد اول من بادر لوجود تلك المزرعة، ولكن اراد ان يهدم عرش الطغيان، وان يؤسس لقاعدة اساسية مفادها الحاكم الظالم يزال بالقوة والبطش، في سياق هذا المعنى حتى التوقيتات الاجتماعية هي الاخرى تكاد تكون متزمتة في ردع المعتدي والجاني.
اما بخصوص الاستفسار الاول فالبشر لا يسيرون خلف مناهج الخير ومناهج السلام، ولا يريدون ان يقتدوا بصوت الاوصياء والانبياء، وانما يريدون ان يفرضوا آرائهم ويؤولون النصوص بما يرضيهم، والشيء الاخر هو الطمع، لذلك في نظرية العقد الاجتماعي عندما فسروا الحاجة للسلطة والقانون، جاءت الخيارات منصبة نحو نزعة التملك والطمع ومخالفة الحق لدى الانسان، وهذا مما يجعل قيم السلام تختل.
اما بالنسبة للقيم التي صدح بها الامام الحسين (عليه السلام) هي جاءت لتعطينا المشروعية الدينية للثورة على الظالمين، على الجانب الاخر على الحسينيات والمراكز الدينية ان تستوعب قيم الامام الحسين (عليه السلام) بصدق وان تعبر عنها بصدق، في بناء السلطة وبناء السلام، وفي العلاقات بين الناس والتراحم والحوار وتحقيق العدل.
والا بعد 1400 عام في بلد الحسين (عليه السلام) ونعاني الظلم والجور، لدينا ما نسبته 17% من العراقيين تحت خط الفقر، وان القانون لا يطبق الا على الفقراء، اذا نحن نحتاج الى استيعاب مبادئ الحسين وقيم الحسين بصدق، في عاشوراء لا بد ان تقام محكمة بين منهج الحسين ومناهجنا.
فهل نحن قريبين من منهج الامام الحسين (عليه السلام)، ام بعيدين عنه، ولماذا لم نستوعب هذا المنهج الرسالي، والسبب على ما اعتقد اننا صورنا الامام الحسين (عليه السلام) على انه داعية سلطة، وليس منهاج حياة وثورة ونهضة اصلاحية، لذلك نحن نحتاج للكثير الكثير حتى نستوعب قيم الثورة الحسينية.
الوعي الحسيني
- الأستاذ خليفة التميمي، كاتب واعلامي:
فلسفة القيم هي عبارة عن امور وجدانية وفكرية يتعاملون معها بالرفض او القبول، هذه الفلسفة تنقسم الى ثلاثة اقسام.. (قيمة الحق، قيمة الخير، قيمة الجمال)، يضاف الى ذلك فلسفة الحب وفلسفة الدين، فلسفة الحب تتشكل من خلال القول التالي (احب الله من احب حسينا) و(حسين مني وانا من حسين)، هذا النهج هو شكل من اشكال الوعي الحسيني فلا بد من نقله الى الاخرين.
اما ما يخص مسألة ازمة استفحال الصراع هي عبارة عن اختلال وظائف السياسة مع الاقتصاد مع رجال الدين، اذا اتحد هؤلاء الثلاثة انهار البلد وتحول الى الديكتاتورية، واذا تعاونوا فيما بينهم على اسس احقاق الحق البلد سيزدهر، لذلك القيم التي صدح الامام الحسين (عليه السلام) هي محل للصلاح والفلاح والبناء الروحي والانساني.
صناعة السلام بفهم المشروع الحسيني
- محمد علاء الصافي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
ان من اهم الاسباب التي تؤدي الى اختلال السلام واستفحال الحروب هي غياب العدالة في المجتمعات وحب الانا، الدليل على ذلك ما يحصل الان في الجارة تركيا وهي تقيم مئات السدود للاستفادة من الموارد المائية، بالنتيجة هذا السلوك سيضر بمئات الملايين من البشر، هذا نموذج مبسط عن فكرة تهديد السلم، لذلك لا بد ان نذعن للقول القائل (ان صناعة السلام هي صناعة فهم).
هذا مما يعطينا فكرة موجزة عن نظرية القوة من اجل السلام، والتي تشترط حضور الاسلحة النووية واسلحة الردع الجرثومية المدمرة، هذه هي ادوات للخنوع والاستسلام وليس اقامة السلم والسلام، وهي بالضد تماما من مبدأ الكرامة الانسانية.
الامام الحسين عليه السلام عندما تحرك صوب كربلاء مع قلة الناصر كان يريد ان يؤصل مبدأ الكرامة الانسانية، بالنتيجة ان استعمالات مبدأ القوة من اجل السلام، هو في حقيقة الامر نوع من انواع المراوغة والتضليل لقهر الانسان واستعباده.
حتى الاموال التي تنفق تحت شعار السلام وتطوير التعليم وانقاذ الناس ودعم المجتمعات، هي في حقيقة الامر تنفق لدعم الجماعات المسلحة وتأجيج النزاعات، نستخلص من ذلك ان النظام العالمي اليوم يحرض على العنف من خلال السياسات التي ينتهجها ودعم الأقوياء مقابل الضعفاء.
نعود الى عمق التاريخ لنستعرض قضية قابيل وهابيل وما تحمل من خصوصية ثنائية الاولاد والبنات، تلك الجزئية التي توفرت فيها الية الطمع والحسد والاستئثار حققت لدينا اول عملية قتل في التاريخ، بالنتيجة ان مبدأ العنف موجود عند الانسان ويمكن السيطرة عليه من خلال الضابط النفسي، لذلك لا بد من فهم المشروع الحسيني ابتداءً، وان نجرد القضية الحسينية من اسقاطاتها السياسية فقط.
السلام متأصل في الذات الانسانية
- الدكتور علاء الحسيني، باحث في مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:
يرى ان عملية بناء السلام عمل عليها الامام الحسين (عليه السلام) وهي تتمه لمشروع الانبياء والاوصياء والصالحين، وهذا ما حرص عليه الاسلام كدين من اجل ان يبني ذات الانسان لمواجهة الاشكاليات والمصاعب، وهو مدعم بدعامات دينية وذاتية، اذاً السلام يبدأ من الذات ثم ينطلق الى المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والعشيرة والقبيلة والمدرسة والمجتمع والدولة، هذه الطبقات التي يمر من خلالها السلام ينبغي ان تسير وفق اسس القيم والثوابت الدينية والسماوية والحسينية.
انطلق الامام الحسين (عليه السلام) من فكرة نبذ العدوان، وذلك على اعتبار ان العدوان شيء سيء ومنبوذ، علما ان السلام هو شيء اصيل ومتأصل في الذات الانسانية، والعدوان شيء طارئ، وهو خلاف الفطرة الانسانية السليمة.
لذلك كان الامام الحسين (عليه السلام) وفي اكثر من مورد يركز على حقيقة (وَيْحَكُمْ أتطلبوني بقتيلٍ منكمْ قتلتُه؟ أو مالٍ لكم استهلكتُه؟ أو بقصاصِ جراحةٍ؟ فأخذوا لا يكلّمونه).
وفي مقام اخر ذكر هؤلاء القوم بمعنى الحرية والتحرر، وكل هذه المعطيات لها مغزى واحد وهو الرشد النفسي والانساني والاجتماعي، وهذا هو محل الشاهد وبيت القصيد فالمجتمع والفرد لم يصلوا الى مستوى الرشد في التفكير والنقد وما ورثه من قيم.
هل استطاع هذا الانسان ان يخرج من هذه الثوابت بشخصية قادرة على التمييز ما بين الخطأ والصواب، الجميع يمارس دوره في جلد الذات، واتهام السلطة بأنها ظالمة وباطلة، على الرغم من ذلك القاعدة الشعبية بقضها وقضيضها هي غير معنية ببناء الذات وبناء الاسرة وبناء المجتمع وبناء المؤسسات التعليمية.
فضلا عن ذلك هل استطعنا ان ننأى بمؤسساتنا الاجتماعية الثقافية الى مستوى التفريق بين الحق والباطل والمزيف والصحيح، الامام الحسين (عليه السلام) انطلق من بناء منظومة السلام الذاتي، التي تبدأ من الفرد وتنهي بالمجتمع، القيم التي صدح بها الامام الحسين كثيرة وكثيرة جدا، لكننا سنكتفي بواحدة وهي قيمة الحق بالحياة.
الامام الحسين (عليه السلام) طلب من انصاره في ليلة العاشر من محرم يتركوه، وهذا معنى من معاني تمسك الانسان بالحياة، وذلك على اعتبارها قيمة من قيم السماء، الا ان انصار ابي عبد الله الحسين عليهم السلام فضلوا ان يقدموا الاولى فالأولى.
بمعنى ادق انهم نجحوا في الاختبار وانحازوا الى قيم النهضة الحسينية واسس تجذرها، الامر الثاني الذي لا بد من التركيز عليه هي الاشتغال على فكرة تكاتف المؤسسات الدينية والهيئات والمواكب لإبراز القيم الحسينية واحياء النفس البشرية والفقيرة من براثن العوز المالي الذي هو اس الخبائث.
ذكرى عاشوراء لإحياء سنن السلام
- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
ان الاصل هو السلام، والاستثناء هو الحرب والقتال والظلم، لكن مع الاسف الشديد اصبحنا امام عالم جديد يدعم تقويض السلام ونصرة اشعال الحروب، ولو نظرنا الى اهم حاجات الانسان الاساسية هي تقف عند حدود السلام، الأمن، الاطمئنان.
وهذا ما تحدثت به الرسالات السماوية والمواثيق الدولية والعالمية، التي تنص على حقيقة حفظ السلام، الحسين (عليه السلام) لو افترضنا وصل الى مبتغاه اثناء حضوره الى الكوفة، هل ستحصل واقعة كواقعة الحرة، وهل سيتم استباحة المدينة المنورة واغتصاب نساء المسلمين، هل سيتم قتل الناس من قبل والي اسمه الحجاج، هل تضيع حقوق الناس.
ولكن شاء الله الا يحدث هذا الامر بسبب ان الظلم قد استفحل، الامام الحسين (عليه السلام) وهو في الطريق الى كربلاء سقى الماء لقوم هم ورواحلهم، كره ان يبدأ اعداء الله بالقتال، خطب فيهم كثيرا ليهديهم ويمنعهم من القتال، بالنتيجة وضع بين ايديهم العديد والعديد من الحجج والذرائع من اجل تحقيق السلام ومنع الحرب.
اولئك الذين يطلبون السلطة بالجور لا يدركون مغزى السلام، هذه العدوانية التي يتسلح بها الظلمة هي بالضد من فكرة السلام، بالنتيجة نحن عندما نستذكر ذكرى عاشوراء نحيي سنن السلام واصحاب السلام، خصوصا تلك النخبة الخيرة التي جاءت مع الامام الحسين (عليه السلام) التي اتخذت من طريق الهداية والنصح كي لا يكون قتال.
لذلك كانت المنافع والمصالح الذاتية هي الهاجس الحقيقي الذي يحرك معسكر اعداء الحسين، وهم على النقيض تماما من سيرة الانبياء والاوصياء ذو النهج المسالم.
واقعة الطف في وجدان الانسان
- علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
ان واقعة الطف الحسيني تحتل مساحة كبيرة في وجدان الانسان الكربلائي، الذي عاش ذلك الوهج منذ نعومة اظفاره وتعلق بها، من خلال المشاركة في المواكب الحسينية والخدمة بها، اذ نحن تشربنا القضية الحسينية كغذاء روحي وجسدي واخلاقي عفوي.
وهنا الطامة الكبرى والاشكال العظيم الذي يفصل بيننا وبين من يمسك زمام السلطة اليوم، وهو مصاب بالكثير من الامراض والعقد النفسية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال صدام حسين قاد الناس لمشاكل وحروب لا ناقة لنا بها ولا جمل.
من اسباب الحروب انهزامية الحاكم
- الدكتور خالد الأسدي؛ باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
ان انهزامية الحاكم هي سبب من اسباب الحروب، والامثلة بهذا الخصوص تكاد لا تعد ولا تحصى، في زمن الامام علي (عليه السلام) هناك مجموعة رفضوا ان يعطوا البيعة للأمام علي(عليه السلام) فتعامل معهم بأريحيته المعتادة شريطة ان لا يحدثوا امرا يخل بالأمن، في مقابل ذلك يزيد عليه لعنة الله طلب من الامام الحسين(عليه السلام) البيعة او القتل.
السلام في أصغر نواة في المجتمع
- الدكتور منتصر العوادي، اكاديمي وباحث:
يستفسر عن سر العدوانية التي تنشأ مع الاطفال ومدى ارتباطها بالفطرة السليمة، اما بالنسبة لقيم النهضة الحسينية فهي قطعا ليست استثناء عن النهضة المحمدية، التي واجهت الكثير من المصاعب والازمات، يقول رب العزة والجلالة (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن ماتَ أو قتل انقلبتم على أعقابكم)، سبب من اسباب هذا الانقلاب هو الجهل بقيمة المخلص من جهة، او بدافع الغرائز او المصالح.
اما بالنسبة للسلام العالمي فهذه كذبة ولا يوجد سلام عالمي، ايضا اختلاف ينشأ في النفس الواحدة، وهذا اشارة واضحة لعدم وجود سلام داخلي، بمعنى اخر ان الانسان كائن متقلب المزاج ويثير المشاكل، في داخل البيت الواحد توجد امزجة مختلفة، بالنتيجة السلام العالمي لا يتحقق ما لم نحقق السلام في أصغر نواة في المجتمع.
الامام الحسين داعية سلام
- الدكتور لطيف القصاب، إعلامي وباحث:
يعلل الامر على البيئات الاخلاقية والقيمية التي ترفع شأن الانسان، وتزرع فيهم حالة السلام والوئام، بالنتيجة ان سلوك الانسان محكوم بالبعد البيولوجي والبعد الاخلاقي، وهذا المعطى يشكل انعطافه مهمة في تاريخ واقعة الطف، التي تقوم على البعد الاخلاقي الرافض للعدوان والجوار ومبايعة الظالمين.
الامام الحسين (عليه السلام) كان داعية سلام وبعيد عن الاستسلام، وهذا هو الفاصل الحقيقي الذي يفصل ما بين الحق والباطل وما بين السلم والحرب، لكن ما يؤسف له اننا لم نستطيع تسويق الفكرة الحسيني بالشكل السليم.
تعزيز الحوار بين الثقافات والاديان
- الباحث حسين علي حسين عبيد، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
ان القيم التي انطلق منها الامام الحسين (عليه السلام) تتركز على النحو الاتي..
اولا: الكرامة والحرية
ثانيا: العدالة ومناهضة الطغيان
ثالثا: الصدق والامانة والتضحية
اما ما يخص الاسهامات التي تقدمها المؤسسات الدولية والدينية والمراكز والحسينيات في تحويل القيم الحسينية الى مشروع سلام عالمي يمكن ايجازها بثلاثة محاور:
المحور الاول: التوعية والتثقيف العالمي
المحور الثاني: العمل الاعلامي والتوثيقي
المحور الثالث: تعزيز الحوار بين الثقافات والاديان
الرؤية الدينية المتصلبة
- الأستاذ حامد الجبوري؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
يركز على اربعة اسباب اساسية تؤدي الى اختلال السلم العالمي واستفحال الحروب والصراعات في العالم:
السبب الاول: الرؤية الدينية المتصلبة
السبب الثاني: طغيان الثقافة المادية على الثقافة الانسانية
السبب الثالث: الفائض الاقتصادي
السبب الرابع: البناء الاخلاقي الهش
ختاما القيم التي ذكرت في الورقة.. هل هي قيمة دينية ام اخلاقية؟، قبل النهضة المحمدية والحسينية الا توجد ناهضات اخلاقية، وان كانت موجودة فلماذا لا يتم ذكرها؟.
نواميس الثبات على الموقف ورفض الظلم
- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
يدعو جميع اتباع الطائفة الشيعية في العراق والعالم الى نشر السلام العالمي بمناسبة ذكرى واقعة الطف الحسيني، فقيم النهضة الحسينية قاعدة رصينة يمكن الاتكاء عليها لمناهضة الصراعات والنزاعات والاحتقان، بالنتيجة ان مقومات واقعة الطف الحسيني هي عبارة عن مجموعة من الفضائل الكريمة.
الامام الحسين (عليه السلام) اراد ان يزرع فينا نواميس الثبات على الموقف ورفض الظلم، لذلك على المؤسسات الثقافية ان ترسخ الفكر الواعي والمثر والبناء في نفوس الناس، وذلك على امل ان نفعّل شعار (هيهات منا الذلة) قولا وفعلا.
الطغيان في انفسنا
- الأستاذ عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
يعيد قراءة الشعار الذي رفعه الامام الحسين (عليه السلام).. (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي)، السؤال هنا ما الذي جرى في امة جده حتى طلب الاصلاح؟، الذي يرتقى الى مستوى ان يكون هو شهيدا وعائلته سبايا، واصحابه شهداء.
بالنتيجة الامة التي اقدمت على قتل سيد شباب اهل الجنة، ماذا تقول عنها، اذا القضية لا تتعلق بجوانب سياسية او سلطوية، بل هي ثورة اجتماعية متكاملة، والا كيف نفسر حالة الاستنفار العائلي لبيت الرسالة من النساء والاطفال والشباب والرجال، الكل كان مدعوا للمشاركة بهذا النزال، ليعبر من خلال ذلك عن حجم الانحراف الحاصل في تلك الامة.
التي نتقاسم واياها مشتركات عديدة كأن يكون الدين قشريا، بل ان افعال هذه الامة شاذة ومنحرفة عن القواعد الدينية والفقهية، وهي في مصاف الامم المتأخرة والمتخلفة، بالنتيجة نحن نعاني اليوم من الطغيان في داخل انفسنا ومجتمعنا وسياسينا، لذلك ان تحررت المجتمعات والشعوب من كل ذلك، وتعود للثقة بالله والصدق مع الله عندها ستكون من اعظم الامم.
صراع ابدي بين الاصلاح والانحراف
- الاستاذ صادق الطائي:
هناك صراع تاريخي او ابدي بين الاصلاح والانحراف، ولايمكن صنع مهادنة او تقارب او نقطة التقاء على مر التاريخ. خرج الامام الحسين من اجل الاصلاح كما صرح بذلك (انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي) على عكس الدولة الاموية الحاكمة الذي كان يقول ابو سفيان الزموها كما تريدون، يعني الانحراف وتغير المسار هو الحفاظ على السلطة الحاكمة ومن اجل بقاء السلطة القائمة بيد الفاسدين يقومون الى اختلال في الوضع السلمي واستفحال الحروب والصراعات، عندها يكون العالم مليء بتلك الافة من الحروب والتجاوزات.
لعل موقفه ازاء جيش الحر الرياحي وسقي الماء لجيشه وكذلك سقي الاحصنة الماء الزلال وهو يعرف ان جيش الحر الرياحي منعه من التحرك، وبعبارة أخرى كان هو السبب وراء احداث عاشوراء في كربلاء، كان يدعو الى عدم المجابهة اولاً ولا نشر العنف ولا يريد الطغيان بل الاصلاح والذهاب ورائه، مثلا عندما طوقه العدو بجيشه المسلح خرج يذكرهم بنفسه وبجده وبيوم القيامة قبل ان يقاوم ويأمر بالحرب، يعني جعل مسألة الحرب اخر مرحلة ويعني انه لا يريد نشر الحروب والعنف والطغيان، بل السلم والإصلاح، كذلك يمكن للمؤسسات الدينية تحويل القيم الحسينية الى مشروع عالمي للسلام في الحياة يكون ذلك من خلال:
1- الحسينيات تقيم وتشرف على إقامة ندوات تخصصية مركزة حول مفردات مشروع سلام عالمي، وكتابته كدراسة والخروج بنقاط.
2- تكوين مجلات واصدار كتب دراسية حول النهضة الحسينية والسلام العالمي تغني الموضوع المشار اليه، اعتقد عندما تكون هناك كتب ودراسات وندوات وكلمات هادفة تغرق الساحة تدعو بقوة رفع شعار النهضة الحسينية والسلام العالمي.
وهم السيطرة
الاستاذ حسن كاظم السباعي، باحث وكاتب:
إن القوة والمكنة، إن لم تتحل بحدود الورع وصفات الفطرة والإنسانية، تؤدي إلى الوقوع في أوهام خطيرة؛ حيث يرى القوي أن من صلاحياته السيطرة والسيادة على الآخرين، من دون حاجة أو اضطرار أو حتى خوف محتمل يدعوه إلى ذلك. فهو لم يكن مضطرًا لتجاوز حدوده، ولكن الأوهام منحته هذا الحق وتلك الصلاحية.
والوهم لا يبقى حبيس التصور والمخيلة، بل يتجسّد في الفعل والسلوك. وحين يُفعَّل عبر أدوات القوة، يتحوّل إلى طغيان، وهذا بدوره يؤدي في نهاية المطاف إلى اختلال السلام واستفحال الحروب والصراعات في العالم.
وعلى الجانب الآخر؛ قد يتوهم الضعيف بالقوة، فيتظاهر بما لا يملك، ويظهر بصورة بعيدة عن الواقع، مما يؤدي به إلى انكشاف حقيقته، وسقوطه في الضعف والهوان والذل والاضمحلال.
ومن هنا، نقرأ في كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)، رسما واضحا لمعالم هذا الفهم، حيث قال: "إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا.."، وقد أطلقها في منزل التنعيم في اليوم السابع من ذي الحجة الحرام سنة ٦٠ هـ، أي قبل يوم واحد من خروجه إلى العراق، حيث إن مفردة "بطر" وردت في قواميس اللغة بمعان عدّة، منها: شدة المرح والطرب، وما يرافقهما من غفلة وتوهّم بالقوة والقدرة، إلى درجة تدفع الإنسان إلى ممارسة الطغيان دون حاجة أو اضطرار.
من هنا نفهم من كلمة الإمام الحسين (عليه السلام): "إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا…" إنما أراد أن يثبت أنه خرج مضطرا لهدف ضروري ومُلح، لا مختالا ولا طاغيا، فقد نفى عن نفسه الوهم بالقوة الذي يؤدي إلى استخدام العنف للسيطرة، مؤكدا أن كل ما قام به كان في سياق دفع طغيان الطرف المقابل. فلو عرف كل طرف حجمه وحدوده، لما تجاوزها، وحتى عند ردّ الظلم يجب أن يكون الرد عقلانيا ومنضبطا، دون السقوط في ذات الوهم الذي وقع فيه الطرف المعتدي.
ومن هنا؛ فإن التمسك بهذا الأصل يفضي إلى حفظ صبغة السلام والأمن واللاعنف. وحتى لو لم يلتزم الطرف المقابل بهذه المبادئ، أو كان يعيش في عالم يخلو من الإنصاف والعدالة، فإن الطرف المتمسك بالقيم يكون قد أدّى ما عليه، ويخلّد في صفحات التاريخ كنموذج يُحتذى به للأجيال القادمة.
وفيما يرتبط بدور المؤسسات الدولية والدينية، والمراكز والحسينيات في تحويل القيم الحسينية إلى مشروع سلام عالمي؛ فإن التأمل في معاني المسيرة الحسينية، وقراءة سطورها وما بين سطورها، يكشف عن نظريات ومفاهيم مغفول عنها.
فالكلمة التي قالها الإمام الحسين عليه السلام: "إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح…"؛ تصلح أن تكون أساسا لنظرية إنسانية تقول: إن لا قيمة للسلطة أو القوة إن تجردت من العقلانية والمنطق والقيم الإنسانية.
وعليه؛ فالأفضل للفرد أو الجهة أن تبقى بلا سلطة أو مكنة إن كانت هذه الأدوات ستُستعمل دون هذه القيم، على أن تنجرّ إلى وهم السيطرة الذي يؤدي إلى الظلم والفساد والحرب والإستبداد.