علو الاختصاص التشريعي للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم

في دستور جمهورية العراق لعام 2005

مؤتمر الإصلاح التشريعي

2018-10-17 04:50

اعداد: الاستاذ المساعد الدكتور عماد كاظم دحام الشبلي

(بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018)

1. موضوع البحث

تباينت النظم الدستورية للدول ذات النظام الاتحادي في اختيار الالية التي يتم بموجبها توزيع الاختصاصات بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم، ويبدو ان النظم الدستورية المشار اليها قد تأثرت بعوامل عدة تركت أثرا واضحا في اختلاف الاسلوب المتبع في توزيع الاختصاصات، منها الفلسفة التي يقوم عليها النظام السياسي واسلوب نشأة الدولة الفدرالية، من ذلك نجد ان دستور الولايات المتحدة الامريكية لعام 1787 قد عمل على توسعة الاختصاص التشريعي للأقاليم، بينما تضيق سطوة الاختصاص التشريعي للأقاليم في نظم دستورية اخرى، كما في دستور البرازيل لعام 1988، اما في العراق فبعد ان حدد الدستور في المادة 110 الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية، فقد ترك ما سواها للأقاليم عبر النص على الاختصاصات المشتركة بموجب المادة 114، ويلاحظ ان المادة 115 من الدستور قد منحت قانون الاقليم الاعلوية او المحافظات غير المنتظمة بإقليم في حال التعارض بين القانون الاتحادي والقانون المحلي (قانون الاقليم)، وبذلك يبدو الاسلوب غير المألوف الذي انتهجه المشرع الدستوري في ظل النظام الفدرالي الذي اعتمده دستور جمهورية العراق لعام 2005.

وعلى هدي ماتقدم يلاحظ عدم الوضوح في تحديد المعيار الذي يبنى على اساسه توزيع السلطات التشريعية لكلا السلطتين في النظام الفيدرالي، وتأسيسا على ذلك قد تشترك الاقاليم الفيدرالية مع السلطة الاتحادية في العديد من الاختصاصات ومنها الاختصاصات التشريعية، على الرغم من حصر الاختصاصات التي تباشرها السلطة الاتحادية، يظهر للعيان موضوع التداخل في ممارسة هذه السلطة مع تلك في اطار دولة الفيدرالية الامر الذي يبدو بجلاء في دستور جمهورية العراق لعام 2005.

2. اهمية البحث

تتمحور الاهمية من بحثنا لموضوع (علو الاختصاص التشريعي للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم في دستور جمهورية العراق لعام 2005) حول محاولة تحديد الهدف الذي سعى اليه المشرع الدستوري من إطلاق يد الاقاليم المكونة للاتحاد الفدرالي عبر توسعة السلطات الممنوحة لها وفي حال التعارض بين التشريعات الاتحادية والتشريعات المحلية خارج نطاق الاختصاصات الحصرية، وبالتالي الوقوف عند محاولة ايجاد الحلول القانونية للإشكاليات التي تفرزها التطبيقات العملية.

3. مشكلة البحث

تنصب المشكلة من البحث في عدم وضوح النص الدستوري في المضمون وفي الية التطبيق في ظل تحديد السلطات الحصرية للحكومة الاتحادية في المادة 110 من دستور جمهورية العراق لعام 2005، سيما وان دستور العراق النافذ لعام 2005 قد خالف اغلب التشريعات الدستورية للدول ذات النظام الاتحادي بمنحه الاعلوية للتشريعات الصادرة من الاقاليم في حال التعارض بينها وبين القانون الاتحادي، ولنا في ذلك عدة تساؤلات

1. ما مدى الالتزام بمضمون الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية المشار اليها في المادة 110 من الدستور..؟ بمعنى هل اقتصر المشرع الدستوري بالسلطات الحصرية للسلطة الاتحادية ام أشرك الوحدات المكونة للاتحاد بممارسة جزء من الاختصاصات الواردة في المادة 110؟

2. ما مدى دستورية توسعة الاختصاصات المشتركة الممنوحة للوحدات المكونة للاتحادي الفدرالي؟ وهل ان المقصود بها علو سلطة الاقاليم او المحافظات غير المنتظمة بإقليم على حساب السلطة الاتحادية؟

3. بصدور ونفاذ دستور 2005، هل المشرع الدستوري ساوى بين الاقاليم الفدرالية والمحافظات غير المنتظمة بإقليم بالنص علها في المواد 116، 115، 114، 113، 112، والتي منحتها سلطة التشريع؟ وهل أن صدور قانون رقم 21 لسنة 2008 والقرارات القضائية تم لتلافي خطأ المشرع الدستوري؟

4. هل أن عدم تحديد موضوع النفط والغاز الذي يرد صمن الاختصاصات الحصرية ولا الاختصاصات المشتركة فما هي الفلسفة المقصودة بذلك؟ على الرغم من انها محلا خصبا للاختصاص التشريعي المحلي.

4. منهجية البحث

سوف نتبع في بحثنا الموسوم (علو الاختصاص التشريعي للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم في دستور جمهورية العراق لعام 2005) المنهج التحليلي مسترشدا بالتحليل القانوني والنقدي في ظل النص الدستوري والدراسات الدستورية المعنية بموضوع البحث.

5. خطة البحث

سوف تكون دراستنا لموضوع البحث المتقدم في ضمن مبحثين:

- المبحث الاول يكرس لبيان الاختصاصات التشريعية الحصرية للسلطات المكونة للنظام الاتحادي ويقسم الى مطلبين:

الاول ينصب على التحديد الدستوري لاختصاص السلطة الاتحادية في مجال التشريع، اما الثاني فيكرس للبحث في التحديد الدستوري لسلطة الاقاليم في التشريع.

اما المبحث الثاني فسوف نبين فيه الاختصاصات التشريعية المشتركة، ونخصصه للبحث في التحديد الدستوري لحقيقة الاختصاصات المشتركة (المطلب الاول).

ونكرس الثاني الى دراسة توسعة الاختصاصات التشريعية المشتركة على حساب الاختصاصات الحصرية (المطلب الثاني).

المبحث الاول
الاختصاصات التشريعية الحصرية للسلطات المكونة للنظام الاتحادي

لم تأت النظم ذات الاتحاد الفيدرالي على وتيرة واحدة في الية توزيع الاختصاصات التشريعية تأسيسا على اختلاف اساليب التوزيع التي تتبناها دساتير الدول الفيدرالية، فمنها ما يحدد على سبيل الحصر اختصاصات السلطة الاتحادية ويترك ما سواها لسلطات الاقاليم، وعلى العكس من ذلك تضمن البعض من النظم الفيدرالية الية حصر الاختصاصات الممنوحة لسلطات الاقاليم - ومنها الاختصاص التشريعي - وترك ما سواها للسلطة الاتحادية، وبالرجوع الى دستور جمهورية العراق لعام 2005 والنافذ في حزيران 2006 يلاحظ ان المادة (1) منه نصت على أن ((جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة....) بينما بينت المادة (110)[1] الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.

ولابد من الاشارة الى أن حداثة التجربة الفيدرالية في العراق ابان سقوط النظام السابق قد تركت اثارا شتى لم تتضح ملامحها الا بعد نفاذ الدستور، وتمخض عن ذلك العديد من الاشكالات القانونية بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم، سيما اقليم كردستان العراق.

وللوقوف على مضمون الاختصاصات التشريعية الحصرية للسلطات المكونة للنظام الاتحادي ارتأينا أن نقسم هذا المبحث الى مطلبين:

الاول ينصب على التحديد الدستوري لاختصاص السلطة الاتحادية في مجال التشريع، اما الثاني فيكرس للبحث في التحديد الدستوري لسلطة الاقاليم في التشريع.

المطلب الاول: التحديد الدستوري الحصري لاختصاص السلطة الاتحادية في مجال التشريع.

اشرنا أنفا الى الالية التي اعتمدها المشرع الدستوري في العراق في ظل دستور 2005 في حصر اختصاصات السلطة الاتحادية في المادة 110 من الدستور، ويترتب على ذلك غلق الباب امام السلطة الاتحادية في ممارسة اختصاصات لم ترد في المادة المشار اليها في اعلاه، ويثار التساؤل حول مدى التزام المشرع الدستوري بنص المادة اعلاه..؟ ام جرى الخروج على مقتضى السلطات الحرية؟ وبالمقابل فان الاختصاصات الاخرى تقع ضمن الصلاحيات التي تتمتع بها الاقاليم او المحافظات غير المنتظمة بإقليم، مع تفاوت في توسعة سلطات الاخير التشريعية في حال التعارض او التناقض كما سترى لاحقا ضمن بحثنا هذا.

ونتيجة لذلك قد تتسع سلطة الاقاليم على حساب التضييق من سلطة الاتحاد (2)، اذا نظرنا الى موضوع المسائل الاخرى غير المنصوص عليها على سبيل الحصر، والتي قد تظهر الى ارض الواقع مستقبلا، اذ أن المشرع الدستوري مهما بذل من جهد وحرص على الاحاطة بتنظيم جميع المسائل ذات العلاقة، فأنه يظل قاصرا في توقع ما يستجد في المستقبل وبالتالي يقع ضمن الاختصاصات غير الحصرية الممنوحة للأقاليم او المحافظات غير المنتظمة بإقليم[3]، وبلا شك فان توسعة الاختصاصات غير الحصرية يصب في كفة اضعاف السلطة المركزية (السلطة الاتحادية)، اذ ان الاخيرة- من الناحية القانونية- تظل حبيسة نص المادة 110 من الدستور.

ويعد ذلك دعم للاستقلال الذاتي الذي تنهض به الاقاليم المنضوية تحت مظلة الاتحاد الفدرالي، كما يتصف هذا الاسلوب في تخفيف وتقليل النفقات عن كاهل الحكومات الاتحادية التي تتبع هكذا اسلوب لتتفرغ للوقوف امام الشؤون السياسية ذات الطابع الوطني(4)

المطلب الثاني: التحديد الدستوري لسلطة الاقاليم في التشريع

للوقوف على تحديد الاختصاص غير الحصري للأقاليم في التشريع لابد من التذكير بأن المشرع الدستوري في العراق لم يقنن -على سبيل الحصر- اختصاصات الاقاليم او المحافظات غير المنتظمة بإقليم، انما اشار الى حصر الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية فحسب، وبالتالي فان تحديد سلطات الاقاليم يقع عبر الاشارة الى العديد من السلطات الممنوحة للاقاليم والتي وردت في مواد عدة (5).

ويلاحظ أن مجال الاختصاصات التي تضطلع بها الاقاليم غير خاضع لرقابة السلطة الاتحادية طالما انها لا تمثل خرقا دستوريا او تجاوزا على حدود السلطة الاتحادية، وليس هذا فحسب، بل يتوجب على السلطة الاتحادية الوقوف عند حدود الاختصاصات الحصرية الممنوحة لها بموجب الوثيقة الدستورية (6)، ولابد لنا من التساؤل حول مدى استثار الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم بالعديد من السلطات على حساب سلطة الاتحاد؟ وباستقراء نص المادة (115) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 التي تنص على أن (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم،...) يتضح لنا أن هناك العديد من الاختصاصات التي تتمتع بها الاقاليم والمحافظات غبر المنتظمة بإقليم، وليس هذا فحسب، بل لابد من الاشارة الى عدم التوافق بين ما هو حصري بموجب المادة 110 وبين ما هو غير حصري استنادا لنص المادة 115 من الدستور، وما يدلل على ذلك هو أن:

1. المادة 105 التي تشير الى تؤسس هيئة عامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة، والبعثات والزمالات الدراسية، والوفود والمؤتمرات الإقليمية والدولية، وتتكون من ممثلي الحكومة الاتحادية، والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وتنظم بقانون) والمادة 121/رابعا التي تنص على تأسس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية، والتي تناقض صراحة الوحدة المشار اليها ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية في المادة 110 سالفة الذكر.

2. المادة 121/خامسا والتي تنص على أن (تختص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم وبوجه خاص إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم كالشرطة والأمن وحرس الإقليم) وفي ذلك مخالفة صريحة للفقرة الثانية من المادة 110 من الدستور.

وعلى هدي ما تقدم ذكره من النصوص الدستور، يبدو لنا يقينا ان المادة 110 لم تحدد الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية، بل جرى الخروج عن مقتضى النص الدستوري المتضمن تحديد الاختصاصات الحصرية، وفي ذلك لم يوفق المشرع الدستوري في الاشارة الى حصر الاختصاص الحصري وترك ما سواه للسلطات دون السلطة الاتحادية.

وصفوة القول، ان المشرع الدستوري وان عمل على حصر السلطات الحصرية لسلطة الاتحاد في المادة 110 من الدستور النافذ حاليا، الا انه وعبر نصوص الدستور الاخرى قد اغفل الالتزام بالاختصاص الحصري لسلطة المركز، وبدا ذلك جليا بالتنظيم المتكرر لذات المواضيع المشار اليها في صدر المادة 110، فيلاحظ مثلا المادة 121/رابعا التي تنص على تأسس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية، بينما اشارت المادة 110 الفقرة أولاً: - رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وإبرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.

وعليه كان الاولى بالمشرع الدستوري السير ضمن الية حصر بعض الاختصاصات لسلطة الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم، وترك ما سواها لسلطة الاتحاد.

المبحث الثاني
الاختصاصات التشريعية المشتركة

انتهينا في المبحث الاول الى تحديد السلطات الحصرية للسلطة الاتحادية وترك ما سواها لسلطات الاقاليم او المحافظات غير المنتظمة بإقليم على الرغم من عدم التزام المشرع الدستور بمقتضى النص الدستور المتضمن الاشارة للسلطات الحصرية، واشرنا الى ضرورة تعديل المسلك الذي انتهجه المشرع الدستوري ليتسنى العمل بتقوية سلطة المركز على حساب سلطات الوحدات الاخرى المكونة للنظام الاتحادي الذي اعتمده دستور جمهورية العراق لعام 2005، وليس هذا فحسب، بل بيننا مدى استئثار الوحدات المكونة للنظام الاتحادي بالسلطات الممنوحة لها عبر الاشارة الى الغموض والتكرار في عدة نصوص دستورية ترتب عليها مشاركة الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم لسلطة الاتحاد في بعض من الاختصاصات الحصرية.

وللوقوف على بيان حقيقة الاختصاصات التشريعية المشتركة بين السلطة الاتحادية وسلطة الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم لابد من التساؤل حول فاعلية اشتراك الوحدات المكونة للنظام الاتحادي مع السلطة الاتحادية بالنظر الى حجم السلطات التشريعية المشتركة واهميتها..؟

وعلى ذلك سوف نبين في هذا المبحث التحديد الدستوري لحقيقة الاختصاصات المشتركة (المطلب الاول) ونبحث في توسعة الاختصاصات التشريعية المشتركة على حساب الاختصاصات الحصرية (المطلب الثاني).

المطلب الاول: التحديد الموضوعي للاختصاصات التشريعية المشتركة

لما كانت الاختصاصات التشريعية المشتركة تعد مجالا لاشتراك الوحدات دون السلطة الاتحادية مع الاخير، لذا يجب ان تتحدد ضمن النص الدستوري القاضي بتحديد الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية، للحيلولة دون تجاوز الفلسفة التي قصدها المشرع الدستوري والمتضمنة الوقوف عند سيطرة السلطة الاتحادية على المكنة من ادارة الدولة ضمن اسس النظام الاتحادي في ظل التحول في شكل الدولة من الدولة البسيطة (المركزية) الى الدولة الاتحادية (الفدرالية).

وعبر استقراء نصوص دستور جمهورية العراق لعام 2005 يبين لنا مدى الاشتراك الفعلي للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم مع السلطة الاتحادية في مجالات شتى ومنها الاختصاص التشريعي، وبذلك فقد عمل المشرع الدستوري على منح الوحدات المكونة للنظام الاتحادي صفة الشريك الحقيقي للسلطات الاتحادية.

وللوقوف على حقيقة ذلك فقد اشارت المادة 114 من الدستور الى أن:(تكون الاختصاصات الآتية مشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم:

أولاً: - إدارة الكمارك بالتنسيق مع حكومات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم ذلك بقانون.

ثانياً: - تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسة وتوزيعها.

ثالثاً: - رسم السياسة البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث، والمحافظة على نظافتها، بالتعاون مع الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.

رابعاً: - رسم سياسات التنمية والتخطيط العام.

خامساً: - رسم السياسة الصحية العامة، بالتعاون مع الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.

سادساً: - رسم السياسة التعليمية والتربوية العامة بالتشاور مع الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.

سابعاً: - رسم سياسة الموارد المائية الداخلية، وتنظيمها بما يضمن توزيعاً عادلاً لها، وينظم ذلك بقانون.

وباستقراء نص المادة 114 من الدستور التي تشير الى جملة من الامور يتضح لنا، ان المواضيع محل الاشتراك تمحور حول (الكمارك، الطاقة الكهربائية، البيئة، التنمية، التخطيط، الصحة، التعليم والتربية، الموارد المائية الداخلية) اذ يتحقق الاشتراك عبر التنسيق والتشاور والتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم بمعنى، أن السلطة الاتحادية هي صاحبة القرار في الادارة والتنظيم والتخطيط ووسيلتها في ذلك تتجسد في التشاور والتعاون والتنسيق، ولابد من التفرقة بين الاقاليم من جانب، والمحافظات غير المنتظمة بإقليم[7] من جانب اخر، اذا نظرنا الى نصوص الدستور المانحة للصلاحيات الادارية والمالية الواسعة التي تمكنها من ادارة شؤونها وفقا لمبدأ اللامركزية الادارية، وقطعا لابد من الاشارة الى أن مبدأ اللامركزية الإدارية يقوم على توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطات المركزية في العاصمة والهيئات اللامركزية سواء كانت إقليمية او مصلحية، وبذلك يبدو الاختلاف بين اللامركزية الادارية واللامركزية السياسية، بحيث تتركز الاخيرة في توزيع الوظائف السياسية التقليدية (التشريع، التنفيذ، القضاء) بين المركز والاقاليم[8].

مما تقدم يتضح لنا التمييز بين الوظيفة السياسية التي تضطلع بها الاقاليم عبر مبدأ اللامركزية السياسية وبين الوظيفة الادارية التي تباشرها المحافظات غير المنتظمة بإقليم، وبالتالي يجب الوقوف عند حقيقة قانونية تتمحور حول الخلط او الجهل بالقانون حينما نمعن النظر بالفقرات (اولا، ثالثا، خامسا، سادسا) من المادة 114 التي اشارت بالتنظيم للاختصاصات المشتركة في صدر المادة قاصدة بذلك الاقاليم الفدرالية، والمادة 122 من الدستور التي اشارت بالتنظيم الى المحافظات غير المنتظمة بإقليم، ومن ذلك يتبين لنا من الملاحظات السابقة لصدور قانون المحافظات رقم 21لسنة 2008 والقرارات المحكمة الاتحادية الواردة في ادناه:

1. لابد من قصر الاختصاصات المشتركة في المادة 114 بين السلطة الاتحادية وسلطات الاقاليم.

2. ان القول بخلاف ما تم ذكره في النقطة السابقة يخالف ما اشار اليه الدستور في المادة الاولى سالفة الذكر والتي تبين شكل الدولة الاتحادي.

3. ان المادة 122 من الدستور قد بينت في فقراتها الخمس التنظيم الدستوري للمحافظات غير المنتظمة بإقليم.

4. ان نص المادة 114 يخلط بين مبدأي اللامركزية السياسية واللامركزية الادارية [9]، بين الاقاليم الفدرالية والمحافظات غير المنتظمة بإقليم التي تقتصر سلطتها على اصدار القرارات التنظيمية دون ممارسة سلطة التشريع، والا فلا ضرورة للإشارة الاخيرة في المادة 114 وقصر تنظيمها في المادة 122.

5. نصت المادة 111 على أن (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات) بينما بينت المادة 112 الية الادارة ورسم الاستراتيجية من قبل الحكومة المركزية للنفط والغاز بالاشتراك مع الاقاليم والمحافظات المنتجة معا [10]، ويقينا أن ما تقدم هو اضعاف لسلطة الاتحاد على حساب تقوية لسلطة الاقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز اذا نظرنا الى المشاكل التي ظهرت الى ارض الواقع عبر استئثار اقليم كوردستان بإدارة هذا الملف، وكان الاولى بالمشرع الدستوري الوقوف عند حدود نص المادة 111 من الدستور واحتكار تنظيم الاستفادة من الثروة القومية ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية، الامر الذي تمخض منه –على سبيل المثال- استفادة اقليم كوردستان العراق مرتين من هذه الثروة الوطنية، الاولى عبر نسبة الـ(17%) من الموازنة الاتحادية، والثانية استئثار الاقليم بواردات النفط دونما ادنى اشراف من الحكومة الاتحادية.

وبصدور قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008 فقد تدارك المشرع العادي ما وقع فيه المشرع الدستوري من اغفال تشريعي باعتبار أن المشرع الدستوري قد ساوى بين الاقاليم الفدرالية والمحافظات غير المنتظمة بإقليم على التحليل الذي اوردناه ضمن الكلام عن النصوص الدستورية ذات العلاقة سالفة الذكر، وقد كرس قانون المحافظات مكنة المحافظات غير المنتظمة بإقليم في التشريع [11] بعده مجلس المحافظة اعلى سلطة تشريعية في المحافظة بالحدود التي لا تتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية.

ولم تكن المحكمة الاتحادية العليا ببعيدة عن النظر في الاشكالية الدستورية التي وقع فيها المشرع الدستوري استنادا للمادة 93 من الدستور، اذ انها في بادئ الامر قضت بأن لمجلس المحافظة صلاحية سن التشريعات المحلية لتنظيم الشؤون المالية والادارية [12]وفقا لمبدأ اللامركزية الادارية خارج نطاق الاختصاصات الحصرية والمشتركة المشار اليها بالدستور، ثم توسعت بتفسيرها هذ الى الحد الذي قضت فيه[13] بأن (الاولوية في التطبيق تكون لقانون الاقليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم في حال التعارض بينهما مالم يكن مخالفا للدستور وذلك فيما يتعلق بالصلاحيات المشتركة)

ونرى عبر ذلك ان السلطات او الهيئات التي تشترك في التشريع ضمن النظام الاتحادي الذي اعتمده دستور جمهورية العراق لعام 2005، وبالتحديد في المادة 114 سالفة الذكر، هي السلطة الاتحادية المركزية وسلطات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم في الحدود التي اراد المشرع الدستوري اشراكها فيه من خلال الاشارة اليها في الفقرات الاربع من المادة 114، وبذلك يبدو أن ممارسة الاختصاص التشريعي ليس حكرا على السلطة الاتحادية، انما تتعدد السلطات وعلى اختلاف مستوياتها في ممارسة هذا الاختصاص، وفي ذلك اضعاف للسلطة الاتحادية في ممارسة الاختصاص التشريعي عبر الاشتراك مع هيئات اخرى، وليس التفويض المشار اليه في المادة 123 من الدستور من جانب، ومن جانب اخر هناك تعزيز او تقوية السلطات دون الاتحادية عبر ممارسة الاختصاص التشريعي ومنحها الاعلوية في حال التعارض او التناقض الوارد في المادة 115 كما سترى.

المطلب الثاني: توسعة الاختصاصات التشريعية المشتركة على حساب الاختصاصات الحصرية

للوقوف على بيان مضمون الاختصاصات التشريعية المشتركة يبدو في تعدد الاختصاصات التي تباشرها السلطات دون السلطة الاتحادية على حساب النص في المادة 110 من الدستور سالفة الذكر، ويبدو لأول وهلة انها سلطات مؤثرة وتحتل اهمية بالغة في ظل النظام الاتحادي المعمول به في ظل نصوص الوثيقة الدستورية، ولذلك فان تعدد المسائل التي تدخل ضمن الاختصاصات التشريعية المشتركة قد تدفع نحو سطوة الاقاليم الفدرالية على حساب سلطة المركز في الاتحاد الفدرالي، طالما علمنا أن من هذه المسائل ما يتميز بأهمية بالغة قد تصل الى تعديل الدستور في بعض النظم الفدرالية، قاصدا بذلك المشرع الدستوري منح الاقاليم صفة الشريك الحقيقي في اصدار القرارات التي تقع ضمن الاختصاص التشريعي[14] وبما يتضمنه هذا الاختصاص من اشكال وصور متنوعة ينصب البعض منها على طائفة من الاختصاصات في مجال الصحة او التعليم او القضاء وما الى ذلك.

ومن ابرز جوانب الاختصاص التشريعي المشترك، هو اشتراك الوحدات المكونة للاتحاد في الاختصاص التشريعي التأسيسي (وضع او تعديل وثيقة الدستور) وهو ما اشار اليه الدستور السويسري لعام 1874 والمعدل بدستور عام 1999 والدستور الالماني لعام [15]1949، بينما خلا دستور جمهورية العراق لعام 2005 من الاشارة الى اشراك الاقاليم الفدرالية في المساهمة بتعديل وثيقة الدستور [16]، وليس هذا فحسب، بل أن هناك مسائل اخرى تقع ضمن الاختصاصات التشريعية المشتركة.

وتتسع سلطة الاقاليم في الاختصاصات التشريعية المشتركة و الممنوحة لها عبر النصوص الدستورية لتشمل العديد من جوانب التنظيم، ولتجنب الاطالة في سرد وتكرار هذه المسائل، سوف نوجز دراستنا حول ماتعلق منها بالاشتراك التشريعي للأقاليم ضمن النصوص التي تنصب على ادارة واستثمار الثروات الطبيعية، حيث يبدو التعارض في بيان الية متوافقة شكلا ومضمونا في الاشارة والتنظيم اذا نظرنا الى الاهمية البالغة التي تحظى بها هذه المسألة كما سنرى، ونبين ايضا حقيقة اعلوية قانون الاقليم على القانون الاتحادي في حال التعارض والتناقض بالاستناد للمادة 115 من دستور جمهورية العراق لعام 2005.

1. الاختصاص التشريعي بادارة الثروة الوطنية

اشرنا فيما تقدم الى عدة ملاحظات وبيننا فيها مضمون المواد (112، 111، 110) من دستور جمهورية العراق، والتي تضمنت الاشارة الى الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية، وبيان ملكية الثروات الطبيعية (النفط والغاز) للشعب العراقي وكان الاولى بالمشرع الدستوري ان يضمن الاختصاصات الحصرية الاشارة الى احتكار تنظيم وادارة الثروات الوطنية بدلا من الاشارة اليها في المادة 111، مما فسح المجال لاحتمالية غير اكيدة، وليس هذا فحسب، بل اشار الدستور الى في المادة 112 الى اشتراك الاقاليم والمحافظات المنتجة للنفط مع السلطة الاتحادية، وفي ذلك توسعة غير مبررة كما قدمنا، الى سلطات الاقاليم الفدرالية والمحافظات غير المنتظمة باقليم، بل اكثر من ذلك فقد حلق المشرع الدستوري –عبر النصوص المتقدمة- مسألة عدم التوازن على حساب الاقاليم والمحافظات غير المنتجة للنفط والغاز.

وتأكيدا لما تقدم فقد عمد المشرع العادي عبر تعديل قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم على تقوية سلطة المحافظات غبر المنتظمة باقليم بمنحها الاعلوية في مجال التشريع على حساب اضعاف سلطة المركز بتطبيق القانون المحلي للمحافظات دون القانون الاتحادي عند التعارض كما سنرى لاحقا، اذ بينت المادة 2/سادسا المعدلة[17] بأن تدار الاختصاصات المشتركة المنصوص عليها في المواد 114، 113، 112، بالتنسيق والتعاون بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية وتكون الاولوية فيها لقانون المحافظات غير المنتظمة باقليم في حال الخلاف بينها بموجب المادة 115 من الدستور.

ومفاد ماتقدم ان المادة 111 من الدستور تمنح الاقاليم والمحافظات غير المنتجة للنفط والغاز الحق في الاستئثار بملكية الثروات الطبيعية دونما اشراكها في الادارة والتنظيم عبر الاختصاص التشريعي بالنظر الى نص المادة 112، لذا نرى أن نية المشرع الدستوري اتجهت لبيان ملكية النفط والغاز لجميع العراقيين، وليس ادارتها ومايدلل على ذلك توافق النص مع المادة 14 من دستور جمهورية العراق لعام 2005[18] من جانب، ومن جانب اخر يبدو لنا الاتساع في الاختصاصات التشريعية التي ترتبط بادارة النفط والغاز عبر مضمون المادة 112 و وسيلته في ذلك هي الاشتراك من خلال التشريع في النطاق المحدد للأقاليم او المحافظات عير المنتظمة بإقليم. ولابد من الاشارة الى الاهمال التشريعي في عدم او تأخر سن التشريع الاتحادي[19] المنظم لألية الاشتراك بين السلطة الاتحادية وسلطات الاقاليم او المحافظات غير المنتظمة بإقليم، ما يثير التساؤل عن كيفية تسيير هذا الشأن[20] سيما وان دستور العراق لعام 2005 دخل حيز النفاذ منذ حزيران 2006، ويلاحظ ايضا أن الفقرة (ثانيا) من المادة 112 سالفة الذكر لم تبين بما يقطع الشك الالية التي يجب اعمالها بصدد الاستراتيجيات التي تنصب على تطوير الثروات الطبيعية لتحقيق اقصى ما يمكن الحصول عليه من منفعة من هذه الثروات، وبالتالي تتجسد سطوة الاقاليم المنتجة للنفط والغاز طالما لم تنظم هذه المسألة بقانون اتحادي يشرع من قبل مجلس النواب، ونتيجة لذلك فقد تمخض عن الاهمال التشريعي مشاكل قانونية تصدى لها القضاء استنادا لنص المادة 93 من الدستور، فقد قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق بإلغاء قرار مجلس محافظة واسط المرقم (666) في 11/9/ 2011 المتضمن عدم تصدير النفط خارج حدود المحافظة لمخالفة ذلك القرار لأحكام الدستور[21].

ونستنتج مما تقدم ان موضوع المواد (112، 111) لم يرد لا بالاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية بموجب المادة (110) ولا بالمادة (114) التي اشارت للاختصاصات المشتركة، وبالتالي يجب أن توكل اما لسلطة الحكومة الاتحادية بإضافتها للسلطات الحصرية في المادة 110، او أن تمنح بكامل تنظيمها لسلطات الاقاليم.

2. مدى اعلوية قانون الاقليم على القانون الاتحادي وأثره في توسعة سلطة الاقليم

درجت الانظمة الفدرالية على توزيع الوظيفة السياسية (في مجال التشريع) بين مستويين، الاول اتحادي تباشره سلطة المركز، والثاني محلي تنهض به سلطة الاقليم الفدرالي، ولابد في ظل ازدواج السلطة التشريعية من تحقيق الانسجام والتكامل بين قانون السلطة الاتحادية من جهة، وقانون سلطة الاقليم او الوحدات المكونة للاتحاد من جهة اخرى، بمعنى ان لايكون هناك تعارض بين قانون الوحدات دون المستوى الاتحادي مع القوانين الاتحادية [22]، مع ضرورة الالتزام بالأسس الدستورية المعتمدة في عدم تعارض كلا القانونين للدستور الاتحادي.

وباستقراء نص المادة 115 من دستور جمهورية العراق التي نصت على أن (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم، تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في حالة الخلاف بينهما).

يتضح لنا ليس التوسعة لسلطة الاقليم في منحه مايقع من اختصاصات خارج نطاق السلطات الحصرية فحسب، بل أن الاختصاصات المشتركة تخضع لقانون الاقليم في حال التعارض والخلاف..

بمعنى ان المشرع الدستوري اشار في حال التعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم، فانه يغلب قانون الاقليم وفي ذلك لم يعطي المشرع الدستوري فلسفة قانونية مقنعة سوى انه قد عمد الى توسعة غير مبررة لسلطة الاقليم على حساب القانون الاتحادي[23]، وان قيد ذلك بضرورة ان لايقع موضوع القانون ضمن الاختصاصات الحصرية، مخالفا بذلك اغلب الاتجاهات الدستورية في النظم الفدرالية المعاصرة، طالما علمنا ان من بين هذه المسائل والتي لاتقع ضمن الاختصاصات الحصرية موضوع النفط والغاز والثروات الطبيعية الاخرى التي لم يشر اليها الدستور بالتنظيم. وفي ذلك نتفق مع الرأي القائل بضرورة تمتع سلطة الاتحاد بصلاحيات واسعة تترك اثارها في مستويات عدة من اهمها المستوى الاقتصادي [24]، الامر الذي لم ينتهجه المشرع الدستوري في ظل نص المادة 115 سالفة الذكر.

وبالرجوع الى الية نشأة الاتحاد الفدرالي في العراق، فيلاحظ أن اغلب الوحدات المكونة لهذا الاتحاد ما خلا اقليم كوردستان لم ترقى سابقا الى مستوى الدول المستقلة، ليتم تبرير اعلوية قانون الاقليم او الوحدات المكونة للاتحاد على القانون الاتحادي لتحظى بجزء من الحفاظ على مظاهر الاستقلال او التنازل بجزء من سيادتها[25] لتتوافق مع مظاهر الاتحاد الفدرالي ضمن دستور 2005، فقد تحول شكل الدولة من دولة بسيطة ذات النظام المركزي الى الدولة الفدرالية بموجب نصوص دستور 2004 (قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية)[26] ودستور العراق لعام 2005.

ومن استقراء اغلب التجارب الدستورية يتضح لنا انحسار الامثلة التي اتجهت نحو تقوية سلطة الاقاليم بتغليب القوانين المحلية على القوانين الاتحادية، اذ ان العمل باعلوية القانون المحلي[27] على القانون الاتحادي يعد مسلكا لايحمد عقباه، طالما لم تألفه التجارب الفدرالية في الولايات المتحدة الامريكية والمانيا الاتحادية وروسيا الاتحادية وسويسرا، فهو يفتك بوحدة الدولة الفدرالية وسيادتها واستقلالها، ناهيك عن عدم الانسياق والتوافق بين القوانين الاتحادية والقوانين المحلية للوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي [28]، بل ويفرغ القوانين الاتحادية من جدوى تشريعها في مواجهة الاقاليم الفدرالية طالما تغلب عند الحاجة قوانين الاخيرة على القانون الاتحادي.

ونرى انه لا ضير لو أن المشرع الدستوري قصر الاعلوية المشار اليها انفا على المسائل التي لاتتصل بمطلق النصوص الدستورية المانحة للاختصاص التشريعي المشترك، بمعنى ان يكون تغليب قانون الاقليم ضمن المسائل التي لاترقى من حيث الاهمية الى موضوع الاختصاصات التشريعية المشتركة، والتي تستشف من ظاهر نص المادة 115، وتلك المستخلصة من المواد 112، 111 والتي لاتقع ضمن الاختصاصات الحصرية ولا المشتركة بين سلطة الاتحاد وسلطة الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم.

وفي الحقيقة ان موضوع تغليب القانون المحلي على القانون الاتحادي لايقف عند ما اشرنا اليه في ما تقدم من انتقادات، بل تصل الى نتيجة قانونية وهي منح القانون الصادر من الاقليم او مجلس المحافظة على حد سواء في المحافظات التي لم تنتظم باقليم صفة المساواة مع القانون الصادر من السلطة التشريعية الاتحادية، مايعد وبما لايقبل الشك انتهاكا سافرا للسلطة المختصة بالتشريع على المستوى الاتحادي، اذ ما قارننا بين الية تكوين السلطة التشريعية الاتحادية وبين السلطة التي تضع القانون المحلي من حيث الخبرة والحجم والنوعية في القوانين الصادرة من كلا السلطتين. على الرغم من أن سلطة مجلس المحافظة لا ترقى الى السلطة التشريعية، بل ليس لمجلس المحافظة سلطة التشريع خارج نطاق القرارات التنظيمية. بحسب ما اشرنا اليه من تحليل بصدد المادة 122 من الدستور.

الخاتمة

اولا: النتائج

1. لم يكن المشرع الدستوري موفقا في صياغة النصوص الدستورية التي تبين الاختصاصات الحصرية والاختصاصات المشتركة فقد تخللها التكرار والغموض، ولكلا السلطتين الاتحادية والمحلية (الاقاليم، المحافظات غير المنتظمة بإقليم) وبالتالي فقد جرى تفسيرها وتحليلها على نحو رجحان كفة الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم على كفة السلطة الاتحادية، وكان الاولى بالمشرع الدستوري الحرص على اعمال العكس.

2. يبدو عبر بحثنا أن المشرع الدستوري لم يلتزم بالحدود الموضوعية لنص المادة 110 من الدستور والتي تضمنت الاشارة لسلطات المركز الحصرية، وبدا التكرار والاسهام في فسح المجال لمشاركة الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم في هذه السلطات الحصرية، وبالتالي فقد النص الدستوري الجدوى من ايراد الاختصاصات الحصرية لسلطة الاتحاد.

3. ان المشرع الدستوري اطلق العنان امام الوحدات المكونة للاتحاد (الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم) في الاشتراك وبشكل واسع على النحو الذي يعلو مركز الاخيرة تجاه سلطة الاتحاد، فهي مرة تشترك مع السلطة الاتحادية في ممارسة بعض الاختصاصات الحصرية، وثانية عبر المواد 113، 112، وثالثة في الاختصاصات المشتركة بموجب المادة 114 وبذلك تمخضت التوسعة الغير مبررة تجاه السلطة الاتحادية.

4. المادة 115 من الدستور منحت الاعلوية لقانون الاقليم او المحافظات غير المنتظمة بإقليم في حال التعارض، وفي ذلك انتهاك سافر لتدرج القوانين من جهة ولمبدأ سمو الدستور المشار اليه في المادة 13 من الدستور، بل واكثر من ذلك يعمل على زيادة الهوة بين القوانين الاتحادية والقوانين المحلية.

5. كان الاولى بالمشرع أن يجعل من الاختصاصات الحصرية موضوع المادة 111 من الدستور المتضمنة الاشارة الى الثروة الوطنية (النفط والغاز)، بحيث يتم احتكار سلطة الادارة والتنظيم والاستثمار للسلطة الاتحادية، علما أن العراق من الدول الاحادية الدخل القومي.

6. منذ نفاذ دستور جمهورية العراق لعام 2005 في حزيران 2006 عمد المشرع الى المساواة بين الاقاليم الفدرالية والمحافظات غير المنتظمة باقليم، بحيث انه لم يعمل على التفرقة بين اللامركزية السياسية واللامركزية الادارية، وهذا مسلك غير محمود عقباه، الى ان تم تلافي ذلك الاغفال التشريعي بصدور قانون المحافظات غير المنتظمة بافليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل، والقرارات الصادرة من المحكمة الاتحادية العليا لمواجهة ما وقع به المشرع الدستوري من خطأ فادح في هذا الصدد.

ثانيا: التوصيات

1. ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية ليصار الى تحديد السلطات الحصرية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم عبر منحها بعض الاختصاصات اللازمة للإدارة بالتنسيق مع السلطة الاتحادية، ومنح الاعلوية في حال الخلاف للقانون الاتحادي.

2. نوصي المشرع الدستوري بضرورة تعديل المواد 113، 112 لتكون حكرا للسلطة الاتحادية دونما السلطات المحلية، اذ أن النفط والغاز تمثل مصدر القوة الاقتصادية للدولة، ولايمنع من ايراد جزء من هذه الواردات القومية للأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط ضمن قانون البترو دولار.

3. الاسراع بتشريع قانون النفط والغاز لمواجهة الاشكاليات القانونية الناتجة من سوء التطبيق.

..............................................
الهوامش
[1] تنص المادة (110) من دستور جمهورية العراق على أن ((تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الآتية:
أولاً: - رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وإبرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.
ثانياً: - وضع سياسة الأمن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك إنشاء قوات مسلحة وإدارتها، لتأمين حماية وضمان أمن حدود العراق، والدفاع عنه.
ثالثاً: - رسم السياسة المالية، والكمركية، وإصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وإنشاء البنك المركزي، وإدارته.
رابعاً: - تنظيم أمور المقاييس والمكاييل والأوزان.
خامساً: - تنظيم أمور الجنسية والتجنيس والإقامة وحق اللجوء السياسي.
سادساً: - تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد.
سابعاً: - وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية.
ثامناً: - تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق، وضمان مناسيب تدفق المياه.
تاسعاً: - الإحصاء والتعداد العام للسكان.
[2] د. يحيى الجمل، الانظمة السياسية المعاصرة، بيروت، 1993، ص59.
[3] د. علي يوسف الشكري، رئيس الدولة في الاتحاد الفدرالي، الطبعة الاولى، المكتبة الحيدرية، 2009، ص48.
[4] د. عقيل محمد عبد، د. سليم نعيم خضير: رؤيا تحليلية لتوزيع الاختصاصات بين الحكومة الاتحادية والاقاليم الفدرالية في الدستور العراقي الدائم، بحث منشور في مجلة العلوم الاقتصادية، المجلد السادس، العدد23، 2009، ص120.
[5] عبد المنعم احمد ابوطبيخ، توزيع الاختصاصات في الدولة الفدرالية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية القانون والعلوم السياسية، 2009، ص47.
[6] معين يحيى الفبلي، اشكالية تطبيق الفدرالية في النظم العربية، دراسة حلبة اليمن، رسالة ماجستير في الدراسات السياسية، معهد البحوث والدراسات العربية للتربية والثقافة والعلوم، جامعة الدول العربية، القاهرة، 2016، ص42.
[7] تنص المادة 122 من دستور جمهورية العراق على أن ((أولاً: - تتكون المحافظات من عدد من الأقضية والنواحي والقرى.
ثانياً: - تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدا اللامركزية الإدارية، وينظم ذلك بقانون.
ثالثاً: - يعد المحافظ الذي ينتخبه مجلس المحافظة، الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة، لممارسة صلاحياته المخول بها من قبل المجلس.
رابعاً: - ينظم بقانون، انتخاب مجلس المحافظة، وصلاحياتها.
خامساً: - لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو إشراف أية وزارة أو أية جهة غير مرتبطة بوزارة، وله مالية مستقلة
[8] د. محمد منير الوتري، المركزية واللامركزية في القانون العام، الطبعة الاولى، مطبعة المعارف، 1976، ص18 ومابعدها، انظر ايضا د، مصطفى كامل، شرح القانون الاداري، الطبعة الاولى، ص236.
[9] اشار مجلس الدولة بقراره المرقم (39/2008) في 11/3/2008 الى انه لايجوز للمحافظة فرض اية رسوم او ضريبة الا بقانون، وفي ذلك اشارة الى المنع الصريح للمحافظات من ممارسة سلطة التشريع من المحافظات غير المنتظمة بإقليم،
[10] نصت المادة 112 من دستور جمهورية العراق لعام 2005 على أن ((أولاً: - تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفظ والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد، وينظم ذلك بقانون.
ثانياً: - تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعةٍ للشعب العراقي، معتمدةً أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار)
1 تنص المادة 2 من قانون رقم 21 لسنة 2008 المعدل على أن (اولا: مجلس المحافظة هو اعلى سلطة تشريعية ورقابية ضمن الحدود الادارية للمحافظة لها حق اصدار التشريعات المحلية في حدود المحافظة بما يمكنها من ادارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الادارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية).
[12] انظر قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (13/اتحادية/2007 في 13/7/2007
[13] انظر قرار المحكمة الاتحادية المرقم (6/اتحادية/2009) في 4/2/2009.
[14] د. لطيف امين مصطفى، الفدرالية وافاق نجاحها في العراق، اربيل، 2006، ص15.
[15] تضمن الدستور السويسري لعام 1874 قرابة 140 تعديلا لحين صدور دستور سويسرا لعام 1999 والنافذ عام 2000 وكذلك تضمن دستوريا المانيا الاتحادية لعام 1949 مايقارب ال(40) تعديلا دستوريا.
[16] بينت المادة 126 من دستور جمهورية العراق لعام 2005 الية تعديل الدستور عبر النص على أن أولاً: - لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين، أو لخمس (5/1) أعضاء مجلس النواب، لاقتراح تعديل الدستور.
ثانياً: - لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناءاً على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام.
ثالثاً: - لا يجوز تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في البند (ثانياً) من هذه المادة، إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام.
رابعاً: - لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاء عام.
خامساً: أ- يعد التعديل مصادقاً عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد انتهاء المدة المنصوص عليها في البند (ثانياً) و(ثالثاً) من هذه المادة، في حالة عدم تصديقه.
ب- يعد التعديل نافذاً، من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية
[17] انظر قانون التعديل الثاني رقم 19 لسنة 2014 لقانون المحافظات غير المنتظمة باقليم رقم 12 لسنة 2004.
[18] تنص المادة 14 من الدستور (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي الاقتصادي أو الاجتماعي)
[19] هنالك العديد من مسودات مشروع القانون الاتحادي المسمى بقانون النفط والغاز واللافت للنظر ان اي منها لم ير النور للان، انما ظلت حبيسة للتجاذبات والتوافقات السياسية، ينظر محمد عودة محسن، الاختصاص التشريعي للوحدات المكونة للاتحاد في دستور جمهورية العراق لعام 2005، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الكوفة كلية القانون، 2018، ص112.
[20] ان الواقع العملي في هذا الشأن خاضع لأحكام قانون وزارة النفط رقم (101) لعام 1976.
[21] قرار المحكمة الاتحادية ذي الرقم (8/اتحادية /2012 الذي تضمن الاشارة الى عدم دستورية قرار مجلس محافظة واسط والمتضمن عدم موافقة مجلس محافظة واسط تصدير النفط والغاز الى خارج حدودو المحافظة عبر انابيب ناقلة الى محافظات اخرى.
[22] د. عدنان عاجل عبيد، مأل النظام الاتحادي في العراق، مصدر سابق، ص34.
[23] تنص المادة (31) من دستور المانيا الاتحادية لعام 1949 على أن(يعلو التشريع الاتحادي غلى تشريعات الولايات الاتحادية) ومن ذلك ايضا ما انتهجه دستور روسيا الاتحادية لعام 1993 بالنص في المادة 76 على أن (لايجوز أن تتعارض القوانين والقوانين التشريعية المعيارية الاخرى الخاصة بالكيانات المكونة للاتحاد الروسي...)، ولم يغفل دستور سويسرا لعام 1999 والنافذ عام 2000 عن ذلك فقد نصت المادة 49/1 (تكون للقانون الاتحادي اولوية على قانون المقاطعات)
[24] د. سعيد صدقي، الدولة في عالم متغير، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2013، ص 33.
[25] د. محمد عمر مولود، الفدرالية وامكانية تطبيقها كنظام سياسي (العراق انموذجا)، بيروت 2009، ص189.
[26] دستور العراق لعام 2004 اول الدساتير الصادرة ابان سقوط النظام السابق بعد العام 2003 وقد نصت المادة 4 منه على أن (نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي (فدرالي)، ديمقراطي، تعددّي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. ويقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الإثنية أو القومية أو المذهب.)
[27] (دافع الفقيه الامريكي كالهون عن فكرة السيادة الداخلية للوحدات في أن تغليب قانون الوحدات على القانون الاتحادي سمة تميز النظام الفدرالي عن الدولة الموحدة، وانه يعد مظهرا من مظاهر السيادة الداخلية وبالتالي تجب اعلوية القانون المحلي على القانون لاتحادي) ولم تلاقي هذه النظرية القبول اذ تم رفضها من قبل العديد من الفقه بالاضافة الى انها لم تحظى بتطبيق على ارض الواقع، لكزيد من التفاصيل انظر محمد عودة محسن، مصدر سابق، ص148 ومابعدها.
[28] د. عدنان عاجل عبيد، مصدر سابق، ص34.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا