آليات تعزيز عمل مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق الحكم الصالح
مؤتمر الإصلاح التشريعي
2018-05-17 05:52
بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018
إعداد: م.د.زياد سمير الدباغ/وزارة التعليم العالي والبحث العلمي-جامعة الموصل-كلية العلوم السياسية
المقدمة
يمثل المجتمع المدني نمطاً من التنظيم الاجتماعي والسياسي والثقافي خارجاً قليلاً أو كثيراً عن سلطة الدولة، وتمثل هذه التنظيمات في مختلف مستوياتها وسائل تعبير ومعارضة بالنسبة إلى المجتمع تجاه كل سلطة قائمة.. فهو إذن مجمل البنى والتنظيمات والمؤسسات التي تمثل مرتكز الحياة الرمزية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي لا تخضع مباشرة لهيمنة السلطة أو الدولة.. إنه هامش يضيق ويتسع بحسب السياق، ينتج فيه الفرد ذاته وتضامناته ومقدساته وإبداعاته، فهنالك دائماً هوامش من الحصانة الفردية والجماعية ومسافات تفصل بين المستوى الاجتماعي والمستوى السياسي، إن هذه الهوامش هي التي يمكن أن نسميها مجتمعاً مدنياً يمكن لنا من خلاله، إذا ما تم تأسيسه بالشكل الصحيح، أن نحقق الحكم الصالح الذي تسعى إليه جميع المجتمعات، ومنها مجتمعنا العراقي.
إن الحكم الصالح إذا ما تحقق في مجتمع من المجتمعات، ومنها مجتمعنا، فسوف ينعكس ذلك ايجابيا على قيم العدالة والمساواة وسيادة القانون، فإذا ما أخذ به الحكام والمسؤولين وطبقوه، وأخذت به مؤسسات المجتمع المدني وطبقته، فإن ذلك سيعني انتشار العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين جميع مكونات المجتمع، وسيشعر جميع أبناء المجتمع على اختلاف أطيافهم وألوانهم بأنهم سواسية في التعامل وفي التمتع بالحقوق والحريات، وانه لا فرق بين مكون وآخر وبين قومية أو ديانة وأخرى. وبانتشار العدالة وقيمها بين جميع أبناء المجتمع دون استثناء، سوف يتحقق التعايش والسلام والمساواة بينهم، وسيبتعدوا عن سياسات الكراهية والحقد والعداء.. فمادام الحكام والمسؤولون سيحكمون مجتمعاتهم حكماً صالحاً رشيداً وفق قيم العقل والعدالة والمساواة، فضلاً عن توسيع المشاركة الشعبية والمساءلة الفعّالة وسيادة القانون والقضاء المستقل النزيه والكفوء، ومادام أبناء تلك المجتمعات سيتمتعون بحقوقهم وحرياتهم، فسيبقى التعايش والتسامح بينهم موجود والسلام باقي.
أهمية البحث
تبرز أهمية البحث من خلال الإشارة إلى الدور الهام والفعّال الذي يمكن أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني في مجال تحقيق الحكم الصالح ونشر مفاهيمه وقيمه الإيجابية بين أبناء المجتمع.
فرضية البحث
هناك دور هام لمؤسسات المجتمع المدني في مجال تحقيق الحكم الصالح يتمثل بإصلاح أوضاع مجتمعاتها التي يجب أن تكون قد أسست من أجلها بالأصل، ومنها مجتمعنا العراقي، وتخليصها بالتالي من الحالة السيئة التي تعيشها.. لكنها من أجل أن تقوم بعملها بالشكل الصحيح عليها أن تعمل وفق آليات وضوابط تنظم عملها وتعززه لكي تتمكن بالتالي من تحقيق الحكم الصالح.
إشكالية البحث
تقوم إشكالية البحث على عدة تساؤلات، من أهمها:-
- ما هي أهم الوسائل والآليات التي تمكن مؤسسات المجتمع المدني من تحقيق وتعزيز عملها من أجل تحقيق الحكم الصالح؟.
- هل تقوم مؤسسات المجتمع المدني بدورها الحقيقي في مجال تحقيق الحكم الصالح؟.
- ما هي أبرز العوائق التي تعترض عمل مؤسسات المجتمع المدني في مجال تحقيق الحكم الصالح؟.
منهجية البحث
اعتمدنا أثناء كتابتنا لهذا البحث على المنهجين الوظيفي والتحليلي.
هيكلية البحث
تم تقسيم هذا البحث إلى ثلاثة مباحث رئيسية، فضلاً عن المقدمة والخاتمة. تناولنا في المبحث الأول مفهوم مؤسسات المجتمع المدني، وتناولنا في المبحث الثاني مفهوم الحكم الصالح، في حين تناولنا في المبحث الثالث مؤسسات المجتمع المدني والحكم الصالح.
المبحث الأول
مفهوم مؤسسات المجتمع المدني
دخلت فكرة المجتمع المدني إلى الفلسفة السياسية كتعبير عن وجود علاقة بين قطبين هما المجتمع والسياسة وذلك من خلال الصراع داخل فكرة الحق الطبيعي، ومن ثم من بعدها فكرة العقد الاجتماعي التي بُنيت على الأُولى.. وفي اللحظة النظرية التي قامت فيها الدولة على العقد، بدأت مرحلة نظرية نهايتها اعتبار المجتمع سابقاً على الدولة، وقادراً على تنظيم نفسه خارج الدولة، ومصدر شرعية الدولة. ومع أن هذه المرحلة كانت قد بدأت بتبرير الملكية المطلقة، إلاَّ إنها انتهت بنفي تلك الملكية المطلقة، واعتبارها نقيضاً لفكرة العقد الاجتماعي وروحه[1].
إن التحول الذي حدث في الفكر السياسي الغربي، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر بوجه خاص، كان قد عبر عن الإرادة التي أظهرها الفكر الغربي الحديث في الانتهاء من أزمة العصور الوسطى والتخلص منها، بل في إعلان القطيعة مع النظام القديم.. الذي كان يقوم على الربط بين السلطة وبين القدسية، ويقضي باعتبار السلطة مطلقة، سواء أخذنا السلطة بحسب مرجعيتها الدينية أو نظرنا إليها من مرجعيتها السياسية.. والقول بنظام جديد يقوم على أُسس مختلفة ومخالفة، تتمحور في الأفكار التي نادى بها فلاسفة العقد الاجتماعي[2].
لقد كانت نقطة الانطلاق حالة الطبيعة، حيث كانت تقضي بان الإنسان مر بحالتين: حالة كان عليها قبل أن يدخل في المجتمع، فكان يعيش في الطبيعة بموجب قوانين هذه الأخيرة وحدها، وحالة ثانية لاحقة أصبح عليها بعد أن انتقل إلى العيش داخل المجتمع ويسير وفقاً لأوامره (أوامر المجتمع ) وضوابطه، عبر إقرار تعاقد اجتماعي بين الموجودين داخل المجتمع[3].
وفي سياق نظرية التعاقد الاجتماعي تبلور مفهوم المجتمع المدني في صيغته الاصطلاحية السياسية، وفي هذه النظرية كان المفهوم يرادف المجتمع السياسي، أي المجتمع المدني المؤسس على التعاقد الاجتماعي[4].
ومن الجدل الدائر بين وجهات نظر فلاسفة العقد الاجتماعي والاختلاف في تحديد الملامح الأساسية لحالة الطبيعة فيما بينها، فقد اكتسب مفهوم المجتمع المدني صلابة أكثر وعمقاً أكبر[5].
ومن جهة أخرى، إذا كان رواد ومفكرو نظرية العقد الاجتماعي، وخصوصاً في القرنين السابع عشر والثامن عشر قد اهتموا- عند حديثهم عن مفهوم المجتمع المدني- بالتمييز بين المجتمع المدني والمجتمع الطبيعي، وكما أوضحنا ذلك سابقاً فان رواد ومفكري النظريتين أو المدرستين الليبرالية والماركسية، اللتين ظهرتا فيما بعد، كانوا قد ميزوا عند حديثهم عن مفهوم المجتمع المدني بين المجتمع المدني وبين الدولة، وان اختلفوا في تحديد نمط العلاقات بينهما[6].
ومما تجدر الإشارة إليه، أن مفهوم المجتمع المدني كان قد غاب من النظرية السياسية عقوداً طويلة خلال القرن العشرين لفقدانه موطئ قدم في النظريات السياسية والاجتماعية والقانونية الأساسية التي سادت خلاله في الغرب وفي الشرق، وذلك بعد أن زالت في هذه النظريات الحاجة النظرية التي يسدها، والخصوصية التي يعبر عنها.. لكنه ما لبث أن (عاد المجتمع المدني إلى الظهور في النظرية السياسية الغربية بعد غياب طويل لتأطير معطيات تمرد المجتمع (المدني) ضد الدولة الاشتراكية في مفاهيم نظرية، وبخاصة بعد تحدي حركة التضامن العمالية (التي ضمت ملايين العمال والمثقفين) النظام الاشتراكي في بولندا في نهاية السبعينات (من القرن العشرين))[7].
لقد بدأت إذن عودة المجتمع المدني الحالية إلى الملأ كمفهوم، وكأداة تحليلية ومعيارية في الثمانينات من القرن الماضي، في إطار تعامل النظرية السياسية مع السياق البولندي بشكل خاص، والأوربي الشرقي بشكل عام، وذلك لفهم وتأطير حركة التضامن البولندية في حينه كتمرد المجتمع ضد وحدانية الدولة والحزب، وللتبشير بخيار جديد آخر في هذه الدولة (الشمولية)، أساسه ليس في الإصلاح الحزبي ولا الانقلاب العسكري، وإنما في التحرك الاجتماعي المدني القائم على تميز المجتمع عن الدولة. ومع انهيار المعسكر الاشتراكي، وما بدا وكأنه اٍنتصار المجتمع المدني في أوربا الشرقية، بدأت عملية نشر وتعميم هذه الأداة إلى بقية الدول التي لم تتحقق فيها الديمقراطية الليبرالية، لا سيما في بلدان العالم الثالث مستخدمةً في ذلك حالات اٍنتفاض عينية كدليل على الحاجة إلى هذه الأداة التحليلية، مثل حالة التمرد الطلابي في ميدان تيان إن مين عام 1989، وفي حالة كوريا الجنوبية وأمريكا اللاتينية، وعدد من بلدان الوطن العربي، وبعض الدول الأفريقية، التي أصبح فيها موضوع التحول الديمقراطي على قائمة جدول أعمالها[8].
وفي الحقيقة، فإن المهم في موضوع مؤسسات المجتمع المدني ليس فقط في تكويناتها، سواء أكانت تقليدية أم حديثة، بل قيما تنطوي عليه من قيم سلوكية تتضمن قبول الاختلاف، وحق الآخرين في تكوين منظمات أو مؤسسات تحقق مصالحهم المادية والمعنوية وتحميها وتدافع عنها، والالتزام في إدارة الخلاف بالوسائل السلمية المتحضرة، أي ينبغي أن تسود قيم المجتمع المدني، وهي قيم: الاحترام والتسامح والتعايش والتعاون والتكافل والتنافس الشريف والصراع السلمي[9].
وبهذا يمكن القول، بأن المجتمع المدني يمثل نمطاً من التنظيم الاجتماعي والسياسي والثقافي خارجاً فليلاً أو كثيراً عن سلطة الدولة، وتمثل هذه التنظيمات في مختلف مستوياتها وسائط تعبير ومعارضة بالنسبة إلى المجتمع تجاه كل سلطة قائمة.. فهو إذن مجمل البنى والتنظيمات والمؤسسات التي تمثل مرتكز الحياة الرمزية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي لا تخضع مباشرة لهيمنة السلطة أو الدولة.. إنه هامش يضيق ويتسع بحسب السياق، ينتج فيه الفرد ذاته وتضامناته ومقدساته وإبداعاته، فهنالك دائماً هوامش من الحصانة الفردية والجماعية ومسافات تفصل بين المستوى الاجتماعي والمستوى السياسي، إن هذه الهوامش هي التي يمكن أن نسميها مجتمعاً مدنياً[10].
وعليه، فالمجتمع المدني يراد له أن يقوم بأدوار أساسية ذات مضامين ديمقراطية تتراوح بين الحد من سلطة الدولة وتعزيز المشاركة السياسية وتجميع وتنمية المصالح وتدريب القيادات وتعزيز القيم الديمقراطية، ونشر المعلومات والمساهمة في الإصلاح الاقتصادي والتعزيز المتبادل للحكومة وللحياة المدنية[11].
وبشكل عام، يمكننا القول بأن مؤسسات المجتمع المدني هي تلك المؤسسات التطوعية التي تتوسط العلاقة بين المواطن والدولة، وتعمل كرقيب على أجهزة الدولة من أجل ملاحظة مدى إنجاز تلك الأجهزة لمهامها تجاه المواطنين بالشكل القانوني السليم.. وهي في ممارستها لدورها لابد أن تعمل باستقلالية نسبية عن الدولة (لاسيما من النواحي الإدارية والمالية والرقابية)، مع ضرورة توفير الدعم المناسب لها من قبل الدولة، من دون أن يشكل ذلك الدعم وسيلة ضغط عليها من أجل أن تغض النظر عن التقصير الذي يقع من قبل بعض أجهزة الدولة تجاه المواطنين.
المبحث الثاني
مفهوم "الحكم الصالح"*
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي برز الحديث، في الجدل السياسي المعاصر، عن التحول الديمقراطي، وحقوق الإنسان، ودور المنظمات غير الحكومية، وأيضاً عن مفهوم الحكم الصالح الذي يعد من المفاهيم المهمة التي باتت تعبيراً عن "ما بعد الحداثة" في الفكر السياسي، والتي ترافقت مع أفكار "الموجة الثالثة" لـ"صاموئيل هنتغتون"، ونهاية التاريخ لـ"فرانسيس فوكوياما"، والتصورات الأميركية لدول العالم الثالث كأطر لمشاريع الإصلاح، والشرق الأوسط الكبير[12].
إن الأساس الذي يقوم عليه مفهوم الحكم الصالح هو عملية نزع "القداسة" عن السلطة ونقلها للمجتمع والأفراد، وهو مفهوم حديث النشأة، برز منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وتزايد الاهتمام به بعد ذلك، وهو يعكس أساسيات الإصلاح والكفاية الإدارية في قيادة الدولة للمجتمع بسيادة القانون، ويسعى المجتمع من خلاله، في المقابل، إلى مزيد من المشاركة وتفعيل نفسه مدنياً[13].
أما عن أسباب الاهتمام المتزايد بهذا المفهوم، فيمكن إيجاز بعض النقاط المهمة في هذا الجانب[14]:-
1- العولمة كأهم إفرازات هذا العصر و ما تضمنته من:
* عولمة القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
* تزايد دور المؤسسات أو المنظمات الغير الحكومية على المستوى الدولي والوطني.
* عولمة آليات وأفكار اقتصاد السوق، الذي أدى إلى تزايد دور القطاع الخاص.
* انتشار التحولات على المستوى العالمي، حيث لا تبقى على وضعية ثابتة، من اتفاقيات ثنائيات إلى معاهدات دولية و إقليمية.
* زيادة معدلات التشابه بين المجتمعات.
2- شيوع مظاهر الفساد بمختلف أشكالها، وبعض المشكلات والآفات الأخرى كغياب المواطنة وضعف التعايش والتسامح لدى الأفراد، شيوع مظاهر نقض الولاء للوطن كالهجرة البشرية، المخدرات، الجريمة المنظمة، غسيل الأموال، التهرب الضريبي، الفساد بجميع أشكاله، وما إلى ذلك من الآفات والمشاكل ومظاهر الفساد التي تعصف باستقرار البلد وأمنه، وهذا ما أدى إلى ضرورة التفكير في انتهاج آليات تجعل من الأنظمة أكثر شفافية و أكثر مرونة بقصد القضاء أو الحد من هذه المظاهر، والنهوض بالتنمية بكافة أشكالها داخل المجتمع.
3- تأكيد العديد من الدراسات على أهمية إرساء الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في عملية تحقيق التنمية الاقتصادية، والتأكيد على مفهوم جديد يتمثل في التنمية الإنسانية، حيث تشير إلى عملية توزيع الخيارات والفرص مع التأكيد على المفهوم الواسع للحرية وحقوق الإنسان واكتساب المعرفة.
هناك عدة تعاريف لمفهوم الحكم الصالح*، حيث عرفّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنه ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة على كافة المستويات، ويشمل الآليات والعمليات والمؤسسات التي من خلالها يعبّر المواطنون والمجموعات عن مصالحهم ويمارسون حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم ويقبلون الوساطة لحل خلافاتهم..وعرفّه البنك الدولي بأنه أسلوب ممارسة السلطة في إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل التنمية.. في حين عرفته منظمة الشفافية الدولية بأنه الغاية الحاصلة من تكاتف جهود كل من الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومختلف المواطنين في مكافحة ظاهرة الفساد، بداية من جمع المعلومات وتحليلها ونشرها لزيادة الوعي العام حول الظاهرة، وخلق آليات تمكن هذه الأطراف من القضاء على الظاهرة أو على الأقل التقليص منها.. وهناك من عرفه بأنه الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة وكوادر إدارية ملتزمة بتطوير موارد المجتمع وبتقدم المواطنين وبتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم[15].
وعلى الرغم من وجود تعاريف عديدة لمفهوم الحكم الصالح، إلا أنه من الملاحظ أن جميعها تهدف إلى تطبيقه وضرورة اعتماد مبادئه في أنظمة الحكم خاصة العربية منها والتي تعاني من ترهل وفساد إداري كبيرين وغياب واضح للمصلحة العامة مما ساهم بشكل كبير في زيادة مشكلة الفقر والبطالة وإبطاء معدلات النمو الاقتصادي والتراجع شيئا فشيئا حتى أصبحت العديد من أنظمة الحكم مهددة بالسقوط بل وسقط البعض منها، وهذا ما عايشناه جميعا في ظل الثورات العربية التي شهدتها بعض البلدان التي طفح فيها الفساد وغابت شمس العدالة عن سمائها وغدا فيها القانون غريبا إلا على الضعفاء والبسطاء مما أدى إلى سقوط هذه الأنظمة التي قامت على الظلم وتشبعت بكافة أشكال الفساد وهذه النتيجة الحتمية والمنتظرة لانتشار الظلم وغياب العدل حتى وإن كانت الدولة مسلمة، فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الله يقيم دولة الكفر العادلة ولا يقيم دولة الإسلام الظالمة"[16].
إن إدارة شؤون المجتمع من خلال الحكم الصالح أو الصالح تتضمن ثلاثة أبعاد مترابطة هي[17]:-
1- البعد السياسي: المتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثيلها، فضلاً عن قيم المشاركة والمساءلة والشفافية وحكم القانون.
2- البعد الاقتصادي-الاجتماعي: المتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة من جهة، وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتأثيرها على المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة والوفرة المادية، فضلاً عن علاقاتها مع الاقتصاديات الخارجية، والمجتمعات الأخرى من جهة أخرى.
3- البعد التقني-الإداري: المتعلق بعمل الجهاز الإداري وكفاءته وفاعليته.
إن هذه الأبعاد الثلاثة تؤثر وتترابط مع بعضها في إنتاج الحكم الصالح.. فلا يمكن تصور إدارة عامة فاعلة من دون استقلال الإدارة عن نفوذ السياسيين، ولا يمكن للإدارة السياسية وحدها من تحقيق إنجازات السياسات العامة من دون إدارة عامة فاعلة، كما أن هيمنة الدولة على المجتمع المدني وتغييبه ستؤدي إلى غياب مكون رئيسي في التأثير في السياسات العامة، ومراقبة السلطة السياسية والإدارية ومحاسبتها.. ومن جهة أخرى، لا تستقيم السياسات الاقتصادية والاجتماعية بغياب المشاركة والمحاسبة والشفافية، ولا تؤدي إلى تحسين أوضاع المواطنين غير القادرين على تصحيح هذه السياسات. لذلك فإن الحكم الصالح هو الحكم الذي يتضمن حكماً ديمقراطياً فعالاً، ويستند إلى المشاركة والمحاسبة والشفافية[18].
بعبارة أخرى، يمكن القول بأن الحكم الصالح يقوم على أساس أن الدولة لم تعد الفاعل الرئيسي في العملية السياسية، لذا يجب عليها أن تعمل على تحفيز المجتمع المدني بشكل يدعو إلى العودة إلى "ضوابط مجتمعية أخلاقية" لطرفي الوجود السياسي "الحاكم والمحكوم"، بشكل يزيد من فاعلية المجتمع المدني وتأثيرها في السياسات العامة للدولة.. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن السلطة السياسية لم تعد تتفاعل مع أفراد محكومين فحسب، بل مع شبكة مدنية ممثلة بقطاعات مدنية، مثل الأحزاب والمنظمات غير الحكومية وغيرها، الأمر الذي يستدعي تأسيس ثقافة مدنية حقيقية لدى أفراد المجتمع، والاهتمام بالتنشئة السياسية في هذا السياق.. ومن جهة ثالثة، فإن العلاقة بين السلطة السياسية والقطاع الخاص لا بد أن تقوم على أساس التأثير المتبادل فيما بينها باعتماد المهارة والكفاءة الإدارية كمعايير أساسية تحكم إدارة القطاع العام، وتوجه هذا القطاع نحو مشاريع ربحية تعبر عنها الخصخصة، فيكون القطاع الخاص جزءاً من إدارة الدولة[19].
ومما سبق، وبحكم أن مفهوم الحكم الصالح يشير إلى ضرورة تفعيل مؤسسات المجتمع المدني وتكافلها لصالح الحكم الصالح والعقلاني، وترشيداً للظاهرة السياسية، أي علاقة الحاكم بالمحكوم، فإنه مفهوم يشير إلى مثال يحتذى به، ويصبو المجتمع إليه لتنظيم تلك العلاقة (الحاكم والمحكوم)، وضبطها[20].
وبشكل عام، يمكن القول بأن الحكم الصالح لا بد أن يعتمد على عدد من المحاور الأساسية، من أجل تحقيقه بالشكل الصحيح، منها: صيانة الحرية، أي ضمان توسيع خيارات الناس، وتوسيع المشاركة الشعبية والمساءلة الفعّالة والشفافية الكاملة في ظل فصل السلطات والتوازن بينها، وسيادة القانون والقضاء المستقل والنزيه والكفوء، الذي تنفذ أحكامه من قبل السلطات التنفيذية. والأمر يتطلب تضافر ثلاث قطاعات هي: الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص (رجال الأعمال).. ولكي يتحقق مقداراً من التعاون الضروري بين القطاعات المختلفة وفي إطار تعاون دولي، فلا بدّ من احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتكريس البنية القانونية، والتحلي بمبادئ الإدارة الرشيدة المؤسسية بعيداً عن التسلط الفردي والهيمنة.. وهذا يتطلب تداولاً للسلطة ومكافحة للفساد وفقا لمساءلات قضائية، وفي إطار مجتمع مدني حر وعلاقات دولية تتسم بقدر من الاحترام لقواعد القانون الدولي وفي إطار المصالح المشتركة[21].
المبحث الثالث
مؤسسات المجتمع المدني والحكم الصالح
بدايةً يمكن القول بأنه لا يمكن أن ينمو المجتمع المدني وتنضج مؤسساته في ظل مناخ غير ديمقراطي، فهناك ارتباط قوي بين تطور المجتمع المدني والانتقال إلى الديمقراطية في أي مجتمع من المجتمعات.
إن عملية التحول الديمقراطي في الدولة تستند على أساس إبراز أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في صيانة الحريات الأساسية للمجتمع[22].. ومن هذا المنطلق فإن هناك دوراً هاماً لتلك المؤسسات يتمثل بإصلاح أوضاع مجتمعاتها، ومنها مجتمعنا العراقي، وتخليصها من الحالة السيئة التي تعيشها، وذلك عبر سعيها لتحقيق الحكم الصالح.
ومن أجل تفعيل وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في مجال التحول الديمقراطي بشكل عام، وتحقيق الحكم الصالح بشكل خاص، فإن هناك عدداً من الشروط أو الآليات التي لابد من توافرها وتحقيقها على أرض الواقع، ومن أهم تلك الآليات:-
أولاً: الفاعلية في تحقيق التنمية والتغيير الاجتماعي[23]: إن تقويم قدرات المجتمع المدني يستلزم اللجوء إلى مقاربات منهجية أكثر قدرة على تحليل وتفسير الأدوار المختلفة التي يمكن أن يقوم بها المجتمع المدني، خاصة في ارتباطه بمعيار الفاعلية في تحقيق التنمية والتغيير الاجتماعي.. وتعتمد هذه المقاربة على منظورين أساسيين هما:-
1- المنظور الوظيفي: وهو الذي يأخذ في الاعتبار وظيفة مؤسسات المجتمع المدني الرعائية والخدمية، سواء بالنسبة إلى تنظيمات المهنية أو المنظمات غير الحكومية. وفي هذا الإطار تتحمل المنظمات بعضاً من الأعباء التي انسحبت منها الدولة تطبيقاً لسياسات العولمة، ولذلك يؤدي نشاطها الى تقليل حدة التوتر الناتج عن التفاوتات الاجتماعية الحادة وعن التهميش السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى أنها قد تلعب دوراً اقتصادياً جزئياً في إطار زيادة الدخل والعمالة والنتاج.. فهذه المنظمات أو المؤسسات لا تهدف إلى إحداث تغيير جذري في نظام المجتمع، بل إن معظمها يعمل في إطار محافظ يهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم.. كما أنها بطبيعتها الوظيفية لا تساهم في توسيع مشاركة المواطنين، حيث تتركز آليات صناعة القرار بيد القيادات الحاكمة لهذه المؤسسات.
2- المنظور البنيوي: يرتبط هذا المنظور بدور مؤسسات المجتمع المدني في المساهمة في عملية التحول الاجتماعي والسياسي للمجتمع باعتبارها احد الفواعل الأساسية في البناء الاجتماعي. ويتسم دور المجتمع المدني في هذه الحالة في علاقته بمؤسسات المجتمع الأخرى مثل الدولة والسوق بكونه عنصراً يؤدي إلى التوازن الاجتماعي للقوى الفاعلة وليس تابعاً أو ملحقا بتلك العناصر الأخرى.. وتتجاوز مؤسسات المجتمع المدني بهذا الدور الرعائي-الخدمي إلى الدور التنموي، بمعنى العمل على تغيير الواقع هيكلياً وتعظيم القدرات، والدفاع عن الحقوق وتمكين القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير، مما يعطيها الشرعية ويضع تطويرها في إطار تطوير البنى الاجتماعية للمجتمع.. ويعني ذلك أن دور هذه المؤسسات دور تعبوي يرتبط بالتمكين وتعظيم القدرات في إطار نضالي، حيث تعمل على إيجاد العقلية الناقدة لما يحدث في المجتمع، والمبدعة لأشكال ووسائل التغيير والتقدم. وتمثل مؤسسات المجتمع المدني بهذا المعنى البنيوي القوة القصدية الفاعلة في التغيير الاجتماعي بنيوياً.
ثانياً: نشر ثقافة الديمقراطية: إن عملية التحول الديمقراطي وتحقيق الحكم الصالح ليست مجرد إصدار قوانين، وإجراء انتخابات، ووضع ترتيبات وإجراءات سياسية ومؤسسية فحسب، بل هي تتطلب إلى جانب كل ذلك اتخاذ خطوات جدية على طريق محاصرة وتفكيك ثقافة التسلط والاستبداد، ونشر وترسيخ ثقافة سياسية ديمقراطية لدى مختلف فئات المجتمع. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف من دون إحداث تغيير جوهري في سياسات التعليم والثقافة والإعلام من حيث: أهدافها وأولوياتها ووسائلها ومضامينها، بحيث تستطيع أن تحدث التغيير السياسي المطلوب. وهذا لن يتحقق إلا في ظل وجود التزام حقيقي من قبل النخبة الحاكمة بهدف التحول الديمقراطي، ومحاصرة تأثير القوى والتيارات التي تريد عرقلة الإصلاح السياسي الحقيقي، باعتبارها مستفيدة من استمرار الأوضاع الراهنة[24].
ثالثاً: إصلاح مؤسسات المجتمع المدني: وذلك من خلال قيام قوى ومؤسسات المجتمع المدني بإعادة بناء تنظيماتها ومؤسساتها على أسس جديدة، بحيث تتم مواجهة بعض السلبيات مثل:الافتقار إلى الديمقراطية الداخلية، والتقوقع في اطر نخبوية ضيقة، وكثرة الصراعات الداخلية.. وفي هذا السياق، فإن الأمر يتطلب وضع أسس جديدة للتعاون والتنسيق بين قوى ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك حتى تتمكن من ممارسة المزيد من الضغوط والتأثير على نظمها الحاكمة.. وهذا هو المدخل لتعميق هامش حرية حركتها واستقلالها في مواجهة تلك النظم[25].
رابعاً: استقلال مؤسسات المجتمع المدني عن الدولة: يمكن تحديد درجة استقلال مؤسسات المجتمع المدني عن الدولة من خلال عدة مؤشرات منها[26]:-
أ- نشأة مؤسسات المجتمع المدني وحدود تدخل الدولة في هذه العملية.. فالأصل أن لا تتدخل الدولة في هذا المجال.
ب- الاستقلال المالي لمؤسسات المجتمع المدني: يجب أن تعتمد مؤسسات المجتمع المدني على التمويل الذاتي من خلال مساهمات أعضاءها في شكل رسوم العضوية أو التبرعات أو من خلال عوائد بعض أنشطتها الخدمية أو الإنتاجية.
ج- الاستقلال الإداري والتنظيمي: حيث يجب أن تتمتع مؤسسات المجتمع المدني بالاستقلالية في إدارة شؤونها الداخلية طبقاً للوائحها وقوانينها الداخلية، وبما يتلاءم مع قوانين الدولة الرسمية، لا مع قوانين الحاكم أو السلطة الحاكمة.
خامساً: احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية، وإشاعة ثقافة مدنية تقوم على الحوار والتسامح والتعايش السلمي، واحترام الرأي الآخر.
سادساً: صياغة موضوع المجتمع المدني وفق منظور يراعي خصوصية البيئة التي يوجد فيها وتجاربها الخاصة، كمنحه متسعاً من النقاش العلمي المثمر والبنّاء، ليكون أداة فعالة في مواجهة استبداد وتسلط اغلب النظم العربية الحاكمة، إن لم نقل جميعها.
سابعاً: ضرورة إيجاد حل ومعالجة واعية لمشكلة تمويل مؤسسات المجتمع المدني، وذلك حفاظاً على استقلاليتها، وعدم انحرافها بنشاطها عن الدور الايجابي الذي يجب أن تلعبه في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع.
ثامناً: أن تكون العلاقة بين الدولة أو النظم السياسية الحاكمة ومؤسسات المجتمع المدني قائمة على أساس الاستقلال والتعاون والتكامل، وليس على أساس الخضوع والهيمنة والتناقض، فلكلٍ منها دوره الخاص به والمكمل للآخر.. كما يتطلب التعاون بين الطرفين لتحقيق هذا التكامل تحديث الأطر والآليات القانونية والعملية التي تكفل صياغة العلاقة بينهما على أسس موضوعة ومؤسسية، وهو ما ينعكس ايجابياً على المجتمع.
وفي الحقيقة، فإن حيوية مؤسسات المجتمع المدني تكمن في قدرتها على تأطير المواطنين للعمل التطوعي في الشأن العام، وفي كل قيم المشاركة المدنية والتنمية التشاركية.. كما أن عليها أن تعتمد الشفافية في عملها، لاسيما على الصعيدين المالي والإداري، وأن تعتمد نظم المحاسبة والمساءلة الداخلية بما تتضمنه من انتخابات دورية، وتداول سلطة، وعدم استغلال النفوذ.. فلا يمكن لتلك المؤسسات أن تطالب بهذه المعايير من دون أن تطبقها على نفسها أو أن تكون هي النموذج والمثال.. ومن جهة أخرى، فإن ضمان استمرار هذه المؤسسات وإنتاجيتها يقعان في القدرة على استمرار استقلاليتها وعلى تنوع مصادر تمويلها وعلى تطوير قدراتها وصولاً إلى الاعتماد على الموارد الذاتية، وبذلك تنتقل من مفهوم المنظمات أو المؤسسات الخيرية الرعائية إلى المنظمات أو المؤسسات التنموية وتساهم في الحكم الصالح[27].
وبشكل عام، يمكن القول بأن مؤسسات المجتمع المدني لن تكون قادرة على أن تلعب دوراً حقيقياً وفاعلاً في مجال التحول الديمقراطي وتحقيق الحكم الصالح داخل مجتمعاتها، ومنها مجتمعنا العراقي، ما لم تتوفر لها ثلاثة شروط أساسية:-
أ – أن تسمح الدولة لمؤسسات المجتمع المدني بالعمل بحرية ودون عوائق من قبلها، ويكون ذلك ضمن ضوابط وقوانين حقيقية تخدم مجتمعاتها، وليس ضمن قوانين شكلية تخدم مصالح تلك الدولة وحكامها.
ب – أن يقوم أبناء المجتمع بتقديم الدعم اللازم لمؤسسات المجتمع المدني من أجل إنجاحها، حتى لو كان هذا الدعم معنوياً أكثر من كونه مادياً.
ج – أن تكون مؤسسات المجتمع المدني قائمة أصلاً من أجل تقديم الخدمات والمنافع لمجتمعاتها وليس لأشخاصها المؤسسين لها والعاملين فيها، والذين غالباً ما يكون لبعضهم مصالح سياسية ترتبط بالسلطة وشؤونها، وتبتعد عن مصالح المجتمع وهمومه.
الخاتمة والاستنتاجات
توصلنا من خلال ما تقدم ذكره في البحث إلى عدد من الأمور والنتائج المهمة، من أبرزها:-
- إن مؤسسات المجتمع المدني يراد لها أن تقوم بأدوار أساسية ذات مضامين ديمقراطية تتراوح بين الحد من سلطة الدولة وتعزيز المشاركة السياسية وتجميع وتنمية المصالح وتدريب القيادات وتعزيز القيم الديمقراطية، ونشر المعلومات والمساهمة في الإصلاح الاقتصادي والتعزيز المتبادل للحكومة وللحياة المدنية.
- إن الأساس الذي يقوم عليه الحكم الصالح هو عملية نزع "القداسة" عن السلطة ونقلها للمجتمع والأفراد، وهو مفهوم حديث النشأة، برز منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وتزايد الاهتمام به بعد ذلك، وهو يعكس أساسيات الإصلاح والكفاية الإدارية في قيادة الدولة للمجتمع بسيادة القانون، ويسعى المجتمع من خلاله، في المقابل، إلى مزيد من المشاركة وتفعيل نفسه مدنياً.
- إن الدولة، وفق مفهوم الحكم الصالح، لم تعد الفاعل الرئيسي في العملية السياسية، لذا يجب عليها أن تعمل على تحفيز المجتمع المدني بشكل يدعو إلى العودة إلى "ضوابط مجتمعية أخلاقية" لطرفي الوجود السياسي "الحاكم والمحكوم"، بشكل يزيد من فاعلية مؤسسات المجتمع المدني وتأثيرها في السياسات العامة للدولة.
- يجب أن يعتمد الحكم الصالح على عدد من المحاور الأساسية، من أجل تحقيقه بالشكل الصحيح، منها: صيانة الحرية، أي ضمان توسيع خيارات الناس، وتوسيع المشاركة الشعبية والمساءلة الفعّالة والشفافية الكاملة في ظل فصل السلطات والتوازن بينها، وسيادة القانون والقضاء المستقل والنزيه والكفوء، الذي تنفذ أحكامه من قبل السلطات التنفيذية.
- إن تفعيل وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في مجال التحول الديمقراطي بشكل عام، وتحقيق الحكم الصالح بشكل خاص، يتطلب عدداً من الشروط أو الآليات التي لابد من توافرها وتحقيقها على أرض الواقع، من أهمها:- الفاعلية في تحقيق التنمية والتغيير الاجتماعي، نشر الثقافة الديمقراطية، وإصلاح مؤسسات المجتمع المدني..إلخ.
- إن عملية التحول الديمقراطي وتحقيق الحكم الصالح ليست مجرد إصدار قوانين، وإجراء انتخابات، ووضع ترتيبات وإجراءات سياسية ومؤسسية فحسب، بل هي تتطلب إلى جانب كل ذلك اتخاذ خطوات جدية على طريق محاصرة وتفكيك ثقافة التسلط والاستبداد، ونشر وترسيخ ثقافة سياسية ديمقراطية لدى مختلف فئات المجتمع.
- إن حيوية مؤسسات المجتمع المدني وزيادة فاعليتها في مجال تحقيق الحكم الصالح يعتمد في جانب مهم منها على قدرتها على تأطير المواطنين للعمل التطوعي في الشأن العام، وفي كل قيم المشاركة المدنية والتنمية التشاركية.. كما أن عليها أن تعتمد الشفافية في عملها، لاسيما على الصعيدين المالي والإداري، وأن تعتمد نظم المحاسبة والمساءلة الداخلية بما تتضمنه من انتخابات دورية، وتداول سلطة، وعدم استغلال النفوذ.