احتمالات المواجهة العسكرية بين كوريا الشمالية وامريكا

د. محمد ياس خضير

2016-10-15 04:05

استيقظ جيران كوريا الشمالية في 9 ايلول 2016 على هزة ارضية وصلت قوتها الى 5,3 وفق مقياس ريختر، ليتضح لاحقاً بعد اعلان التلفزيون الرسمي لكوريا الشمالية بأن الأخيرة اجرت التجربة الخامسة لأسلحتها النووية بنجاح، ولعل هذا الحدث اعاد مرة اخرى التركيز على موضوع برنامج كوريا الشمالية النووي وعلى حجم امكاناتها النووية، بعد ان تراجع الاهتمام بهذا الملف نتيجة تراكم الإحداث وتسارعها في الساحة الدولية وانشغال القوى الكبرى بها لاسيما ما يحصل في منطقة الشرق الاوسط من صراعات بالغة التعقيد والخطورة.

كوريا الشمالية كما هو معروف نظامها السياسي هو نظام دكتاتوري يسيطر عليه حزب واحد وهو حزب العمال الكوري الذي يسيطر على ما يعرف بالجبهة الموحدة الديمقراطية لتوحيد الوطن، كما تمتلك قوة عسكرية مهمة فالجيش الشعبي الكوري يعد من بين أضخم جيوش العالم من حيث العدد، كما تمتلك كوريا الشمالية قدرات عسكرية اخرى موزعة على القوات البرية والجوية والبحرية، اذ تمتلك صواريخ وغواصات وطائرات، فضلاً عن سعيها المتكرر في امتلاك السلاح النووي، فهي استطاعت ان تطور قدراتها النووية بالرغم من العقوبات الدولية المفروضة عليها.

ان سعي كوريا الشمالية الى الحصول على السلاح النووي يرجع الى ان هناك ادراك يحكم هرم هذه الدولة بأن امتلاك هذا السلاح يمنح الدولة حصانة من التدخلات الخارجية كما انه يقوي مركزها الاقليمي ويؤثر على طبيعة التوازن الاستراتيجي القائم، فمعادلة القوة في الاقليم المحيط بكوريا الشمالية يستند الى مجموعة من العوامل والمتغيرات ولعل في مقدمتها القدرات الذاتية لدول الاقليم مضاف اليها الدعم الخارجي غير المحدود للبعض منها، لاسيما الدعم الامريكي لكوريا الجنوبية المقترن بالانتشار العسكري الامريكي فيها وفي اليابان ايضاً.

يضاف الى ذلك القلق الصيني ومحاولاتها في اعادة ترتيب ميزان القوى الاقليمية فرض عليها ان تتدخل في اعادة ترتيب معادلة القوة في الاقليم، فالتواجد العسكري الامريكي في كوريا الجنوبية واليابان والدعم غير المحدود لتايوان فرض على الصين ان تعيد ترتيب اولوياتها، لهذا فالصين تحاول احتواء كوريا الشمالية واستخدامها كورقة ضغط ضد الولايات المتحدة لتحقيق مصالح تتصل ببحر الصين الجنوبي والنزاع مع اليابان حول الجزر فضلاً عن قضية تايوان.

وعليه فان التوازن الاستراتيجي في شمال شرق آسيا يخضع بدرجة اساس لرغبة واتجاهات الصين والولايات المتحدة، فالتقارب الصيني الامريكي ينعكس بصورة ايجابية على اوضاع هذا الاقليم والعكس صحيح، لهذا سعى طرفا العلاقة الى الامساك بالتفاعلات بين دول هذا الاقليم، فالصين ترتبط بعلاقات جيدة مع كوريا الشمالية التي تمثل مصدر قلق لباقي دول الاقليم، فحجم التبادل التجاري بين البلدين كبيرا جدا، اما الولايات المتحدة فلها علاقات ستراتيجية مع باقي دول الاقليم الاخرى، لهذا يلاحظ ان الصين ايدت الولايات المتحدة الامريكية في تشديد العقوبات على كوريا الشمالية بعد اجرائها لتجربتها النووية الرابعة، لكن من غير المؤكد ان تؤيد ذلك مرة اخرى في مجلس الامن لاسيما بعد المواقف الامريكية التي اتخذتها من قضية بحر الصين الجنوبي، ونشر الولايات المتحدة بعض منظومات الدرع الصاروخي في كوريا الجنوبية والذي يمثل تهديد مباشر للأمن الاقليمي في تلك المنطقة، لهذا فان الصين سوف تعمل على استثمار ورقة كوريا الشمالية خدمة لمصالحها.

ويتساءل الكثيرون في ظل هذا الوضع في منطقة شمال شرق آسيا، هل هناك احتمالية لمواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؟.

هناك اتجاه يرى ان نذر المواجهة تلوح في الافق بين مدة واخرى، فالولايات المتحدة مازالت ترى بأن مصالحها كبيرة مع كل من كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، وان التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية يجب ان يزال وينتهي، لهذا وضع الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن كوريا الشمالية ضمن ما يسمى بمحور الشر الذي يجب إزالته وإنهاءه، لهذا اتبعت الولايات المتحدة منذ مدة ليست بالقصيرة مجموعة من الاجراءات القسرية كالعقوبات العسكرية والاقتصادية والسياسية ضد كوريا الشمالية وصولاً الى تحقيق الانهاك الكامل لهذه الدولة تمهيداً لتغيير نظامها السياسي.

وهذا الهدف تعمل عليه حتى ادارة الرئيس الامريكي الحالي باراك اوباما، فوجود النظام السياسي الكوري الحالي يمثل خطراً مباشراً على المصالح الامريكية في ظل تهديدات هذا النظام المتكررة للولايات المتحدة ولحلفائها في المنطقة وبأنه لن يتوانى عن استخدام ما متاح لدية من قوة ومن ضمنها الاسلحة النووية ضد مصالح وحلفاء الولايات المتحدة الامريكية، ويحاول النظام السياسي في كوريا الشمالية من كل هذه التهديدات الحصول على اعتراف رسمي بانها دولة ضمن النادي النووي.

كما ان هناك اتجاه يرى ان احتمالية حصول مواجهة مباشرة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية هو امر مستبعد، وهذا يرجع لاعتبارين أساسيين وهما:

1- الدور الصيني الواضح في توجيه مسارات السياسة في كوريا الشمالية، فالصين تمثل النافذة الاساسية لهذه الدولة للعالم الخارجي، ولها مصالح اقتصادية وعسكرية وامنية وستراتيجية في بقاء الوضع على حاله في كوريا الشمالية، وهذا الامر يتصل بصراعها مع الولايات المتحدة الامريكية، فهي بالرغم من انها لا ترغب في الوقت الحاضر ان توسع مجالات حركتها وفعلها بالرغم من فائض القوة الهائل الذي تمتلكه، حتى انها توصف بانها في وضع مبالغ فيه في المحافظة على مكونات قوتها وتوصف بانها كـ(الباندا الام او الام الحاضن) كما يرى جوناثن سيزن، الا انها لا تتردد باستخدام بعض الادوات المتاحة لديها في تحقيق بعض المكاسب، ولعل أهمها هو موضوع البرنامج النووي لكوريا الشمالية، لهذا يرى هذا الاتجاه ان مسألة المواجهة مع كوريا الشمالية يبدأ من الموقف الصيني والرؤية الصينية.

2- ان اعلان كوريا الشمالية عن امتلاكها لأسلحة نووية واجراء خمس تجارب لحد الوقت الحاضر، يبعد احتمالية خوض الولايات المتحدة الامريكية مواجهة عسكرية مباشرة مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ اون الذي يحكم دولته بقبضة حديدية ولا يمكن التنبؤ حتى بأي من تصرفاته وردود أفعالة، لهذا فمسألة المواجهة المباشرة هو امر مستبعد في ظل هذا الامر.

ان احتمالات المواجهة بين الولايات المتحدة الامريكية وكوريا الشمالية يمكن ان تكون اذا ما توافرت المعطيات الاتية:

1- حدوث حالة عدم استقرار في كوريا الشمالية تتيح للولايات المتحدة وحلفائها ان تتدخل لحسم الحالة في الإطاحة بالنظام السياسي الحالي.

2- اذا ماتوافقت المصالح الامريكية الصينية وتوصل الطرفان الى اتفاق لتسوية المشكلات التي تتصل بتايوان وبحر الصين الجنوبي وموضوع نشر الدرع الصاروخي الامريكي، فان احتمالات التضييق على النظام السياسي في كوريا الشمالية هو امر وارد.

3- اذا ما اقدمت كوريا الشمالية على استخدام القوة العسكرية المباشرة ضد كوريا الجنوبية، فأن ذلك يلزم من الولايات المتحدة وفق الاتفاقية الستراتيجية مع كوريا الجنوبية في التدخل واستخدام القوة العسكرية.

ويمكن ان تكون المواجهة العسكرية متاحة اذا ما تم السيطرة على الاسلحة النووية في كوريا الشمالية من خلال عملية استباقية، اي بعد تحييد السلاح النووي لكوريا الشمالية.

وبالرغم من سعة الاحتمالات فأن مسارات الحاضر توضح للمتابع بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب بمواجهة عسكرية مع كوريا الشمالية لان عامل الردع في الصراع معها متحقق، وهي تعول وبشكل واضح على الوسائل الدبلوماسية وعلى الامم المتحدة في فرض المزيد من العقوبات على كوريا الشمالية، وفي تشكيل جبهة موحدة تضم بالدرجة الاساس الصين في مواجهة تطلعات كوريا الشمالية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي