هل تعيد المانيا بناء جيشها؟ ولماذا؟
مسلم عباس
2018-02-25 05:20
كشف تقرير برلماني الماني مدى جهوزية الجيش الألماني، نشر الثلاثاء (20 شباط/فبراير 2018)، اشار إلى وجود غواصات معطلة وطائرات بحاجة إلى صيانة، والى نقص في العديد، ما يشكل جرس إنذار للمسؤولين.
وجاء في التقرير السنوي الذي سلمه هانز-بيتر بارتلس، مفوض شؤون الدفاع بالبرلمان الألماني "بوندستاغ"، أن نقص الأفراد والعتاد أصبح أكبر جزئيا. وأشار بارتلس في التقرير إلى أن جاهزية أنظمة التسلح "منخفضة بشكل كبير"، لافتا إلى أن النقص الهائل في الأفراد تزايد أيضا.
وأضاف المفوض البرلماني أن كثيرا من الجنود يعانون من إثقال كاهلهم أو من الإحباط، وشدد على ضرورة "الإسراع بشكل واضح" بالتحولات التي تم إدخالها في الجيش. وأشار بارتلس إلى "استمرار النقص الكبير في العديد والتجهيزات في كافة قطعات الجيش الألماني"، محذرا من جيش لا قيادة له وجنود متروكين لمصيرهم، لا سيما مع شغور 21 ألف وظيفة عسكرية في صفوف الضباط والرتباء.
وتدرك السلطات الألمانية ما يعانيه الجيش من نقص في العديد والتجهيزات مقارنة بالمهام المتزايدة الملقاة على عاتقه. وكانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وعدت بمعالجة الأمر عبر زيادة التمويل. ومن شأن ما يورده التقرير إثارة قلق الحكومة وحلفاء ألمانيا في حلف شمال الأطلسي، كما والدول التي تشارك إلى جانبها في المهمات الدولية. وفي أواخر عام 2017 وضعت الغواصات الست التي يمتلكها الجيش الألماني خارج الخدمة بسبب مشاكل تقنية. كذلك الأمر بالنسبة لكامل سرب طائرات النقل العسكري "إي 400 أم" التي يبلغ عددها 14 طائرة. بحسب موقع دويتشة فيلة الالماني.
وأشار التقرير إلى أن مسؤولي أسراب الطائرات الحربية الأكثر تقدما كمقاتلات "يوروفايتر" و"تورنيدو" ومروحيات "تايغر"، و"سي أتش 53"، و"أن أتش 90" اشتكوا من عدم تمكنهم من إعطاء التدريب اللازم للعناصر لأن الطائرات غالبا ما تكون خارج الخدمة بسبب أعطال ميكانيكية. وقال التقرير إن "هناك نقصا في قطع الغيار يصيب كافة القطعات في سلاحي المشاة والجو".
وأدى خفض موازنة الجيش الألماني منذ إعادة توحيد البلاد في 1990 وانتهاء الحرب الباردة إلى تقليص عديد الجيش الألماني ليصبح اليوم 180 الف جندي، وهو غالبا ما يعاني من تقادم التجهيزات. وقالت الحكومة الألمانية العام الماضي إنها تنوي تغيير هذا الواقع معلنة أن الجيش الألماني سيشهد في السنوات السبع المقبلة أول زيادة لعديده منذ 1990 كما سيتم رفع موازنته.
لكن، وحتى الساعة لم تشهد الموازنات العسكرية "أي زيادة حقيقية"، على الرغم من مشاركة أوسع للجيش الألماني في مهمات عسكرية في الخارج، ومهمات حفظ السلام كما في أفغانستان أو في أفريقيا، أو مهمات اكثر هجومية ضد تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، بحسب التقرير. وأشار تقرير سري للجيش تم تسريبه إلى الصحافة إلى أن الجيش الألماني سيعاني العام المقبل من نقص في الدبابات والبزات الشتوية والسترات الواقية من الرصاص للجنود المشاركين في قوات حلف شمال الأطلسي في شرق أوروبا في مواجهة التهديد الروسي.
ويستعيد التقرير البرلماني الانتقادات المتكررة التي يوجهها الرئيس الأمريكي لبرلين، والتي تتهم ألمانيا المتعافية اقتصاديا، بأنها لا تنفق بشكل كاف على الصعيد العسكري.
إذ تنفق ألمانيا حاليا 1.2 بالمائة من إجمالي ناتجها المحلي على القطاعات الدفاعية، علما أن الهدف المحدد لدول حلف شمال الأطلسي هو 2 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي. ولا تلحظ خطة الحكومة المقبلة لميركل سوى زيادة طفيفة ترفع هذه النسبة إلى 1.5 بالمائة حتى 2021. ويقول دبلوماسيون إن تراخي ألمانيا في هذا المجال يثير توترات مع فرنسا لا سيما في ما يتعلق بمشاريع الدفاع عن أوروبا. وجعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذه النقطة التي أسماها "أوروبا الدفاع" إحدى أولويات مشروعه لإعادة إحياء أوروبا.
ومن جانبها انتقدت رابطة الجيش الألماني أوجه القصور في تسليح الجيش، مطالبة بتحسين إمداداته بالسلاح والعتاد، وقال رئيس الرابطة أندري فوستنر اليوم في تصريحات لشبكة "إيه آر دي" الألمانية الإعلامية إنه يتعين إجراء تحسينات في توفير الذخائر والعتاد للجيش والإسراع في تنفيذ ذلك. ولكن المفتش العام للجيش الألماني، فولكر فيكر، نفى هذه التقارير. وقال اليوم الثلاثاء في برلين إن القوات الألمانية مسلحة بالقدر الكافي للإيفاء بالتزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) والمهام التي تشارك فيها. وأضاف فيكر أن الجنود الألمان يقدمون خدمة ممتازة، وقال: "لم يتردد على مسامعي سواء في ألمانيا أو من حلفائنا أي شكاوى". ولكنه أقر بأن جاهزية الجيش لا تزال غير مرضية، موضحا أنه تم وضع خطة تنموية تمتد لعام 2030 لسد القصور في الجيش.
قد يبدو للوهلة الاولى ان عملية تسليح الجيش الالماني وما يترتب عليها تتعلق بمواجهة الاخطار الخارجية وتحديدا في اطار سباق التسلح الجديد الذي اطلقه الغرب لمواجهة روسيا والصين، الا ان برلين لديها مخاطر داخلية اكبر بكثير مما تروج له واشنطن وهو ما يجعلها بحاجة لاعادة النظر في الكثير من القضايا الداخلية والخارجية وفق متطلباتها الوطنية تحديدا.
وتساءل موقع "دويتشية فيلة" عن ما تعيشه المانيا من صعود الاحزاب اليمينية المتطرفة وما تبع ذلك من موجة تطرف كبيرة، "هل نحصل اليوم على نسخة بلون آخر من جماعة الجيش الأحمر(RAF)؟" هذا السؤال طرح من قبل بعض السياسيين ووسائل الإعلام، عندما ظهرت إلى النور في تشرين الثاني / نوفمبر من عام 2011 الخلية النازية الإرهابية المتطرفة (NSU). للوهلة الأولى بدا هذا التساؤل معقولاً، لأن هدف الجماعة اليمينية الإرهابية تتشابه مع هدف جماعة الجيش الأحمر (RAF)؛ كما يقول موقع "دويتشية فيلية" وذلك لأن كل من الجماعتين أراد فرض نظام اجتماعي مختلف باستخدام العنف المطلق. ورغم الاختلاف، الذي كانت عليه أيديولوجياتهما، حيث غلبت العنصرية على إحداهما، والماركسية على الأخرى، كانت أساليبهما مشابهة والمتمثلة في السطو والتفجيرات والحرائق المتعمدة والقتل.
ولكن هل مقارنة جماعة الجيش الأحمر (RAF) والخلية النازية الإرهابية المتطرفة (NSU) ممكنة في العموم؟ وما هي أوجه التشابه والاختلاف القائمة بينهما من جهة وبين تنظيم (داعش) على الجهة الأخرى؟ وللإجابة على هذه الأسئلة أقدم ثلاثة خبراء بناء على دعوة من "مؤسسة أديناور"، المقربة من حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي CDU، في برلين على محاولة إجراء مقارنة بين الجماعتين المتطرفتين وتنظيم (داعش). وكانت من بين آخر مهام الخبراء الثلاثة وهو كليمنس بينينغر ترأس لجنة التحقيق الثانية التابعة للبونديستاغ بخصوص الخلية النازية الإرهابية المتطرفة (NSU)، أما الخبير الثاني وهو بوتس بيترس فقد ألف العديد من الكتب الأكثر مبيعاً حول جماعة الجيش الأحمر(RAF). هذا في حين يعتبرالخبير بيتر نويمان، من "لندن كينغس كوليج" واحداً من أفضل الخبراء الملمين بالتنظيم الإرهابي "داعش".
سرعان ما اتفق الخبراء الثلاثة على الشروط الواجب توفرها لنشوء المجموعات الإرهابية باختلاف توجهاتها: قائد يتمتع بكاريزما عالية وشبكة كبيرة من العلاقات. ويعتبر هذان العاملان في غاية الأهمية، إذ لا يمكن تخيل الحياة لفترة طويلة تحت الأرض والعمل في السر من دونهما. وقد اختفى الثلاثي من الخلية النازية الإرهابية المتطرفة (NSU)، بيته تسشيبه، وأوفي بونهاردت وأوفي موندلوس في عام 1998 ولم يكشف أمر الثلاثي حتى قاموا هم ومن تلقاء أنفسهم بالكشف عن هوياتهم في عام 2011. وهذا راجع بالأساس إلى عدم إدراك السلطات الأمنية إلى وجود صلة بين الأشخاص المختفين وبين تسعة مهاجرين أطلق عليهم النار بنفس السلاح.