مركز الامام الشيرازي ناقش.. قيم النهضة الحسينية ومواجهة الاغتراب الثقافي

مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

2025-08-25 05:34

تحرير: عصام حاكم

عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث ملتقاه الشهري في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام تحت عنوان "قيم النهضة الحسينية في زمن الاغتراب الثقافي"، بمشاركة عدد من الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالشأن الثقافي، هذا وقد جاء في الورقة التي تلاها الاستاذ علاء الدين الكاظمي- الباحث في الشأن السياسي والاسلامي:

موضوع الاغتراب الثقافي موضوع مهم ومتشعب ويحتاج للعشرات من الأبحاث والدراسات والمقالات لكي نستطيع عرض تعريفاته واسبابه وكيف نواجهه في عصرنا هذا، واثناء اعدادي الورقة البحثية اختصرتها بأربع محاور عسى ان تكون مفيدة لكم ونترك للمداخلات والنقاشات اثراء الورقة بالمزيد من الأفكار ان شاء الله، وارتبط موضوعنا بشكل جوهري مع واجهته قيم الثورة الحسينية وهذا بحد ذاته يشكل انعطافه مهمة في رسم الاولويات والاستراتيجيات التي، طالما اخذت ابعاد مختلفة من حيث الاهداف والغايات المتعلقة بها.

الاغتراب الثقافي: هو الشعور بالانفصال او الغربة عن الثقافة السائدة او المهيمنة في المجتمع، بمعنى اخر هو شكل من اشكال الانفصال والتقاطع عن الواقع المعاش، بالإضافة الى ذلك الاغتراب بنسبة معينة وليس بمستوى واحد.

يمكن ان تُعزى ظاهرة الاغتراب الثقافي الى ثلاثة عوامل:

1- الغزو والاستعمار والتأثر بالمنتصر، هذه حقيقة ثابتة وامر واقع كون المستعمر الخارجي يحمل معه الكثير من الصفات والعادات الثقافية واللغوية والبيئية التي ينقلها للبلد المحتل، بالنتيجة يحصل نوع من انواع الاحتكاك والاتصال المباشر ما بين الثقافة الوافدة والثقافة المحلية، على سبيل المثال الاحتلال الفرنسي للجزائر فعل فعله في تغيير لغة المجتمع الجزائري من العربية الى الفرنسية بنسبة كبيرة ليومنا هذا.

2- العولمة والحداثة هي التي غيرت قضية الحدود والجغرافيا، بل هي من اخترقت كل الخصوصيات الحياتية والاسرية والاجتماعية، بالنتيجة هذا معنى من معاني الاغتراب العابر للحدود، من خلال العولمة الحديثة وعالم الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الافتراضية.

من اهم أسباب الغاء خاصية التفكير هي العولمة، خاصة وان جيل الشباب اليوم منعزل وعازف عن القراءة وخالي من التفكير، بالتالي من الطبيعي جدا ان تتجذر حالة الاغتراب الثقافي، لكن على الرغم من ذلك سرعان ما يتأثر بالأشياء الجيدة والمفيدة والمثمرة، العولمة والحداثة هي مفيدة جداً لمن يحسن استخدامها ومضرة ومدمرة لمن يسيء استخدامها.

3- أسباب أخرى ذكرها صاحب كتاب الحرب الناعمة الأسس النظرية والتطبيقية (علي محمد الحاج حسن) مثل مشروع (يس) وهو اختصار لبرنامج "التبادل الشبابي والدراسي"، هذا البرنامج يحمل الشباب العربي المغترب مهمة نقل الثقافة الغربية لعالمنا العربي والاسلامي. 

آثار الاغتراب الثقافي

ويمكن حصرها في ثلاثة نقاط:

1- ضياع الهوية او اضطراب الهوية، يحمل بين طياته الكثير من التوصيفات المجازية التي يختلط فيها الحابل بالنابل، كما هو حال مع فكرة رجل الدين الليبرالي أو المعمم الليبرالي، او مثلا شخصية "حسينية" تنتقد السياسة والفاشلين من السياسيين والحكام وفي نفس الوقت يشجع الفساد الأخلاقي بحجة انهم المتسببين، مؤسسة راند تقسّم الإسلاميين الى أربعة اقسام، الإسلام التقليدي، الإسلام الاصولي، الإسلام العلماني، الإسلام الحداثي او الليبرالي.

2- تمييع او ضياع الاخلاق، هذا الامر اصبح حقيقة واقعة في ضمير الشباب العراقي المتأثر بالثقافة الغربية جملة وتفصيلا. 

3- الصراع الثقافي.

قيم النهضة الحسينية وأثرها في مواجهة الاغتراب الثقافي

 الامام الحسين(ع) حمل على عاتقه مسؤولية التعاطي مع القيم الخيرة بكافة اشكالها، لا سيما قيم (الحرية، العدالة، التضحية، الكرم، الشجاعة).

بالنتيجة ان نهضة الامام الحسين عليه السلام وبعد مضى 14 قرن والى الان هي رسالة خالدة في ضمير الانسانية، من اجل تقويم تلك المسارات المعوجة والمنحرفة وفي كل عام ننهل منها ومن بركاتها الكثير عسى أن يستفيد منها ويطبقها جميع افراد المجتمع وتقترن المفاهيم والقيّم بالسلوكيات الاجتماعية.

وللمزيد من النقاش نطرح السؤالين التاليين:

السؤال الاول: ما هو مفهوم الاغتراب الثقافي؟ وكيف يؤثر على الانسان والمجتمع؟

السؤال الثاني: ما هي القيم التي اطلقتها النهضة الحسينية في مواجهة الضياع الثقافي؟ وكيف يمكن استثمارها في تحقيق التحولات الايجابية؟

المداخلات

نبذ الثقافات الطارئة والدخيلة

- محمد علي جواد تقي، اعلامي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

قيم النهضة الحسينية تحمل بين طياتها الكثير من الاسرار والمعاجز، وهي ذات سمات خلاقة في رسم هوية الانسان المسلم والمجتمع المسلم في آن واحد، فلولا وجود تلك المواقف السامية التي رسمها ابا الاحرار (ع) على رمضاء كربلاء لكانت الديانات الاسلامية هي مجرد طقوس ظاهرية لا قيم لها . 

هذه الفلسفات التنويرية الفاعلة التي تثني على الخلق العالي والسلوك القويم الذي مارسه ابى الشهداء في يوم عاشوراء، لا سيما تلك الصرخة المدوية التي اطلقها الامام الحسين(ع) والتي يرن صداها منذ مئات السنين (لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد).

 ليعصف من خلال تلك الوقفة بكل مقومات السلطة الاموية القائمة على الاغتراب الديني والثقافي، وهي دعوة صريحة للاتصال المباشر مع الرسالة المحمدية، الأمام الحسين(ع) هو امتداد طبيعي لجده المصطفى(ص)، بمعنى ان السياسة الاموية ومنذ يوم نشأتها هي تدعو للاغتراب عن وحي السماء وتشبث بالية الارض.

خاصة على مستوى الشباب الكربلائي المنهمك بالمناسك العبادية كالصوم والصلام وزيارة المراقد المقدسة، لكن في ذات الوقت هم يعيشون حالة الاغتراب الاسري والاجتماعي والثقافي.

لذلك نحن مدعوين قبل غيرنا في معالجة تلك الاسقاطات معالجة جذرية، وذلك من خلال التواصل مع سيرة الامام الحسين (ع) وما يحيط فيها من جزئيات تمس احداث واقعة الطف مثل(اقامة الصلاة وسط المعركة، الحاجة للماء، الطفل الرضيع، دعوة الناس لنصرة الحق، الحرية، الكرامة).

هذه اسئلة واستفسارات ملحة لا بد ان نقف عندها او نتمسك بها، كي ندرأ عن انفسنا مشقة عدم التشبث بالنهج الحسيني ونبذ الثقافات الطارئة والدخيلة على عالمنا الاسلامي المحكوم بحب الامام الحسين(ع) وبنهج الامام الحسين(ع).

الانفصال بين الواقع والهوية الاسلامية

- الدكتور علاء الحسيني، باحث في مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:

ان فكرة الاغتراب بحد ذاتها تعني الانفصام او الانفصال عن الواقع، بل احيانا الانسان بشكله ومضمونه يعيش حالة الاغتراب او الغربة، وهذا ليس نهاية المطاف بل النص القرآني يضع ايدينا على مفردة (المنافقين)، الذين يعيشون حالة الانفصال ما بين الظاهر وما بين الباطن.

 هذا ايضا نوع من انواع الاغتراب الديني او الثقافي ما بين ذاته وما بين الاندماج مع هذه البيئة وهذا المجتمع، في سياق هذا المعنى اراد الامام الحسين (ع) من خلال احداث واقعة الطف الحسيني وما قبلها ان يذكر هؤلاء القوم بمسؤولية المزاوجة ما بين الالتزام بالقيم الدينية والاسلامية او ما شاكل. 

 والقيم الحضارية والعرفية العربية وهي عبارة عن مجموعة قواعد درج الناس على سلوكها، حتى اصبحت في عداد الملزمة وكأنها قانون لا يمكن تجاوزها، هذا الالتزام التزام طوعي وذاتي وليس اجباري، لذلك قال لهم (إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعرابا).

اذن القواعد العرفية كانت ولا زالت في حالة انفصال عن الواقع الحاضر، لذلك نحن كمجتمعات شرقية او شرق اوسطية دائما نعيش حالة الاغتراب، وذلك من خلال التشبه ببعض المجتمعات الغربية، او احيانا نعيش حالة الاغتراب الذاتي بين ما نؤمن به وما نعمل عليه.

لهذا واحدة من اهم اهداف النهضة الحسينية هي التذكير بالحالة المأساوية التي يعيش الفرد المسلم، وما يترتب عليه من اثر يتعلق بحالة الانفصال التام ما بين الواقع والهوية الاسلامية، وكانت هناك دعوات صريحة من الامام للعودة للقيم الاخلاقية الاسلامية الاصيلة، لكن مع الاسف الشديد لم تكون هناك استجابة، بل على العكس كان التمرد والعناد القبلي والعشائري والجاهلي هو سيد الموقف.

وحدة الخطاب ووحدة الهدف 

- الاستاذ خليفة التميمي، كاتب واعلامي:

الاغتراب يعني انفصال الافراد بعضهم عن بعض، نتيجة موقف ما او قضية معينة، الا ان ذلك لا يمنع من ان يكون للاغتراب تفسيرات واشكال متعددة..

اولا: عجز الانسان على السيطرة على بيئته 

ثانيا: جدوى العمل الذي يشارك فيه

ثالثا: العزلة وعدم الانتماء الى منظمة عمل

رابعا: الغربة الذاتية

بالنتيجة تلك التراتبية تصنع لنا انسان ضعيف، منبوذ، بلا قيمة، اجنبي في بلده، هذه التراكمات وهذه الارهاصات تفقد ذلك الانسان فاعليته في التكيف مع محيطه الخارجي.

على النقيض من ذلك نجد القيم الحسينية بكل تمثلاتها الحاضرة هي نسخة مكررة للنهج القرآني، الذي لا يغادر حقيقة الامتثال لكلام الله سبحانه وتعالى، وهذا هو جوهر الفلسفة الحسينية القائمة على الصبر والتقوى والوصول للإحسان اللا متناهي.

النهضة عادة لا بد ان تأتي عن طريقين.. الاول احياء التراث، اما الامر الثاني الاستعانة بالنموذج الحضاري الذي يتناسب معنا، اكثر التقدميين يلتفتون الى فكرة احياء التراث، ولا يلتفت للنقطة الثانية وهي اختيار النموذج الثقافي الاوروبي ومحاولة تحسينه بما يتلائم مع عالمنا العربي.

من اهم اشكالات واقعنا المعرفي اليوم اننا متحدين بالأجساد فقط ومتفرقين في كل شيء، لذلك عندما نتجاوز هذه النقطة يمكن ان نصل الى مستويات افضل، بمعنى اخر ان وحدة الخطاب الحسيني ووحدة الهدف هي اهم مرتكزات تلك النهضة، التي تتقاطع باي حال من الاحوال مع حالة الهذيان او الاغتراب الثقافي والديني جملة وتفصيلا.

الاغتراب الثقافي في عدم توظيف القيم الحسينية

- الدكتور خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للدراسات والتنمية الاستراتيجية:

لابد من التفريق بين الاغتراب الثقافي والجمود الثقافي، فمن يجعل مبادئ النهضة الحسينية لا تثور في نفوس الشباب وفي نفوس الاجيال الجديدة، هو الجمود الثقافي الذي فرضته الاجيال القديمة، بمعنى انها حاولت ان تبنى متبنيات معينة وتفرضها على الاجيال اللاحقة.

في الوقت ذاته هي لم تحاول ان تعالج مشاكل الاجيال اللاحقة من خلال قيم النهضة الحسينية، وهنا قد نقترب من قضية النموذج او القدوة، الشباب العراقي اليوم لا يتقاطع مع الامام الحسين (ع) او بعيد عنه، ولكن يشعر أن ايمانه بالأمام الحسين (ع) لا يعالج ازماته ومشاكله، والعلة حسب ظني ان الاخرين لم يقدموا الامام الحسين(ع) كما يجب.

 ولذلك القضية اليوم ليست قضية اغتراب، بل هي بمستوى نظرية عدم توظيف القيم الحسينية بالشكل الصحيح، قضية الاغتراب الثقافي هي قضية متعددة الابعاد، وهي ليست حكرا على الغرب او مقترنه بهم، بل ان الاغتراب الثقافي مقترن بالهوية، لذلك نجد ظاهرة اغتراب المثقفين.

حتى في زمن الامام الحسين (ع) كان هناك اغتراب ثقافي، الواقع آنذاك اصبح مفصلا عن الهوية الاسلامية، بالنتيجة اصبح المجتمع مغتربا ثقافيا عن الامام الحسين (ع)، لذلك قال قولته المشهورة (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر).

 وفي موقف اخر قال..(ألا ترون أنّ الحق لا يعمل به وأنّ الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإنّي لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برماً)، نستخلص من خلال ما تقدم ان المجتمع او نظام الحكم في ذلك الزمان انفصم عن الهوية الاسلامية الحقيقية، التي كان يدعوا اليها الامام الحسين (ع) والتي جاء بها الرسول(ص).

 والحال ينطبق ايضا على المجتمع العراقي اليوم الذي يتبنى قيم ليس لها علاقة بالهوية الاسلامية، حتى كبار القوم وحتى النظام السياسي القائم الان، هو يفرض علينا قيم خاصة يتهددنا بها تحت وصاية الخروج من الملة، في الوقت الذي نريد فيه ان تحيي السنة، بالتالي ان مرتكزات النهضة الحسينية جاءت لتعزيز القيم فينا.

لا سيما تلك التوصيفات والعناوين النبيلة والمنصفة في تشذيب الذات وتطهيرها مثل الصدق والامانة، الكرامة الانسانية، احترام الانسان وحقوقه وحرياته، هذه السلسلة من السلوكيات الخلاقة هي محل حفوة من اين ما جاءت.

 في الختام نحن احوج ما نكون اليوم الى فهم قيم النهضة الحسينية وان نتقبلها وفق معالجات معاصرة وان نبني النموذج.

انتفاضة الامة على ذاتها

- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

هناك حاجة ماسة للرجوع الى النهضة الحسينية لا كذكرى فقط، بل كمنظومة قيمية متكاملة قادرة على اعادة بناء وعي الانسان، خاصة ونحن نعيش اجواء الاغتراب الثقافي المتصل بانفصال الانسان عن معتقداته الاصلية والحضارية، هذا مما يؤدي بطبيعة الحال الى مجموعة عوامل منها..

 ضياع البوصلة الاخلاقية، ايضا تفكك السلوك الجمعي، انهيار المسؤولية الجماعية، ما عدا ذلك يكون الفرد في دائرة الاستهلاك اكثر منه الى الانتاج، بالتالي الاغتراب الثقافي يمكن ان يكون مستوى خطورته اكثر من الاحتلال العسكري، لأنه يحتل العقل من الداخل، بل يعمل على استلاب الذات بلا مقاومة.

من هنا جاءت النهضة الحسينية تحمل على عاتقها مسؤولية انتفاضة الامة على ذاتها وعلى مبادئها، من وجهة نظر معاصرة جاء الامام الحسين(ع) لينهي مفهوم الاغتراب الحاصل في هذه الامة، وذلك من خلال تفعيل الاليات اللازمة والاستثمار في القيم الحسينية الحقة، لا سيما ما يتعلق منها بمنابر الوعظ والارشاد الحسيني.

لذلك ينبغي على اصحاب المنبر الحسيني الارتقاء من المنبر العاطفي الوعظي، الى المنبر النهضوي الذي يخاطب العقل والوجدان، ايضا لابد من التركيز على المناهج التربوية التالية الكرامة، الحرية، المساواة، احترام الاخر، السلام، ايضا العمل على السلوك الاجتماعي المطالب بالعدالة.

الاغتراب الثقافي الداخلي

- الدكتور عقيل الحسناوي، باحث وأكاديمي:

المقاطع المصورة في شبكات التواصل الاجتماعية يصفها بعض علماء الاجتماع بـ(العفن الفكري)، والسبب لأنها لا تعطيك نتيجة، الامر الآخر لا يمكن تعميم فكرة الاغتراب الثقافي على كل شيء، خاصة وان التيار الحضاري هو تيار جارف ولا يمكن مقاومتها.

والحضارة الغربية مع انها حضارة مادية الا انها ليست سيئة بالمطلق، بل هناك الكثير والكثير من الاسهامات العلمية والتكنلوجية المتطورة التي تثب في خانة خدمة الانسان، لكن ما يحصل من اغتراب داخلي او ثقافي هو بسبب قصور فينا.

فيما يتعلق بثورة الامام الحسين(ع) فلا بد من تحويل تلك الثورة في حياتنا الى ثورة حركية نبعد عنها الاغتراب من خلال التفكير النقدي.

ان الاغتراب الثقافي الخارجي لا يؤثر علينا كالاغتراب الثقافي الداخلي، الذي تتعطل فيه الكثير من الخطوط الحمر التي تعترض حياتنا اليومية. 

الاغتراب الفطري والاستلاب بالنفاق

- الشيخ مرتضى معاش:

مصطلح الاغتراب ليس له علاقة بالغرب، بل هو مصطلح حديث ظهر بعد رأسمالية الثورة الصناعية في الغرب، وأول من استعمله ماركس وكان يقصد به قيام الرأسمالية باستلاب الإنسان من كونه إنسانا وذاتا إلى مجرد آلة وسلعة في ماكنة النظام الرأسمالي، فالمصطلح نقد للرأسمالية، ومن ثم تحول هذا المصطلح إلى مصطلح شامل عندما قام الماركسيون الجدد في مدرسة فرانكفورت النقدية في نقد ليبرالية ورأسمالية ما بعد الحداثة في الغرب حيث ان أكثر من وقع في الاغتراب هم الغربيون أنفسهم. 

وفي علم النفس، يعني الاغتراب عن الذات والانفصام عنها، وهو محور لكثير من الامراض النفسية.

وفي المصطلح الاسلامي، الاغتراب الثقافي ينطبق على النفاق في احد مصاديقه، فالنفاق يعني ضياع الذات وازدواجية المنافق وعدم ارتباطه بذاته وفقدانه لبوصلة نفسه، فالنفاق هو الانفصال عن الذات وضياع الهوية والانتماء، لذلك قد يكون المنافق علاقاته الاجتماعية أوسع على عكس رأي بعض الآراء التي وردت، ولكنه يتلون بحسب ألوان المجتمع أي لا يكون عنده وعي خاص يرتبط بإدراكه، فيفتقد للمبادئ ويكون هلاميا بحسب توجهات المجتمع وبحسب قوة الواقع الذي يسيطر عليه، وبحسب البيئة الحاكمة أو النظام السائد، او كما يقال سلوك القطيع. وهذا يعني بالنتيجة انفصام او انفصال عن الذات والذوبان في الآخر، بمعنى استلاب الذات وضياع الهوية وفقدان الانتماء لأي شيء الا الانتماء للمتغيرات المصلحية الانانية. فالمنافق شخصيته ممسوخة بلا هوية تشخصه، كالذي يعيش في ظل النظام الديكتاتوري. 

والاغتراب عن الذات يقصد منه الاغتراب عن الفطرة، وافتقاد الحس الإنساني وبالتالي الاغتراب الاخلاقي، فالمغترب لايرى ان الظلم قبيح كما نرى العالم اليوم الذي يشهد حروب ابادة جماعية شاملة حيث يتعامل معها ببرود شديد، ليس له ارتباط بالواقع الإنساني ومنفصل عن الأخلاقية الانسانية وهذا هو اغتراب فطري عن الذات. 

فالذات الحقيقية وليست الانانية هي مجموعة من القيم الفطرية الأساسية، ترى الظلم قبيح والعدل حسن، الكذب سيء والصدق جيد، الامانة ممدوحة والخيانة مذمومة، فالمنافق يفتقد القيم الفطرية، لذلك فإن الذين وقفوا مع الامام الحسين (عليه السلام) كانت ثلة قليلة جدا، وهم الذين شعروا بانتمائهم الفطري للذات. 

والامام الحسين (عليه السلام) كان الهدف من نهضته الاصلاحية ارجاع الانسان الى ذاته. لذلك قال (إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعرابا)، فأحسابكم أي ارجع الى ذاتك وعد الى نفسك الاصلية والاساسية.

كذلك قوله عليه السلام: (فقد ملئت بطونكم من الحرام، وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟) وهذه من صفات المغترب عن الذات والمنافق الذي ينفصل عن الواقع عندما يأكل الحرام فلايسمع ولايرى ولايعي ولايدرك، فالانسان الذي يحمي فطرته من التلوث هو الذي يأكل الحلال، فينسجم مع فطرته ويكون في يقظة ووعي وفهم.

 كذلك الحق والباطل فالحق هو الفطرة، والباطل هو الانفصال عن الواقع والاغتراب عن الذات. فلذلك كان الامام يدعو الى الهدف الأساسي للامام الحسين (عليه السلام) هو ارجاع الانسان الى ذاته وبناء التواصل العميق مع فطرته. 

وهذا هو المطلوب في هذا اليوم ان نحول قيم عاشوراء لأبنائنا وأجيالنا ببناء الذات المتربية على الحرية والانعتاق من الشهوات، والتربية الصحيحة بفتح جسور التواصل مع فطرتهم والخروج من الاستلاب المادي، المسيطر على المجتمعات المعاصرة، وقد قال الامام الحسين (عليه السلام): (إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون)، حيث يؤدي الانغماس الدنيوي الى صناعة حواجز تحجب بين الانسان وفطرته، والاغتراب عن الذات. 

فالعودة الى الذات تعني شعور الانسان بحريته والوعي بوجوده، والاحساس بهويته والعثور على انتمائه الحقيقي، فالانتماء الحقيقي للإنسان هو الانتماء الى الله سبحانه وتعالى، والذي ينتمي الى الله سبحانه وتعالى هو الذي يتحول الى مواطن صالح. المواطنة الحقيقية تحصل بالانتماء الى الله سبحانه وتعالى فقط عبر الإخلاص له عزوجل. واي انتماء ثان سيكون فيه نوع من الخلط الذي سيؤدي الى الخروج عن الذات وتلوث الفطرة، وقد يتسبب في دخول عالم النفاق.

جسور التواصل بين المنبر والشباب

- علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

يتناول موضوعة الاغتراب من زاوية شخصية وفي سن مبكرة، كونها تمثل آنذاك محو للحرية والتزمت العائلي واشياء اخرى سيئة، لكن في مقابل ذلك كانت هي فرصة ثمينة لمطالعة الكتب التي تتناول الحرية، وما يدور في فلكها ولمختلف الكتاب العالميين.

هذه القراءات اعطتنا هامش كبير من الحرية والانفتاح والنضج المبكر، لذلك نحن مطالبين اليوم وبحكم الانتماء الحسيني والفعاليات الحسينية، ان نمد جسور التواصل ما بين المنبر الحسيني وبين الشباب الحسيني لزرع القيم والمثل العليا.

اشكالية تغليب العامل النفسي على العامل القيمي

- الدكتور منتصر العوادي، باحث اكاديمي:

يستسفر اولا عن الفارق ما بين الغربة والاغتراب؟، وهل الاغتراب الثقافي سلبي ام ايجابي؟، اما بالنسبة لقيم النهضة الحسينية فلا يختلف عليها اثنان، خاصة وان شعوب العالم الانساني عندما لا يكون لديها مصالح تميل للانحراف عن جادة الصواب، ولذلك كانت ارادة الله سبحانه وتعالى ان يبعث الانبياء والرسل والمصلحين بهداية الناس الى الرشاد.

بالتالي ان الامم تميل الى ان تغترب عن قيمها، العلة وجود تصادم بين ما يؤمن به الناس وما بين مصالحهم، في زمن الرسول الكريم(ص) انحرف الكثير من الناس عن الدعوة الاسلامية، وهذا ما حصل مع الامام الحسين (ع)، السبب بطبيعة الحال المصالح الذاتية.

 لا سيما في وقتنا الحاضر نحن نحتاج ان نجدد العهد مع قيم النهضة الحسينية وان نزرعها في النفوس، وذلك كي نتحاشى اشكالية تغليب العامل النفسي على العامل القيمي.

 الاغتراب عن الآخر

- الدكتور لطيف القصاب، إعلامي وباحث سياسي:

الاغتراب حالة انسانية لا تؤطر بزمن معين، وهو اغتراب عن الاخر، او اغتراب عن المحيط، على سبيل الاستدلال الانسان النزيه يحس بالاغتراب عندما يجد نفسه في وسط من اللصوص، والعكس صحيح، اللص عندما يجد نفسه في محيط نزيه سيتحقق لديه الاغتراب نفسه.

الاغتراب هو النشوز الثقافي

- الدكتور خالد عبد النبي الأسدي؛ باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:

ان المفاهيم تتغير بين الفينة والاخرى، حتى الاغتراب كان يسمى النشوز الثقافي، اي ان الانحراف عن السلوك المعتاد يعتبر نشوز عن القاعدة وعن الثقافة العامة، الا ان ذلك لا يغير حقيقة اننا نعيش حالة الاغتراب الثقافي.

والشاعر هو اهم من يعيش حالة الاغتراب الثقافي، خاصة وانه يحمل النرجسية العالية كهوية.

الاغتراب الثقافي حالة نفسية

- الباحث حسين علي حسين عبيد، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

ان الاغتراب الثقافي هو حالة نفسية، وهي للذات، والذات تقسم الى قسمين عوامل وراثية واخرى بيئية، العوامل الوراثية هي التي تأتي من الاب والام، اما العامل البيئي فهي تأتي من الجيران والاقران والاصدقاء، فعلى سبيل المثال الانسان الشيعي في شهر محرم وصفر يكون انسان ثاني مختلف عن بقية ايام السنة، هذا هو الاغتراب الحقيقي.

ختاما نحن نحتاج لقدوة ونموذج نتأسى به كي نكون في صف قيم النهضة الحسينية على مدار الايام والشهور والسنين.

ترجمة قيم النهضة الحسينية الى سلوك وفعل 

- الدكتور حسين أحمد السرحان، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

يراهن على الجانب القيمي في بناء الانسان، فلا يوجد مجتمع ذو بنية ثقافية من دون بنية قيمية، لذلك حتى الامام الحسين(ع) جاء يدعو للمنظومة القيمية التي جاء به الحبيب المصطفى(ص).

هذه المنظومة صابها الوهن والاختلال ما بعد رسول الله(ص)، لذلك جاء الخطاب الحسيني ليذكر اولئك الناس بحقيقة اختلال الهوية الاسلامية وانحرافها، وهذا هو جوهر واقعنا الاسلامي المختل في منظومته القيمية، اضعاف مضاعفة عن العام 61 للهجرة يوم تشكلت احداث واقعة الطف الحسيني بشكل كامل.

لذلك ان خيارات حماية المنظومة القيمية تبدئ من الداخل اولا، ومن ثم يتم ترجمة قيم النهضة الحسينية الى سلوك وفعل وليست مجرد طقوس شكلية ورمزية.

شباك التغيير الثقافي في الهواء

- محمد علاء الصافي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث: 

ان مجتمعات العالم بأجمعها تشعر بالاغتراب، بسبب القوانين والانظمة التي تم استحداثها بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة على مستوى الدول التي تنادي بالحرية وبالديمقراطية وهي تحاصر الشعوب وتقتلها تحت شعارات مختلفة، بالنتيجة الاختلال الحاصل في القيم الانسانية والبشرية، يختلف تماما عن قيم النهضة الحسينية.

 لذلك نجد صدى تلك الفعاليات السياسية التي تدعم حقوق الانسان غير مؤثرة وفاعلة على مستوى التطبيق، وكذلك الحال بالنسبة للهوية الاسلامية التي ترفع شعار العدل والمساواة هي لا تتقيد في تفاصيل تلك الهوية الا من خلال الشعارات.

والا كيف نفسر ذلك البون الشاسع بين وجود الشفافية ونقيضها واختلاس الاموال والمحسوبيات وما شاكل، بالنتيجة تتيقن من وجود انفصام واضح ما بين القيم التي تتصدر والسلوكيات، وهذا لن يتم لولا وجود بناء ثقافي للمجتمعات، الشباب العراقي اليوم لا يجد لديه وعاء صافي ونظيف ينهل منه القيم والمثل العليا وأول من يلام عن ذلك المؤسسات الدينية والثقافية التي تعيش في عزلة وانفصام عن الواقع المجتمعي أو انها تمتلك أفكار لكن تعجز عن تسويقها وايصالها للجيل الناشئ.

بالإضافة الى ذلك نحن نفتقر اليوم الى المؤسسات التربوية الناهضة والمناهج المدروسة في تحقيق مستلزمات العدل والانصاف والمساواة، لان في خلاف ذلك نحن كمن يرمي شباك التغيير الثقافي في الهواء.

الاغتراب في البديل الغربي

الأستاذ صادق الطائي:

حالة الفراغ الثقافي والابتعاد المقصود بدافع القوى الاستعمارية خلف حالة من الضياع والانبهار والاعجاب بالموجود الغربي، وكأن الموجود الثقافي الإسلامي بضاعة قديمة ومتهرئة وفاقدة لقدرات الوجود في هذا العصر وتقديم وتقليد السلوكيات وطرق العيش الغربية واتخذها وجعلها بديلاً مقبولا للفكر والطريقة ذات الاصول الاسلامية المتبعة في الاقطار الإسلامية. هذه العمليات وغيرها تركت لنا تهميش وضياع وفراغ تعاني منه الامة حتى الان.

أما في العهد الاموي لاسيما في زمن (يزيد) الذي ادخل الثقافة والفكر (الروماني) او الغربي الى البلاد الإسلامية عكس الانظمة الاستعمارية الكافرة ربما النقطة المشتركة هي (الكفر) بين الخطين او الطريقتين.

الاول يفرغ الساحة ويدخل الكفر، الثاني يدخل الكفر ويفرغ الساحة من الفكر والسلوك الإسلامي، عندما أصبحت الساحة الاسلامية يتلاعب بها يزيد وبعض مثقفي الفكر اليوناني وشعور الكل بأن الفكر والعقيدة والسلوك بدأ يتغيّر، وان جزء من واقعة كربلاء وما دار فيها من قيّم ثورية ومواقف إسلامية نبيلة وسلوكيات محمودة هي رسالة مؤثرة للامة في ملأ الفراغ الثقافي وحالة الاغتراب التي بدأت الامة تعاني منها، مثلا لقاء الامام السجاد مع رجل من اهل الشام مخدوع بالإعلام الاموي يقول (الحمد لله الذي هزمكم وابطل احدوثتكم ونصر السلطان عليكم)، عندما ناقشه الامام شعر انه يعيش فقر وفقدان كامل لثقافة القرآن وقيّم الاسلام، ولكن بسبب النهضة الحسينية التي جاءت بعد الاغتراب الثقافي وفقدان الموازين الاسلامية الجديدة في المجتمع لكان فعلا تهديم وطرد وترك الفكر الاسلامي أي جعل الشعب يعيش جهل واغتراب كامل لقيّم وموازين السماء.

تعزيز الوعي الفردي والجمعي

أوس ستار الغانمي، صحفي في شبكة النبأ:

الاغتراب الثقافي هو شعور الإنسان بالانفصال عن القيم والتقاليد والمبادئ التي تشكّل هويته الثقافية. ويحدث هذا الاغتراب حين يجد الإنسان نفسه في بيئة لا تمثّل ثقافته أو حين تتعرض ثقافته الأصيلة للتهميش أو التغييب. يؤثر هذا الاغتراب سلبًا على الفرد من حيث فقدان الانتماء، والاضطراب النفسي، كما يؤدي إلى تفكك المجتمع وفقدانه البوصلة الأخلاقية والقيمية.

أطلقت النهضة الحسينية مجموعة من القيم الخالدة، من أبرزها: الكرامة، والعدل، والحرية، والتضحية، والوعي، والإصلاح. وقد شكّلت هذه القيم ركيزة في مواجهة حالات الانحراف والضياع الثقافي آنذاك. ويمكن استثمار هذه القيم في زماننا الراهن من خلال تعزيز الوعي الفردي والجمعي، وإحياء روح المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية، ومقاومة محاولات التغريب والتشويه الثقافي، بما يحقق تحولات إيجابية في بناء مجتمع متماسك وواعٍ بهويته.

مصداق مثلي لا يبايع مثله

الأستاذ حسن كاظم السباعي:

لو أردنا أن نختزل مفهوم "الاغتراب الثقافي" فيمكن القول؛ هو كون الإنسان يضطر ليتبنى فكرا أو عقيدة أو ثقافة ليس مقتنعا بها قلبيا بل يأخذها مصلحة أو خوفا، لسبب ما: ككسب معاشه أو للحصول على مكانة مادية أو وجاهة معنوية، أو خوفا من ضرر قد يصيبه في حالة معرفة الآخرين بأفكاره فيظهر خلاف ما يعتقده.. 

كل ذلك من أبرز مظاهر الاغتراب الثقافي، وأول ضحية لهذا الاغتراب هو الإنسان المغترب نفسه حيث يعيش في حالة من الضياع ولا يدري لماذا عليه أن يدفع الضريبة، فالنفس الإنسانية مستعدة أن تضحي بكل غال ونفيس من أجل أن تحافظ على مبادئها التي هي أهم لديه من الخبز والمكسب المادي، فصار المغترب يعيش العكس؛ يضحي بفكره وعقيدته لكي يحصل على مصلحة آنية ومهما كانت هذه المصلحة ثمينة حسب مقاييس المصلحة، فإن تأنيب الضمير لن يتركه وإنما سيؤدي به إلى أن يخسر حتى تلك المصلحة نفسها، ذلك لأن طبيعة الإنسان وكيانه؛ معنوية قبل أن تكون مادية، وبالتالي فإن الطبيعة لا ترحم من يتحداها ويحاربها..

أما تأثيره على المجتمع؛ فإن هذا النوع من الاغتراب سينتج ظاهرة "الرياء الاجتماعي"؛ ذلك لأن المجتمع سيعيش حالة غير مقتنع بها وإنما يقوم من أجل إرضاء الطرف الآخر أو خوفا من المخاطر التي قد يتوهم بها في حالة ممارسة قناعاته.

وفي هذا المضمار يمكن ذكر مثال من تجربة صاحب موسوعة دائرة المعارف الحسينية حيث يذكر أنه كان يبحث عن كل الشعراء الذين أنشدوا في الإمام الحسين(ع) ليجمع أشعارهم مع سيرتهم الذاتية في موسوعته، فعثر على شعر حسيني من أحد الشعراء، وحينما اتصل به وطلب منه أن يرسل سيرته الذاتية قال له الشاعر المذكور: أنه كان ينشد الشعر الحسيني في بداية شبابه وهو الآن لا يريد أن يعرف عنه أحد تلك السيرة، لا لشيء و إنما لأنه انتمى إلى جهة لا تعجبها هذه الأفكار، أي إن الشاعر لم يغيّر قناعاته وإنما مصالحه فرضت عليه أن يعيش هذا الاغتراب والرياء الإجتماعي!

ولا يقال أن هذا الشخص يعيش في راحة نفسية وإنما يعيش ضياعا قد يؤدي به يوما إلى أن ينشد ضالته ويعود إلى أصله، وإما يقع في متاهات أصعب، فالذي يريد إرضاء الآخرين على حساب نفسه لن يصل إلى مبتغاه، ذلك لأن رضا الناس غاية لا تدرك..

وفيما يرتبط بالقيم التي أطلقتها النهضة الحسينية في مواجهة الضياع الثقافي؛ فهي قد تجلت في كل لحظة من لحظات هذه النهضة، وأبرزها مثال الحر الرياحي؛ ذلك الثائر الذي ثار على كل الأعراف الدخيلة والموروثات الغريبة عن قناعته فعاد إلى أصله، وصدق من قال: إن كان لكل إنسان نصيب من إسمه فللحر كل النصيب.

كما أن الإمام الحسين(ع) بنفسه لم يكن حسينا إن لم يفعل ما فعل، ولقد خُيِّر إما أن يكون حسينا وإما لا يكون، فلقد ذهبت كل مظاهر الإغراء والإرهاب، والتطميع والتهديد و لم يبق منها شيء، إلا أن الحسين(ع) بقي لأنه لم يرض أن يعيش ذلك الاغتراب إن صح التعبير، وكان خروجه هو خروج شخصي وذاتي قبل أن يكون خروجا سياسيا أو اجتماعيا وذلك بناء على كلمته الخالدة: "مثلي لا يبايع مثله..".

أما عن كيفية استثمار قيم النهضة الحسينية في تحقيق التحولات الإيجابية؛ فإنه في أحلك الظروف وأشدها مرارة نتيجة الاغتراب الثقافي؛ لو جعل الفرد أو المجتمع تلك النهضة نصب عينيه فإنه سيجد ضالته التي تخرجه من الضياع، فعادة ما ينظر إلى عاشوراء على أنها ثورة، أو تغيير أو إصلاح، أو مطالبة بحقوق مهدورة ومضيعة، أو إنقاذا للدين أو العقيدة، أو سائر المفاهيم المتداولة، وكل يدعي الوصل بليلى، إلا أن ما هو مغفول عنه ومضمور، هو ذلك الجانب العلمي أو النفسي الذي يعالج الأزمة الثقافية التي تصيب الفرد أو المجتمع نتيجة الرواسب والتراكمات أو الإغراء والترهيب؛ ولا ننسى ذلك النموذج الذي طالما كان يذكره الإمام الشيرازي خلال محاضراته وكتبه: حين كان المد الشيوعي الذي غزا المجتمعات الدينية والمحافظة لعقود من الزمن، حينما كان يحين موسم عاشوراء كانت تتلاشى تلك الجهود وتتبخر الطاقات والأموال التي صرفت من أجل غسيل الأدمغة، وتغيب تلك الأفكار والإيديولوجيات الدخيلة، فيعود المجتمع إلى أصله تاركا كل ما تلقاه طوال عام كامل، مما أدى إلى استغراب الزعيم الشيوعي ستالين، وحينما عرف السبب قال: "اقتلوا كربلاء..".

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2025

http://shrsc.com

ذات صلة

الظالمون يُركَسون في الظلاملا أستثني أحداًاستبعاد المرشحين: بين الحاجة إلى التنقية وشبهة الإقصاءخيارات إيران الصعبةمساعي ترمب لإبرام اتفاق سلام روسي–أوكراني