استبعاد المرشحين: بين الحاجة إلى التنقية وشبهة الإقصاء

مصطفى ملا هذال

2025-08-25 05:28

الانتماء الى حزب البعث المنحل يحرم الأشخاص من الترشيح في الانتخابات البرلمانية، وهذا نص قانون، وكما يقال لا اجتهاد مع النص، لكن الإبعاد بتهمة حسن السيرة والسلوك، هذه بدعة جديدة تدخل ميدان العمل السياسي، مؤخرا، فهي عبارة فضفاضة ولم تحدد ملامحها وحدودها، وقد تكون لون من ألوان الاستهداف او التصفية والاقصاء السياسي.

لا اعرف فيما إذا كان قرار الابعاد جاء بعد تمحيص المرشحين ومعرفة سلوكهم الأخلاقي والسياسي للسماح لهم بالمشاركة، وإن كان هكذا، فكم هي الفترة الزمنية التي تحتاجها الجهات الرقابية لتبت بالنتيجة؟، اما السماح لهذا المرشح بخوض الانتخابات من عدمه.

لو افترضنا إخضاع الجميع لمسطرة السلوك الحسن او حسن السيرة، فكم من المرشحين يمكنه من العبور؟ بالتأكيد سيُمنع الكثير من اجتياز هذه العقبة؛ ذلك ان اغلب المرشحين والمشاركين في العملية السياسية تلاحقهم الكثير من شبهات الفساد، وهم السبب الرئيس في تعثر العديد من المشروعات المتلكئة الى وقتنا الحالي، ولهذا يكون من الصعوبة بإمكان إعطاء رخص للعبور.

مع كل دورة انتخابية جديدة، يتكرر المشهد ذاته، قوائم طويلة من المرشحين المستبعدين، واتهامات متبادلة بين المفوضية والقوى السياسية، وجدال واسع في الشارع العراقي حول شرعية هذه القرارات.

ولعل السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه اليوم هو، هل أصبحت عملية الاستبعاد أداة لحماية المسار الديمقراطي، أم غطاء لإقصاء الخصوم؟

لا شك أن بعض قرارات الاستبعاد تبدو مبررة ومطلوبة، خاصة تلك التي تستند إلى أحكام قضائية قطعية تتعلق بالفساد أو الجرائم الجنائية أو تقديم وثائق مزورة، فوجود شخصيات كهذه داخل البرلمان لا يمثل فقط خطرا على سمعة المؤسسة التشريعية، بل يُكرّس فقدان الثقة بين الناخبين والدولة، وهنا يكون الاستبعاد بمثابة خطوة إصلاحية تعزز مصداقية العملية الانتخابية.

غير أن ما يثير الريبة هو تلك القرارات التي تستند إلى معايير ومفاهيم واسعة، فمن يعلم ربما حسن السيرة والسلوك لا تعني ان المرشح يجب ان يستبعد في الوقت الحالي، ولمَ القرار جاء بعد كل هذه السنوات، فمثلا بعض الشخصيات المستبعدة كانت تزاول العمل النيابي لدورة او دورتين فلماذا بهذا الوقت بالتحديد تم الانتباه؟

يمكن وصف الانتباه الحالي بالسياسي أكثر منه مهني، فالكثير من المرشحين المعروفين بمواقفهم الوطنية، تُمارس بحقهم أقسى الأساليب الحرمانية، ويترك البعض الآخر، ولنا العديد من الأمثلة التي تؤكد غض الطرف عن آخرين يواجهون اتهامات مشابهة، في مفارقة تُضعف ثقة الجمهور بالمؤسسات المستقلة.

المفارقة الأكبر أن مثل هذه القرارات تضع الناخب أمام قوائم مغربلة مسبقا، فلا يعود صندوق الاقتراع هو الفيصل النهائي بين المتنافسين، بل قرارات إدارية أو تقارير من جهات رقابية، قد تكون هي نفسها عرضة للجدل أو التأثير السياسي، وهذا ما يُعمق شعور المواطن بأن العملية الانتخابية مفخخة منذ البداية، وأن ما يقدم له ليس تنوعا حقيقيا بقدر ما هو خيارات محكومة بترتيبات مسبقة.

إن خطورة الظاهرة لا تكمن فقط في استبعاد أسماء بعينها، بل في الرسالة التي توصلها إلى الناخب، وهي أن الديمقراطية العراقية ما زالت تُدار بأدوات فوقية أكثر من كونها تعبيرا عن الإرادة الشعبية، ومع تكرار هذا النمط يتعزز الانطباع بأن الانتخابات ليست منافسة متكافئة، بل عملية مقيدة بمعايير يحددها اللاعبون الأقوياء.

في نهاية المطاف، استبعاد المرشحين قد يبدو ضرورة من الزاوية القانونية، لكنه يتحول إلى مشكلة حين يصبح أداة سياسية، وما بين حماية الديمقراطية وتشويهها، تبقى المسؤولية مشتركة بين المفوضية والقضاء، والقوى السياسية، قبل أن تنتهي في يد الناخب الذي يملك الكلمة الفصل إن أُتيح له الخيار الحر.

ذات صلة

الظالمون يُركَسون في الظلاممركز الامام الشيرازي ناقش.. قيم النهضة الحسينية ومواجهة الاغتراب الثقافيلا أستثني أحداًخيارات إيران الصعبةمساعي ترمب لإبرام اتفاق سلام روسي–أوكراني