الحق في الدواء

د. علاء إبراهيم محمود الحسيني

2025-10-21 04:26

 يعد الحق في الحصول على الدواء واحداً من أهم الحقوق المرتبطة بحياة الإنسان، ويتصل هذا الحق بحق الإنسان في الصحة والتمتع بالسلامة الجسدية، وان تخلف هذا الحق أو الإنقاص منه يتسبب في الكثير من الأحيان بموت الإنسان، ولا يمكن لأي فرد ان يستغني عن الدواء لاسيما عند حلول مواسم مثل الشتاء أو حلول أزمات كالأوبئة والأمراض.

الدواء يعرف بأنه مادة مصنعة أو نصف مصنعة أو طبيعية من شأنها ان تعالج خلالاً أو إصابة معينة في جسم الإنسان، وينبغي ان تخصص للتشخيص أو الشفاء أو لتسكين الألم، وقد عرف المشرع العراقي ما تقدم في قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم (40) لسنة 1970 في المادة الثانية حين عرف ما تقدم بأنه ((المستحضرات أو التراكيب التي تحتوي أو توصف بأنها تحتوي على مادة أو أكثر ذات خواص طبية لشفاء الإنسان أو الحيوان من الأمراض أو للوقاية منها أو تستعمل لأي غرض طبي أخر ولو لم يعلن عن ذلك صراحة، والتي سبق تحضيرها لبيعها أو عرضها للبيع أو لإعطائها للجمهور للاستعمال الخارجي أو الداخلي أو بطريقة الحقن بشرط ان لا تكون واردة في أحد طبعات دساتير الأدوية وملحقاتها الرسمية وتعتبر من هذه المستحضرات السوائل والمجهزات المعدة للتطهير التي لم تذكر في دساتير الأدوية ومبيدات الحشرات المنزلية وكذلك المنتجات الغذائية ومستحضرات التجميل التي لا تستعمل إلا في الأغراض الطبية).

وكذلك عرّف القانون المستحضرات الدستورية بأنها ((الأدوية والتراكيب المذكورة في أحد دساتير الأدوية المعترف بها في العراق))، ومن النصوص المتقدمة يتبين ان المشرع العراقي عمد إلى تحديد الأدوية والمستحضرات على سبيل المثال لتستوعب المعالجة التشريعية الحالات المستقبلية والاحتمالات التي لم يرد ذكرها في النص وليتجنب التعديلات المتكررة بإعطاء النص المرونة الكافية في تحديد معنى الدواء.

 وللتمييز بين الدواء والمستحضر نقول ان الدواء مركب كيميائي يحمل خاصية تسهم أو تساعد في العلاج من مرض معين أو تسهم في الوقاية منه، بينما تنتج المستحضرات الصيدلانية عن تحضير أو تركيب دوائيين مختلفين أو أكثر بحيث ينتج عنها دواء جديد يسمى بالدواء المركب أو المحضر، وهو يجمع بين الخصائص المشتركة للأدوية المتكون منها.

ويحدد معنى الحق في الحصول على الدواء بأنه حصول الفرد على الدواء اللازم للعلاج أو للوقاية من الأمراض التي يتعرض لها خلال حياته، ليتمكن من العيش والعمل وممارسة سائر حقوقه المعترف بها كالزواج وتأسيس الأسرة وما سواها، وبهذا يمكن للفرد ان يهنأ بحياة فردية قائمة على التكامل الصحي منذ صغره إلى حين بلوغه نهاية العمر، ولا يتحقق ما تقدم ما لم نعترف للفرد بحق الحصول على الدواء بمعنى حصول الفرد على حاجته من الدواء من حيث الكمية والنوعية والسعر الملائم وفق آليات قانونية وفنية مناسبة للظروف الصحية في البلاد والعالم، وهذا الحق مرتبط بمجموعة من المبادئ منها:

أولاً: مبدأ المساواة وعدم التمييز: فللجميع الحق الأصيل في عدم التعرض للأمراض بأي شكل من الأشكال، وفي حال التعرض لها يكون واجب الدولة ان تتيح له الحصول على الدواء المناسب، بعبارة أشد وضوحاً وظيفة الدولة في المجال الطبي تتخذ مسارين، الأول المسار الاحترازي وفيه يكون من واجبها المحافظة على الصحة العامة بكل الوسائل الشرعية ومنها توفير مراكز الرعاية الصحية الأولية والمتقدمة، والثاني الطريق العلاجي وفيه يكون من واجب الدولة توفير متطلبات الشفاء بضمنها العلاج أو الدواء المناسب والمتاح والذي يكون بمتناول الجميع، وإعداد الأماكن الخاصة التي تتناسب مع متطلبات العلاج.

ثانياً: مبدأ تكافؤ الفرص في العلاج: بمعنى ان تتاح للجميع فرصة التخلص من الألم والمرض والمعاناة، لا أن تكون الفرصة متاحة للأغنياء دون الفقراء وللمواطنين دون المقيمين أو لفئات من المجتمع دون الأخرى، فقد أشار الدستور العراقي للعام 2005 إلى هذا المبدأ والذي يشكل واجباً على الدولة في المادة (30) والتي تنص على أن ((تكفل الدولة للفرد والأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم))، وألزمت المادة (31) بأن ((لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية وتعنى الدولة بالصحة العامة وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية))، إلا أن ما يؤسف له ان الجهات المختصة ورغم إقرار قانون الضمان الصحي رقم (22) لسنة 2020لا زالت تتعثر في تطبيق هذا القانون الذي يمكنه ان يكفل ما تقدم حيث انتهت المادة (5) منه إلى من أهداف القانون ((تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي، تقليل الأعباء المالية على المواطن والحد من الفقر)).

ثالثاً: ان الحق في الصحة والحصول على الدواء يعد من الحقوق الشاملة: بمعنى أن هذا الحق ترتبط به مجموعة كبيرة من الحقوق الأخرى كالحق في الحياة الحرة الكريمة، والحق في الغذاء الصحي المناسب، والحق في الحصول على المياه النظيفة المناسبة للاستعمالات الشخصية واليومية، والحق في السكن الملائم الكريم، والحق في الكرامة البشرية والسلامة الجسدية، فالحق في الدواء مرتبط بطيف كبير من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية المتداخلة معه والتي لا تقبل الانفكاك عن بعضها البعض بحال من الأحوال وبلوغ حالة التكامل والسلامة على المستوى البدني والعقلي للإنسان، يتوقف إلى حد كبير على حقه في الحصول على الدواء والرعاية المناسبة، فوحده العلاج قد لا يكفي للتماثل للشفاء بل ان الرعاية المرافقة أو اللاحقة جزء لا يتجزأ.

 مما تقدم فبعض الأمراض تتطلب علاجاً تابعاً أو مكملاً كالخضوع لجلسات العلاج الطبيعي أو المتابعة الميدانية أو السريرية للمرضى أو الزج في مؤسسات علاجية خاصة، وان الرعاية أو العلاج النفسي في العديد من الحلات يعد وبحسب المختصين السر وراء تحقق نتيجة الشفاء من عدمه، وإلى هذا المعنى أشار المشرع العراقي في قانون الصحة العامة رقم (89) لعام 1981 النافذ في المادة (1) التي تنص على أن ((اللياقة الصحية الكاملة، بدنياً وعقلياً واجتماعياً، حق يكفله المجتمع لكل مواطن وعلى الدولة ان توفر مستلزمات التمتع به لتمكنه من المشاركة في بناء المجتمع وتطويره)).

 والنصوص المتقدمة ترجمة لما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة ١٩٤٨ الذي انتهت المادة (25) منه إلى أن ((لكل شخص حق في مستوى معيشي يكفي لضمان الصحة والرفاهية)) كما ان العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة ١٩٦٦ الزم بالمادة (12) الدول الأطراف ان تقر بـ((تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه، تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل: 

1- العمل على خفض معدل موتي المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا.

2- تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية.

3- الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها.

4- تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض)).

كما إن اتفاقية حقوق الطفل لسنة ١٩٨٩ ألزمت الدول بالاعتراف بحق الطفل في ان التمتع أعلى مستوى صحي ممكن، ومن حقوقهم الأصيلة علاج الإمراض وإعادة التأهيل الصحي، وأكدت الاتفاقية على ضرورة ان لا يحرم الأطفال من حقهم في الحصول على خدمات الرعاية الصحية الضرورية، كما ألزمت الدول جميعاً أن تتخذ التدابير اللازمة من أجل مكافحة الأمراض التي تصيب هذه الفئة، وبذات الاتجاه سارت اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع إشكال التمييز العنصري لسنة ١٩٦٥، والتي أكدت على ضرورة تمتع كل إنسان بخدمات الصحة العامة والرعاية الطبية والتي لا تتحقق إلا بتوافر الأدوية والعلاجات الضرورية للتمتع بالحق في الصحة العامة.

 وبذات المعنى أشارت اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع إشكال التمييز ضد المرأة لسنة ١٩٧٩ وأهمية التأكيد على حق المرأة في الوقاية الصحية واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان مساواتها مع الرجل للحصول على خدمات الرعاية الصحية والطبية.

 ومن كل ما تقدم نجد ان الحق في الدواء واحداً من أهم الحقوق الأساسية التي تتكامل مع بقية الحقوق لينعم الإنسان بحياة كريمة ولتقادم التشريعات العراقية وعدم شمولية البعض منها نقترح إعادة النظر بها، بما يكفل تأمين الحصول على العلاج بأنسب الأسعار وأفضل النوعيات.

..........................................

 مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2025

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

ذات صلة

زخم الدعاية الانتخابية: مؤشر صامت على اختلال العدالة وملامح الفسادالسؤال القرآنيّ بوصفه أداةً للتربية والإصلاحالخطابات الثقافية المعاصرة وضرورة تجديد الرؤية إلى العالمتسخير الذكاء الاصطناعي بدون تقويض الديمقراطيةالبنتاغون تقيّد حرّية الصحافة: تصعيد ومواجهة