حتى المقابر لا تكفي
أطفال اليمن يواجهون الحرب والمجاعة وكورونا مع قطع المساعدات
وكالات
2020-09-20 07:58
الأطباء والممرضات في جناح سوء التغذية في مستشفى عبس اعتادوا على التزاحم، نادراً ما يكون هناك ما يكفي من الوقت في اليوم لرؤية عدد الأطفال الذين يأتون إلى المستشفى، لكن الأمور لم تكن بمثل هذا السوء. بحسب السي ان ان.
في الأشهر القليلة الماضية، تنقطع الطاقة بشكل يومي وارتفاع أسعار الوقود يعني أنهم لا يستطيعون دائماً أن يحافظوا على استمرار عمل مولدات الكهرباء. وعندما يحدث ذلك، يتم إيقاف أجهزة التنفس الصناعي والمراقبة. الأطفال الذين يمكن إنقاذهم، يموتون.
ويقول الدكتور علي الأشول في مستشفى عبس الواقعة بمحافظة حجة شمال غرب صنعاء إن "أولئك الذين لا يقتلون بسبب الضربات الجوية أو هذه الحرب، سوف يموتون بسبب نقص الإمدادات الطبية".
في مارس/ آذار الماضي، قامت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وحليفان رئيسان بالمنطقة، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بخفض تمويلهم لنداء الأمم المتحدة من أجل اليمن. وتخفيض المساعدات يعني تراجع خدمات الرعاية الصحية للمدنيين اليمنيين، مع اضطرار بعضهم للإغلاق، وانخفاض المساعدات الغذائية.
هذه الحالة واضحة في مستشفى عبس. في النصف الأول من العام الجاري، استقبلت ما يقرب من 700 مريض يعانون من سوء التغذية. وفي أغسطس/آب، كان معدل الحالات ضعف المتوسط الشهري، حسب موظفي المستشفى.
وقال الأشول: "عادة ما تستقبل عيادتنا ما بين 100 و150 حالة شهريا، وفي شهر واحد تلقينا تقريبا ضعف هذا العدد، في الوقت الذي تنخفض فيه الإمدادات الطبية". وأضاف: "الجزء الأصعب هو عندما نفقد طفلا بينما كان يمكن أن تكون هناك فرصة لهم للبقاء على قيد الحياة، إذا كانت الوضع مختلفا".
في عام 2019، ساهمت الولايات المتحدة بنحو مليار دولار في نداء الأمم المتحدة لإغاثة اليمن، ولكن هذا العام تبرعت بأقل من نصف هذا المبلغ حتى الآن، حيث قدمت 411 مليون دولار، كما تظهر بيانات الأمم المتحدة.
هذه التخفيضات أثرت إلى حد كبير على المناطق الواقعة في الشمال التي يسيطر عليها جماعة "أنصار الله" المدعومة من إيران، والمعروفة باسم الحوثيين، الذين تتهمهم الولايات المتحدة والعديد من الدول المانحة بالتدخل في العمليات الإنسانية.
وعلى الرغم من التخفيض الكبير في مساعدات الولايات المتحدة، فإنها "لا تزال أكبر المانحين" لنداء الأمم المتحدة من أجل اليمن. وقال متحدث باسم الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID)، في تصريح لـCNN، إن بلاده ستستأنف جميع العمليات في شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون "عندما نكون على ثقة من أن شركاءنا يمكنهم تقديم المعونة دون تدخل حوثي لا مبرر له".
وأشار المتحدث إلى عدم الوفاء بالالتزامات الواردة من "الجهات المانحة الأخرى" باعتبارها السبب في نقص التمويل بين وكالات الأمم المتحدة في اليمن، قائلاً إن "الولايات المتحدة تشجع جميع الجهات المانحة، بما فيها الجهات المانحة من منطقة الخليج، على المساهمة في تمويل إضافي، للوفاء بتعهداتها لعام 2020 في الوقت المناسب، وعلى تقديم جميع المساعدات وفقاً للمبادئ الإنسانية".
تعهد المملكة العربية السعودية بتقديم الدعم إلى الأمم المتحدة لمساعدة اليمن انخفض لأكثر من النصف هذا العام. في 2019، قدمت السعودية أكثر من مليار دولار، بينما تعهدت هذه السنة بمبلغ 500 مليون دولار، وتقول الامم المتحدة إنه قد وصلها ٢٣ مليون دولار فقط من ذلك التعهد.
وقال متحدث باسم مركز الملك سلمان للمعونة الإنسانية والإغاثة في المملكة العربية السعودية إن بلاده كانت مستعدة لتسليم بقية المال في يوليو/ تموز، ولكنها تنتظر الآن وضع الصيغة النهائية للاتفاقيات مع وكالات الأمم المتحدة "لضمان عدم تحويل المبلغ المتعهد به إلى أغراض أخرى خارج تلبية الاحتياجات الإنسانية". وعلى غرار الولايات المتحدة، أشارت السعودية إلى مخاوف من استيلاء المتمردين الحوثيين على المعونة.
وأضاف المتحدث باسم مركز الملك سلمان للمعونة الإنسانية والإغاثة: "نتوقع أن يتم التوقيع على هذه الاتفاقيات قريباً، وأن يُفرج عن المبلغ المتبقي المعلن عنه فوراً لوكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية".
في حالة الإمارات العربية المتحدة، لم تقدم أي شيء إلى نداء الأمم المتحدة لإغاثة اليمن هذا العام حتى الآن، بحسب بيانات الأمم المتحدة. وفي العام الماضي تبرعت بمبلغ 420 مليون دولار. ولم يؤكد متحدث باسم وزارة الخارجية الإماراتية أو ينكر أنه لم يقدم أي شيء لنداء الإغاثة هذا العام.
وأشار المتحدث الرسمي أيضا إلى المخاوف أيضا من أن المتمردين الحوثيين يعرقلون المعونة ويحولونها. وقال إن "الإمارات العربية المتحدة تقيم بانتظام فعالية برامج المساعدات التي تقدمها في اليمن، وتعدل على نهجها وفقاً لذلك". وأضاف أن "التزام الإمارات العربية المتحدة تجاه الشعب اليمني لا يتزعزع، فالإمارات ستظل من أكبر المانحين لليمن طالما كان الدعم مطلوبا"، منحت البلدان الثلاثة عشرات الملايين من الدولارات وغيرها من المساعدات إلى اليمن من خلال قنوات أخرى خارج نطاق نداء الإغاثة الذي أطلقته الأمم المتحدة.
وقال رئيس هيئة الأمم المتحدة الإنسانية مارك لوكوك، لـCNN، إن عرقلة الحوثيين للمساعدات أزمة، ولكن أزمة التمويل لها تأثير أكبر بكثير على حياة اليمنيين المحتاجين إلى المعونة. وأضاف أن "ما يجلب الناس إلى حافة المجاعة هو حقيقة أننا لا نملك المال. وأعتقد أن الدول التي كانت تساهم في العام الماضي تستحق اللوم بشكل خاص، إذ قالوا إنهم سيساهمون مرة أخرى هذا العام، ثم لا يدفعون، لأن تأثير ذلك هو إعطاء الناس الأمل في أنه ربما تكون المساعدة قادمة، ثم عندما لا تدفع، تتحطم آمالهم".
كانت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جهات فاعلة رئيسية في النزاع اليمني، وفي عامي 2018 و2019 كانت أكبر الجهات المانحة لاستجابة الأمم المتحدة في اليمن.
واليوم الثلاثاء، تفتتح الجمعية العامة الـ75 للأمم المتحدة أعمالها بعدة جلسات حول اليمن. وقال العديد من المصادر من فرق الاستجابة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة إنهم يأملون في أن تتعهد الدول بالمزيد من الأموال في الجمعية العامة لسد العجز الذي تركته الولايات المتحدة والسعودية والإمارات هذا العام.
فرض الحوثيون قيودا قاسية على وكالات الأمم المتحدة التي تحاول الوصول إلى أجزاء من البلاد تحت سيطرتهم في الشمال. وقد ارتفعت حدة التوترات منذ أن اتهم برنامج الأغذية العالمي، إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها، الحوثيين بسرقة المعونة الغذائية من أجزاء أخرى من البلد.
أطاح المتمردون الحوثيون بالحكومة المعترف بها دوليا للرئيس عبدربه منصور هادي في عام 2015. وشن التحالف الذي تقوده السعودية، وتُعتبر الإمارات شريكاً رئيسياً فيه، حملة ضد الحوثيين على مدى السنوات الخمس الماضية، ودمر بدعم من الولايات المتحدة الكثير من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وقد أظهرت تحقيقات سابقة أجرتها شبكة CNN أن حكومة الولايات المتحدة استفادت من الحرب، وذلك ببيع السعودية والإمارات العربية المتحدة القنابل والأسلحة المصنوعة في الولايات المتحدة.
الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته السعودية في بداية الحرب لوقف أي دعم يقال إنه يمكن إرساله إلى الحوثيين من جانب إيران أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والوقود، الأمر الذي جعل من الصعب توفير الخدمات الأساسية، بما في ذلك ضمان استمرار عمل سيارات الإسعاف.
الوثائق تظهر انهيار النظام
في اليمن، يعتمد 80% من السكان على المعونة. وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن وكالات الإغاثة لم تتلق سوى 30% من مبلغ 3.4 مليار دولار الذي تحتاج إليه لإبقاء البلد طافيا، وهي أسوأ حالة هناك منذ بداية الحرب. بينما تم تمويل الاستجابة الإنسانية هناك العامل الماضي بنسبة 87%. بحسب السي ان ان.
اليمنيون مثل مُشرية فرح يشعرون بالأثر. في ضواحي عبس، تدفع فرح ابنها الصغير، عاصم، على طول الشارع في كرسي متحرك، فهو يعاني من سوء التغذية لدرجة أنه لم يعد يستطيع المشي.
وقد فحصه أطباء في مستشفى قريب تعرض للقصف والتدمير منذ فترة. ومع أسعار الوقود الباهظة، وغياب سيارات الإسعاف، لا تستطيع فرح أن تنقله إلى أي مكان للعلاج، والمال كان شحيحاً منذ وفاة والد عاصم في حادث طريق.
وقالت فرح إن "عاصم كان يخرج ويدرس، مثل الأطفال الصغار الآخرين. كانت مفاجأة عندما بدأ بالسقوط بينما كان يمشي، وقد أجرى الأطباء اختبارات وأخبروني أنه لا يوجد شيء خطأ فيه"، وأضافت أنه بعد أن أصبح عاصم عاجزاً عن المشي، قال الأطباء لها إن سوء التغذية تسبب في توقف نموه.
كانت فرح تتلقى المعونة الغذائية، ولكنها توقفت. إنها تقوم بوظائف متعددة حتى تشتري ما يكفي من الطعام للحفاظ على نفسها وابنها على قيد الحياة. كل ما لديها، كما تقول، هو الدعاء. وأضافت: "أصلي من أجل الصحة، أصلي من أجل الكرامةـ هذا ما أصلي من أجله، الصحة والكرامة".
ونتيجة لتخفيضات التمويل، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الذي ينسق الاستجابة الدولية في اليمن، لشبكة CNN، إن وكالات الأمم المتحدة اضطرت بالفعل إلى إغلاق أو خفض أكثر من 75% من برامجها هذا العام فقط، مما أثر على أكثر من 8 ملايين شخص. ومن بين أبرز هذه التخفيضات برنامج الأغذية العالمي وبرنامج منظمة الصحة العالمية. في يوليو/ تموز، قررت إدارة ترامب رسميا سحب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، ويدخل القرار حيز التنفيذ في يوليو/ تموز 2021.
في وثيقة معلومات داخلية سرية للأمم المتحدة حصلت عليها شبكة CNN، يظهر الأثر الكامل والمدمر لتخفيض المساعدات وبرامج المعونة التي تم إغلاقها والبرامج المعرضة لخطر الإغلاق الوشيك إذا لم تتلق المزيد من التمويل. هناك الكثير من اللون الأحمر، يشير إلى عمليات الإغلاق، وبعض البرامج الصغيرة جدا باللون الأخضر التي تكاد تكون ممولة بالكامل تقريبا، وأكدت وكالات الأمم المتحدة تفاصيل الوثيقة لشبكة CNN، وقد تأثر تمويل كل منها تقريبا. ومن بين الوكالات المتأثرة برنامج الأغذية العالمي، الذي يمول بنسبة 44% فقط. ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 66% من سكان اليمن بدون أمن غذائي، وأن 14 مليون منهم يمكن أن يموتوا إذا توقفت مساعدتهم الغذائية.
يقدم برنامج الأغذية العالمي عادة إمدادات غذائية، مثل الطحين والبقول والسكر والملح، إلى 13 مليون شخص في الشهر باليمن. والآن 8.5 مليون من هؤلاء الأشخاص يحصلون على حصص إعاشة كل شهر تُقدر بنصف ما يحتاجونه فقط. وإذا لم يتلق البرنامج المزيد من التمويل، فإن 4.5 ملايين آخرين سيكونون في القارب نفسه. ويذهب ثلثا هذه الإمدادات إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ومعظمها أكثر كثافة سكانية من مناطق أخرى من اليمن، وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي أنابيل سيمنغتون لـCNN إن "الاضطرار إلى تخفيض كمية الأغذية التي نوزعها إلى النصف في الأساس يبعث على القلق الشديد"، مضيفا أن "اليمن يواجه خطر الانزلاق إلى المجاعة إذا كانت هناك اضطرابات طويلة في الإمدادات الغذائية"، وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من أن أكثر من مليوني طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية، وأن 260 ألفا من هؤلاء الأطفال يمكن أن يفارقوا الحياة دون علاج غذائي أساسي، في ظل انخفاض تمويل الوحدات الطبية المتخصصة.
"توقفنا عن إحصاء عدد الموتى"
من الصعب فهم الصورة الكبيرة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن. وأمضت CNN عدة أسابيع في محاولة التواصل مع وزارة الصحة التابعة للحوثيين في صنعاء، والمجالس المحلية، ومنظمات المعونة والأطباء الميدانيين في شمال اليمن، لمعرفة الأرقام الأخيرة لعدد الوفيات التي ربما تكون ناجمة عن نقص الأغذية أو سوء التغذية، لكن لا أحد لديه أي بيانات عن أرقام الوفيات.
وقالت مصادر بالأمم المتحدة لـCNN إنهم كانوا يكافحون على نحو مماثل لإجراء دراسات استقصائية تقييمية في الشمال. ولا تشمل خريطة الأمم المتحدة التي تبين المستوى الحالي لانعدام الأمن الغذائي اليمن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في الشمال.
ومع وجود زيادة واضحة في الوفيات يُعتقد أنها قد تكون من حالات غير مكتشفة لمصابين بفيروس كورونا المستجد، فمن الصعب إحصاء عدد الموتى. لا أحد يعرف حقاً إن كان المتوفي قد استسلم لفيروس كورونا أو سوء التغذية أو كليهما.
في مدينة تعز الواقعة جنوبي غرب اليمن، يقول أحد العاملين بالمقابر المحلية إنه يكافح مع زملائه من أجل حفر القبور ومجاراة معدل الدفن، لقد توقفوا عن إحصاء الموتى منذ فترة.
وقال تميم يوسف بينما يحفر القبور تحت حرارة الصيف الشديدة إنه "عندما وصل فيروس كورونا إلى اليمن، جاء في نهاية شهر رمضان... ومنذ ذلك الحين، نواصل الحفر والحفر، ولا نستطيع مجاراة عدد الموتى". وأضاف: "تشعر بأسوأ ألم مع الأطفال، عندما تضطر إلى دفن طفل، تشعر بالحزن والأسى، وتفكر في والديهم"؟
إنه شعور مشترك في مستشفى عبس حيث يشعر الدكتور الأشول بالأسى لعدم تمكنهم من معرفة الأطفال الذين قد يموتون في منازلهم لأنهم غير قادرين على الوصول إلى العلاج. ويتساءل الموظفون الطبيون في جميع أنحاء اليمن عن الوقت الذي يمكنهم تحمله في ظل هذه الظروف.
وفي مديرية أسلم شمال اليمن، وهي إحدى المناطق الأكثر تضررا، تم تعليق تمويل إحدى الوحدات المتخصصة في معالجة سوء التغذية، وكانت تحصل الوحدة الطبية على أغلبية دعمها المالي من منظمة الصحة العالمية، ولكن الأمم المتحدة تقول إنه ليس لديها ما يكفي من المال للحفاظ على استمرار برامج كهذه.
وقال قيس أحمد، وهو ممرض في العيادة، إن المرضى ما زالوا يأتون ولا يستطيع الموظفون أن يبعدوهم، وإن التحدي الأكبر هو انقطاع التيار الكهربائي ونقص الموارد بشكل عام. وأضاف: "أجهزة الأكسجين والمراقبة تتوقف عندما تنقطع الطاقة"، وتابع بالقول: "أحيانا، إذا توقفت، يمكن أن يختنق الأطفال. هذا هو أسوأ جزء وليس هناك شيء يمكن القيام به لإنقاذهم".