الحقوق في مصر: عندما يصبح الشعب فريسة للقمع

عبد الامير رويح

2017-04-01 05:10

واقع الحريات العامة في مصر التي تعيش حالة عدم استقرار امني وسياسي، بسبب استمرار الصراعات الداخلية بين الاحزاب والتيارات السياسية في هذا البلد، والتي تفاقمت بشكل كبير بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي المنتمي اى جماعة الإخوان المسلمين في 3 يوليو من عام 2013، وما اعقبها من احداث بعد تولي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الذي يتعرض اليوم لانتقادات كبيرة بسبب ملف حقوق الانسان، حيث اكدت بعض التقارير التي نشرتها مصادر مختلفة، ان مصر تعيش حالة من التضييق على حرية الرأي والتعبير التي تعتبر حقا أصيلا في إطار المنظومة المرتبطة بحقوق الإنسان، فضلا عن صدور عدد من القوانين المختلفة التي تتعلق بالحريات أو تضع أبوابًا خاصة لتحجيم الحريات، ومنها قانون مكافحة الإرهاب وقانون التظاهر، الذي أحدث ضجة كبيرة في الشارع المصري، والذي أثار جدلا خلال الفترات السابقة، في 24 نوفمبر 2013، حيث أصدره الرئيس السابق عدلي منصور، والذي لاقى رفضا كبيرا في الشارع المصري واستمر هذا الرفض حتى تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم البلاد، ورغم ذلك أعلن تمسكه بالقانون، ودافع عنه القانون، وغيرها من القوانين الاخرى. هذه الانتقادات دفعت الحكومة المصرية الى اتخاذ خطوات جديدة عدها بعض المراقبين محاولة لتحسين صورتها أمام الرأي العالم المحلي والعالمي.

من جانب اخر يرى بعض المحللين، ومنهم إعلاميون وناشطون مصريون، أن المرحلة الحالية في مصر تقتضي تقديم أولوية الأمن على هامش الحريات المطلق، ومبررهم في ذلك ما يتربص بالدولة من تحديات، مثل الإرهاب، ويجد أولاء في سياسة الدولة المصرية ضبطا لازما، فرضته المرحلة وأملاه الواقع، إلى أن تستعيد مصر كامل عافيتها في وجه التحديات.

العفو عن 200 سجين

وفي هذا الشأن أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارا بالعفو عن 203 أشخاص صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية في قضايا تتعلق بخرق قانون لتنظيم التظاهر سُن عام 2013 ولاقى انتقادات دولية ومحلية واسعة. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن أغلب من شملهم القرار من الشباب مضيفة أن القرار "يتضمن الإعفاء عن العقوبة الأصلية وما تبقى منها والعقوبة التبعية".

ونقلت عن المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية قوله إن القرار "شمل خمس حالات صحية من المحبوسين من غير الشباب، كما شمل ثلاثة أحداث."

وكان السيسي قد وعد في أكتوبر تشرين الأول الماضي بالعمل على تعديل قانون التظاهر الذي تقول جماعات حقوقية إنه يقيد بشدة حقوق الاحتجاج السلمي وأمر بتشكيل لجنة لبحث الإفراج عن مئات المحتجين خاصة الطلاب. وأصدر السيسي قرارا في ديسمبر كانون الأول بالعفو عن 82 شخصا بينهم باحث ومقدم برنامج تلفزيوني أدين بازدراء الإسلام. ولا يملك رئيس الدولة سلطة التدخل في أحكام القضاء لكن طبقا للدستور يحق له العفو عن محبوسين بعد أخذ رأي مجلس الوزراء.

وينص قانون تنظيم التظاهر الذي أُقر عام 2013 على ضرورة إخطار وزارة الداخلية كتابة بأي اجتماع عام أو مظاهرة بمشاركة أكثر من عشرة أشخاص قبل الموعد بثلاثة أيام عمل على الأقل. ويتضمن القانون عقوبات بالسجن تصل إلى خمس سنوات لمن يخالف أحكامه التي تتضمن العديد من القيود على التظاهر والاحتجاج. ويمنح قوات الأمن الحق في تفريق المظاهرات غير المرخصة باستخدام مدافع المياه والغاز المسيل للدموع.

وأصبحت الاحتجاجات مسألة حساسة منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحسني مبارك عام 2011 وإعلان الجيش عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013 إثر احتجاجات حاشدة على حكمه. ومنذ عزل مرسي شنت الحكومة حملة أمنية صارمة على جماعة الإخوان شهدت مقتل المئات وسجن آلاف آخرين. واتسعت هذه الحملة لتشمل نشطاء علمانيين وليبراليين كانوا في صدارة المشاركين في الانتفاضة التي أنهت حكم مبارك بعد 30 عاما في السلطة.

وقال حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان إن قرار العفو الصادر يوم الاثنين "تأخر كثيرا". وأضاف أن المجلس القومي كانت لديه معلومات تفيد بأن القرار سيشمل العفو عن 500 سجين لكن العدد تقلص إلى 203. وأشار إلى أن أغلب المشمولين في القرار أوشكت فترات عقوبتهم على الانتهاء وليس من بينهم محكوم عليهم بفترات سجن كبيرة.

وانتقد أبو سعدة عدم وجود أسماء نشطاء بارزين بالقائمة مثل علاء عبد الفتاح أحد أبرز الوجوه التي تصدرت الانتفاضة على مبارك. ويقضي عبد الفتاح عقوبة السجن المشدد لخمس سنوات بتهم من بينها خرق قانون التظاهر والتعدي على قوات الشرطة. وطالب الحقوقي البارز مجددا بتعديل قانون التظاهر بحيث لا يتضمن عقوبات الحبس ووصف القانون الحالي بأنه "سيف مسلط" على المحتجين والمعارضين. بحسب رويترز.

وقضت المحكمة الدستورية العليا في ديسمبر كانون الأول بعدم دستورية مادة في القانون تسمح للشرطة بإلغاء أو تغيير مكان أي مظاهرة ترى أنها تشكل تهديدا للأمن. وعدلت الحكومة المادة لتلزم وزارة الداخلية بالتقدم بطلب إلى محكمة لإلغاء المظاهرة أو نقل مكانها في حال الحصول على معلومات جدية أو دلائل تفيد بوجود تهديد للأمن العام. لكن قال محامون إن التعديل لن يمنح الناس حرية أكبر في التظاهر.

الشرطة والتعذيب

الى جانب ذلك قالت مصادر قضائية في مصر إن النيابة العامة قررت حبس ثلاثة ضباط شرطة لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيقات في واقعة تعذيب مشتبه به حتى الموت في قسم شرطة. وتنتقد منظمات لحقوق الإنسان ما تصفه بتجاوزات وانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ترتكبها الشرطة المصرية لكن الحكومة تنفي أن تكون الانتهاكات ممنهجة وتقول إنها تحاسب المخطئين.

وأثارت سلسلة من الحوادث المميتة خلال العام الماضي غضبا شعبيا من الشرطة. وقالت المصادر القضائية إن الضباط الثلاثة يعملون بقسم شرطة حي الهرم بمحافظة الجيزة المتاخمة للقاهرة موضحة أن أحدهم برتبة مقدم والثاني برتب نقيب والثالث برتبة رائد. وأضافت أن النيابة تسلمت تقرير الطب الشرعي الذي أكد وجود أثار تعذيب على جثة المجني عليه ويدعى محمود سيد والذي كان يشتبه بتورطه في جريمة قتل. بحسب رويترز.

على صعيد آخر قضت محكمة جنح استئنافية بتأييد حكم بسجن أميني شرطة لمدة ثلاث سنوات في واقعة التعدي اللفظي والجسدي على طبيبين بمستشفى بالقاهرة في يناير كانون الثاني العام الماضي. وكانت الواقعة دفعت أطباء إلى تنظيم إضرابات وأثارت احتجاجا للمطالبة بتطبيق العدالة. وقضت محكمة للجنح في سبتمبر أيلول بسجن تسعة أمناء للشرطة تورطوا في الواقعة لثلاث سنوات. واستأنف اثنان منهم الحكم لكن المحكمة أيدته بعدما امتنعا عن المثول أمامها. ولا يزال يحق لهما الطعن على الحكم أمام محكمة النقض أعلى محكمة مدنية في البلاد.

حبس نقيب الصحفيين

على صعيد متصل قالت مصادر قضائية ومحام إن محكمة استئناف مصرية قضت بحبس نقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش سنة مع إيقاف التنفيذ في قضية اتهم فيها بإيواء صحفيين كانا مطلوبين‭‭‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬‬‬عندما كان يشغل المنصب وبنشر أخبار كاذبة عن اقتحام مبنى النقابة لإلقاء القبض عليهما. وقال مصدر إن محكمة قصر النيل للجنح المستأنفة في القاهرة قضت بنفس العقوبة على وكيل النقابة السابق خالد البلشي والسكرتير العام السابق للنقابة جمال عبد الرحيم.

وكانت المحكمة الأدنى درجة قد عاقبت الثلاثة في نوفمبر تشرين الثاني بالحبس سنتين وكفالة عشرة آلاف جنيه لكل منهم لحين نظر الحكم في الاستئناف. وأخفق قلاش في محاولة الاحتفاظ بمنصب النقيب في الانتخابات التي أجريت يوم 17 مارس آذار كما أخفق البلشي في محاولة الاحتفاظ بعضوية مجلس إدارة النقابة. وفاز عبد الرحيم بعضوية مجلس النقابة لكنه فقد منصب السكرتير العام.

وقال المحامي شعبان سعيد الذي دافع عن قلاش إنه يعتبر الحكم مرضيا لكن سيطعن عليه أمام محكمة النقض، أعلى محكمة مدنية مصرية. وكانت منظمة العفو الدولية قد اعتبرت القضية تصعيدا لما وصفته بأنه حملة على حرية التعبير في مصر. وتنفي الحكومة استهداف الحريات الصحفية أو السياسية.

وقال عضو مجلس النقابة أيمن عبد المجيد إن المجلس قرر عقد اجتماع طاريء لبحث الحكم وتوقع أن يتخذ الاجتماع "الإجراءات اللازمة لدعم الزملاء الثلاثة في الدرجة المتبقية من التقاضي." ومن جانبه قال قلاش "الخطر في هذا الحكم رغم تخفيفه أنه يقوض ركنا هاما من أركان علاقة الصحفي بنقابته. ليس أمام أي نقيب في ظل هذا الحكم الذي يجنح إلى الترويع سوي أن يطرد الصحفي الملاحق (في قصية سياسية) من النقابة أو يسلمه للشرطة." بحسب رويترز.

وكانت الشرطة ألقت القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا بعد انتقادات وجهاها لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية التي وقعت في أبريل نيسان الماضي ونقلت تبعية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر إلى المملكة. وقال قلاش والبلشي وعبد الرحيم إن الشرطة اقتحمت المبنى في سابقة هي الأولى في تاريخ النقابة الممتد 75 عاما لتلقي القبض على بدر والسقا لكن وزارة الداخلية قالت إنهما سلما نفسيهما للشرطة طواعية داخل المبنى بعد إطلاعهما على أمر النيابة العامة بضبطهما وإحضارهما. وأفرج عن بدر والسقا بكفالة خمسة آلاف جنيه (277 دولارا) لكل منهما وينتظران وتسعة آخرون الإحالة للمحاكمة. وقال المصدر إن المحكمة أوقفت التنفيذ لمدة ثلاث سنوات. ويقول قانونيون إن الحكم الموقوف تنفيذه قابل للنفاذ إذا ارتكب المحكوم عليه مخالفة جديدة خلال فترة الإيقاف.

إخلاء سبيل مبارك

من جانب اخر بات الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الذي حكم مصر لثلاثين عاما حرا طليقا، في تطور يمثل رمزيا نهاية للربيع العربي في مصر الذي أسقطه وحبسه منذ العام 2011. ووافق النائب العام المصري على إخلاء سبيل مبارك بعد تبرئته نهائيا من اتهامات بالتورط في قتل المتظاهرين عام 2011، حسب ما اكد محاميه فريد الديب. وقال الديب أن النائب العام وافق على إخلاء سبيل مبارك وأنه "يمكنه الآن العودة لمنزله حين يقرر الأطباء قدرته على ذلك" مضيفا انه "ممنوع من السفر (خارج البلاد) على ذمة قضية كسب غير مشروع".

واصدر جهاز الكسب غير المشروع قرارا بمنع مبارك من السفر في اطار تحقيقات يجريها في "تضخم ثروة" الرئيس الاسبق واسرته. وكانت محكمة جنايات مصرية قضت بالسجن المؤبد على حسني مبارك ( 88 عاما) في العام 2012 بتهمة التورط في قتل متظاهرين اثناء ايام الثورة الثمانية عشر ولكن محكمة النقض ألغت الحكم وأعادت محاكمته امام دائرة أخرى لمحكمة الجنايات في العام 2014 وحصل على البراءة. وتسبب هذا الحكم حينها بتظاهرات غاضبة قتل فيها شخصان.

وطعنت النيابة العامة بالحكم الاخير ولكن محكمة النقض أيدت البراءة في حكم بات غير قابل للطعن. وإضافة الى هذه القضايا، أدين مبارك بشكل نهائي وبات بالسجن ثلاث سنوات في قضية فساد تعرف إعلاميا في مصر باسم "قضية القصور الرئاسية" وهي عقوبة السجن التي امضاها بالفعل. ولكن مبارك قضى معظم فترة حبسه في وضع اشبه بالاقامة الجبرية في مستشفى القوات المسلحة بضاحية المعادي بجنوب القاهرة.

ويعد إخلاء سبيل مبارك بمثابة ضربة قاضية لما تبقى من الثورة التي أسقطته قبل ست سنوات والتي رفعت شعارات "عيش (خبز)، حرية، عدالة اجتماعية". وتقول مي مجيب استاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة إن "مفهوم الربيع العربي انتهى ولم يعد موجودا في مصر الآن". وتابعت أنه ببراءة مبارك "انتهى الحديث عن الربيع العربي تماما كذلك فالحديث عن مبارك ورموز عصره اصبح مرحبا به في الإعلام والشارع".

وفي منتصف شباط/فبراير الماضي، عين الرئيس عبد الفتاح السيسي علي مصيلحي الذي كان وزيرا للتضامن في عهد مبارك، وزيرا للتموين والتجارة الداخلية في حكومة شريف اسماعيل. وفيما يستعيد مبارك حريته، يقبع العديد من رموز الثورة ضده في السجون اذ القي القبض عليهم وحوكموا عقب إطاحة الرئيس الاسلامي محمد مرسي من قبل الجيش. وصدرت ضدهم احكام باتهامات متنوعة تتعلق اغلبها بتكدير السلم العام.

ويواجه عبد الفتاح السيسي، القائد السابق للجيش اتهامات من منظمات حقوقية دولية باخماد رياح الديموقراطية وبتزايد انتهاكات حقوق الإنسان في عهده. وكان مبارك قد انتقل للاقامة في شرم الشيخ عقب اسقاطه وتسليمه السلطة للمجلس الاعلى للقوات المسلحة في 11 شباط/فبراير 2011. الا انه تحت ضغط الشارع آنذاك، تم القبض على مبارك ونجليه علاء وجمال في نيسان/ابريل 2011 واحتجزوا في سجن طره ثم بدأت المحاكمات. بحسب فرانس برس.

ويشكل الحكم ببراءة مبارك وإخلاء سبيله صدمة حادة لأسر مئات الشباب الذين قتلوا اثناء الثورة. ودان مصطفى مرسي (65 عاما) الذي قتل ابنه محمد برصاص الشرطة في ضاحية المرج بشمال القاهرة في 28 كانون الثاني/يناير 2011 "الحكم الفاسد ببراءة مبارك". وقال مرسي بحزن "دم ابني ذهب سدى. انه حكم فاسد". وأضاف "كنا نتوقع أن يمنحنا الربيع العربي مستوى حياة أفضل لكنه الآن أسوأ. كل شيء أسوأ". في المقابل، اعتبر خليفة أحمد (69 عاما) ان أي حكم ضد مبارك لا يعنيه قائلا "لانه لن يعيد لي ابني احمد" الذي قتل كذلك في 28 كانون الثاني/يناير 2011 . وقال "حتى لو أعدم (مبارك)، أبني لن يعود".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا