من وراء الازمة الإنسانية في اليمن؟
ضربات التحالف العربي والتسليح الغربي
زينب شاكر السماك
2017-03-26 05:10
وضع انساني كارثي هو من بين الأخطر في العالم مهدد بأكبر أزمة مجاعة تشهدها المنطقة هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب اليمني وفق ما اشارت اليه ست منظمات حقوقية دولية وقد نددت هذه المنظمات بالازدراء الحاصل ازاء القانون الدولي من قبل أطراف النزاع. خصوصا من قبل التحالف العربي المتهم بقصف اهداف مدنية مثل المدارس والمستشفيات. مستخدما ذخائر انشطارية برازيلية الصنع محظورة بموجب معاهدة دولية، ألقيت على ثلاث مناطق سكنية وعلى مساحات زراعية.
تشهد اليمن منذ أكثر من عامين نزاعا داميا بين الحوثيين والقوات الحكومية، وقد تصاعد النزاع مع التدخل السعودي على رأس تحالف عسكري عربي بعدما تمكن الحوثيون من السيطرة على أجزاء كبيرة من البلد الفقير. وأودى هذا الصراع بحياة أكثر من عشرة آلاف شخص واصابة 40 الف اخرين بجروح بحسب ارقام الأمم المتحدة.
أيضا تسببت الحرب في غلق الحدود البرية والجوية والبحرية في اليمن ما أدى الى انتشار الفقر والجوع حيث ان مابين 19 و26 مليونا من سكان اليمن يحتاجون الى مساعدة غذائية إضافة الى ان سبعة ملايين يمني يجهلون من سيؤمن لهم وجبتهم الغذائية المقبلة. لذا خصص برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حوالي ملياري دولار هذا العام لعملياتها الإنسانية في اليمن لكن القصف المتواصل ما بين أطراف النزاع يكون عائق في وصول المساعدات الإنسانية لهذا الشعب المسكين.
ومن اثار الحرب الدامية في اليمن التدهور الاقتصادي الكبير الذي أجبر العاملين في القطاع الصحي على العمل دون أجر وقلص قدرة المرضى على شراء علاجهم. حتى مرضى السرطان في اليمن لم يسلموا من اثار هذه الحرب الدامية حيث يتكبد الآلاف من مرضى السرطان في اليمن عناء توفير الأدوية والبحث عنها في السوق المحلية بغلاء أسعارها وكونها ربما مهربة نوعا ما.
اليمن حالها حال كل الدول العربية التي تعاني من الحروب حيث يقع العبء الأكبر من جراء الانهيار الذي تشهده البلاد هم الأطفال وبحسب احصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن طفلا واحدا يموت في اليمن كل عشر دقائق من حالات مرضية يمكن منعها منها سوء التغذية وعدوى الجهاز التنفسي والإسهال. وبات الأطفال يفرون من دور الايتام مرعوبين من القصف المستمر ذاهبين الى مستقبل مجهول حيث أصبح الأطفال في دور الايتام حلمهم الوحيد ان تعود بلادهم الى الاستقرار والامن الذي كانت تنعم به سابقا.
على صعيد متصل اتهمت منظمة العفو الدولية بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية السبب الرئيسي وراء هذه الانتهاكات الإنسانية الكبيرة التي تحدث في اليمن وذلك من خلال تصدير الأسلحة إلى السعودية، التي تقود تحالفا عسكريا ضد الحوثيين في اليمن، ومن خلال عمليات تصدير أسلحة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات إلى المملكة.
العفو الدولية: الانتهاكات الحقوقية سببها واشنطن ولندن
من جهتها قالت منظمة العفو الدولية في بيان أن "الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة تؤججان الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، التي تسببت بمعاناة مدمرة للمدنيين من خلال عمليات نقل للأسلحة بمليارات الدولارات إلى المملكة العربية السعودية، وتطمس، إلى حد كبير، كل أثر لجهودهما الإنسانية لمواجهة الأزمة".
وأضافت المنظمة الحقوقية أنه "منذ بدء النزاع في آذار/مارس 2015 صدّرت واشنطن ولندن "مجتمعتين، أسلحة تزيد قيمتها على 5 مليارات دولار إلى السعودية وهذا يزيد بأكثر من 10 أضعاف عن التقديرات لما أنفقته وزارة خارجية الولايات المتحدة ووزارة التنمية الدولية البريطانية، أو خصصتاه في موازنتيهما، كمساعدات إلى اليمن على مدار السنتين الفائتتين، البالغة قيمتها 450 مليون دولار".
وقالت لين معلوف، مديرة البحوث بالمكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في بيروت، في البيان إن "سنتين من النزاع قد أجبرتا ثلاثة ملايين شخص على الفرار من ديارهم، ومزقتا حياة آلاف المدنيين، وتركتا اليمن فريسة لكارثة إنسانية يحتاج ما يربو على 18 مليون يمني معها بصورة ماسة إلى المعونات". وأضافت "بالرغم من المساعدات الدولية التي قدمت إلى البلاد بملايين الدولارات، فإن العديد من الدول قد أسهمت في معاناة الشعب اليمني بمواصلة توريد أسلحة بمليارات الدولارات". بحسب فرانس برس.
وإذ اعتبرت المنظمة الحقوقية أن "المدنيين اليمنيين يدفعون ثمن صفقات الأسلحة هذه، التي تفضح مدى نفاق الدول من خلال هذه الصفقات"، ناشدت "المجتمع الدولي التحرك فوراً لفرض حظر على تصدير الأسلحة، ومباشرة تحقيق دولي ذي مصداقية في الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع".
المنظمات الحقوقية: وضع انساني كارثي
من جانب اخر عقد ممثلو منظمات "أطباء العالم" و"كير" و"التضامن الدولي"، و"الاسعافات الاولية الدولية" و"العمل ضد الجوع" و"هانديكاب انترناشونال". مؤتمرا صحافيا في باريس اكدوا فيه ان 19 مليون شخص، اي نحو 60% من سكان اليمن، باتوا يعانون من ضائقة غذائية بينهم ثلاثة ملايين من النساء والاطفال يعانون من سوء تغذية حاد، كما ان اكثر من نصف المراكز الصحية في البلاد باتت خارج الخدمة، ويشتبه بوجود نحو 20 الف اصابة بالكوليرا.
وقالت هيلين كايوو من "الاسعافات الاولية الدولية" ان اليمن "هو احد البلدان التي يواجه فيها العاملون في المجال الانساني اكبر قدر من المشاكل". واضافت "ان البنى التحتية للطرقات باتت مدمرة بشكل كامل او جزئي، والوصول الى المطارات والمرافىء معقد جدا، ويحد القصف الذي يقوم به التحالف العربي كثيرا من الحركة"، اضافة الى الخطر الامني الذي يشكله تواجد تنظيم القاعدة.
ويضاف الى هذه العوائق العقبات الادارية التي تؤخر عمل المنظمات الانسانية مثل التأخير في الحصول على تأشيرات دخول او الحصول على الاذونات للتحرك داخل البلاد. وفي هذا الاطار فان سفينة محملة مساعدات تابعة لمنظمة الاسعافات الاولية الدولية لا تزال منذ كانون الثاني/يناير الماضي عاجزة عن الوصول الى مرفأ الحديدة. ولا يعمل هذا المرفأ سوى بنسبة 10% من طاقته. وكان اليمن يعتمد على الاستيراد بنسبة 80% لتأمين حاجاته قبل الحرب.
وتقول مارينا بنديك منسقة نشاطات منظمة أطباء العالم في اليمن، "في صنعاء القذائف تتساقط كالمطر يوميا. المدارس مقفلة والمراكز الصحية خارج الخدمة والناس لم تعد قادرة على تحمل مزيد من المآسي". من جهته قال جان بيار دولومييه من منظمة "هانديكاب انترناشونال" ان المحافظات التي تشهد معارك عنيفة يعيش فيها اكثر من 11 مليون شخص يعانون من "قصف شبه يومي"، مشيرا الى اصابة الجرحى بالكثير من الكسور المعقدة والاضطرار الى قطع الاطراف في الكثير من الاحوال. بحسب فرانس برس.
ووجهت المنظمات نداء ملحا لتحريك المفاوضات لانهاء هذا النزاع ولرفع الحظر المفروض على اليمن للتمكن من ارسال المساعدات الانسانية من دون عوائق. واكدت ان على "المجتمع الدولي ان يقوم بتعبئة مالية وسياسية ودبلوماسية" لمساعدة اليمن. وتطالب الامم المتحدة بالحاح بوقف لاطلاق النار يتيح توزيع المساعدات الانسانية الى السكان، مع العلم انه تم الاتفاق حتى الان على سبعة اتفاقات لوقف اطلاق النار فشلت جميعها.
الايتام: نريد أن تهدأ الحرب
من جانب اخر تقع مؤسسة الشوكاني لرعاية الأيتام على بعد حوالي 100 متر من جبل النهدين الذي يعتقد على نطاق واسع أنه مستودع للسلاح تعرض للقصف مرارا بطائرات التحالف الذي تقوده السعودية. وتتصاعد من القمة المحملة بالمتفجرات عند قصفها سحابات من الدخان إلى سماء صنعاء وتهز الانفجارات المدينة بأسرها. وبينما تستعر الحرب يعاني الأيتام من الشعور الدائم بالخوف والصدمة.
قال موسى صالح منصر (14 عاما) "كنا خائفين وفي كل مرة نسمع فيها صوت الطائرات يدفعنا (العاملون في الدار) بسرعة إلى الدور السفلي خوفا على سلامتنا." وأضاف "كثير من أصدقائي تركوا الدار وعادوا إلى أقاربهم. وأنا أتوقع ضربات قريبة في أي وقت." كان موسى يحلم في وقت من الأوقات بأن يصبح طبيبا لكنه يصف الآن حلمه الوحيد هو وأصدقاؤه بقوله "نريد أن تهدأ الحرب حتى نرى عودة الأمن والاستقرار." بحسب رويترز.
ويقول محمد القاضي مدير دار الأيتام إنه يعتمد على سخاء المتبرعين والجماعات الخيرية. ويضيف القاضي "نحن نشهد حاجة ملحة لتقديم المساعدات لهؤلاء الأيتام وسط ندرة الموارد التي كانت تتوفر لهم بسبب الحرب الدائرة." وكانت المؤسسة تستضيف حوالي 350 يتيما قبل بدء الحرب. أما الآن فلم يبق منهم سوى حوالي الثلث بعد رحيل الأغلبية بحثا عن الأمان النسبي في الإقامة مع أقاربهم في الريف.
مرضى السرطان: يبحثون عن الدواء في السوق السوداء
في الشأن نفسه قال محمد الشماع وهو مريض بسرطان الدم يتلقى العلاج الكيماوي عبر أنبوب في الوريد "ما فيش معاش من فين يدي (يجيب المال). الآن الأغلبية يروحون إلى فاعلين الخير فيه من يعطي وفيه من يقول لهم ما فيش (لا يوجد). وفيه الآن والله العظيم الناس (المرضى) يطلبوها من الجوامع حق الجرعة حقه (قيمة الدواء) وأنا واحد منهم."
وقال عبد الوهاب النهمي نائب مدير المركز إن رفوف الدواء في المركز خالية وإن المرضى اليائسين يضطرون للبحث في السوق السوداء. وأضاف "منذ الربع الرابع لعام 2016 نفدت كل الكمية الموجودة لدينا بالمخازن. والآن المرضى يتكبدون عناء توفير الأدوية والبحث عنها في السوق المحلية بغلاء أسعارها وكونها ربما مهربة نوعا ما. والكثير من المرضى يأتون لتلقي هذه الخدمة وللأسف الشديد لا يستطيعون تلقي هذه الخدمة كاملة." وتابع أن التمويل الرسمي لا يفي سوى بثلاثين بالمئة من احتياجات المركز. بحسب رويترز.
بيد أن حقيقة بقاء المركز مفتوحا ربما تمثل انتصارا محدودا مع تداعي النظام الصحي بأكمله. وقال ريك برينان مدير العمليات الطارئة في منظمة الصحة العالمية "هناك حاليا أكثر من 14.8 مليون شخص لا يحصلون على الرعاية الصحية الأساسية في ظل عمل أقل من 45 في المئة من المنشآت الصحية. "لم يحصل العاملون في مجال الرعاية الصحية على رواتبهم بانتظام منذ نحو ستة أشهر. ثمة نقص حاد في الإمدادات الطبية. يموت الكثير من اليمنيين في صمت دون أن يعرف مصيرهم أو يلحظهم أحد أو تسجل حالاتهم."
برنامج الأغذية العالمي: في سباق مع الزمن
على صعيد متصل أبلغت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إرثارين كازين الصحفيين في العاصمة الأردنية بعد زيارة استمرت ثلاثة أيام إلى البلد الذي تمزقه الحرب "لدينا مخزون من الغذاء داخل البلد اليوم يكفي حوالي ثلاثة أشهر." "ليس لدينا غذاء كاف لدعم الزيادة المطلوبة لضمان أن نتمكن من تفادي مجاعة."
وقالت كازين "إنه سباق مع الزمن وإذا لم نوسع المساعدات لتصل إلى أولئك الذين يعانون انعداما شديدا للأمن الغذائي فإننا سنرى أوضاعا تشبه المجاعة في بعض المناطق الأكثر تضررا والتي يتعذر الوصول إليها وهو ما يعني أن أناسا سيموتون." وتمكن برنامج الأغذية العالمي من الوصول إلى عدد قياسي بلغ 4.9 مليون من المحتاجين في اليمن.
لكن كازين قالت إن عدم كفاية التمويل يعني أن البرنامج مضطر لخفض الحصص الغذائية لتوزيع المساعدات على عدد أكبر من الناس. وأضافت قائلة "ما نفعله هو أننا نأخذ كميات محدودة من الغذاء الذي لدينا في البلاد ونوزعه في أكبر نطاق ممكن وهو ما يعني أننا نعطي حصصا بنسبة 35 بالمئة في معظم الأشهر ونحتاج إلى الوصول إلى حصص بنسبة 100 بالمئة." بحسب رويترز
وقالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إن تقديرات إمدادات القمح في اليمن تشير إلى أنها ستنفد بنهاية مارس آذار. وقالت الأمم المتحدة إنها تحتاج إلى حوالي ملياري دولار هذا العام لعملياتها الإنسانية في اليمن وتصف البلد العربي الفقير بأنه يشكل "أكبر أزمة طارئة للأمن الغذائي في العالم".
هيومن رايتس ووتش : التحالف العربي يستخدم قنابل انشطارية
هذا وقد اتهمت منظمة العفو الدولية التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية باستخدام ذخائر انشطارية برازيلية الصنع في اليمن محظورة بموجب معاهدة دولية، للمرة الثالثة في 16 شهرا. وقالت المنظمة في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه، إن القنابل ألقيت على ثلاث مناطق سكنية وعلى مساحات زراعية وسط صعدة (شمال).
وأشارت إلى أن الهجوم أدى إلى إصابة شخصين بجروح في صعدة، معقل الحوثيين. وأضافت أن الذخائر المستخدمة في الهجوم تصنعها شركة "أفيبراس" البرازيلية، وهي ذخائر يطلقها سلاح "أستروس 2" القادر على إطلاق عدة صواريخ يحتوي كل صاروخ منها على 65 ذخيرة، بوتيرة مكثفة وسريعة، ولمسافة 80 كلم.
وأشارت المنظمة إلى أن التحالف العربي استخدم هذا السلاح في مناسبات أخرى خلال عمليات قصف في اليمن، في تشرين الأول/أكتوبر 2015 وفي أيار/مايو 2016. وفي العام 2008، وقعت نحو مئة دولة في أوسلو اتفاقية لمنع استخدام الذخائر العنقودية، وضعت موضع التنفيذ العام 2010. ولم توقع بعد دول عديدة تنتج أو تملك مخزونات من القنابل العنقودية مثل إسرائيل والولايات المتحدة والصين والسعودية.
ويمكن لهذه الأسلحة أن تحتوي على مئات القنابل الصغيرة التي تتوزع على مساحة كبيرة ولا تنفجر كلها وتتحول بذلك إلى ألغام مضادة للأفراد وتقتل وتشوه مدنيين خلال النزاعات وبعدها. وفي كانون الثاني/يناير الماضي، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش أيضا التحالف العربي باستخدام قنابل انشطارية برازيلية الصنع في السادس من كانون الأول/ديسمبر في هجوم أسفر عن مقتل مدنيين وإصابة ستة بجروح بينهم طفل قرب مدرستين في صعدة.
ووقع الهجوم بعد يوم على امتناع البرازيل والسعودية والولايات المتحدة واليمن عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة للمصادقة على حظر استخدام الأسلحة الانشطارية. وأقر التحالف المتهم بانتظام بقتل المدنيين في الغارات الجوية في اليمن، بأنه استخدم بشكل محدود ذخائر عنقودية بريطانية، رغم أن السعودية أعلنت أنها ستتوقف عن استخدام هذه الأسلحة.