تركيا اردوغان وطموح السلطة المطلقة
عبد الامير رويح
2016-08-03 10:43
ما تزال تركيا تعيش في حالة من التوتر وعدم الاستقرار بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل، التي قام بها الجيش بهدف الإطاحة برئيس الدولة رجب طيب أردوغان وحكومته، حيث نفذت السلطات التركية بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يسعى اليوم الى الاستفادة من هذه الاحداث في سبيل تعزيز سلطته المطلقة على البلاد ومن خلال فرض حالة الطوارئ، حملة تطهير واسعة في جميع مؤسسات الدولة، راح ضحيتها آلاف ممن تعتبرهم السلطات أتباعاً لفتح الله غولن الخصم الاول لرئيس التركي.
ويرى بعض الخبراء ان الاجراءات الانتقامية التي تقوم بها الحكومة التركية بأوامر مباشرة من الرئيس أروغان يمكن ان تتسبب في مزيد من الاضطراب داخل البلاد، حيث ستسمح حالة الطوارئ وكما نقلت بعض المصادر، لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بتجاوز البرلمان في إصدار قوانين جديدة، ويمكن بموجبها منع أي تجمعات وإغلاق مرافق عمومية ووضع أشخاص رهن الإقامة الجبرية، إذا قدرت أن حريته ربما تخل بالأمن العام، كما يفوض قانون الطوارئ الشرطة صلاحية مداهمة منازل يشتبه بوجود خطر ما فيها، وهو ما اثار قلق ومخاوف العديد من الاطراف والجهات داخل وخارج تركيا.
وقد أكدت الأمم المتحدة أهمية احترام الحقوق الأساسية كحرية التعبير وإجراء محاكمات عادلة، وذلك من أجل الحفاظ على الديموقراطية في تركيا، وقال فرحان حق المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الدولية إن من الضروري الحفاظ على النظام الدستوري بشكل تام، وأعلن حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن أمينه العام ينس ستولتنبرغ تحدث مع الرئيس التركي وذكره بـ"ضرورة" أن تحترم تركيا بشكل كامل دولة القانون والديموقراطية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة. وحذرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الرئيس التركي من أن إعادة تطبيق عقوبة الإعدام ستقضي على أية فرص لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وقد جاء ذلك التحذير خلال اتصال هاتفي لميركل باردوغان.
من جانبه دافع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقوة عن حملة الاعتقالات في مختلف مؤسسات الدولة بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة على حكومته، نافيا أنه يستغل ما حدث لشن حملة ضد معارضيه. ووصف أردوغان، في مقابلة مع شبكة سي إن إن الأمريكية، ما يتردد عن أنه يصعد ملاحقته لمعارضيه بعد المحاولة الفاشلة بأنها "تنطوي على تشهير به". قال إنه "لابد له ولحكومته القيام بالأمر الصحيح". وأضاف أن "شخصا ظالما" لا يمكنه الحصول على 52 في المائة من الأصوات، في إشارة إلى فوزه في الانتخابات التي أجريت عام 2014. ودافع أردوغان عن اقتراح إعادة العمل بعقوبة الإعدام بعد محاولة الانقلاب. وقال إن هناك جريمة خيانة واضحة ولا يمكن أبدا أن ترفض حكومته طلب تطبيق عقوبة الإعدام.
غير أنه أكد أن الأمر سيتطلب قرارا من البرلمان. وعبر الرئيس التركي عن اعتقاده بأن تطبيق هذه العقوبة مطلب شعبي. وقال "الآن لدى الناس فكرة بعد العديد من الأحداث الإرهابية بأن الإرهابيين لابد من قتلهم، ولا يرون أي نتيجة أخرى مثل السجن المؤبد، لماذا ينبغي إبقاؤهم وإطعامهم في السجون على مدى سنوات مقبلة". وجدد أردوغان مطالبة الولايات المتحدة بأن تسلم رجل الدين التركي فتح الله غولن، المعارض القوي للرئيس التركي، لأنقرة. وتتهم السلطات التركية غولن بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة.
الجيش والمخابرات
وفي هذا الشأن قال مسؤول برلماني تركي إن الرئيس رجب طيب إردوغان يرغب في وضع القوات المسلحة والمخابرات الوطنية تحت إمرة الرئاسة كجزء من تغييرات واسعة داخل القوات المسلحة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. وتأتي هذه التعليقات بعد اجتماع للمجلس العسكري الأعلى استمر خمس ساعات وترأسه رئيس الوزراء بن علي يلدريم وبحضور أبرز قادة الجيش وبعد فصل ما يقرب من 1700 من أفراد الجيش بسبب ما يقال إنه دور لهم في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 و16 يوليو تموز الجاري.
وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم إردوغان عقب الاجتماع إن الرئيس صدق على قرارات المجلس بالإبقاء على خلوصي عكار رئيس أركان القوات المسلحة في منصبه وكذلك إبقاء قائدي البحرية والقوات الجوية في منصبيهما بينما أجرى تغييرات بسيطة في القيادة العليا للجيش. وقال إردوغان الذي نجا بصعوبة من القبض عليه وربما قتله ليلة الانقلاب الفاشل إن الجيش وهو ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي يحتاج إلى ضخ "دماء جديدة". وشمل التسريح غير المشرف نحو 40 بالمئة من أميرالات وجنرالات الجيش التركي.
وتتهم تركيا فتح الله كولن رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة بتدبير محاول الانقلاب وأوقفت عن العمل وبدأت تحقيقات مع عشرات الألوف ممن يشتبه في أنهم أنصاره ومنهم جنود وقضاة وأكاديميون. وفي أعقاب الانقلاب أغلقت السلطات التركية مؤسسات إعلامية ومدارس وجامعات. وقال المسؤول البرلماني "الرئيس قال إنه... سيناقش مع أحزاب المعارضة وضع هيئة الأركان العامة ووكالة المخابرات تحت إمرة الرئاسة."
وقالت وسائل إعلام تركية إن مثل هذا التغيير سيتطلب تعديلا دستوريا يحتاج لموافقة المعارضة في البرلمان. وتخضع رئاسة الأركان ووكالة المخابرات حاليا لمكتب رئيس الوزراء. ووضع الجهتين تحت سيطرة الرئاسة يتسق مع الاتجاه العام الذي يسعى له إردوغان والذي يهدف إلى تغيير الدستور بما يسمح بصلاحيات تنفيذية أوسع للرئيس. وكرر وزير العدل بكير بوزداج أيضا طلب أنقرة تسليم الولايات المتحدة لكولن بسرعة ونقل عن تقارير مخابرات إن كولن الذي كان ذات يوم حليفا مقربا من إردوغان قد يهرب من ولاية بنسلفانيا الأمريكية حيث يقيم. ونفى كولن أي صلة له بمحاولة الانقلاب. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن وزارته بها أكثر من 300 موظف على صلة بكولن وإنه تم تسريح 88 من موظفي الوزارة.
من ناحية أخرى قالت أكبر شركة للبتروكيماويات في تركيا (بيتكيم) إن رئيسها التنفيذي استقال وقالت وكالة الأناضول الرسمية للأنباء إنه اعتقل فيما يتعلق بمحاولة الانقلاب. وذكرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية أن ممثلي الادعاء في أنقرة أمروا بالتحفظ على أصول 3049 قاضيا وممثلا للادعاء اعتقلوا في إطار التحقيق في محاولة الانقلاب.
وأدانت حكومات غربية ومنظمات حقوق الإنسان محاولة الانقلاب التي قتل فيها 246 شخصا على الأقل وأصيب أكثر من ألفين آخرين لكنها أبدت قلقها كذلك من نطاق وعمق عملية التطهير خوفا من أن يكون إردوغان يستغل الأمر في إحكام قبضته على السلطة. وقالت الحكومة إنها أمرت بإغلاق ثلاث وكالات أنباء و16 قناة تلفزيونية و45 صحيفة و15 مجلة و29 دار نشر. وجاء ذلك بعد إغلاق مؤسسات إعلامية أخرى للاشتباه بصلاتها بكولن.
وفي واشنطن قال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة "قلقة للغاية" من تقارير حديثة عن إغلاق تركيا لوسائل إعلام وإنها تسعى لاستيضاح الأمر من الحكومة. ودعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لضبط النفس مع التأكيد على حاجة تركيا لاتخاذ إجراءات ضد المتآمرين لتنضم بذلك إلى عدد من القادة الغربيين الذين وجهوا هذه الدعوة. وقالت في مؤتمر صحفي في برلين "في دولة دستورية -وهذا ما يقلقني وأتابعه عن كثب- ينبغي أن يحترم الجميع مبدأ التناسب."
وقال تشاووش أوغلو لقناة سي.إن.إن تورك إن بعض ممثلي الادعاء الذين تربطهم صلات بكولن فروا إلى ألمانيا وحث برلين على تسليمهم. وقال كذلك إنه يرى "تغيرا إيجابيا" في سلوك الولايات المتحدة تجاه طلب أنقرة تسليم كولن. وحتى قبل محاولة الانقلاب الفاشلة كانت تركيا تواجه تحديات أمنية كبيرة منها هجمات نفذها مقاتلون أكراد ومن تنظيم داعش مما انعكس في حقيقة مؤلمة تجلت في بيانات قطاع السياحة حيث تراجع عدد الزوار الأجانب في يونيو حزيران بنسبة 40 بالمئة.
ويقول محللون عسكريون إن حالة القوات المسلحة التركية تثير الشكوك بشأن قدرة إردوغان على احتواء تهديد تنظيم داعش في سوريا المجاورة وتجدد التمرد الكردي في جنوب شرق البلاد. وكانت علاقة حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية الذي أسسه إردوغان والذي يحكم البلاد منذ عام 2002 غير مريحة منذ فترة طويلة بالجيش الذي اعتبر نفسه على مدى عقود حامي النظام العلماني التركي وميراث مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة. وأطاح الجيش بأربع حكومات على مدى 60 عاما. لكن إردوغان يقول إن أنصار كولن اخترقوا القوات المسلحة في السنوات القليلة الماضية. وقال وزير العدل "الجيش يجب ألا يكون جيش منظمة فتح الله كولن الإرهابية."
وفي إشارة رمزية تؤكد مدى إمساك السلطات المدنية بزمام الأمور الآن عقد اجتماع المجلس الأعلى العسكري في مكتب رئيس الوزراء بن علي يلدريم بدلا من مقر قيادة أركان الجيش. ورافق يلدريم كبار القادة العسكريين في زيارة ضريح أتاتورك في أنقرة قبل الاجتماع. وقال يلدريم في تصريحات نقلها التلفزيون عند الضريح "نحن سنقضي بالتأكيد على جميع المنظمات الإرهابية التي تستهدف دولتنا وأمتنا ووحدة بلادنا."
وكان من ضمن التغييرات التي أعقبت محاولة الانقلاب نقل قيادة القوات الأمنية المسؤولة عن المناطق الريفية وحراسة السواحل إلى وزارة الداخلية بدلا من قيادة الأركان العامة. وذكرت قناة سي.إن.إن تورك نقلا عن وزير الداخلية أن أكثر من 15 ألف شخص منهم عشرة آلاف جندي احتجزوا حتى الآن بسبب محاولة الانقلاب. ومن بين هؤلاء تم اعتقال أكثر من ثمانية آلاف رسميا في انتظار محاكمتهم.
وعمقت الأحداث التي جرت التوترات في علاقة تركيا بالولايات المتحدة. فقد ردت واشنطن بحذر على طلب تركيا تسليم كولن قائلة إنها لن تفعل إلا إذا حصلت على أدلة واضحة على تورطه في التخطيط لمحاولة الانقلاب. وقال بوزداج إن تسليم كولن مسألة عاجلة لأسباب أهمها تلقي تركيا معلومات مخابرات تفيد بأن رجل الدين البالغ من العمر 75 عاما قد يهرب ربما إلى أستراليا أو المكسيك أو كندا أو جنوب أفريقيا أو مصر. وقالت مصر إنها لم تتلق طلب لجوء منه.
وبنى كولن سمعته كداعية إسلامي سني بخطبه القوية. وأقامت حركته واسمها "حركة الخدمة" مئات المدارس والشركات في تركيا وبعد ذلك في الخارج. وتؤكد فلسفته على الحاجة إلى تبني التقدم العلمي ونبذ التطرف وبناء الجسور مع الغرب والديانات الأخرى. وحثت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي تطمح تركيا إلى الانضمام إليه أنقرة على ضبط النفس في حملتها ضد المشتبه بأنهم من أنصار كولن وضمان أن يحظى المعتقلون بمحاكمات عادلة. بحسب رويترز.
وقالت منظمة العفو الدولية إن المعتقلين ربما يكونوا تعرضوا لانتهاكات مثل الضرب والاغتصاب وهي اتهامات نفتها أنقرة تماما. وغضب الاتحاد الأوروبي من الحديث الدائر في تركيا - بين مسؤولين منهم إردوغان وغيره- عن إعادة العمل بعقوبة الإعدام وهي خطوة قالت بروكسل أن من شأنها القضاء على مساعي أنقرة المستمرة منذ عشر سنوات للانضمام للاتحاد. وتضررت السياحة وهي من الدعائم التي يقوم عليها الاقتصاد التركي بشدة من سلسلة هجمات شهدتها تركيا منها هجوم بمطار اسطنبول قتل فيه 45 شخصا وزيادة التوتر مع روسيا. والبيانات التي تظهر انخفاضا بنسبة 40 بالمئة في عدد الزوار الأجانب للبلاد في يونيو بالمقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي تعد نبأ سيئا آخر للحكومة. فالانخفاض هو الأكبر منذ 22 عاما.
تركيا وأمريكا
في السياق ذاته رفض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بغضب الانتقادات الغربية لحملة التطهير الجارية في الجيش التركي والمؤسسات الأخرى في الدولة بعد الانقلاب الفاشل مشيرا إلى أن البعض في الولايات المتحدة يقفون إلى جانب المتآمرين. وتستهدف الحملة أنصار رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب. وندد حلفاء تركيا الغربيون بالانقلاب الذي قتل فيه ما لا يقل عن 246 شخصا وأصيب أكثر من ألفين لكن نطاق الحملة أثار قلقهم.
وأعلنت تركيا إصلاحات واسعة في جيشها ثاني أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي حيث قامت بترقية 99 عقيدا لرتبة جنرال أو أميرال وسرحت نحو 1700 من أفراد الجيش لدورهم المزعوم في الانقلاب. وأقيل نحو 40 في المئة من مجمل الجنرالات والأميرالات منذ الانقلاب. وأبلغ وزير الدفاع التركي فكري إيشيك قناة (إن.تي.في) أن التغييرات الواسعة في الجيش لم تنته بعد مضيفا أن الأكاديميات العسكرية ستكون الآن هدفا "للتطهير". كما امتدت عمليات التطهير كذلك إلى الوزارات الحكومية والمدارس والجامعات والشرطة والخدمة المدنية وقطاع الإعلام والشركات. وقالت وكالة الأناضول الرسمية للأنباء إن عدد موظفي القطاع العام الذين أقيلوا من مناصبهم منذ محاولة الانقلاب يتجاوز 66 ألفا بينهم نحو 43 ألفا في قطاع التعليم.
في غضون ذلك قال وزير الداخلية إفكان إن السلطات التركية اعتقلت أكثر من 18 ألف شخص بعد محاولة الانقلاب وإن جوازات السفر الخاصة بما يصل إلى 50 ألف شخص ألغيت. وقالت وزارة العمل إنها تحقق مع 1300 من موظفيها بشأن احتمال ضلوعهم في الانقلاب. ويقول إردوغان إن كولن سخر شبكته الواسعة من المدارس والمؤسسات الخيرية والشركات التي أقامها في تركيا وخارجها على مدى عقود لينشئ "دولة موازية" بهدف الاستيلاء على البلاد. ويقول منتقدو الرئيس إن إردوغان يستغل عمليات التطهير الواسعة لشن حملة عشوائية على المعارضة وإحكام قبضته على البلاد.
وقال مدير المخابرات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر إن حملة التطهير تضر بالحرب ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق بعزل الجنود الأتراك الذين سبق لهم العمل مع الولايات المتحدة. وقال رئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل إنه يعتقد أن بعض شخصيات الجيش التي كانت الولايات المتحدة عملت معها موجودة في السجن حاليا. وفي كلمة له في مقر للقوات الخاصة في أنقرة لحقت به أضرار شديدة جراء العنف ليلة الانقلاب ندد إردوغان بتصريحات فوتيل.
وقال إردوغان في إشارة إلى كولن الذي ينفي أي ضلوع له في محاولة الانقلاب "بدلا من توجيه الشكر لهذه الدولة التي صدت محاولة انقلاب فإنك تأخذ جانب المتآمرين. الانقلابيون موجودون في بلدك بالفعل." وفي بيان أصدره الجيش الأمريكي قال فوتيل إن أي مزاعم عن تورطه في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا "مؤسفة وغير دقيقة تماما." وأضاف "تركيا شريك استثنائي وحيوي في المنطقة منذ سنوات عديدة. نقدر تعاون تركيا المستمر ونتطلع إلى شراكتنا المستقبلية في التصدي لتنظيم داعش."
كما رفض إريك شولتز المتحدث باسم البيت الأبيض المزاعم بأن فوتيل دعم مدبري الانقلاب وأشار إلى تعليقات الرئيس باراك أوباما التي قال فيها إن أي تقارير عن أنه كانت لواشنطن معرفة مسبقة بمحاولة الانقلاب كاذبة تماما. وتريد أنقرة من واشنطن تسليم كولن الذي كان في وقت من الأوقات حليفا وثيقا لإردوغان وبات الآن عدوا لدودا له. وقال إردوغان "هم (المنتقدون) يقولون ...نحن قلقون على مستقبل تركيا. لكن ماذا يقلق هؤلاء السادة؟ ما إذا كانت أعداد المحتجزين أو المعتقلين ستزيد؟ إذا كانوا مدانين فستزيد."
وسئل رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم عن التصريحات الأمريكية بشأن فقد المحاورين الأتراك فقال مكررا للهجة إردوغان التي تنطوي على التحدي "هذا اعتراف. إذا كان الجنرالات أتباع كولن أصدقاءهم فهم في نفس المرتبة." وأضاف يلدريم أيضا أن أنقرة ستغلق قاعدة جوية قرب العاصمة كانت مركزا لمدبري الانقلاب وكذلك جميع الثكنات العسكرية التي استخدموها.
وفي ظل اشتراكها في حدود برية طويلة مع سوريا والعراق فإن تركيا لها دور محوري في العملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش. كما أنها شريكة مهمة للاتحاد الأوروبي إذ تستضيف ملايين اللاجئين السوريين بعد اتفاق تم التوصل إليه العام الماضي لوقف أكبر موجة هجرة إلى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وتستضيف تركيا قوات وطائرات حربية أمريكية في قاعدة إنجيرليك الجوية التي تنطلق منها الطلعات الجوية الأمريكية وتستهدف خلالها عناصر داعش في سوريا والعراق. وتم تعليق هذه العمليات بعد محاولة الانقلاب. بحسب رويترز.
وفي محاولة لطمأنة الولايات المتحدة قال وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو إن القوات المسلحة التركية "طهرت" من أتباع كولن وإنها ستكون "أجدر بالثقة وأكثر فاعلية في المعركة". وتتنامى مع ذلك المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في تركيا والتي ستزيد على الأرجح إذا رفضت واشنطن تسليم كولن. وذكرت صحيفة يني شفق الموالية للحكومة أن بضعة مئات من المحتجين نظموا مسيرة احتجاجية سلمية قرب قاعدة إنجيرليك وهتفوا "الله أكبر" و"اللعنة على الولايات المتحدة". وأحرق المحتجون العلم الأمريكي.
توسيع حملة التطهير
منن جانب اخر امتدت حملة التطهير في تركيا لتشمل قطاع الاعمال مع توقيف اصحاب شركات، في حين يتهدد السجن 20 صحافيا. ومدت السلطات التركية ملاحقتها لانصار غولن الى عالم الاعمال في حين لوح الاتحاد الاوروبي بتجميد مفاوضات انضمام تركيا في حال انتهاك مبادىء دولة القانون. واوقفت قوات الامن مصطفى بويداك رئيس مجموعة بويداك القابضة في مدينة قيصري (وسط)، مع اثنين من المسؤولين في مجموعته، هما شكرو وخالد بويداك اللذان اوقفا في منزلهما، بحسب وكالة انباء الاناضول شبه الحكومية.
ولا تزال الشرطة تبحث عن الرئيس السابق للمجموعة حاجي بويداك والياس وبكر بويداك. وللمجموعة مصالح في قطاع الطاقة والمالية والاثاث. ويتولى مصطفى بويداك ايضا رئاسة غرفة التجارة في قيصري المدينة التي تعد من "نمور الاناضول" اي المدن التي ازدهرت خلال فترة حكم اردوغان. ويعتمد الاقتصاد التركي الى حد كبير على المجموعات الكبيرة التي تملكها اسر وتبيع العلامات الكبرى في البلاد. وتواصت حملة التطهير في وسائل الاعلام التي اغلق 131 منها، مع مثول 21 صحافيا موقوفين امام محكمة باسطنبول. وطلبت النيابة حبس عشرين منهم والافراج بكفالة عن بولنت موماي الناشر السابق لصحيفة حرييت. ومن بين الصحافيين الموقوفين نازلي اليشاك النائبة السابقة التي فصلت من صحيفة "صباح" المؤيدة للحكومة في 2013 بعد ان انتقدت وزراء متورطين في فضيحة فساد اتهمت انقرة غولن بتدبيرها. وتجمع صحافيون امام المحكمة دعما لزملائهم الموقوفين.
من جهته، ندد الصحافي السابق في صحيفة "توداي زمان" عبد الله بوزكورت الذي اسس وكالة للانباء بعد سيطرة النظام على الصحيفة "بالاغلاق غير الشرعي" لوكالته. وتضاف هذه الاجراءات الى 89 مذكرة توقيف صدرت بحق صحافيين اذ اتهمهم النظام بالارتباط بشبكة غولن. واعتبر ممثلان لحرية التعبير في الامم المتحدة ومنظمة الامن والتعاون في اوروبا ان تكثيف التطهير في وسائل الاعلام التركية يشكل "ضربة خطرة" لحرية الاعلام وطالبا السلطات التركية ب"مراجعة قراراتها".
وحذر الخبيران في بيان مشترك من ان "الاعتقالات المتزامنة لصحافيين مستقلين وغلق وسائل اعلام مكتوبة ومسموعة ومرئية، يشكل ضربة خطرة لحرية الاعلام ومبدا المسؤولية الحكومية". وقال ديفيد كاي المقرر الخاص للامم المتحدة لحرية التعبير ودنيا ميجاتوفيتش ممثلة منظمة الامن والتعاون في اوروبا لحرية التعبير انهما "يطلبان فورا من السلطات التركية ان تراجع هذه القرارات وتؤكد التزاماتها ازاء حرية الصحافة". بحسب فرانس برس.
ونددت منظمة العفو الدولية باجراءات "تفاقم مناخ الخوف" في تركيا فهي "لا تكاد تترك شكا في ان السلطات تنوي اسكات الانتقادات دون مراعاة القوانين الدولية". وعلق المصور الصحافي صلاح الدين سفي الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف على فيسبوك "كنت دائما ضد اي تنظيم او سلطة تحاول اطاحة حكومات انتخبت ديموقراطيا في تركيا وانا على الموقف نفسه". وسفي موجود في الخارج حيث يعد لكتاب وذكر بانه نزل الى الشارع للاحتجاج على محاولة الانقلاب.
مقبرة الخونة
الى جانب ذلك فمقبرة الخونة هي العبارة الوحيدة المكتوبة بحروف بيضاء على لافتة سوداء مغروزة في الأرض تشير إلى ما تمثله هذه البقعة الجرداء التي تصطلي أرضها الحجرية بالشمس الحارقة خارج إسطنبول. في هذه البقعة تقرر دفن القتلى من الجنود الأتراك الذين شاركوا في الانقلاب الفاشل في 15 تموز/يوليو على حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان والذي اودى بحياة 270 شخصا وفق الأرقام الرسمية.
ويظهر من طبيعة المكان أن المراد منه هو توفير أقل قدر من الهيبة للمقبرة التي تجاور موقعا يجري فيه بناء مأوى للحيوانات الضالة. وقالت السلطات التركية إن 24 من الجنود الانقلابيين قتلوا ولكن لم يدفن حتى الآن سوى جندي واحد في المقبرة هو الكابتن محمد كارا بكر. وقيل إن هذا الجندي قتل مسؤولا محليا خلال محاولة الانقلاب وإن عائلته وأقرباءه رفضوا تسلم جثته. ولا يتعدى قبره الذي لا يعلوه شاهد عن كونه مجرد كومة من التراب حفرت بالقرب منها ثلاثة قبور لا تزال خالية.
وقال شاهد "نقلت الجثة في سيارة إسعاف وصلت إلى المكان بصمت ثم أنزلت في القبر بحضور عدد من الأشخاص وانتهى الأمر". ويمنع على المدنيين زيارة المقبرة ويرافق الصحفيين مسؤولون أمنيون إذا أرادوا التقاط صور أو تسجيل شريط فيديو. ونقلت وسائل الإعلام التركية عن رئيس بلدية إسطنبول قادر طوباس أن فكرة إقامة "مقبرة للخونة" طرحت خلال اجتماع للمجلس البلدي. وأضاف "أولئك الذين يخونون بلادهم لا يمكنهم أن يرقدوا بسلام في قبورهم".
وقالت هيئة "ديانة" للشؤون الدينية بعد الانقلاب أنها منعت تنظيم جنازات والصلاة على الجنود القتلى الانقلابيين معتبرة أنهم "داسوا على قانون أمة بأسرها" وأنهم "لا يستحقون الترحم والصلاة عليهم". لكن "ديانة" استبعدت من هذا العقاب رجال الأمن الذين أرغموا أو تعرضوا للتهديد للمشاركة في محاولة الانقلاب. وقال يشار سائق سيارة الأجرة الخمسيني مشيرا إلى المقبرة "هذا انتقاص من كرامة الوطن والأمة والعلم. هذه خيانة. إنهم يستحقون نعتهم بالخونة". بحسب فرانس برس.
لكن الفكرة لا تحظى بالإجماع. إذ يؤكد بعض الناشطين والفقهاء أن الحصول على دفن لائق حق إنساني أيا كان الفعل الذي ارتكبه المتوفى. وقال النائب السابق من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم والأستاذ المتقاعد من كلية الفقه في جامعة مرمرة نجيب تيلان "هذا القرار اتخذ على عجل في سياق لحظة محمومة". وأضاف "كلنا نعرف كم يشعر المجتمع بالأذى مما حصل ولكن، هناك دائما خونة، هذا ليس بجديد، ويمكن دفنهم في موقع منفصل... لا أعتقد أن إنشاء مثل هذه المقبرة فكرة سديدة". وأثارت المقبرة تعليقات غاضبة على مواقع التواصل. وتساءل أحد مستخدمي تويتر "هل سيدفن كنعان إفيرين وفريقه أيضا في مقبرة الخونة؟".