العراق ومصير الاصلاحات.. مماطلة سياسية تفرضها مصالح براغماتية

عبد الامير رويح

2016-07-18 08:39

يرى بعض الخبراء ان قضية الاصلاحات السياسية، التي اعلن عنها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في وقت سابق، من اجل محاربة الفساد ومعالجة بعض الاخطاء والمشكلات، والعمل على تشكيل حكومة تكنوقراط بهدف القضاء على المحاصصة الحزبيّة والطائفيّة التي دمرت البلاد وادخلت العراق في حرب مفتوحة مع تنظيم داعش الارهابي، هي امر مستبعد ولأسباب كثيرة منها ضعف الحكومة التي عجزت عن تنفيذ قراراتها وخططها المعلنة، بسبب الحرب والخلافات الحزبية، يضاف الى ذلك التدخلات والضغوط الخارجية التي اضعفت قدرة وتحركات رئيس الوزراء.

وفي عدة تقارير تم نشرها في بعض المصادر، فقد اشار عدد من المراقبين الى ان الحفاظ على المكتسبات السياسية والحزبية والعائلية تدفع بأغلب السياسيين العراقيين لممانعة الإصلاحات في النظام السياسي العراقي الوليد، وتحت مسميات الحفاظ على حقوق المكونات والتوازن ومبدأ الشراكة والتوافقية تحاول الكتل السياسية وعلى ما يبدو الالتفاف على جوهر الاصلاحات. الامر الذي قد يقود الى ثورة شعبية كبرى او تمرد مسلح واسع قد يدخل البلاد في اتون فوضى واسعة تعقد المشهدين المحلي والإقليمي. خصوصا وان المحكمة الاتحادية العليا في العراق أبطلت بشكل نهائي قرارات تعيين الوزراء الجدد، واعتبرتها غير دستورية لتقوض بذلك أهم مكاسب رئيس الوزراء حيدر العبادي، وهوما قد يفتح الباب على مصراعيه من جديد للعودة الى نقطة البدء فيما يتعلق بالإصلاحات ومحاربة الفساد.

المحكمة الاتحادية ولعبادي

وفي هذا الشأن أبطلت المحكمة الاتحادية العليا في العراق جلسة للبرلمان أقر خلالها النواب تعديلا وزاريا جزئيا واعتبرتها غير دستورية لتقوض بذلك أهم مكاسب رئيس الوزراء حيدر العبادي في الأزمة السياسية الممتدة منذ أشهر. ويمثل الحكم ضربة لمحاولة العبادي تعيين وزراء من الخبراء بدلا من سياسيين كانوا قد اختيروا لتحقيق توازن بين الانتماءات الحزبية والعرقية والمذهبية في العراق. وحذر العبادي من أن أي تأخير في العملية قد يقوض الحرب ضد تنظيم داعش الذي يسيطر على كثير من شمال العراق وغربه.

وأجبر نحو عشرة من نواب البرلمان المعترضين نحو 200 من زملائهم على مغادرة القاعة الرئيسية للمجلس في 26 أبريل نيسان الماضي والتصويت في قاعة منفصلة لإقرار تعيين العبادي خمسة وزراء في إطار مساعيه لمكافحة الفساد. وعرقل نواب معارضون التصويت لأسابيع وبعدها بأيام اقتحم أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مجمع البرلمان وعرقلوا العملية لأسابيع أخرى.

وقال بيان للمحكمة الاتحادية دون توضيح المسوغ القانوني إن قرار البرلمان في أبريل نيسان كان غير دستوري "للأسباب التي سردتها (المحكمة) في الجلسة والتي تشكل مخالفات دستورية ولا يجوز الأخذ بقراراتها حتى وإن كان العدد الحاضر من النواب بنصاب قانوني". وحولت حملة الجيش لاستعادة الفلوجة غربي بغداد الأنظار عن الأزمة السياسة. بحسب رويترز.

وقال طارق حرب الخبير القانوني العراقي إن القرار يجرد الوزراء الخمسة الذين أقر البرلمان تعيينهم في جلسة 26 أبريل نيسان من مناصبهم الوزارية وإن على رئيس الوزراء تقديم ترشيحات جديدة للبرلمان للتصويت عليها. وأضاف حرب أن الحكم نهائي ولا يقبل النقض. وأشارت المحكمة لعدم توفر النصاب القانوني في قرار آخر لتقضي ببطلان جلسة منفصلة صوت فيها نواب معارضون لصالح استبدال رئيس البرلمان.

يشار الى ان النصاب القانوني لعقد الجلسة هو (النصف + واحد) من عدد النواب البالغ 328 نائبا، اي 165 نائبا لتحقيق النصاب. اما جلسة يوم 26 ابريل، وهي الجلسة التي عقدت برئاسة الجبوري ونائبيه المقالين في حينه وبحضور رئيس الوزراء، فقد اقيل فيها خمسة وزراء والتصويت على خمسة وزراء جدد من ضمن برنامج للإصلاح الحكومي. وقال مصدر قضائي بخصوص عدم قانونية هذه الجلسة "رأت المحكمة انها جرت في ظل اجواء تتعارض مع حرية الراي منها دخول حرس ومنع النواب من الدخول الى القاعة والاوضاع التي رافقتها من وجود عسكر، ونقل الجلسة من مكان الى مكان دون الاعلان عن ذلك مسبقا".

عرض عسكري

الى جانب ذلك اقامت القوات المسلحة العراقية عرضا عسكريا كبيرا في ساحة التحرير وسط بغداد بمناسبة "الانتصارات" التي حققتها مؤخرا ضد تنظيم داعش. وحيا رئيس الوزراء حيدر العبادي من مقصورة تحت نصب الحرية القوات التي ضمت دبابات ومدافع وطائرات حربية ومروحية. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع العميد تحسين ابراهيم "اقمنا هذا الاستعراض بمناسبة تحرير الفلوجة والرمادي وجميع الاراضي التي كانت من تحت سيطرة داعش".

وسبق اقامة العرض، تمرين قبل يومين في شوارع بغداد بشكل غير معلن ادى الى قطع الشوارع واثار مخاوف في الشارع بدلا ان يوحي باجواء الاحتفال. واشارت بعض التكهنات التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي الى ان العرض العسكري رسالة للمتظاهرين الذين يخططون لتجمع كبير ودعاهم العبادي الى تأجيله، بينما اشارت اخرى الى امكان حصول محاولة انقلاب عسكري. بحسب فرانس برس.

واعلن العراق في 30 حزيران/يونيو استعادة السيطرة بشكل كامل على مدينة الفلوجة الواقعة على بعد 50كم غرب بغداد، بعد عامين ونصف العام من فرض الجهاديين سيطرتهم عليها. كما اعلن تحرير مدينة الرمادي كبرى مدن محافظة الانبار في نهاية العام الماضي، لكن المعارك في محيط الرمادي لاتزال جارية حتى الان. وتمكنت السلطات مؤخرا من استعادة السيطرة على قاعدة جوية رئيسية جنوب مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش، والتي اعتبرتها وزارة الدفاع الاميركية قاعدة انطلاق تجاه استعادة مدينة الموصل المعقل الرئيسي للتنظيم في العراق. وكان تنظيم داعش استولى على مساحات شاسعة في شمال وغرب البلاد في منتصف عام 2014، وانكسر الجيش العراقي في ذلك الوقت، لكنه استعاد عافيته بدعم تحالف تقوده الولايات المتحدة اشرف على تدريب الجنود وقدم اسناد جوي للقطاعات البرية.

أنصار الصدر

الى جانب ذلك احتشد آلاف من أنصار رجل الدين الشيعي العراقي البارز مقتدى الصدر في ميدان بوسط بغداد في تجاهل لمناشدات الحكومة لإلغاء الاحتجاجات التي تقول إنها تشتت جهود قتال تنظيم داعش. واستأنف أنصار الصدر الاحتجاجات بعد توقف لفترة من الوقت وكانوا في أبريل نيسان ومايو أيار اقتحموا المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد مرتين وعطلوا عمل البرلمان لعدة أسابيع.

وعاد أنصار الصدر بنفس المطالب المتمثلة في مكافحة الفساد وإصلاح النظام الحكومي القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية. وأخفق رئيس الوزراء حيدر العبادي في إجراء تعديل حكومي وعد به قبل أشهر في إطار إصلاحات. وعززت الإحتجاجات في بعض الأحيان مسعى العبادي لعزل وزراء جرى اختيارهم استنادا إلى انتماءاتهم السياسية وتعيين خبراء مستقلين بدلا منهم لكنه قال في الآونة الأخيرة إن الاحتجاجات تخاطر بتقويض حملة الجيش لطرد تنظيم داعش من معقله في الموصل بشمال البلاد.

وتوقفت الأنشطة في معظم أنحاء بغداد خلال الليل فيما انتشرت قوات الأمن قبل المظاهرة التي أعقبت عرضا عسكريا في وسط بغداد احتفالا بعطلة وطنية. وزار الصدر ميدان التحرير لفترة قصيرة وهو يرتدي الزي العسكري الأمر الذي أثار مخاوف من احتمال اندلاع مواجهة. وزار العبادي بعد ذلك عدة نقاط تفتيش أمنية في محاولة فيما يبدو لتعزيز صورته في ظل تزايد انتقادات الرأي العام. ويلقى السكان مسؤولية الفشل في توفير الأمن على الحكومة.

ولا تزال بغداد في حالة من الغليان بعد تفجير انتحاري أعلن تنظيم داعش المسؤولية عنه في حي الكرادة بوسط العاصمة يوم الثالث من يوليو تموز والذي أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 292 شخصا ليصبح واحدا من أسوأ الهجمات التي نفذت في جميع أنحاء العراق منذ أطاحت القوات التي تقودها الولايات المتحدة بصدام حسين قبل 13 عاما. ويستخدم التنظيم الارهابي التفجيرات الانتحارية بشكل متزايد الأمر الذي يقول مسؤولون أمريكيون وعراقيون إنه دليل على أن الخسائر الميدانية أضعفت الجهاديين لكن منتقدين يقولون إن المتشددين لا يزالون يمثلون خطرا طويل الأمد. بحسب رويترز.

وأصدر مكتب إعلامي مرتبط بالجيش بيانا واصفا احتجاجات الجمعة بأنها "غير مرخصة" وهدد بالتعامل مع المتظاهرين المسلحين "كتهديد إرهابي". وتعهد أنصار الصدر بالمضي قدما في المظاهرة لكنهم وعدوا بأنها ستكون سلمية. ولم ترد تقارير عن أعمال عنف خطيرة بعد مضي عدة ساعات على انطلاق المظاهرة التي بدأ بعدها الناس بالانسحاب. وصعد الصدر على منصة في ميدان التحرير لفترة وجيزة لمخاطبة أنصاره الذين تدفق كثير منهم على بغداد من المحافظات المجاورة. وأصدر متحدث بعدها قائمة مطالب تضمنت عزل رئيس الوزراء والرئيس ورئيس البرلمان ومحاكمة المسؤولين الفاسدين وإنهاء نظام المحاصصة الطائفية والعرقية وإصلاح القضاء ولجنة الانتخابات وبث جلسات البرلمان مباشرة على التلفزيون.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي