تركيا والاتحاد الأوروبي.. علاقات متشنجة من تهديدات الهجرة الى مصالح الانضمام

عبد الامير رويح

2016-06-20 03:01

العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، تشهد وبحسب بعض الخبراء توترا ملحوظا بسبب التصريحات الحادة والسياسات الخاطئة التي يتبعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يسعى الى خلط الأوراق وممارسة بعض الضغوط والتهديدات على دول الاتحاد الاوربي من اجل الحصول على تنازلات اضافية بخصوص انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، الذي لديه الكثير من المطالب والتحفظات بخصوص ملف الحقوق والحريات في تركيا، يضاف الى ذلك قضايا الارهاب ودعم القوى المتطرفة، ودور تركيا في إغراق أوروبا باللاجئين، والتي تعد اهم اوراق أردوغان في الوقت الحالي.

وفيما يخص اخر التطورات فقد رفضت ممثلية تركيا الدائمة لدى الاتحاد الأوروبي، استلام تقرير البرلمان الأوروبي، الذي طالب أنقرة الاعتراف بالمزاعم الأرمينية حول أحداث عام 1915 على أنها إبادة جماعية، في تصعيد جديد للتوتر بين الجانبين. وكان البرلمان الأوروبي قد صوت على التقرير المذكور، في وقت سابق حيث وافق عليه 375 نائبا. وطوال العقود الماضية سعى الأرمن في الداخل والخارج إلى الإبقاء على قضية المجازر حية من خلال تنظيم فعاليات سنوية والتحرك في المحافل الدولية ولاسيما البرلمانات لإقرار الإبادة، واستند الأرمن في تحركهم هذا إلى قانون منع الإبادة الجماعية الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1951 ووضعته تحت بند القانون الدولي، وكثيرا ما يقارن الأرمن بين ما جرى لهم والمجازر التي ارتكبت في رواندا وكمبوديا

خلافات تتفاقم

من جانب اخر رد عدد من السياسيين الالمان على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي اتهم نوابا المان من اصل تركي بدعم الارهاب واقترح تحليل دمهم بعد تصويتهم على الاعتراف بابادة الارمن. وكان اردوغان رد بغضب بعد ان ايد 11 نائبا المانيا من اصل تركي قرارا للبرلمان الالماني يعترف بابادة الارمن. واثارت تلك القضية غضب اردوغان في وقت تتوتر فيه العلاقات بين البلدين بسبب خلافات حول حرية الاعلام، فيما يعول الاتحاد الاوروبي على تركيا لوقف تدفق المهاجرين الى دول الاتحاد.

كما تقدمت مجموعة من المحامين الاتراك بشكوى تطلب توجيه التهم للنواب الالمان من اصل تركي ب"اهانة الهوية والدولة التركية"، بحسب صحيفة حرييت. وكتب رئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولتز الى اردوغان معربا عن "قلقه البالغ" بشان "الهجمات اللفظية والاتهامات للنواب الالمان المنتخبين في مجلس النواب (البوندستاغ)".

ودان شولتز وهو الماني "باقسى العبارات" تصريحات اردوغان التي تربط النواب ب"الارهابيين" في اشارة الى حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا. وقال في رسالته ان قدرة النواب والصحافيين على العمل "دون خوف من القمع هو جزء من الاساس غير القابل للنقاش لكل ديموقراطية". وحذر شولتز من انه اذا انتهك قادة الدول هذه الحقوق "فيمكن ان يضر ذلك بالعلاقات الدولية على المدى الطويل".

وقال نوربرت لامرت رئيس مجلس النواب الالماني ان تصريحات القادة الاتراك ادت الى موجة من "التهديدات والاهانات الكريهة" التي ارسلت بالبريد الالكتروني الى النواب ال11. وصرح "لم اكن اتصور ان رئيسا منتخبا ديموقراطيا في القرن الحادي والعشرين يربط انتقاداته لاعضاء منتخبين ديموقراطيا في البوندستاغ الالماني بشكوك حول اصولهم التركية ووصف دمهم بالملوث". وقال "اي شخص يضغط على نواب معينين بتهديدات يجب ان يعلم انه يهاجم البرلمان باكمله". وحذر لامرت "سنرد على ذلك بكل الخيارات المتاحة لنا بموجب القانون". واضاف "اعترض رسميا على شكوك (اردوغان) في ان نواب هذا البرلمان يعبرون عن آراء ارهابيين".

واستدعت وزارة الخارجية الالمانية القائم بالاعمال التركي حيث تم ابلاغه بان "التصريحات الاخيرة غير المفهومة عن نواب المان لا تتوافق مع العلاقات الوثيقة تقليديا بين المانيا وتركيا". وصرح احد النواب الالمان من اصل تركي وهو جيم اوزديمير لصحيفة "اغوس" الارمنية الاسبوعية انه رغم استهدافه والنواب الاخرين ب"تهديدات بالقتل والاهانات" الا انهم على الاقل "لم يسجنوا" ولم "يتم رفع الحصانة عنهم لمجرد تعبيرهم عن ارائهم بعكس ما يحدث لزملائنا في تركيا".

واثارت قضية الأرمن خلافا بين تركيا وعدد من الدول التي وصفت مجازر قتل الارمن على يد القوات العثمانية خلال الحرب العالمية الاولى بانها "ابادة". ويؤكد الارمن ان 1,5 مليون ارمني قتلوا بشكل منظم قبيل انهيار السلطنة العثمانية فيما اقر عدد من المؤرخين في اكثر من عشرين دولة بينها فرنسا وايطاليا وروسيا بوقوع ابادة. وتقول تركيا ان هؤلاء القتلى سقطوا خلال حرب اهلية تزامنت مع مجاعة وادت الى مقتل ما بين 300 الف و500 الف ارمني فضلا عن عدد مماثل من الاتراك حين كانت القوات العثمانية وروسيا تتنازعان السيطرة على الاناضول. بحسب فرانس برس.

وياتي الخلاف فيما تسعى تركيا والاتحاد الاوروبي الى التعاون على تنفيذ اتفاق لاحتواء ازمة اللاجئين التي تعد الاسوا التي تشهدها اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ووعدت تركيا بوقف تدفق المهاجرين الى اليونان، وقبول اعادة اللاجئين غير القانونيين من ذلك البلد مقابل مساعدات مالية ومزايا بينها السماح للاتراك بدخول دول فضائ شنغن دون تاشيرات لكن هذا البند يثير خلافات.

تهديدات بالقتل

الى جانب ذلك ذكرت وسائل إعلام أن أعضاء البرلمان الألماني من ذوي الأصل التركي تلقوا تحذيرا من السفر إلى تركيا وأنه سيجري تعزيز إجراءات حمايتهم من جانب الشرطة بعد تلقيهم تهديدات في أعقاب قرار البرلمان الألماني باعتبار مذبحة الأرمن في عام 1915 إبادة جماعية.

وتلقى زعيم حزب الخضر في ألمانيا جيم أوزديمير الذي أيد القرار تهديدات بالقتل. وقالت مجلة دير شبيجل إن وزارة الخارجية حذرت المشرعين من أصل تركي من السفر إلى تركيا لأنه لا يمكن ضمان سلامتهم. ولم ترد الوزارة على الفور على طلب للتعليق.

ونقلت المجلة عن أيدن أوجوز مفوضة شؤون الاندماج في ألمانيا قولها "من الصعب للغاية أن نعلم أنه لا يمكن السفر جوا إلى هناك الآن". وأضافت المجلة أن المشرعين الآخرين من أصل تركي ألغوا زيارات عمل إلى تركيا. من جهة أخرى ذكرت صحيفة فرانكفورتر ألجماينه سونتاج تسايتونج (اف.ايه.اس) أن 11 مشرعا سيتم تعزيز حمايتهم من جانب الشرطة كما ستتخذ إجراءات أمنية أخرى تتعلق بأنشطة عملهم وحياتهم الخاصة.

وقال وزير الداخلية توماس دي مايتسيره للصحيفة "إن التهديدات الموجهة للمشرعين من أصل تركي غير مقبولة" مضيفا "قطعا ستعدل الإجراءات الأمنية (بشأنهم) إذا كان ذلك ضروريا." وأكد الوزير أن غالبية الألمان من ذوي الأصل التركي وعددهم 3.5 مليون شخص الذين يعيشون في ألمانيا هم "جيران طيبون" وأن المعتدين منهم مجرد "حالات فردية". بحسب رويترز.

وقال أوزديمير للصحيفة إنه تلقى تهديدات منها هذا التهديد "في وقت ما سينسى أصدقاؤك الألمان ما فعلته (لهم). لكننا لن ننسى ... وسنعثر عليك أينما كنت." ودعا أوزديمير الجماعات التركية في ألمانيا لإدانة التهديدات بالقتل. وقال رئيس البرلمان الألماني نوربرت لاميرت "إن أي شخص يحاول أن يضغط على أي عضو بالبرلمان بتوجيه تهديد له عليه أن يعلم أنه يهاجم البرلمان كله."

الانضمام الى الاتحاد الاوروبي

في السياق ذاته اعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان الامر سيستغرق عقودا قبل ان تنضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي، ردا على انصار خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي الذين يلوحون بخطر حصول موجة هجرة جديدة الى البلاد. وقال كاميرون خلال برنامج على شبكة "اي تي في" التلفزيونية ان "الامر سيستغرق عقودا قبل ان نواجه هذا الاحتمال. ان تركيا قدمت ترشيحها عام 1987. وبالوتيرة التي تسير بها الامور، فسيترتب الانتظار حتى العام 3000 لنراها تنضم الى الاتحاد الاوروبي".

بذلك رد كاميرون الداعي الى بقاء بلاده في الاتحاد الاوروبي، على انصار الخروج الذين وضعوا تركيا في قلب النقاش قبل الاستفتاء المقرر في 23 حزيران/يونيو لحسم مسالة الانتماء الى التكتل الاوروبي. وعنونت صحيفة "صنداي اكسبرس" القريبة من "حزب الاستقلال" (يوكيب) المعادي للهجرة "12 مليون تركي يقولون انهم يريدون المجيء الى المملكة المتحدة" وهم "بصورة اساسية عاطلون عن العمل وطلاب".

وقالت وزيرة الدولة للقوات المسلحة بيني موردونت وهي من الوزراء المؤيدين للخروج من اوروبا في الحكومة ان "التصويت للبقاء في الاتحاد الاوروبي هو تصويت للسماح لاشخاص من البانيا ومقدونيا ومونتينيغرو وصربيا وتركيا بالمجيء بحرية الى بلدنا حين تنضم بلدانهم قريبا الى الاتحاد الاوروبي. ان العديد من هذه الدول لديها نسب اجرام مرتفعة ومشكلات مع العصابات والخلايا الارهابية".

واضافت موردونت ردا على اسئلة "بي بي سي" انه "من المرجح جدا" ان تنضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي في غضون ثماني سنوات، مشيرة الى ان بريطانيا "ليس باستطاعتها الاعتراض على ذلك". وبعد بضع دقائق رد كاميرون على ذلك عبر شبكة "اي تي في" مؤكدا ان "هذا غير صحيح على الاطلاق. لدينا على غرار جميع دول الاتحاد الاوروبي الاخرى، حق الفيتو على كل انضمام جديد، هذا واقع"، منددا علنا بوزيرته. وتابع "حين تخطئ حملة الخروج الى هذا الحد في هذا الملف، فهذا يطرح سؤالا حول مصداقيتهم". بحسب فرانس برس.

وعلق زعيم "يوكيب" نايجل فاراج على موقع تويتر "فيتو؟ كاميرون قال انه يريد فتح الطريق لانقرة في بروكسل"، مستشهدا بمقال يعود الى العام 2010 يؤيد فيه كاميرون ذلك. وتشكل الهجرة الى جانب الاقتصاد الموضوعين المحوريين في الاستفتاء. وطرحت مسالة انضمام تركيا الى الدول الـ28 مجددا بعد الاتفاق حول الهجرة الذي ابرم بين انقرة وبروكسل وينص على فتح فصول جديدة في محادثات انضمام تركيا.

ورقة الضغط التركية

على صعيد متصل حذر وزير الخارجية التركي مولود جاوش اوغلو من ان تركيا ستتخلى عن الاتفاق الذي ابرمته مع الاتحاد الاوروبي حول المهاجرين اذا لم يعف مواطنوها من تأشيرة الدخول الى دول منطقة شينغن، واكد انه "من المستحيل" ان تعدل انقرة قوانينها لمكافحة الارهاب. وقال جاوش اوغلو "قلنا لهم نحن لا نهدد. لكن هناك واقعا. ابرمنا اتفاقين مرتبطين ببعضهما البعض". واضاف ان انقرة يمكنها اذا اقتضى الامر، اتخاذ اجراءات "ادارية" لعرقلة الاتفاق حول المهاجرين.

وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان صرح ان اي قانون متعلق بالاتفاق "لن يصدر عن البرلمان" اذا لم يتم التوصل الى نتيجة في قضية تأشيرات الدخول. واضاف اردوغان ان "وزارتا الخارجية وشؤون الاتحاد الاوروبي التركيتين ستجريان مناقشات مع الاوروبيين. اذا تحققت نتائج فذلك سيكون امرا رائعا، والا فانا آسف". وجاء التحذير الشديد اللهجة غير المتوقع وسط تزايد التوتر بين اردوغان والاتحاد الاوروبي حول سلسلة من القضايا المتعلقة بالاتفاقيات الحالية وحقوق الانسان.

وتتزايد المؤشرات على ان الاتراك لن يحصلوا على اعفاء من تاشيرة الدخول في الموعد المحدد في نهاية حزيران/يونيو المقبل. وحذرت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل بعد محادثات مع اردوغان انه من غير المرجح تحقيق هذا الهدف. وفي اطار الاتفاق المطبق حاليا تعهدت تركيا بالعمل لوقف عبور المهاجرين بحر ايجه الى اوروبا، واعادة المهاجرين غير الشرعيين الى اراضيها. بحسب فرانس برس.

ويصر قادة الاتحاد الاوروبي على ان تستوفي تركيا 72 معيارا قبل ان يتم اعفاء مواطنيها من التاشيرات، كما يطالبون بتعديل قوانين مكافحة الارهاب. ويرفض اردوغان حصر التعريف القانوني "للارهاب" الذي تعتبره المفوضية الاوروبية وساعا جدا في الوقت الحالي ويستخدم لملاحقة جامعيين وصحافيين بتهمة "الدعاية الارهابية". وقال جاوش اوغلو "عن اي تعريف يتحدثون؟ في اوروبا، لدى كل بلد تعريف مختلف عن الارهاب"، مشيرا الى ان فرنسا اتخذت اجراءات صارمة بعد اعتداءات كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر 2015. واضاف ان تركيا تكافح عددا من المنظمات "الارهابية" بينها تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني. وقال "في هذه الظروف من المستحيل تعديل القوانين المتعلقة بالارهاب".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي