في ايران.. فوز الاصلاحيين بداية النهاية لعهد المتشددين
عبد الامير رويح
2016-03-15 09:31
النجاح الكبير الذي حققه التيار الإصلاحي في الانتخابات الايرانية الاخيرة، التي جرت في 26 شباط فبراير لعضوية مجلس الشورى ومجلس خبراء، عده بعض الخبراء تطور مهم وايجابي نقطة تحول جديدة كانت سببا في تقليص دور التيار المتشدد المعادي للغرب والذي كان يهيمن على البرلمان ومجلس الخبراء، وقد عزز الرئيس الإيراني حسن روحاني ومن حالفه من اصلاحيين ومعتدلين وكما تنقل بعض المصادر، موقعهم على الساحة السياسية الداخلية بعد مكاسب انتخابية كبيرة ستعطي على الارجح دفعا لسياستهم الانفتاحية المتواصلة منذ اكثر من عام في مواجهة نفوذ المحافظين، رغم عدم تحقيق غالبية برلمانية. هذه المكاسب المهمة التي حققها روحاني، وكما يرى البعض قد تسهم باتساع رقعة الصراع الداخلي في ايران التي لاتزال تحت سيطرة التيار المتشدد المسيطر على اهم المؤسسات والذي سيسعى الى تقيد تحركات الخصوم، وخصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وقضايا الانفتاح والتقارب مع الغرب وامريكا.
وفيما يخص بعض التطورات فقد قال التلفزيون الإيراني إن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي طلب من مجلس الخبراء الجديد اختيار زعيم "ثوري" يخلفه عندما يحين وقت ذلك. ونقل التلفزيون عنه قوله في اجتماع مع أعضاء مجلس الخبراء الذي يتولى مهام منها اختيار خليفة لخامنئي إن عليهم أن يختاروا شخصية "ثورية" وهو ما يشير إلى أن الزعيم القادم يجب ألا يبدي تهاونا في موقف إيران ضد الغرب.
وأشاد خامنئي أيضا بالإقبال المرتفع الذي بلغت نسبته 62 بالمئة على التصويت في الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء لكنه حذر من جهود "أعداء إيران" لاختراقها. وقال خامنئي "لقد أضرنا الغرب من قبل ولا يجب أن ننسى ذلك. لا أقترح أن نقطع العلاقات معه لكن علينا توخي الحذر." وانتقد حلفاء خامنئي المتشددون الذين يخشون خسارة نفوذهم في السلطة الاتفاقات التي عقدت مع عدة دول أوروبية وتقدر بالمليارات منذ التوصل للاتفاق النووي مع القوى الست الكبرى في 2015.
وأدى الاتفاق إلى رفع العقوبات عن طهران في يناير كانون الثاني في مقابل تحجيمها لبرنامجها النووي. ويحاول الرئيس حسن روحاني الذي يوصف بأنه برجماتي إنعاش الاقتصاد الإيراني الذي أنهكته العقوبات من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية. وفاز حلفاء روحاني بتصويت كبير على الثقة في انتخابات 26 فبراير شباط للمجلسين اللذين يسيطر عليهما المتشددون حاليا على الرغم من استبعاد مجلس صيانة الدستور للعديد من المرشحين الإصلاحيين البارزين وعدد من المعتدلين قبل الانتخابات.
ومنع مجلس صيانة الدستور أيضا حفيد مؤسس الثورة الإيرانية عام 1979 آية الله روح الله الخميني من الترشح لانتخابات مجلس الخبراء. ودعم حسن الخميني الرئيس روحاني خلال الانتخابات التي جرت في عام 2013. وفاز روحاني وحلفاؤه ومن بينهم الرئيس السابق الإصلاحي علي أكبر هاشمي رفسنجاني بخمسة عشر مقعدا من أصل ستة عشر مخصصة للعاصمة طهران في مجلس الخبراء المكون من 88 عضوا والذي يختار الزعيم الأعلى في إيران.
وأنهى الاتفاق النووي الذي قاده روحاني وأيده خامنئي عقودا من العزلة السياسية والاقتصادية لإيران. وأبدى روحاني وحلفاؤه استعداد الحكومة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة ومناقشة الأزمات الإقليمية معها بعد أن كانت توصف "بالشيطان الأعظم". لكن خامنئي كرر موقفه قائلا "يجب أن يكون لنا علاقات مع العالم لكن ليس مع أمريكا أو النظام الصهيوني (إسرائيل)." ويقول محللون إن البرلمان الجديد الذي سيبدأ العمل في 27 مايو أيار يمكن أن يسرع من مسعى روحاني لفتح إيران على التجارة الخارجية والاستثمار ويخفف بعضا من القيود القانونية على الأنشطة الاقتصادية.
ميزان القوى في ايران
من جانب اخر تمثل النتائج المبهرة التي حققها الرئيس الايراني حسن روحاني في انتخابات فرضت عليها قيود كثيرة لاختيار أعضاء البرلمان ومجلس ديني دليلا يصور شعبا معزولا يتلهف على التحول من دولة دينية إلى مزيد من الديمقراطية. لكن لا يتوقع سوى قلة قليلة تحولا مفاجئا في ميزان القوى. ويمنح نظام الحكم في الجمهورية الاسلامية الذي يجمع بين الدولة الدينية والنظام الجمهوري سلطة حاسمة في أيدي المؤسسة الدينية المحافظة التي أظهرت في الماضي قدرتها على تأكيد سيطرتها متى شعرت بأنها مهددة.
وربما يمتلك روحاني سلطة أقوى للعمل على فتح الاقتصاد الذي خربته العقوبات على مدى عشر سنوات لكن المجال المفتوح أمامه للسماح بمزيد من الحريات الاجتماعية والسياسية تقيده سيطرة المتشددين على القضاء وقوى الأمن ووسائل الإعلام الرسمية. ومما لا شك فيه أن حجم المكاسب التي حققها أنصار روحاني يمثل انتكاسة للصقور الذين يعارضون أي انفتاح على الغرب. فقد هُزمت شخصيات ايرانية بارزة كانت تنتقد الاتفاق النووي الايراني مع القوى العالمية.
فالانتخابات لم تسفر فقط عن عودة أصحاب التيار الوسطي والإصلاحيين إلى البرلمان الذي ظل تحت سيطرة المتشددين منذ عام 2004 بل عن فوزهم كذلك بعدد 15 من بين مقاعد طهران الستة عشر في مجلس الخبراء المكون من 88 عضوا والذي يتولى مهمة اختيار الزعيم الأعلى الايراني. وسقط في الانتخابات اثنان من أبرز المتشددين أحدهما رئيس المجلس وهو إحدى هيئات المؤسسة الدينية. وحصل أنصار روحاني على مقاعد البرلمان الثلاثين في طهران كلها وذلك رغم أن مكاسبهم خارج العاصمة كانت محدودة إذ احتفظ المحافظون بكثير من المقاعد في المجلسين.
ويوضح حصر غير رسمي لنتائج الجولة الأولى في انتخابات المجلس التشريعي المكون من 290 عضوا أن المحافظين فازوا بنحو 112 مقعدا وأن الإصلاحيين وأصحاب تيار الوسط فازوا بعدد 90 مقعدا في حين حصل المستقلون والأقليات الدينية على 29 مقعدا. وستجرى انتخابات الإعادة في ابريل نيسان في 59 دائرة انتخابية لم يفز فيها أي من المرشحين بأكثر من 25 في المئة من الأصوات. وهذه الأرقام تقريبية لأن ايران ليس فيها ارتباطات حزبية صارمة. كذلك فإن بعض المرشحين حظي بتأييد المعسكرين.
وجاءت هذه النتائج رغم قيام مجلس صيانة الدستور المؤلف من مجموعة من رجال الدين غير المنتخبين بشطب آلاف المرشحين المؤيدين للإصلاح. وهذا المجلس مسؤول أمام الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي مباشرة. وقال محلل في طهران طلب عدم نشر اسمه "تعكس النتائج التي تحققت في طهران اتجاها إصلاحيا وتركيزا على تحسينات في الاقتصاد والعلاقات الخارجية." وأضاف "روحاني سيحقق مزيدا من الانضباط في الاقتصاد وقدرا أكبر من الانفتاح في السياسة الخارجية لكن التركيبة العامة والنهج لن يتغير. ستختلف العبارات لكن ميزان القوى لن يتغير."
ومن الممكن أن تصوغ هذه المنافسات مستقبل الجيل التالي في ايران حيث تقل أعمار ما يقرب من 60 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 80 مليون نسمة عن 30 عاما ويتلهفون على العودة للاندماج في المجتمع الدولي والعودة إلى الأسواق العالمية في أعقاب الاتفاق النووي في العام الماضي ورفع معظم العقوبات الدولية. وحث الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني حليف روحاني الرئيسي المتشددين على عدم الوقوف في الطريق. ورفسنجاني زعيم محنك نجا من كل ما شهدته الساحة السياسية في ايران من منعطفات وتحولات منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وقد تصدر انتخابات مجلس الخبراء. وقال رفسنجاني على تويتر "لا يقدر أحد على مقاومة إرادة أغلبية الشعب وعلى كل من لا يريده الشعب أن يتنحى جانبا."
وانطوت تغريدة رفسنجاني على إشارة إلى أن المكاسب الانتخابية بدأت تغير ميزان القوى. فمن المؤكد أنها تعزز احتمالات إعادة انتخاب روحاني في العام المقبل إذ ينسب له الأصدقاء والأعداء على السواء الفضل في الاتفاق النووي الذي أتاح لايران فرصة إقامة علاقة جديدة مع العالم. كذلك فإن النتائج ربما يكون لها تأثير على اختيار خليفة خامنئي الذي يملك السلطة المطلقة لكنه يبلغ من العمر 76 عاما وصحته معتلة بعد أن أجرى جراحة في البروستاتا عام 2014.
ومن المحتمل أن يعجل تشكيل البرلمان الجديد بحملة روحاني لفتح ايران أمام التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية ويخفف من بعض القيود القانونية على النشاط الاقتصادي. وفي مؤشر على نواياه بعد الانتخابات دعا الرئيس إلى خصخصة صناعة السيارات التي تملك الدولة 50 في المئة منها وتمثل ثاني أكبر قطاع في البلاد بعد النفط والغاز. وليس من المعروف إلى أي مدى ستمكنه الانتخابات من معالجة الفساد والمصالح الاقتصادية المترسخة. ويحرص الأصوليون المتشددون الذين ما زالوا يتحصنون بمؤسسات يسيطر عليها خامنئي مثل القضاء على منع الانفتاح الجديد على العالم أو التحرر على الصعيد الداخلي.
وفي أول تعليق منذ الانتخابات أشاد الزعيم الأعلى بارتفاع نسبة الإقبال على التصويت لكنه لم يعلق على النتائج. ورسم خامنئي الخطوط العامة التي يود أن يراها في المجلسين المنتخبين الجديدين مشيرا إلى ضرورة ألا يكون للغرب نفوذ عليهما. وقد تحققت الصفقة التي قيدت برنامج ايران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الصارمة لأن خامنئي أرادها. لكنه يحذر الايرانيين بانتظام من أن الغرب سيحاول استغلالها في إضعاف الجمهورية الاسلامية. وقال فؤاد إزادي المحلل الايراني المؤيد للمحافظين "لا يمكن للزعيم الأعلى أن يسعد برؤية من يدعمون سياساته وهم يخسرون والذين يعارضون سياساته وهم ينتصرون."
يتفق جميع المحللين تقريبا أن من السابق لأوانه أن يحتفل المعسكر الإصلاحي أو الشباب الايراني المتطلع للتغيير بأي خطوات تحققت للأمام. وفي المرة السابقة التي فاز فيها الاصلاحيون بالسيطرة في البرلمان في عهد الرئيس محمد خاتمي عام 2000 اعترض مجلس صيانة الدستور على عدة قوانين أقرها البرلمان واعتبرها مخالفة لمبادئ الشريعة الاسلامية. وكان خاتمي يتمتع حينذاك بأقصى شعبيته وبدا أن المتشددين يخسرون بعد أن أذلهم النصر الساحق الذي حققه في انتخابات عام 1997. ورأى كثيرون حينذاك أن ايران تتجه إلى وفاق مع الغرب وإلى الإصلاح الاقتصادي والتحرر الاجتماعي والتعددية السياسية.
وانتهت تلك التجربة بسيطرة المتشددين إذ استخدموا القضاء ومجلس صيانة الدستور في سد ما فتحه خاتمي من قنوات تحرر وأغلقوا صحفا وحبسوا إصلاحيين واعترضوا على قوانين إصلاحية وحرموا أنصاره من الظهور في وسائل الإعلام الرسمية. وسرعان ما أصبح خاتمي الذي أعيد انتخابه عام 2001 بطة عرجاء بسبب تضييق الخناق على أنصاره وانكشاف أمر البرنامج النووي السري الايراني الذي لم يكن للرئيس سيطرة عليه. وكان الدرس واضحا. فكل الساسة المنتخبين بمن فيهم الرئيس يخضعون في النهاية لسيطرة رجال الدين المعينين ورجال القضاء الاسلامي ومؤسساتهم ذات النفوذ غير الشفافة ويأتي الزعيم الأعلى على رأس هيكل السلطة.
والآن مثلما كان الحال حينذاك يملك خامنئي السلطة المطلقة. ويهيئ هو والحرس الثوري الأجواء ويرسمان الحدود ويحددان الاتجاه العام للبلاد من خلال السيطرة على وسائل الإعلام والجيش وأجهزة المخابرات والأئمة ومعظم الموارد المالية. وقد أثار انفتاح على العالم بهذه الضخامة وكذلك شعبية روحاني مخاوف حلفاء خامنئي المتشددين الذين يخشون فقدان السيطرة على وتيرة التغيير بالإضافة إلى التطاول على مصالحهم الاقتصادية المربحة التي كونوها خلال فترة العقوبات.
فالحرس الثوري الإسلامي على سبيل المثال ليس مجرد حارس لإيران بل هو إمبراطورية اقتصادية من الشركات التي تملك مصالح في قطاعات من البنوك إلى البناء والتصنيع. وما زال الحرس يخضع لعقوبات بسبب اتهامات بأنه يدعم الإرهاب. وأدى ذلك إلى تفاقم الخلافات السياسية داخل هياكل السلطة المعقدة في ايران. ويتنبأ بعض المحللين بأن الإصلاحيين قد يكتسبون قدرا أكبر من السلطة تدريجيا في الأجل الطويل إذا استطاعوا تعزيز أغلبيتهم وأكدوا قبل كل شيء أن لهم صوتا مسموعا في اختيار الزعيم الأعلى المقبل.
غير أن خصومهم لديهم هذا الشعور نفسه. فقد قال إزادي الاستاذ المساعد بجامعة طهران "في مجلس الخبراء خسر الأصوليون مقاعد. وذلك الجزء أكثر تعقيدا (من البرلمان) لان أعضاءه من رجال الدين ورجال الشريعة وليسوا بالضرورة من الساسة لكنهم يملكون فعلا قدرا كبيرا من السلطة." وأضاف "يمكنهم اختيار الزعيم (الأعلى) بل ويمكنهم صرف الزعيم إذا أرادوا كما أنهم يراقبون نشاط الزعيم ولذلك إذا استطاع روحاني ورفسنجاني الدفع بمزيد من حلفائهم في مجلس الخبراء فسيكون بوسعهم في الواقع فرض بعض الضغوط على نشاط الزعيم عندما تحدث خلافات في السياسة.
"فالزعيم ليس معصوما في الفقه الشيعي." وقال إزادي إن مجلس الخبراء يمكنه التأثير على خامنئي خلال حياته على النقيض من مجمع الكرادلة في الكنيسة الكاثوليكية الذي لا يجتمع إلا عند وفاة البابا. وتابع "لست مضطرا للانتظار حتى وفاة البابا. فإذا لم يعجبهم ما يفعله الزعيم يمكن لأقلية كبيرة متحالفة مع روحاني ورفسنجاني فرض ضغوط على الزعيم" خاصة إذا أصبح رفسنجاني الرئيس القادم للمجلس وهو منصب سبق أن شغله.
وقال إزادي "ما لدينا هو تحول" يجعل خامنئي "يسير على حبل مشدود في محاولة موازنة العملية برمتها." وسيتضح مثل هذا السعي لتحقيق التوازن في عملية اختيار الرئيس التالي للبرلمان وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى الآن علي لاريجاني حليف خامنئي الذي مال موقفه نحو روحاني. وقد فاز لاريجاني الذي وقف وراء تأييد البرلمان للاتفاق النووي بإعادة انتخابه لكنه جاء في المركز الثاني في مدينة قم. أما منافسه الرئيسي محمد رضا عارف نائب الرئيس السابق في عهد خاتمي ومرشح الإصلاحيين الرئيسي لرئاسة البرلمان فقد احتل المركز الأول في طهران.
وستؤثر زعامة البرلمان في القوانين التي يقصد بها الترويج لتدفق الاستثمارات الغربية. وكان المتشددون قد حاولوا من خلال البرلمان تعطيل مساعي الانفتاح على العالم. وقد تشجع المحلل سعيد ليلاز المؤيد للمعسكر الإصلاحي بدرجة كافية بنتائج الانتخابات بما دفعه للاعتقاد أن بوسع روحاني والبرلمان بدء العمل على تحرير الاقتصاد والحد من الفساد وجذب الاستثمارات وزيادة الانتاجية. ويقول ليلاز "علينا أن نمضي قدما في تحرير الاقتصاد فليس لدينا بديل آخر من أجل تقليص الفقر." ويضيف "القوى الرئيسية في ايران تحت سيطرة الزعيم الأعلى. لا شيء سيتغير بشكل مفاجئ أو كبير. فقط في الأمور الاقتصادية سيكون لدينا وضع أفضل كثيرا في البرلمان. أنا متفائل بالمستقبل." بحسب رويترز.
وتنتظر ايران الان حتى يتضح مدى انتشار هذا التفاؤل. ويرى المستثمرون الدوليون في إيران فرصة هائلة كسوق ناشئة في كل شيء من صناعة السيارات إلى الطائرات إلى السكك الحديدية وتجارة التجزئة بما تملك من احتياطيات ضخمة من الغاز وقاعدة متنوعة للتصنيع والأيدي العاملة المتعلمة. وبالنسبة لرجل الشارع العادي في ايران تبشر إمكانية قدوم هذه الاستثمارات بالعودة للنمو الاقتصادي وتحسن مستويات المعيشة وزيادة الوظائف في الأجل الطويل.
روحاني ينتقد معارضيه
على صعيد متصل دافع الرئيس الإيراني حسن روحاني عن الاتفاق النووي الذي وقعته بلاده مع القوى الدولية وعن سياسته المنفتحة على الغرب قائلا إن معارضيه "الثوريين" يبحثون عن مصالحهم الخاصة لا عن مصلحة الشعب. وتظهر تصريحات روحاني اتساع شقة الخلاف بينه وبين التيار المتشدد خاصة الزعيم الروحي آية الله علي خامنئي الذي وصف نفسه في الشهور القليلة الماضية بأنه ثوري ويفتخر بذلك.
وقال روحاني في خطاب بثه التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة "ما الجدوى من قول أنا ثوري؟ لماذا لا نسعى لتحقيق راحة الناس وتحقيق المجد لبلدنا؟" وقاد روحاني الجهود التي تكللت بتوقيع الاتفاق النووي مع القوى الدولية الست ليضع حدا للعقوبات الدولية على طهران في يناير كانون الثاني الماضي وحاول بعدها إحياء العلاقات التجارية والسياسية لإيران مع الغرب. وحقق المعتدلون والإصلاحيون مكاسب كبيرة في الانتخابات التي جرت في فبراير شباط لاختيار أعضاء البرلمان ومجلس الخبراء وهي الهيئة التي ستختار الزعيم الأعلى التالي. واتهم متشددون موالون لخامنئي الرئيس روحاني بخيانة قيم ثورة 1979 المناوئة للغرب.
لكن روحاني قال إن نتائج الانتخابات كانت تصويتا جديدا بالثقة على سياساته ووعد بالمضي قدما لتنفيذ مزيد من الإصلاحات السياسية والاجتماعية. وقال روحاني "لقد قامت ثورتنا لتعزيز الأخلاق والوحدة الوطنية والأخوة. أنت ثوري حين يأمن الناس كلامك وأفعالك." وانتقد الرئيس الإيراني صحفا متشددة كثفت الضغط على حلفائه خلال الأشهر الماضية قائلا "بعض الصحف عبارة عن منشورات للإهانة. تفتح هذه الصحف لترى كيف أهانوك مرة أخرى. هل هذا هو الإسلام؟.. هل هذا مجتمع مسلم؟" بحسب رويترز.
وطالب خامنئي من أعضاء مجلس الخبراء اختيار خليفة "ثوري" حين تنتهي ولايته قائلا إن الزعيم الأعلى التالي عليه ألا يفرط في مواقف إيران من الولايات المتحدة. وقال خامنئي إن الاقتصاد الإيراني لم يستفد شيئا من زيارات الوفود الغربية للبلاد بعد رفع العقوبات لفشلها في الوفاء بوعودها. وأضاف أنه اعتبر بعض الزيارات مثيرة للريبة في ظل محاولات الغرب إرسال "مندسين". وخلال المباحثات النووية مع القوى الدولية كرر خامنئي القول لأنصاره إنه لا يثق بالغرب وإنه "لا يزال ثوريا وليس دبلوماسيا."
وقد اقر الرئيس المحافظ لمجلس الخبراء في ايران، المكلف تعيين المرشد الاعلى للجمهورية والاشراف على عمله، بهزيمته الانتخابية معربا عن "ارتياحه" لنتائج الاقتراع. وكانت هزيمة رئيس مجلس الخبراء محمد يازدي وشخصية اخرى راديكالية في المعسكر المحافظ اية الله محمد تقي مصباح يازدي انتصارا للاصلاحيين والمعتدلين الذين اطلقوا حملة لهزيمتهما. وقال اية الله محمد يازدي خلال الاجتماع الاخير في طهران للاعضاء السابقين في مجلس الخبراء ان اعلان النتائج "قانوني ومن واجبنا الالتزام بالقانون". واضاف "اضع القانون فوق كل شيء".
وتابع يازدي البالغ 84 عاما الذي انتخب عضوا في هذا المجلس في اذار/مارس 2015 بعد وفاة سلفه "لن اكون في خدمتكم مستقبلا واني راض". وقال "اهنىء كل الذين فازوا". واكد ان اي "اجراء" لم يتخذ ليبقى عضوا في مجلس الخبراء الذي لا يزال المحافظون يهيمنون عليه. وسينتخب الرئيس الحالي لهذا المجلس في ايار/مايو خلال اول اجتماع للاعضاء الجدد. ويبقى يازدي عضوا في مجلس صيانة الدستور الهيئة غير المنتخية التي تتخذ القرارات في الحياة السياسية في ايران. وعلى هذا المجلس ايضا المصادقة على نتائج انتخاب مجلس الخبراء والانتخابات التشريعية التي تنظم بالتزامن. ويمكن لهذا المجلس ان يضطلع بدور رئيسي خلال ولايته التي تستمر ثمانية اعوام نظرا لبلوغ المرشد الحالي اية الله علي خامنئي 76 عاما وهو اعلى سلطة في ايران ويتخذ قرارات بشان الخطوط العريضة للسياسة الداخلية والدولية.
الاشادة بخاتمي
في السياق ذاته اشاد الرئيس الايراني المعتدل حسن روحاني في خطاب بثه التلفزيون مباشرة بالرئيس الاصلاحي الاسبق محمد خاتمي رغم حظر القضاء على وسائل الاعلام نشر اسمه او صوره. وقال روحاني في خطاب في مدينة يزد (وسط) "بعد المرشد الاعلى الذي لعب دورا رئيسيا في تعبئة الشعب، كل شخصيات البلاد وخصوصا تلك التي تشكل فخر هذه المدينة، دعت الايرانيين الى المشاركة في الانتخابات التشريعية". واضاف "عندما دخلت الى البرلمان في 1980 كان اخي العزيز محمد خاتمي قد انتخب للتو في اردكان" المدينة المجاورة ليزد.
وكان روحاني يتحدث امام حشد يردد هتافات "يحيا روحاني" و"يحيا خاتمي" الذي ترأس ايران من 1997 الى 2005 ويتحدر من محافظة يزد. وخفض التلفزيون الحكومي مرات عدة صوت البث المباشر حتى لا تسمع الهتافات، لكن الصور والهتافات بثت مباشرة على شبكات التواصل الاجتماعي. وقال روحاني ان "ايران البطلة لن تنسى ابدا الذين خدموها وعملوا من اجل عظمتها (...) لا احد يمكنه فرض نسيان اسمائهم". ويمنع قرار قضائي وسائل الاعلام من الحديث عن خاتمي او نشر صور او تسجيلات فيديو له.
ويتهم المحافظون الاكثر تشددا في النظام خاتمي بانه كان احد المحرضين على الحركة الاحتجاجية التي جرت في 2009 بعد اعادة انتخاب الرئيس المحافظ السابق محمود احمدي نجاد. وكان روحاني صرح في مؤتمر صحافي تعليقا على هذا المنع انه ليس هناك اي قرار في هذا الشأن صادر عن المجلس الاعلى للامن القومي. وخاتمي الذي ما زال يتمتع بشعبية كبيرة متهم بانه لعب دورا اساسيا في انتخاب الرئيس روحاني في 2013. بحسب فرانس برس.
وقد نجح في تحقيق انسحاب المرشح الاصلاحي محمد رضا عارف من السباق وشكل تحالفا مع اكبر هاشمي رفسنجاني الرئيس الاسبق المعتدل من 1989 الى 1997 داعيا الناخبين الى التصويت لروحاني. وشكل خاتمي ورفسنجاني تحالفا ايضا في الانتخابات التشريعية الاخيرة التي سمحت للاصلاحيين والمعتدلين الذين يدعمون روحاني، بالفوز ب95 مقعدا في الدورة الاولى مقابل 103 مقاعد للمحافظين. ولم يحصل اي من المعسكرين على الاغلبية المطلقة. وفي مبادرة سياسية قوية، اختار روحاني ان يرافقه محمد رضا عارف احد ابرز شخصيات يزد ورئيس لائحة تحالف الاصلاحيين والمعتدلين التي فازت بكل مقاعد طهران في الانتخابات التشريعية.