الابعاد السياسية والاقتصادية لحملات المقاطعة.. بيبسي وكوكاكولا نموذجا

شبكة النبأ

2024-09-05 06:00

أصبحت المنتجات الأميركية بسبب الحرب على غزة، سواء ثبتت صلاتها بإسرائيل أم لا، الأهداف الرئيسية للمقاطعة، وتشعر العلامات التجارية الغربية بوطأة المقاطعة في باكستان ومصر والأردن، وهناك دلائل على انتشار الحملة في بعض الدول العربية الأخرى مثل الكويت والمغرب.

ويُنظر إلى بعض الشركات التي تستهدفها الحملة على أنها اتخذت مواقف محابية لإسرائيل، وتردد أن بعضها مرتبط بعلاقات مالية معها أو لها استثمارات هناك.

ومع بدء انتشار الحملة، اتسع نطاق دعوات المقاطعة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لتشمل عشرات الشركات والمنتجات، مما دفع المتسوقين إلى التحول إلى البدائل المحلية.

فقد أنفقت شركة كوكاكولا ومنافستها بيبسي مئات الملايين من الدولارات على مدى عقود لتعزيز الطلب على مشروباتهما الغازية في الدول ذات الأغلبية المسلمة بما في ذلك مصر وباكستان.

وتواجه الشركتان حاليا منافسة من مشروبات غازية محلية في تلك الدول بسبب مقاطعة من المستهلكين تستهدف علامات تجارية عالمية تعتبرها رمزا للولايات المتحدة، وبالتالي إسرائيل، وذلك تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة.

ففي مصر انخفضت مبيعات كوكاكولا، بينما زادت صادرات العلامة التجارية المحلية (في7) لمنطقة الشرق الأوسط خلال العام الجاري بما يعادل ثلاثة أمثال الكمية خلال العام الماضي.

وفي بنجلادش أتت حملة كوكاكولا الإعلانية في وجه المقاطعة بنتائج عكسية. وتبخر النمو السريع لشركة بيبسي في شتى أنحاء الشرق الأوسط بعد اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر تشرين الأول.

وكانت سُنبل حسن، وهي باكستانية تعمل رئيسة تنفيذية للشؤون المالية، من بين أولئك الذين قاطعوا كوكاكولا وبيبسي، إذ رفضت إضافتهما إلى قائمة الطعام عند التحضير لزفافها في وقت سابق من العام الجاري، قائلة إنها لا تريد لأموالها أن تصل إلى خزائن الضرائب في الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لإسرائيل.

وقالت سنبل "عبر المقاطعة.. يمكن للمرء لعب دور بعدم المساهمة في هذا الدعم المالي". وقدمت سنبل لضيوف زفافها العلامة التجارية الباكستانية كولا نكست.

السيدة الباكستانية لا تسير وحيدة في هذا الطريق، وفي حين يقول محللو السوق إنه من الصعب تحديد رقم بالدولار للمبيعات المفقودة وإن شركتي بيبسيكو وكوكا كولا لا تزالان تتمتعان بأعمال متنامية في العديد من البلدان في الشرق الأوسط، عانت العلامات التجارية للمشروبات الغربية من انخفاض في المبيعات بنسبة سبعة بالمئة في النصف الأول من العام الجاري، وفقا لشركة أبحاث السوق نيلسن آي.كيو.

وفي حديث لرويترز خلال الشهر الجاري أشار قاسم شروف مؤسس تطبيق كريف مارت، وهو تطبيق توصيل واسع الانتشار في باكستان، إلى زيادة شعبية مشروبات محلية مثل كولا نكست وباكولا اللذين قال إنهما أصبحا يشكلان ما يعادل 12 بالمئة من مشتريات المشروبات الغازية عبر التطبيق.

وقال شروف إن النسبة كانت قرب 2.5 بالمئة قبل المقاطعة، مضيفا أن باكولا وهو مشروب غازي بنكهة الآيس كريم هو الأكثر مبيعا.

ويعود تاريخ المقاطعة كفعل احتجاجي يتبناه المستهلكون إلى حركة مقاطعة السكر في بريطانيا في القرن الثامن عشر احتجاجا على العبودية. كما استُخدمت أيضا في مواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في القرن العشرين، كما استُخدمت على نطاق واسع ضد إسرائيل وشملت أيضا سحب استثمارات وفرض عقوبات.

ويشير بعض المستهلكين الذين يقاطعون منتجات كوكاكولا وبيبسي إلى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل على مدى عقود، بما في ذلك خلال الصراع الأخير مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).

وقال رامون لاجوارتا الرئيس التنفيذي لشركة بيبسيكو لرويترز في مقابلة أجريت معه في 11 يوليو تموز "يقرر بعض المستهلكين اتخاذ خيارات مختلفة في مشترياتهم بسبب قناعات سياسية"، مضيفا أن المقاطعة "تؤثر على مناطق جغرافية معينة"، مثل لبنان وباكستان ومصر.

وأوضح قائلا "سنتمكن من تجاوز الأمر بمرور الوقت... فالمسألة ليست مؤثرة في إيراداتنا أو أرباحنا حاليا".

أظهرت بيانات الأرباح أن إجمالي إيرادات بيبسيكو من وحدة أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بلغ ستة مليارات دولار في عام 2023. وفي نفس العام، بلغت إيرادات كوكاكولا من منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا ثمانية مليارات دولار، كما تظهر بيانات الشركة.

وذكرت الشركة أن أحجام مبيعات وحدة أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا لم تشهد نموا يذكر في الأشهر الستة التي أعقبت الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة التي جاءت بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول، وذلك بعد أن سجلت نموا بنسبة ثمانية بالمئة و15 بالمئة في نفس الفترة من 2022-2023.

وانخفضت أحجام مبيعات كوكاكولا في مصر بنسبة مئوية من رقمين في الأشهر الستة المنتهية في 28 يونيو حزيران، وفقا لبيانات الشركة. وفي نفس الفترة من العام الماضي، ارتفعت الأحجام بأقل من 10 بالمئة.

وقالت كوكاكولا إنها لا تمول العمليات العسكرية في إسرائيل أو أي دولة أخرى. وردت بيبسيكو على طلب من رويترز للتعليق قائلة إن الشركة "وعلاماتنا التجارية لا تربطها أي صلة بأي حكومة أو جيش في الصراع".

وأسس رجل الأعمال الفلسطيني الأمريكي زاهي خوري شركة المشروبات الوطنية ومقرها رام الله، والتي تبيع منتجات كوكاكولا في الضفة الغربية. وقال إن مصنع الشركة الذي بلغت تكلفته 25 مليون دولار في غزة وافتُتح في 2016 دُمر خلال الحرب. وأوضح أن الموظفين لم يصابوا بأذى.

وقال خوري إن المقاطعة مسألة اختيار شخصي لكنها لم تساعد الفلسطينيين حقا. وأضاف أنه في الضفة الغربية نفسها كان تأثيرها على المبيعات محدودا.

وقال خوري، الذي يؤيد تأسيس دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل "إنهاء الاحتلال فقط هو الذي سيحسن الوضع".

ولم ترد الحكومة الإسرائيلية على طلب للتعليق.

أهداف تاريخية

الضغوط التي تتعرض لها شركات المشروبات الغازية الكبرى في دول العالم الإسلامي، التي تضم مئات الملايين من المستهلكين، ليست بالجديدة.

فبعد أن افتتحت شركة كوكاكولا مصنعا في إسرائيل في الستينيات، تعرضت لمقاطعة من جامعة الدول العربية استمرت حتى أوائل التسعينيات واستفادت منها شركة بيبسي في الشرق الأوسط لسنوات.

ووفقا لشركة جلوبال داتا، لا تزال حصة شركة كوكاكولا أقل من بيبسي في الأسواق المصرية والباكستانية.

وتعرضت شركة بيبسيكو، التي دخلت إسرائيل في أوائل التسعينيات، لمقاطعة عندما اشترت شركة صودا ستريم الإسرائيلية في عام 2018 مقابل 3.2 مليار دولار.

لكن الدول ذات الأغلبية المسلمة، التي يزيد فيها عدد الشباب بين السكان، قدمت لشركات المشروبات الغازية العملاقة في السنوات الأخيرة بعض العوامل التي جعلتها تحقق نموا سريعا.

وتقول شركة كوكاكولا إنها استثمرت مليار دولار في باكستان وحدها منذ عام 2008 مما أسفر عن نمو المبيعات بأرقام في خانة العشرات على مدى سنوات. وحققت شركة بيبسيكو مكاسب مماثلة، وفقا لإفصاحات البورصة.

والآن، تتراجع الشركتان أمام العلامات التجارية المحلية.

وغيرت شركة كولا نكست، ومنتجاتها أرخص من كوكاكولا وبيبسي، شعار إعلاناتها في مارس آذار إلى "لأن كولا نكست باكستانية" لتؤكد أنها منتج محلي.

وقال ميان ذو الفقار أحمد الرئيس التنفيذي لشركة ميزان للمشروبات، الشركة الأم لكولا نكست، في مقابلة إن مصانع كولا نكست لا تستطيع تلبية الزيادة في الطلب. ورفض الكشف عن أحجام الكميات.

وذكر أن الشركة تعتزم الاستثمار لكنه قال إن التوسع قد يستغرق سنوات.

وشاركت المطاعم ورابطة المدارس الخاصة في كراتشي وطلاب الجامعات في إجراءات مناهضة لكوكاكولا مما أدى إلى تراجع الشعبية التي ظلت الشركة تبنيها من خلال رعاية برنامج "كوك ستوديو" الموسيقي الشهير في باكستان.

وفي مصر، قال محمد نور مؤسس شركة في7 في مقابلة إن صادرات الشركة قفزت 300 بالمئة هذا العام مقارنة بعام 2023.

وذكر نور، وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة كوكاكولا التي تركها في عام 2020 بعد 28 عاما من العمل فيها، إن منتجات في7 تباع الآن في 21 دولة.

وأضاف أن المبيعات في مصر، التي لم يكن المنتج موجودا فيها قبل يوليو تموز 2023، ارتفعت بنسبة 40 بالمئة مقارنة بالعام الماضي.

ووفقا لبيانات شركة كوكاكولا إتش.بي.سي، التي تعبئ المشروب في مصر، انخفضت المبيعات بنسبة في خانة العشرات خلال الأشهر الستة المنتهية في 28 يونيو حزيران.

وكانت الكميات قد بلغت أرقاما كبيرة في الفترة نفسها من العام الماضي.

وحذر بول ماسجريف الأستاذ المشارك بجامعة جورج تاون في قطر من الأضرار طويلة الأمد التي قد تلحق بولاء المستهلكين بسبب المقاطعة.

وأضاف دون أن يقدم تقديرا للخسائر المالية التي قد تتكبدها الشركات "إذا غيرت عاداتك فسيكون من الصعب اجتذابك مرة ثانية في الأمد الطويل".

نتائج عكسية في بنجلادش

في بنجلادش، أطلقت شركة كوكاكولا إعلانا يظهر فيه صاحب متجر يتحدث عن عمليات الشركة في فلسطين.

وبعد احتجاجات عامة، سحبت كوكا كولا الإعلان في يونيو حزيران واعتذرت. وردا على سؤال من رويترز، قالت الشركة إن الإعلان "كان غير موفق".

وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في مجال الإعلان في بنجلادش، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إن الإعلان زاد من حدة المقاطعة.

وتواجه علامات تجارية أخرى تمثل رموزا للثقافة الغربية مثل ماكدونالدز وستاربكس نفس حملة المقاطعة المناهضة لإسرائيل.

ووفقا لنيلسن آي.كيو، فإن حصة العلامتين العالميتين من السوق تراجعت أربعة بالمئة في النصف الأول من عام 2024. لكن مقاطعة المشروبات الغازية كانت أكثر انتشارا بين المستهلكين.

وإلى جانب تأثير المقاطعة، أدت معدلات التضخم والاضطرابات الاقتصادية في باكستان ومصر وبنجلادش إلى تآكل القدرة الشرائية للمستهلكين حتى قبل الحرب، مما جعل العلامات التجارية المحلية الأرخص أكثر جاذبية.

وذكرت شركة جلوبال داتا لأبحاث السوق أن حصة كوكاكولا من السوق الباكستانية تراجعت عام 2023 إلى 5.7 بالمئة مقارنة مع 6.3 بالمئة عام 2022 في حين انخفضت حصة بيبسي إلى 10.4 بالمئة من 10.8 بالمئة.

خطط مستقبلية

تعتبر شركة كوكاكولا وشركات التعبئة والتغليف التابعة لها، بالإضافة إلى شركة بيبسيكو، هذه الدول مناطق مهمة للنمو، لا سيما مع تباطؤ الأسواق الغربية.

ورغم المقاطعة، استثمرت كوكاكولا 22 مليون دولار أخرى في تطوير التكنولوجيا في باكستان في أبريل نيسان، حسب بيان صحفي أصدرته في ذلك الوقت.

وقالت كوكاكولا لتعبئة المشروبات في باكستان للمستثمرين في 23 مايو أيار إنها لا تزال "متفائلة بشأن الفرصة" التي توفرها خامس أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، وإنها تستثمر في السوق بالتزام طويل الأجل.

وقال متحدث باسم بيبسيكو إن الشركة أعادت طرح علامة تجارية تسمى (تيم صودا) بنكهة الليمون الحامض في السوق الباكستانية في الأسابيع القليلة الماضية. والمنتج متاح الآن بنكهة الكولا مع ملصق مكتوب عليه "صنع في باكستان" بشكل واضح.

وتعمل الشركتان على دمج علامتهما التجارية في نسيج المجتمعات المحلية من خلال رعاية الجمعيات الخيرية والموسيقيين وفرق الكريكت.

وقال ماسجريف من جامعة جورج تاون إن هذه الخطوات مهمة لشركتي كوكاكولا وبيبسي للحفاظ على وجودهما في هذه الدول في الأجل الطويل، حتى في ظل مواجهة خسائر في الوقت الراهن.

وأضاف "أي شيء يمكنك القيام به لتجعل نفسك حليفا أو جزءا من المجتمع يحدث فرقا".

الباكستانيون يختارون المنتجات المحلية

يقاطع الباكستانيون الكثير من المنتجات دعما للفلسطينيين في قطاع غزة الذي تقصفه إسرائيل، ما أعطى دفعة غير متوقعة لعلامات تجارية محلية نادرة في بلد تهيمن فيه العلامات التجارية للشركات الأجنبية على السوق.

وجاء في عبارة كُتبت على لوحات دعائية حمراء ضخمة لشركة انتاج مشروبات غازية “لأن +كولا نكست+ باكستانية”. 

ولطالما كافحت الشركة الصغيرة المصنعة للمشروبات الغازية في لاهور، المدينة الكبيرة الواقعة في الشرق على الحدود مع الهند، منذ عام 2016 للعثور على مكان لها بين شركتي كوكا كولا وبيبسي – وإعلاناتهما باهظة الثمن التي تصور نجوم الكريكيت أو السينما. وأما اليوم، بات عليها زيادة انتاجها نظرا للإقبال المتزايد على منتجتها.

وفي الأشهر الماضية، وفي أعقاب حملة عالمية لمقاطعة إسرائيل تحت شعار “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات”، غير المستهلكون الباكستانيون عاداتهم.

ويؤكد الرئيس التنفيذي لشركة “كولا نكست” ميان ذو الفقار أحمد، “من كراتشي (الطرف الساحلي الجنوبي للبلاد) إلى الشمال، تبنتنا الدولة بأكملها”.

تقدم الآن المطاعم مشروبات الشركة الغازية وحدها في جميع أنحاء البلاد، خامس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بأكثر من 240 مليون نسمة، الغالبية العظمى منهم من المسلمين.

لكن هذه الظاهرة لا تملك أي تأثير يذكر على الميزان التجاري الباكستاني الذي يعاني من العجز إلى حد كبير، والتي تشتري حصتها الرابعة من الواردات عبر الأطلسي. 

وأصبحت المنتجات الأميركية، سواء ثبتت صلاتها بإسرائيل أم لا، الأهداف الرئيسية للمقاطعة في باكستان.

وفي نهاية آذار/مارس الماضي، قام متظاهرون بإضرام النار في مطعم كنتاكي في كشمير، بينما قام الفرع الباكستاني لماكدونالدز بكتابة تغريدة أكد فيها “دعمه لشعب فلسطين”.

وأطلقت ماريا إقبال حملة “باكستان غوز لوكال” عبر فيسبوك في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والتي تروج لمستحضرات تجميل وعلامات تجارية باكستانية للأغذية لتجنب الشراء من مجموعات متهمة بأنها مؤيدة لإسرائيل. 

وتضم صفحتها على فيسبوك الآن 42 ألف عضو، وهو نجاح فاجأها، كما قالت لوكالة فرانس برس. 

وفي السابق، كما حدث في عام 2008 أو 2020، بعد نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد في الدنمارك أو فرنسا، التزمت باكستان بالدعوات الدولية للمقاطعة.

وتؤكد إقبال “لن نتراجع، هناك صحوة وطنية لدى الناس” موضحة أن “الناس بشكل عام أكثر حذرا ويريدون معرفة الجهة التي يعطونها أموالهم”.

يروي موظف في أحد المتاجر المحلية لفرانس برس مشترطا عدم الكشف عن اسمه، كيف يتلقى انتقادات متزايدة من الزبائن منذ تشرين الأول/اكتوبر الماضي عند اندلاع الحرب في غزة.

وبحسب الموظف في المتجر “يقول لنا العملاء لماذا لا تزالون تبيعون نستله أو لوريال” وهي مجموعات تستهدفها حملة المقاطعة.

وتابع “قمنا بإنشاء أقسام مختلفة للمنتجات المستوردة، مع تحديد مصدرها”. 

ويتابع قائلاً “كثيرا ما يطلب مني الزبائن بدائل (محلية) لمنتجات معينة مثل الحفاضات أو صبغات الشعر”. 

ويؤكد زكا الرحمن (38 عاما) في منطقة التسوق في لاهور أنه قام بالاختيار مؤكدا أنه لا يرغب “سوى في المنتجات المصنوعة في باكستان”.

وأضاف “أنا لا اشتري أي منتج يأتي من أولئك الذين يدعمون إسرائيل أو يهاجمون غزة”.

وبالنسبة لمقصود عشيق فإنه لا يبيع “أي منتج من الدول الـ 151 الداعمة لإسرائيل”، من دون أن يوضح أي منها، بينما يستعرض صناديقه القادمة من تركيا أو ماليزيا، وهما دولتان ذات أغلبية مسلمة، وأحيانا من مصانع باكستانية. 

ويقوم نجوم السينما أيضا بالمشاركة في جهود الدعوة إلى المقاطعة.

وتدعو الممثلة أوشنا شاه بانتظام متابعيها الذين يقارب عددهم ثلاثة ملايين على إنستغرام وتويتر إلى “مقاطعة الشركات التي تمول الإبادة الجماعية”.

ويدعو ممثلون ومطربون آخرون إلى دعم علامات تجارية محلية للبرغر وغيرها.

ولكن يشير الخبير الاقتصادي فهد علي إلى أن “بعض المنتجات يصعب جدا مقاطعتها” في بلد “يعتمد إلى حد كبير على استيراد المواد الأولية (…) والمنتجات النهائية أيضا”.

ويقول إنه في قاعة محاضراته بجامعة لاهور، كثيرًا ما يأتي الطلاب ليسألوه عن رأيه في المقاطعة وإن كان لديها تأثير.

وأضاف محذرا “أعتقد أنه من الصعب الحفاظ على هذا التحرك حال عدم توسعه بشكل أكبر” متوقعا تلاشيه في الأشهر المقبلة.

حملات المقاطعة تضر بعلامات تجارية

في منتصف مساء يوم ليس ببعيد في القاهرة أخذ عامل ينظف الطاولات في فرع لسلسلة مطاعم ماكدونالدز خال من الرواد. وبدت فروع سلاسل غربية أخرى من مطاعم الوجبات السريعة في العاصمة المصرية بلا زبائن.

وواجهت جميع هذه المطاعم حملة مقاطعة بسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة بعد هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على جنوب إسرائيل يوم السابع من أكتوبر تشرين الأول.

وتشعر العلامات التجارية الغربية بوطأة المقاطعة في مصر والأردن، وهناك دلائل على انتشار الحملة في بعض الدول العربية الأخرى مثل الكويت والمغرب.

ويُنظر إلى بعض الشركات التي تستهدفها الحملة على أنها اتخذت مواقف محابية لإسرائيل، وتردد أن بعضها مرتبط بعلاقات مالية معها أو لها استثمارات هناك.

ومع بدء انتشار الحملة، اتسع نطاق دعوات المقاطعة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لتشمل عشرات الشركات والمنتجات، مما دفع المتسوقين إلى التحول إلى البدائل المحلية.

وفي مصر، حيث لا تتوافر فرصة الاحتجاج في الشوارع بسبب القيود الأمنية، يرى البعض أن المقاطعة هي الطريقة المثلى أو الوحيدة لتوصيل أصواتهم.

وقالت ريهام حامد (31 عاما)، المقيمة في القاهرة وتقاطع سلاسل مطاعم الوجبات السريعة وبعض المنظفات الأمريكية “حاسة إنه حتى لو أنا عارفة إنه مش هيأثر التأثير الفظيع، مش هيعمل إفكت (تأثير) جامد على الحرب… دي أقل حاجة احنا ممكن نقدمها كشعوب والواحد ما يحسش إن إيده ملوثة بالدم”.

وفي الأردن، يدخل السكان المؤيدون للمقاطعة أحيانا إلى فروع ماكدونالدز وستاربكس لتشجيع العملاء القلائل على الانتقال إلى أماكن أخرى. وانتشرت مقاطع مصورة لما يبدو أنهم جنود إسرائيليون يغسلون ملابس بمنظفات لعلامات تجارية معروفة، لحث المشاهدين على مقاطعتها.

وقال أحمد الزرو، موظف حساب مشتريات العملاء في فرع لسلسلة متاجر كبيرة في العاصمة عمان، حيث عمد العملاء لاختيار بدائل من المنتجات المحلية “لا أحد يشتري هذه المنتجات”.

وفي مدينة الكويت رصدت جولة خلو سبعة فروع لستاربكس وماكدونالدز وكنتاكي فرايد تشيكن تماما تقريبا من الزبائن. وقال عامل في أحد فروع ستاربكس رفض الكشف عن هويته إن هناك علامات تجارية أمريكية أخرى تأثرت أيضا.

وفي العاصمة المغربية الرباط، قال عامل في أحد فروع ستاربكس إن عدد العملاء انخفض بشكل ملحوظ هذا الأسبوع. ولم يقدم العامل ولا الشركة أي أرقام.

وقالت شركة ماكدونالدز في بيان الشهر الماضي إن المعلومات المضللة عن موقفها من الصراع “أفزعتها” وإن أبوابها مفتوحة للجميع. وأكدت الجهة صاحبة الامتياز المصري أن ملكيته مصرية وتعهدت بتقديم 20 مليون جنيه مصري (650 ألف دولار) من المساعدات لغزة.

وأشارت ستاربكس عندما طُلب منها التعليق إلى بيان على موقعها على الإنترنت عن عملياتها في الشرق الأوسط، وهو بيان مُحدّث في أكتوبر تشرين الأول. وورد في البيان أنها مؤسسة غير سياسية ونفت شائعات بأنها قدمت الدعم للحكومة أو الجيش الإسرائيليين. وقالت ستاربكس، التي أفادت في وقت سابق هذا الشهر بتسجيل إيرادات قياسية لرابع فصل على التوالي، إنها لا مزيد لديها لتشاركه بخصوص أعمالها.

ولم ترد شركات غربية أخرى بعد على طلبات من رويترز للتعليق.

رد فعل غير مسبوق

انتشرت حملات المقاطعة في بلدان اعتادت على التأييد الجارف للفلسطينيين. وأبرمت مصر والأردن معاهدتي سلام مع إسرائيل قبل عقود من الزمن، لكنهما لم تفضيا إلى تقارب شعبي.

وتعكس الاحتجاجات أيضا موجة من الغضب إزاء العملية العسكرية الإسرائيلية الأكثر تدميرا من الهجمات السابقة.

ولم يكن لحملات المقاطعة السابقة في مصر، أكثر الدول العربية سكانا، مثل هذا التأثير، بما في ذلك حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها الفلسطينية المنشأ.

وقال حسام محمود، وهو أحد نشطاء حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في مصر، “حجم العدوان على قطاع غزة غير مسبوق. وبالتالي فإن رد الفعل، سواء في الشارع العربي أو حتى الدولي، لم يسبق له مثيل أيضا”.

وركز نشطاء على شركة ستاربكس بسبب مقاضاتها نقابة عمالها على خلفية نشرها بيان عن الصراع بين إسرائيل وحماس، وكذلك شركة ماكدونالدز بعد أن قال وكيلها في إسرائيل إنه يقدم وجبات بالمجان لأفراد الجيش الإسرائيلي.

وقال موظف في إدارة شركة ماكدونالدز في مصر طلب عدم ذكر اسمه إن مبيعات الامتياز المصري في شهري أكتوبر تشرين الأول ونوفمبر تشرين الثاني انخفضت 70 بالمئة على الأقل مقارنة بنفس الأشهر من العام الماضي.

وأضاف الموظف “الدنيا واقعة خالص، غالبا يعني كدة بالعافية ممكن نكون مش عارفين حتى نغطي مصاريفنا”. ولم تتمكن رويترز بعد من التحقق من الأرقام التي قدمها الموظف.

وقال سامح السادات، وهو سياسي مصري وشريك مؤسس في شركة تي.بي.إس هولدينج، أحد موردي ستاربكس وماكدونالدز، إنه لاحظ انخفاضا أو تباطؤا بنحو 50 بالمئة في طلبات العميلتين.

على الرغم من الجهود التي تبذلها العلامات التجارية المستهدفة للدفاع عن نفسها والحفاظ على أعمالها التجارية من خلال العروض الخاصة، استمرت حملات المقاطعة في الانتشار، وامتدت في بعض الحالات خارج العالم العربي.

وفي ماليزيا ذات الأغلبية المسلمة، قال عامل في أحد فروع ماكدونالدز في بوتراجايا العاصمة الإدارية للبلاد إن عدد عملاء الفرع انخفض 20 بالمئة، وهو رقم لم تتمكن رويترز من التحقق منه بعد.

وواجه تطبيق جراب لطلب سيارات الأجرة أيضا دعوات للمقاطعة في ماليزيا بعد أن قالت زوجة الرئيس التنفيذي إنها وقعت “في غرام إسرائيل تماما” خلال زياراتها هناك.

وقالت في وقت لاحق إن المنشورات أُخرجت من سياقها. وقال وكيلا جراب وماكدونالدز في ماليزيا بعد دعوات المقاطعة إنهما سيتبرعان بمساعدات للفلسطينيين.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أخلى البرلمان التركي مطاعمه من منتجات كوكا كولا ونستله، وأشار مصدر برلماني إلى “غضب شعبي” ضد العلامتين التجاريتين على الرغم من عدم قطع أي شركة تركية كبيرة أو وكالة حكومية العلاقات مع إسرائيل.

وتفاوت التجاوب مع حملات المقاطعة، مع عدم وجود تأثير كبير في بعض البلدان بما في ذلك السعودية والإمارات وتونس. وحتى في أماكن لاقت فيها المقاطعة تجاوبا أوسع، شكك البعض في أن يكون لها تأثير كبير.

وقال عصام أبو شلبي، وهو صاحب كشك في القاهرة إن المقاطعة ودعم الفلسطينيين الحقيقي يحتاج لحمل السلاح والقتال معهم.

أسباب وتداعيات حملات مقاطعة طالت شركات كبرى على مر السنين

قاطع المستهلكون منتجات أو خدمات شركات عالمية مثل أنهيزر-بوش إنبف وكوكاكولا وتارجت على مر السنين، مما أثر على مبيعاتها وفي بعض الحالات على سمعتها.

ويعود تاريخ أقدم مقاطعة معروفة من المستهلكين إلى القرن الثامن عشر في بريطانيا عندما تمت مقاطعة السكر الذي يُستخدم عبيد في إنتاجه، وذلك احتجاجا على العبودية. وفي السنوات القليلة الماضية، استخدم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لاستهداف شركات يرون أن سياساتها غير مسؤولة.

وفيما يلي أمثلة على المواقف التي ترتبت عليها حملات مقاطعة من جانب المستهلكين:

حرب إسرائيل في غزة:

- تخوض إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) حربا منذ أن اقتحم مسلحون من الحركة جنوب إسرائيل من قطاع غزة في السابع من أكتوبر تشرين الأول في هجوم تقول الإحصاءات الإسرائيلية إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 253 رهينة. وتقول سلطات الصحة في غزة إن أكثر من 40800 شخص قتلوا في غزة جراء الهجوم الإسرائيلي اللاحق للقطاع الفلسطيني.

ومنذ ذلك الحين، يقاطع مستهلكون في عدد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة منتجات شركات يعدونها صديقة لإسرائيل. وتقول بعض الشركات التي لها نشاط في إسرائيل، ومنها يونيليفر ونستله، إن المبيعات تتراجع في البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل إندونيسيا.

- في يناير كانون الثاني قال كريس كمبنسكي الرئيس التنفيذي لشركة ماكدونالدز إن النشاط في عدد من الأسواق في الشرق الأوسط وبعض الأسواق خارج المنطقة تأثر "بشكل كبير" بسبب الصراع بين إسرائيل وحماس، إلى جانب "المعلومات المضللة" حول العلامة التجارية.

- قالت ستاربكس في يناير كانون الثاني إن الحرب أضرت بأعمالها في الشرق الأوسط، إذ جاءت نتائج الربع الأول دون توقعات السوق. وأفادت رويترز في مارس آذار بأن مجموعة الشايع الخليجية العملاقة للتجزئة، التي تملك حقوق علامة ستاربكس في الشرق الأوسط، تعتزم تسريح أكثر من ألفي موظف بسبب تأثر الشركة بالمقاطعة.

- في فبراير شباط، قالت يونيليفر البريطانية إن نمو مبيعات الربع الرابع في منطقة جنوب شرق آسيا تضرر بسبب مقاطعة المستهلكين في إندونيسيا للعلامات التجارية للشركات متعددة الجنسيات "على خلفية الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط".

الفصل العنصري

- شجعت جامعات في الولايات المتحدة وحركة مناهضة الفصل العنصري في بريطانيا المواطنين في البلدين على مقاطعة المنتجات المصنعة في جنوب أفريقيا في حقبة الفصل العنصري. وتضخمت الحركة بحلول ثمانينيات القرن العشرين، وصارت كل المنتجات من الفاكهة إلى السجائر والكحول مدرجة على قائمة المنتجات الجنوب أفريقية التي تشملها المقاطعة.

- كما مارست الحركة ضغوطا على متاجر كبرى في مناطق مختلفة من العالم مثل تيسكو البريطانية لوقف جلب منتجات من جنوب أفريقيا.

التنفير من الرضاعة الطبيعية

- قاطع مستهلكون وناشطون شركة نستله في منتصف سبعينيات القرن العشرين بسبب مزاعم بأنها تنفر من الرضاعة الطبيعية من خلال الترويج لبدائل لبن الأم. ولم يتضح مدى تأثير المقاطعة على المبيعات، لكن منظمة الصحة العالمية وضعت في وقت لاحق قانونا دوليا للتسويق يحظر مقارنة لبن الأطفال المصنّع بلبن الأم، وردت نستله بوضع سياسة خاصة بها مستندة إلى قانون منظمة الصحة العالمية خلال الثمانينيات.

- القسوة على الأغنام

- دشن مستهلكون أمريكيون من المحبين للحيوانات حملة مقاطعة استمرت تسعة أشهر قادتها مجموعة بيتا المعنية بحقوق الحيوان في عامي 2004 و2005 ضد علامة الأزياء الإيطالية بينيتون لأنها استخدمت "صوفا أستراليا تم الحصول عليه بطريقة وحشية".

وقالت بيتا، التي داهمت في وقت ما مقر بينيتون، استخدام "إجراء أسترالي مروع" بإزالة شرائح من الجلد من الأغنام وهي حية من أجل الحصول على الصوف المستخدم في ملابس تنتجها الشركة.

وأصرت بينيتون أنها "غير متورطة" في هذه الممارسة. ولم يتضح ما إذا كانت المقاطعة قد أثرت على المبيعات.

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي