لبنان بلا رئيس.. فراغ سياسي وفوضى دستورية
وكالات
2022-10-31 06:26
غادر الرئيس اللبناني المنتهية ولايته ميشال عون القصر الرئاسي في بعبدا يوم الأحد سيرا على الأقدام ليلقي كلمة أمام مئات من أنصاره في أثناء عزف النشيد الوطني.
وغادر عون قبل يوم واحد من انتهاء ولايته رسميا ومدتها ست سنوات ولكن بدون خليفة، تاركا البلاد في وضع لم يسبق له مثيل إذ أن منصب الرئيس لا يزال شاغرا في وقت تقود فيه البلاد حكومة تصريف أعمال.
وعجز البرلمان اللبناني حتى الآن عن الاتفاق على من يخلف عون في هذا المنصب الذي يتمتع بسلطة توقيع مشروعات قوانين وتعيين رؤساء وزراء جدد وإعطاء الضوء الأخضر لتشكيلات حكومية قبل أن يصوت عليها البرلمان.
كما هو الحال خلال أكثر من نصف فترة عون في الرئاسة، تحكم لبنان حاليا حكومة انتقالية مع محاولة رئيس الوزراء المكلف منذ ستة أشهر تشكيل حكومة.
ويهدّد الفراغ السياسي بتعميق أزمات البلاد في ظل انهيار اقتصادي متسارع منذ ثلاث سنوات ومع حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات، مع فشل القوى السياسية في تشكيل حكومة منذ أيار/مايو.
ويرى محللون ومعارضون أنّ الفراغ مرتبط بشكل رئيسي بعدم قبول حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأقوى، بعملية اقتراع توصل مرشحا من خارج دائرة تأثيره الى الرئاسة، وسعيه إلى التوصل إلى تسوية، على غرار ما حصل عند انتخاب عون رئيساً بعد أكثر من عامين من الشغور الرئاسي.
وتقول مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز "تشاثام هاوس" للأبحاث لينا الخطيب، لوكالة فرانس برس، "السيناريو الأكثر ترجيحاً بعد انتهاء ولاية عون هو الفراغ الرئاسي المطوّل إلى أن تتفق الأحزاب السياسية الرئيسية على مرشح".
للمرة الرابعة على التوالي، فشل النواب في انتخاب رئيس، رغم توفّر نصاب انعقاد الجلسة بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى، بحضور نواب حزب الله وحلفائهم، قبل أن ينسحب عدد كبير منهم قبل بدء الدورة الثانية من التصويت، ما أطاح بالنصاب.
ويحتاج المرشّح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين أي 86 صوتاً للفوز. وفي حال جرت دورة ثانية، تصبح الغالبية المطلوبة 65 صوتاً.
وتضيف الخطيب "على غرار ما حدث عام 2016، سيصرّ حزب الله على فرض مرشح".
وغالباً ما يستغرق انتخاب رئيس أشهراً في لبنان، البلد القائم على منطق التسويات والمحاصصة بين القوى السياسية والطائفية. في العام 2016، انتخب عون رئيساً بعد 46 جلسة انتخاب خلال أكثر من عامين.
تعطيل ممنهج
وغرّد رئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع، أحد أبرز خصوم حزب الله، على حسابه على "تويتر" الاثنين إن التيار الوطني الحر الذي يرأسه جبران باسيل، صهر ميشال عون، وحزب الله "يحاولان تعطيل ملف انتخاب الرئيس كونه لا يناسبهم".
وأضاف "هؤلاء مجرمون كبار يريدون تعطيل هذا الملف حتى يتعب الناس ويقبلوا بـأي رئيس، وهذا لن يحصل".
وقال النائب عن حزب الكتائب اللبنانية المعارض الياس حنكش لوكالة فرانس برس "ليس مقبولاً أن يتّبع طباخو السلطة المقاربة ذاتها"، في إشارة الى حزب الله وحلفائه، أي "الذهاب الى فراغ ليصبح أمراً واقعاً ويحصل بعدها توافق بالإكراه" على مرشّحهم.
ويُنظر على نطاق واسع الى الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية، على أنه المرشح الأمثل بالنسبة لحزب الله، وإن كان الحزب لم يعلن دعمه علنا له. لكنه ليس بالضرورة مرشحه الأوحد.
وفرنجية صديق شخصي للرئيس السوري بشار الأسد. وغالباً ما يُطرح اسمه كمرشح عند كل استحقاق رئاسي.
ويؤيد حزبا الكتائب والقوات والحزب الاشتراكي بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وبعض المستقلين المرشّح ميشال معوّض الذي نال 39 صوتاً في آخر جلسة انتخاب.
ومعوض وفرنجية المتحدران من منطقة زغرتا ذات الغالبية المسيحية المارونية في شمال لبنان على طرفي نقيض. فالأول مقرّب من واشنطن ويُعدّ من معارضي حزب الله والمطالبين بنزع سلاحه. لكن حزب الله يعتبره مرشّح "تحدٍّ".
ورأى حنكش أن "الفريق الآخر" يتبع "تعطيلاً ممنهجاً (...) سينتهي بقبول أفرقاء آخرين، ربما تحت الضغط، بإيصال مرشحه" الى الرئاسة.
وأضاف "لا يجب الوصول الى 31 تشرين الأول/أكتوبر من دون انتخاب رئيس". وإذا تعذّر ذلك، يتعين على رئيس مجلس النواب نبيه بري أن "يبقي المجلس مفتوحاً ويطلب من النواب عدم مغادرة القاعة حتى انتخاب رئيس".
قلق دبلوماسي
ورغم أنّ عدم احترام المهل الدستورية شائع في لبنان، إلا أن الفراغ هذه المرة يأتي في ظل انهيار اقتصادي متسارع ومع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية لضمان الحصول على مساعدات دولية وإن محدودة، يحتاجها لبنان بقوة، وبعد ثلاث سنوات على احتاجاجات غير مسبوقة طالبت برحيل الطبقة السياسية كاملة.
ويشهد لبنان منذ ثلاث سنوات انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عقود، خسرت معه العملة المحلية قرابة 95 في المئة من قيمتها وبات معه أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر.
وتحول الانقسامات السياسية دون تشكيل حكومة منذ الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو، بينما يضغط المجتمع الدولي لانتخاب رئيس لتجنّب تعميق الأزمة.
ويقول مصدر دبلوماسي غربي رفض الكشف عن هويته لفرانس برس، إن معظم السفارات لدى بيروت "قلقة" من احتمال "ألا يكون للبنان رئيس بعد انتهاء ولاية عون".
ويضيف "الأزمة السياسية هي آخر ما يحتاجه اللبنانيون الآن".
ومن شأن انتقال السلطة الى حكومة تصريف أعمال أن يؤدي الى "خلق وضع مقلق للغاية"، وفق المصدر ذاته.
ويقول الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي سامي نادر لفرانس برس إن "استمرار عدم التوافق في الداخل على مرشح قد يستدعي ضغطاً أو تدخلا خارجياً بغياب اللجوء الى المؤسسات".
ما هي المخاطر والرهانات؟
ظل منصب الرئيس شاغرا مرات كثيرة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. والمنصب لا يشغله إلا مسيحي ماروني وفقا للنظام الطائفي اللبناني مما يجعل انتخاب رئيس أمرا شديد الصعوبة. فماذا على المحك؟ ومن هم المرشحون؟
ما سبب التعقيد الشديد؟
يُنتخب الرئيس اللبناني في اقتراع سري للمشرعين البالغ عددهم 128 عضوا في البرلمان المقسم بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية.
لكن الحدود الدنيا المطلوبة من الأصوات تعني أنه لا يوجد فصيل واحد أو تحالف يتمتع بمقاعد كافية لفرض خياره في السياسة اللبنانية الاستقطابية.
وهذا يربط العملية بمساومة معقدة في قضايا أوسع، بما في ذلك تقسيم المقاعد في الحكومة الجديدة التي تتولى مهامها بعد أداء الرئيس الجديد اليمين الدستورية.
وقالت جماعة حزب الله الشيعية قوية النفوذ التي تلعب دورا أكبر من أي وقت مضى في الحكومة، إنه يجب التوصل لتوافق في الآراء على مرشح ما، وهو ما يقتضي فعليا موافقة الجماعة.
وظل منصب الرئاسة شاغرا 29 شهرا قبل أن يصبح عون - حليف حزب الله - رئيسا للدولة في اتفاق عام 2016 شهد عودة السياسي السني سعد الحريري إلى منصب رئيس الوزراء.
والمنافسات الدولية التي طالما لعبت دورا في الأزمات المحلية في لبنان، قد تؤدي أيضا إلى تعقيد العملية.
ولحزب الله وحلفائه علاقات وثيقة بإيران وسوريا اللتين يقودهما الشيعة بينما يتوجه خصومهم في الطائفتين المسيحية والسنية نحو الغرب ودول الخليج العربية التي يقودها السنة.
وتولى سلف عون - ميشال سليمان - منصبه عام 2008 في صفقة تم التوسط فيها في قطر وتفادت صراعا على السلطة بين حزب الله وحلفائه وخصوم مدعومين من السعودية والغرب.
ماذا يعني هذا بالنسبة للأزمة المالية؟
النخبة الحاكمة تقاعست عن معالجة الأزمة المالية التي ألقت بكثيرين في براثن الفقر ومنعت المودعين من الوصول إلى مدخراتهم في نظام مصرفي عاجز عن الحركة منذ ثلاث سنوات.
وفراغ منصب الرئيس قد يفاقم تعقيد خطوات المعالجة.
في حالة حدوث فراغ، تنتقل السلطات الرئاسية إلى الحكومة التي يرأسها السني نجيب ميقاتي. لكن حكومة رئيس الوزراء ميقاتي يقتصر دورها على تسيير الأعمال منذ الانتخابات البرلمانية في مايو أيار.
ويقول محللون إن هذا يعني عدم قدرتها على اتخاذ قرارات كبيرة تتضمن إبرام اتفاقات دولية.
وقد يؤدي هذا إلى تعقيد الانتهاء من مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتقديم مساعدات مطلوبة بشدة، بافتراض قيام الساسة الحاكمين في نهاية الأمر بتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها واللازمة لإبرام الصفقة.
وقال سعد الشامي، نائب رئيس الوزراء، إن لبنان ما زال بوسعه عرض تقدمه على مجلس إدارة صندوق النقد الدولي للفحص والموافقة على التمويل، لكنه ليس متأكدا من مدى حاجة الصفقة النهائية لموافقة رئاسية.
من قد يصبح رئيسا في نهاية المطاف؟
الطائفة المارونية أشد انقساما على الصعيد السياسي من غيرها من الطوائف في لبنان، مما أدى إلى ظهور طامحين كثيرين للرئاسة.
وأحد المرشحين، سليمان فرنجية، حليف حزب الله والرئيس السوري بشار الأسد. وكان فرنجية يعتبر منافسا قويا إلى أن خسرت الجماعة الشيعية وحلفاؤها الأغلبية البرلمانية في مايو أيار.
وحزب الله لم يعلن بعد دعمه لأحد.
وفاز المشرع المناهض لحزب الله ميشال معوض بأكبر عدد من الأصوات في أربع جلسات انتخابية رئاسية لم تكلل بالنجاح حتى الآن، لكن عدد الأصوات لم يكن كافيا للفوز.
وكان آخر ثلاثة رؤساء للبنان قادة سابقين في الجيش، وينظر إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون على أنه مرشح توافقي محتمل.
لكن محللين ومصادر سياسية يقولون إنه سيواجه معارضة، لا سيما من السياسي الماروني جبران باسيل صهر الرئيس عون الذي يطمح هو نفسه للحصول على منصب الرئاسة.
المهل الدستورية
وكان البرلمان اللبناني قد فشل للمرة الرابعة على التوالي في انتخاب رئيس جديد للبلاد في ظل انقسامات عميقة تثير مخاوف من فراغ في سدة الرئاسة بعد انقضاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية الشهر الحالي.
ويؤشر فشل البرلمان في انتخاب مرشح حتى الآن، إلى أن العملية الانتخابية قد تستغرق وقتاً طويلاً، ما يزيد من تعقيدات الوضع في البلاد الغارقة في أزمة مالية خانقة وحيث نادراً ما تُحترم المهل الدستورية المحددة.
ودعا رئيس المجلس النواب نبيه بري إلى عقد جلسة أخرى الخميس مبدئياً، على أن يتم تأكيد الموعد لاحقاً.
واقترع 50 نائباً بورقة بيضاء، فيما حظي النائب ميشال معوض المدعوم من القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وكتل أخرى بينها كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، بـ39 صوتاً. وصوت عشرة نواب من المستقلين إلى الأستاذ الجامعي عصام خليفة.
وتعارض كتل رئيسية بينها حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز، معوض وتصفه بأنه مرشح "تحدي". ويعرف عن معوض قربه من الأميركيين.
وقال الياس حنكش، النائب عن حزب الكتائب الذي صوت إلى معوض، لوكالة فرانس برس "ما من كتلة في المجلس النيابي قادرة على أن تفرض رئيساً"، متهماً نواب حزب الله وحليفيه حركة أمل والتيار الوطني الحر بـ"تطيير نصاب الجلسات" عبر الانسحاب في الدورة الثانية.
وأضاف "من يعطل يحاول أن يصل إلى تسوية".
وفشلت جلسة الإثنين برغم توفر نصاب انعقادها بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى، قبل أن ينسحب نواب ليطيحوا بالنصاب في الدورة الثانية.
ويحتاج المرشّح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين أي 86 صوتاً للفوز. وفي حال جرت دورة ثانية فالغالبية المطلوبة عندها 65 صوتاً.
وغالباً ما يستغرق انتخاب رئيس أشهراً في لبنان، البلد القائم على منطق التسويات والمحاصصة بين القوى السياسية والطائفية.
وانتُخب عون رئيساً في 2016 بعد شغور رئاسي استمر أكثر من عامين.
وبسبب الانقسامات نفسها التي تحول دون انتخاب رئيس للبلاد، لم تثمر مساعي رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في تشكيل حكومة منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في منتصف أيار/مايو، في بلد يقوم نظامه على تقاسم الحصص بين المكونات السياسية والطائفية.
ويضغط المجتمع الدولي من أجل انتخاب رئيس جديد ضمن المهل الدستورية لتجنّب تعميق الأزمة التي تتطلب إصلاحات ضرورية.
تغيير ميزان القوى المفروض من حزب الله
من جهته دعا المرشح للانتخابات الرئاسية في لبنان النائب ميشال معوض الكتل البرلمانية الى دعم ترشّحه من أجل "تغيير ميزان القوى" الذي يفرضه حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد.
وقال معوض (50 عاماً) الذي نال تأييد كتل عدة من دون حصوله على أكثرية ويصفه حزب الله بمرشح "التحدي" في مقابلة مع فرانس برس إن "ميزان القوى اليوم لا يمكن أن يأتي إلا برئيس خاضع لرغبات حزب الله وحلفائه".
وأضاف "من أجل تغيير ميزان القوى هذا، يجب أولاً توحيد المعارضة وجعلنا غالبية برلمانية".
ويحظى معوّض الذي نال 39 صوتاً في آخر جلسة انتخاب، بتأييد كل من كتلة القوات اللبنانية، أبرز الأحزاب المسيحية، والكتائب اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وبعض المستقلين.
ويراهن على قدرته على استقطاب نواب آخرين، بينهم نواب سنّة وآخرون وصلوا الى البرلمان عقب الاحتجاجات الشعبية التي عمّت لبنان بدءاً من 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
ويحتاج المرشّح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين أي 86 صوتاً للفوز. وفي حال جرت دورة ثانية، تصبح الغالبية المطلوبة 65 صوتاً.
ومعوض مقرّب من واشنطن ويُعدّ من معارضي حزب الله والمطالبين بنزع سلاحه، ويندد بـ"هيمنته" على لبنان. ويعتبره حزب الله مرشّح "تحدٍّ" ويدعو إلى "التوافق على اسم يحظى بأكثرية نيابية".
وقال معوض "يجب مواجهة منطق التسويات"، معتبراً أن "مرشح التسوية (...) سيخضع للأمر الواقع الحالي ضمن السياسيات الإقليمية والداخلية لحزب الله، ما يعني القبول بأنه لن يكون هناك سيادة".
وتابع "ما اقترحه هو مرشح الحلول، مرشح يعيد الثقة للدولة، وألا يكون بالتأكيد مرشح تحد"، مضيفاً "علينا أن نجد حلولاً ونحدد ما هي المشاكل مثل اصطفاف لبنان في المحور الإيراني والذي أدى إلى عزل لبنان وكان لديه تداعيات مباشرة على اقتصاده" الذي يشهد انهياراً متسارعاً منذ ثلاثة أعوام.
ومعوض نائب منذ 2018 عن قضاء زغرتا (شمال). هو نجل رئيس الجمهورية الأسبق رينيه معوض الذي اغتيل في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، بعد 17 يوماً من انتخابه. ويتهم معوض النظام في سوريا بقتل والده.
ورداً على سؤال حول مخاطر قد يواجهها في بلد شهد سلسلة اغتيالات سياسية مرت من دون محاسبة "أعلم جيداً ما هي المخاطر (...) وجاهز لها".
عوني خليفة عون
الرئيس اللبناني المنتهية ولايته ميشال عون شخصية مثيرة للانقسام بشدة، يدعمه العديد من المسيحيين الذين يعتبرونه المدافع عنهم في النظام الطائفي في لبنان لكن منتقديه يتهمونه بتمكين الفساد ومساعدة جماعة حزب الله المسلحة على كسب النفوذ.
وتولى عون الرئاسة في عام 2016، بدعم من حزب الله والسياسي المسيحي الماروني المنافس سمير جعجع في اتفاق أعاد السياسي السني البارز وقتئذ سعد الحريري رئيسا للوزراء.
وشهدت رئاسة عون التي استمرت ست سنوات بعد ذلك قتال الجيش اللبناني متشددين إسلاميين على الحدود السورية في عام 2017 بمساعدة حزب الله وإجازة قانون انتخابي جديد في 2018 وبدء شركات طاقة كبرى عمليات تنقيب استكشافية في مناطق بحرية في عام 2020.
وفي أسبوعه الأخير في القصر وقع عون اتفاقا بوساطة أمريكية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان مع إسرائيل.
وقالت لما نهرا (32 عاما) وهي أم لثلاثة أطفال "كانت فترة عون أقوى حقبة في تاريخ لبنان. بعد كل إنجازاته، كيف لا يمكننا أن نحبه؟".
وبالنسبة لآخرين، فإن تلك النجاحات المتواضعة تتضاءل مقارنة بالانهيار المالي عام 2019 والذي أدى إلى وقوع أكثر من 80 في المئة من السكان في الفقر وأدى إلى أوسع احتجاجات مناهضة للحكومة في التاريخ الحديث.
وارتبطت أيضا فترة عون بشكل وثيق بانفجار عام 2020 في مرفأ بيروت، والذي خلف أكثر من 220 قتيلا.
وقال عون في وقت لاحق إنه كان على علم بالمواد الكيماوية المخزنة هناك وقال لرويترز في مقابلة يوم السبت إن سلطاته الرئاسية ليست واسعة بما يكفي لمعالجة الأزمة الاقتصادية.
وقال المحامي ميشال معوشي "كان إلى حد بعيد أسوأ رئيس في تاريخ لبنان وأنا أفضل عليه الفراغ في الرئاسة".
وعون نجل مزارع من إحدى ضواحي بيروت وبدأ طريقه إلى الرئاسة في الحرب الأهلية التي دارت رحاها فيما بين عامي 1975و1990 والتي شغل خلالها منصب قائد الجيش اللبناني ورئيس إحدى حكومتين متنافستين.
وعاد عون إلى بيروت بعد 15 عاما في المنفى، بمجرد انسحاب القوات السورية تحت ضغط دولي بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005.
وفي عام 2006، شكل التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه عون تحالفا مع حزب الله مما قدم دعما مسيحيا مهما للجماعة المسلحة. وفي مقابلته مع رويترز أرجع عون الفضل لحزب الله لدوره "المفيد" في العمل "كرادع" ضد أي هجمات إسرائيلية خلال محادثات الحدود البحرية.
ويتوافد منذ ساعات الصباح الأولى مناصرو التيار الوطني الحر الذي أسّسه عون إلى محيط القصر في منطقة بعبدا المطلة على بيروت. ويحمل بعضهم رايات التيار البرتقالية وصوراً لعون من مختلف محطات مسيرته العسكرية والسياسية.
وقالت جومانا ناهض وهي مدرّسة لوكالة فرانس برس "جئنا لنرافق الرئيس في آخر لحظات العهد، ولنقول له نحن معك وسنواصل النضال معك وأينما تكون يكون الوطن".
وأمضى العشرات من محازبي عون ليلتهم في خيم وضعت على الطريق المؤدية الى مدخل القصر، ليتسنى لهم مواكبة عون لدى انتقاله ظهراً الى مقر إقامته الجديد في منطقة الرابية شمال شرق بيروت.
وقال أحدهم جوني مدور، وهو طبيب أسنان، لوكالة فرانس برس "جئنا نؤكد للجنرال أننا ما زلنا نحبّه وسنبقى نواكبه حتى تنتهي الدنيا".
و"الجنرال" لقب يستخدمه مناصرو عون للحديث عنه، وقد التصق باسمه منذ تعيينه قائداً للجيش العام 1984.
بعد تسوية سياسية أوصلته الى الرئاسة عام 2016، تعهّد عون تحقيق نهضة اقتصادية واستقرار اجتماعي واستئصال الفساد. لكنها وعود لم تتحقّق.
واتسّم النصف الثاني من عهده بشلل سياسي وانهيار اقتصادي متسارع وتظاهرات غير مسبوقة في تشرين الأول/اكتوبر 2019 استمرت أشهرا، ثم انفجار مروّع في مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، ضاعف النقمة الشعبية على أداء الطبقة السياسية.
وإن كان فقد جزءاً كبيراً من شعبيته خصوصاً على الساحة المسيحية، إلا أن عون لا يزال في عيون محازبيه وأنصاره "قائداً شجاعاً نظيف الكف" وزعيماً من خارج سرب العائلات السياسية التقليدية والإقطاعية في بلد ذي تركيبة طائفية بامتياز.
وقال نبيل رحباني (59 عاماً)، بعدما أمضى ليلته في محيط القصر "بين 1989 و1990، أمضينا الوقت قرب الرئيس قبل أن يقتلعه الطيران السوري من بعبدا، واليوم جئنا نجدد عهدنا له".
وشكل قصر بعبدا العام 1989 مقصداً للآلاف من مناصري عون، الذي تولى حينها حكومة عسكرية ورفض تسليم السلطة الى رئيس منتخب. وفي 1990، تم إخراجه من القصر إثر عملية عسكرية قادها الجيش السوري، ولجأ الى السفارة الفرنسية، ثم الى فرنسا حيث أمضى 15 عاماً في المنفى وأسّس تياره السياسي.
فوضى دستورية
وقال الرئيس اللبناني ميشال عون في تصريحات لرويترز يوم السبت، إن بلاده قد تنزلق إلى "فوضى دستورية" بسبب عدم القدرة على انتخاب رئيس جديد خلفا له وفي ظل حكومة تصريف أعمال يتهمها بأنها غير كاملة الصلاحيات.
ولمح عون إلى أنه لا يزال يفكر في تحرك سياسي غير محدد في الساعات الأخيرة من ولايته لمعالجة الأزمة الدستورية لكنه قال لرويترز "لا يوجد قرار نهائي" بشأن ما يمكن أن تنطوي عليه هذه الخطوة.
وقال ردا على سؤال "نعم من المعقول أن تحصل فوضى دستورية. الفراغ لا يملأ الفراغ".
ويقول خصوم جبران باسيل صهر عون إن باسيل لديه طموحات لشغل منصب الرئيس. وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت باسيل على قائمة العقوبات عام 2020 بتهمة الفساد لكنه ينفي ذلك ويعتبرها عقوبات سياسية.
وقال عون يوم إن العقوبات الأمريكية لن تمنع باسيل من الترشح للرئاسة. وأضاف "من المؤكد أنه له الحق في الترشح على الرئاسة".
وعن العقوبات قال عون "نحن نمحوها بمجرد انتخابه".
وردا على سؤال حول من المرشح الذي تنطبق عليه معادلة الرئيس الأقوى في طائفته، وهي المعادلة التي كرسها بانتخابه قبل ست سنوات، قال عون "لا أستطيع أن أحكي بهذا الموضوع، لأني قد أؤذي من أسميه. محاربة الفساد لم تبق لي صاحبا. إذا كان سيأتي أحد على مودالي (على شاكلتي) أنا أكيد ما رح يحبوه ولا رح ينتخبوه أصلا".
وفي أسبوعه الأخير في المنصب وقع عون تفاهما بوساطة أمريكية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان مع إسرائيل، مما يمثل إنجازا دبلوماسيا من شأنه أن يسمح لكلا الجانبين باستخراج الغاز من المكامن البحرية.
وسئل عون عن دور حزب الله، الجماعة القوية المدعومة من ايران، والتي أرسلت طائرات مسيرة فوق إسرائيل وهددت بمهاجمة منصات الحفر البحرية عدة مرات، فأجاب كانت "رادعا" ساعد في مواصلة المفاوضات لصالح لبنان.
وأضاف أن "المبادرة التي اتخذها حزب الله لم تكن منسقة (مع الدولة) ولكنها كانت مفيدة".
أضاف عون "لو لم يُسمح لنا باستخراج النفط والغاز من مياهنا لما كنا لنسمح لإسرائيل باستخراج الغاز"
وأضاف أن الصفقة مهدت الطريق لاكتشافات الغاز التي يمكن أن تكون "الفرصة الأخيرة" للبنان للتعافي من الانهيار المالي الذي دام ثلاث سنوات والذي كلف العملة 95 بالمئة من قيمتها ودفع 80 بالمئة من السكان إلى الفقر.
وأوضح عون أن عائدات الثروة النفطية ينبغي أن توضع في صندوق سيادي برئاسة رئيس البلاد، مضيفا أنه في حال عدم انتخاب رئيس أو تشكيل حكومة من الآن وحتى استخراج الغاز "بيكون انتهى البلد".
وأشار إلى أن عدم انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية "ليس صدفة. لا بل أمر مقصود".
ومن المقرر أن يشهد قصر بعبدا يوم الأحد مظاهرة شعبية من قبل أنصار التيار الوطني الحر الذي أسسه عون ويتزعمه باسيل تواكب انتقال الرئيس إلى منزله في الرابية بجبل لبنان.
وقال عون "أنا طالع على الرابية غدا لأكمل حياتي السياسية لأنني أعتبر أن الأوضاع لم تصطلح في لبنان وما زالت تتجه نحو الأسوأ، ولا المنظومة الحالية تستطيع أن تصلح البلد لا بل هي التي صنعت الأخطاء مستمرة بارتكابها، لا يمكن أن نبقي حاكم مصرف لبنان (رياض سلامة في منصبه) بعد هذه الفضائح التي ارتكبها... لازم حاكم البنك المركزي يقعد على جنب".
وأوضح أن سلامة محمي من المنظومة الحاكمة "يعني الحكومة والأشخاص النافذين في البلاد الذين ما زالوا داعمين سلامة رغم أن التحقيق القضائي يقضي بتحويله إلى المحاكمة".
ويخضع سلامة للتحقيق في لبنان وخمس دول أوروبية على الأقل للاشتباه في ارتكابه جرائم اختلاس وغسل أموال. ويعتقد المدعون السويسريون أن سلامة اختلس نحو 330 مليون دولار من أموال المصرف بين عامي 2002 و2015 عبر عقد وقعه مع شركة فوري أسوسيتس، وهي شركة خدمات مالية يملكها شقيقه الأصغر رجا سلامة.
وختم عون حديثه قائلا "لست نادما لأنني عملت رئيس جمهورية من جهة ومن جهة ثانية كنت أستطيع أن أعمل أكثر وهذه نادم عليها. كيف يمكن لي أن أتعرف على الدولة العميقة التي يجب إصلاحها، صرنا نعرفها منيح".