مركز الامام الشيرازي ناقش تفكيك السلطة وتوزيع القدرة لمواجهة الاستبداد

محمد علاء الصافي

2021-12-30 03:18

عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقته النقاشية الشهرية في ملتقى النبأ الأسبوعي حيث ناقش موضوعا تحت عنوان (تفكيك السلطة وتوزيع القدرة، محاولة في مواجهة الاستبداد)، شارك في الملتقى عدد من الكتاب والباحثين.

الورقة التي نوقشت قدمها واعدها الباحث في المركز محمد علاء الصافي جاء فيها:

المعضلة التي واجهها البشر على مرّ التاريخ هي استبداد الحكام وتمركز السلطات كلها (التشريعية والتنفيذية والقضائية) في يد شخص واحد (حاكم أو أمير أو ملك أو رئيس أو...) أو عدة اشخاص أو عائلة أو حتى طبقة معينة، مما أدى الى مصادرة الحقوق السياسية بل ومطلق الحقوق من المادية والروحية والفكرية لعامة الناس أو اهمالها، وقد عبّر الامام علي (عليه السلام) عن استبداد افراد قلائل بالحكم وعن نتائج ذلك بقوله: (اتخذتهم الفراعنة عبيدا فساموهم سوء العذاب، وجرعوهم المرار، فلم تبرح الحال بهم في ذل الهلكة وقهر الغلبة).

وقد اعتبر العقلاء نظام فصل السلطات وتوازنها خطوة الى الامام لتفكيك الاستبداد عبر تفتيت السلطة وتقسيمها الى السلطات الثلاث، وهي مبدأ سياسي للحكم، يقوم على أساس فصل السلطات الرئيسية الثلاث للحكم بعضها عن بعض؛ بهيئات تنظيمية مستقل كل منها عن الاخر، والدافع الأساس لذلك هو الخوف من الاستبداد الذي يترتب على تركيز السلطات الثلاث في يد واحدة أو هيئة واحدة.

لكن المشكلة أن هذه الخطوة ليست كافية أبداً؛ نظرا لامتلاك السلطة التنفيذية قدرات هائلة جداً، حتى بعد فصل السلطة القضائية والتشريعية عنها، وامتلاك الأخيرة صفة الرقابة على السلطة التنفيذية، إذ تتمركز في ايدي السلطة التنفيذية ـ عملياً ـ كافة أدوات القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والعلمية وغيرها؛ كالجيش والشرطة والمخابرات وكالضرائب والثروات الطبيعية والصناعات وكالخارجية والداخلية والكهرباء والماء والطاقة والتعليم والاعلام والثقافة.

وتمركز القوة في ايدي السلطة التنفيذية اكثر وضوحا في الأنظمة الرئاسية وشبه الرئاسية، اما في الأنظمة البرلمانية والأنظمة الخليطة فأنه وإن صحّ ان البرلمان يمتلك صلاحيات كثيرة يلجم بها القوة التنفيذية، كمحاسبة المسؤولين في الدولة والتحقيق معهم واستجوابهم حتى لو كان رئيس الوزراء او رئيس البلد أو حتى اختيارهم وتكليفهم والمصادقة على الحكومات، ولكن مع ذلك فإن تمركز كل الوزارات السيادية وغيرها بيد السلطة التنفيذية يخل بدرجة كبيرة بالتوازن بين القوتين التشريعية والتنفيذية، اما من تجاهل السلطة التشريعية وتجاوزها أو ترهيب أعضاءها وتخويفهم والضغط عليهم أو على مجموعة منهم لكي لا يقوموا باستجواب الرئيس او الوزير وغيرهم أو ليصوتوا لصالح تشكيل الحكومة المقترحة من قبل رئيس الوزراء وما شابه.

ذلك كله بالإضافة الى التفاف السلطة التنفيذية على البرلمان والقضاء، أو تضليل النواب والقضاة أو شراء ذممهم ولم يعد ذلك صعبا على الحكومات، بل اصبح امرا واقعا حتى في الحكومات الديمقراطية على اختلاف أنواعها ودرجات ديمقراطيتها، كما لم يعد خافياً ان غالب أعضاء البرلمان والحكومة اصبحوا الى حد بعيد أو بشكل مطلق خاضعين أو مسايرين لسياسة الأحزاب الرئيسية او الحزبين الكبيرين المسيطرين في البلاد، وكل ذلك أمر غير مبرر خاصة اذا ما تعارض مع المصالح العليا للبلاد، وذلك يكشف لنا عن ان أعضاء الأحزاب لا يمثلون بالضرورة آراء ناخبيهم، بل قد يمثلون آراء احزابهم وان تضاربت مع مصالح ناخبيهم والشواهد على ذلك كثيرة جداً.

ان القوة إذا تركزت في فئة محدودة او جماعة او شخص واحد ستميل بشكل كبير الى الطغيان، وترجيح الولاء والطاعة لها على العلم والحكمة والكفاءة.

الأنظمة التمثيلية للشعوب وان كانت تقوم نظرياً على أساس الحكم للأغلبية، فإنها في الواقع لا تحقق ذلك، بل ان الحكم عملياً يؤول في النهاية الى اقلية لا الى الأغلبية، مثلا في جميع الديمقراطيات التمثيلية لا يشترك جميع افراد الشعب في العملية الانتخابية، بل فقط جزء منهم، ولو فرضنا ان هذا الجزء يمثل اغلبية الشعب، فأن البرلمانيين الذي انتخبهم الشعب ينقسمون الى اغلبية حاكمة واقلية معارضة، والقرارات المتخذة من قبل الأغلبية الحاكمة تتخذ بأغلبية الحاضرين منهم، وان الدراسات والإحصاءات تدل على ان القرارات التي يلزمون بها جميع افراد الشعب ليست صادرة سوى عن اقلية.

أطروحة السلطات العشر والبرلمانات المتوازية للسيد مرتضى الشيرازي

ان المقترح في تمثيل الشعب والمجتمع بشكل أفضل وفي توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الحكم واحراز رضا عامة الناس بأعلى صورة ممكنة، وإيجاد التوازن بين السلطات لكبح جماح النفس الاستبدادي عند أي سلطة او قيادة سياسية وجعلها امام باب المحاسبة والمراقبة والتقويم.

اقترح السيد في اطروحته عشر سلطات أساسية تلحقها عشر سلطات فرعية أخرى يجب أن تكون فاعلة وحقيقية لتوزيع القدرة وتضمن مشاركة سياسية واجتماعية ممثلة لمعظم فئات المجتمع والسلطات هي:

السلطة الأولى: السلطة التشريعية (البرلمانات المتوازية)

السلطة الثانية: السلطة التنفيذية

السلطة الثالثة: السلطة القضائية

السلطة الرابعة: سلطة الاعلام والصحافة

السلطة الخامسة: سلطة مؤسسات المجتمع المدني

السلطة السادسة: سلطة القوة العسكرية

السلطة السابعة: السلطة الاقتصادية

السلطة الثامنة: سلطة الخبراء والتكنوقراط

السلطة التاسعة: سلطة غير الممثلين في البرلمان والحكومة

السلطة العاشرة: سلطة القيم الإنسانية

هناك شروط موضوعية لا بد من توفرها لتكون البلاد مؤهلة لعملية تغيير كبيرة بل استثنائية كالتي تتبناها أطروحة السلطات العشر ومن أهم تلك الشروط:

(مجتمع مدني فاعل ومؤسسات مجتمع مدني فاعلة تتضمن: مراكز دراسات تعنى بالقضايا الهامة والاستراتيجية في جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والثقافية).

نقابات واتحادات فاعلة وأحزاب وطنية.

وعندئذ سيكون من السهل نسبياً الانتقال من النظام المبني على السلطات الثلاث الى النظام المبني على السلطات العشر الاصلية الأولى، ثم السلطات العشر الفرعية الثانية.

وبذلك فإن الديمقراطيات المستقرة الحافلة بأعداد كبيرة ونوعيات مميزة من مؤسسات المجتمع المدني، كالهند واليابان ومعظم الدول الاوربية وامريكا وكندا وما شابههم، هي المخاطبة بالدرجة الأولى بهذه الاطروحة لأنها تملك البنى التحتية الكاملة لتطبيقها.

أما الدول التي لا تزال ديمقراطيتها ناشئة كالعراق مثلاً، او التي لا تزال تعيش في عهود الاستبداد، والتي تعمل بدرجة أو بأخرى ولو -بشكل ظاهري– بنظام فصل السلطات الثلاث، فإن المقترح على مفكري تلك البلاد أن يعملوا على وضع آليات التحول التدريجي نحو نظام السلطات العشر والبرلمانات المتوازية، في فترة زمنية قد تستغرق عقداً أو عقدين أو ثلاثة عقود.

والتحول التدريجي يكون ضمن العمل بالممكن، فاذا توفرت الظروف الموضوعية والإمكانات اللازمة لتكون هذه الدولة أو تلك ذات سلطات أربع بدلاً من ثلاث فليتم ذلك، ثم يبقى امل متواصلاً لتوفير متطلبات الانتقال الى النظام بخمس سلطات وهكذا، وصولا لنظام السلطات العشر.

وتحديد السقف الزمني مرهون بجملة عوامل منها: التطورات الحاصلة على الأرض، ومنها نوعية الثقافة التي تحملها النخبة، هل هي ثقافة منفتحة أو منغلقة؟ وهل هي ثقافة التعايش أم ثقافة الصدام؟

ويمكن للبلاد أن تتجاوز العقبات بسهولة أكبر وتحقق قفزات نحو التحول لنظام السلطات العشر اذا ما توفر فيها قائد قوي وحكيم، يؤمن بمثل هذه الاطروحة ويؤازره على تحقيقها فريق قوي ومتجانس.

ومدى وعي الشعب بضرورة التغيير والتحول ومدى قوة وتجذر وتكامل وتعاون مؤسسات المجتمع المدني، وعملية الجدولة الزمنية وتحديد المراحل مرهونة بآراء اهل الخبرة واهل الحل والعقد ومراكز الدراسات وبالتعاون مع السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية ايضاً، ولو تحقق هذا التعاون سيكون الامر سهلاً الى ابعد الحدود، أما اذا اتخذت السلطات الحاكمة سياسة مناقضة، فلا حل الا بزيادة الضغط عبر الرأي العام الضاغط ووسائل الاعلام ومختلف روافد مؤسسات المجتمع المدني وعبر شتى الطرق السلمية المشروعة كالتظاهرات السلمية والاعتصامات والوقفات وغيرها.

التجربة العراقية: عوامل الإخفاق ومعضلة الاطروحة

ان التجربة العراقية اثبتت أن تعدد مراكز القرار يؤدي الى ارباك الدولة وتأجج الصراعات وغير ذلك، كما سيحول دون قدرة رئيس الوزراء مثلاً على تنفيذ برنامجه الانتخابي.

لكن من الناحية الواقعية أن صحة نظرية أو رأي أو فكرة لا تقيّم بالضرورة، بأداء القائمين عليها أو المنفذين لها، ولا بنجاح تجربة واحدة أو فشلها، إذ قد تعود أسباب النجاح أو الفشل الى عوامل أخرى مقارنة أو مزامنة أو متداخلة مع الفكرة الام، وقد تكون تلك العوامل خفية أو جلية، كما انه قد تقع أعظم الأفكار او المذاهب بيد أسوأ الناس والمنظمات.

وعلى هذا فيجب عزل التجربة عن كافة الملابسات والمقارنات إذا اردنا تقييمها بتجرد ونزاهة وموضوعية، وقد تكشف لنا التجربة زوايا خفية في النظرية فتشكل نقاط إبهام أو نقص وضعف أو حتى قوة غير متوقعة، فلا بد من دراسة التجربة بدقة متناهية وبجذور التجربة التاريخية وحال الشعب والقائمين على التجربة واللاعبين الأساسيين فيها.

مكمن الخلل في التجربة العراقية يخضع لعدة عوامل:

1- تدخل قوى إقليمية ودولية كثيرة في العمق العراقي (السياسي والاجتماعي).

2- الإرث الكبير الذي خلفته الأنظمة الاستبدادية السابقة من الفساد المالي والإداري والتشوه الثقافي.

3- ان اغلب المتصدين لمراكز السلطة ليسوا من ذوي الاختصاص والكفاءة، أو ليسوا بمستوى التحدي..

4- المشكلة تعود لنظام المحاصصة الطائفية والحزبية وليس الديمقراطية نفسها. نظام المحاصصة يعد ضرباً لنظام فصل السلطات.

بعد طرح الورقة تم توجيه السؤالين التاليين على الحاضرين والمشاركين عبر وسائل التواصل الاجتماعي:

السؤال الأول: ما الوسائل التي يجب على القوى المجتمعية الفاعلة استخدامها للحد من استبداد السلطة؟

السؤال الثاني: هل تعدد السلطات وتشعبها يؤدي بنا الى الضعف والتشتت وتأخر البناء الفكري والعمراني في البلاد؟

المداخلات:

شرور السلطة

حيدر الجراح، مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

"هل تلك القوى الفاعلة في المجتمع ليست مستبدة بالأساس حتى تحد من استبداد السلطة؟

من اين حصلت تلك القوى على فاعليتها في المجتمع هل بطرق مادية أو معنوية وهل هذه الطرق كانت شرعية وغير مستبدة؟، ام ان هذه القوى أيضا تعاني من امراض السلطة المستبدة التي تحاول تفكيكها والحد من شرورها؟

هناك سلطات كثيرة غير ظاهرة للعيان، تفعل فعلها في المجتمع بعيدة عن السلطة السياسية ولها الكثير من السلوكيات الاستبدادية والتي تحتاج هي الأخرى الى تفكيك للحد من شرورها والامثلة على ذلك كثيرة، كأن تكون سلطة المال أو الاعلام الفاسد أو شيخ القبيلة أو خطاب التطرف الديني وكل تلك الأمثلة سلطات متعددة غير ظاهرة تحتاج الى تفكيك ونقد حتى ترتقي بفاعليتها وتحد فعلا من شرور السلطة السياسية المستبدة".

خلق حالة التكامل بين السلطات

الشيخ مرتضى معاش:

"رضوخ الانسان لمركزية السلطة والتربي على المركزية فيه عدة أسباب، أهمها انهم تعلموا على الحصول على الامن أولا وان كان على حساب الحرية، واذا تعارضت الحرية مع الامن يقدم الامن على كل شيء.

غالبا الشعوب والمجتمعات تخاف الفوضى، لذا فإنها تقدم التنازلات عن كثير من الحقوق أهمها الحرية مقابل قوة السلطة وان كانت تسلب منهم الكثير من حقوقهم.

كذلك العامل الاقتصادي له الأثر الكبير على المجتمع، لذا تحاول الدولة دائما الهيمنة على الاقتصاد حتى تتمكن من الهيمنة على الانسان، وهذه العوامل الثلاثة اهم ما تحاول السلطة او المستبد السيطرة عليها.

ان معظم الناس يميلون نحو المركزية بحكم انها تربت لسنين طويلة على ذلك، وما يفتقد اليه الشعب العراقي اليوم هو تعلم اللامركزية من خلال آلية تعلم بعيدة المدى وبقواعدها الصحيحة حتى يكون الأساس قويا ومتينا ويصمد لفترة طويلة، بينما القفز على قواعد البناء الصحيح وانتظار نتائج سريعة دون أساس متين وعدم تقييم التجربة كل فترة وتقويمها يؤدي بنا الى العودة نحو الاستبداد والمركزية، وهذا يحتاج الى صبر وحكمة ومحاولات لا تنتهي لتغيير تفكير الانسان في هذا الجانب.

غياب الكفاءات وسيطرة الحكام الجهلة على مقدرات الناس وصعود الطغيان الذي يؤدي الى انهيار الأمم والمجتمعات، كما يؤدي بالمجتمع الى ظهور حالة النفاق بأشد درجاتها.

توزيع السلطة او القدرة هو الحل الأمثل لكن مع مراعاة التنسيق فيما بينها وخلق حالة التكامل في العمل وعدم تجاوز كل سلطة على الأخرى وفق قوانين وضوابط أفضل بكل تأكيد من مركزية السلطة وحصرها بيد فئة معينة او شخص واحد قد يقود معه كل الامة الى الهلاك والامثلة والشواهد على ذلك كثيرة جداً مثل هتلر وستالين وصدام وغيرهم.

وربما لو ان هناك سلطة تنسيقية بين كل السلطات يقع على عاتقها رسم السياسات ومتابعة الإخفاقات في كل سلطة او فيما بينها تضاف الى السلطات العشر المقترحة، للمساهمة بإنجاح حالة توزيع القدرة والفعالية بين السلطات، فتوزيع القدرة يؤدي الى مواجهة النفس الاستبدادي فيما لو ظهر او تمدد في جسد الدولة، ولكن بشرط ان لا يتحول الى المحاصصة على حساب الكفاءة والاغلبية، وتكون بكل تأكيد هذه السلطات منتخبة من قبل الناس لا ان تعيّن حسب اهواء السلطة التنفيذية الحاكمة.

كذلك يجب وضع حدود لكل من يستمر في السلطة والاحتكام لمبدأ التداول السلمي للسلطة، واستئصال الدولة العميقة وعدم فسح المجال لأي جهة ان تهيمن على السلطة والتمدد في عمق الدولة ومحاربة الاقطاع والاحتكار في كل اركان الدولة".

فك الارتباط الاقتصادي

حامد الجبوري، باحث في مجال الاقتصاد:

الفصل بين السلطات كما ذكرت الورقة هو جانب سياسي لتفكيك السلطة وتوزيعها، والجانب الاخر هو الجانب الاقتصادي، فيجب فك الارتباط الاقتصادي المسيطر عليه من الدولة وربطه بالمجتمع وشركات القطاع الخاص وهذا بالتالي سيحد من تمدد السلطة واستبدادها وحصر جميع الموارد الاقتصادية والثروات بيدها ومن ثم خلق طبقة مستفيدة تدافع عن هذه السلطة وتمنع أي محاولة للتغيير والإصلاح والتنمية في المجتمع.

الحل الأمثل لمواجهة الاستبداد

حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية:

المستبد هو المتمسك برأيه قولاً وفعلاً، وهذه الخاصية كانت عند العرب ولا زالت، وتمارس هذه السلوكيات ليومنا هذا من خلال سياسة تجهيل المجتمع وافقاره، واشغالهم بالصراعات والأزمات والحروب حتى تمارس السلطة تحكمها التام بكل أمور البلاد.

التوجه نحو تطوير المجتمع علميا وفكريا وثقافيا، هو الحل الأمثل لمواجهة الاستبداد وهو اشبه بالنبتة الضارة التي يجب قطع جذورها من الأساس لا تقليم فروعها واوراقها وستنبت من جديد بمشاكل واستبداد اكبر.

مبدأ تعدد السلطات

عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية:

هل كل المجتمعات تعاني من الاستبداد ام ان هناك مجتمعات لا تعاني من الاستبداد؟

بعض المجتمعات تساعد على نمو الاستبداد وبعض المجتمعات نجد من الصعوبة ان ينمو فيها الاستبداد، والقضية تعتمد على البيئة الذاتية والتركيبة لكل إنسان، ولو نتمكن فرضاً من الغاء كل السلطات او تفكيكها في مجتمعاتنا الشرقية فهل سينتهي الاستبداد لدينا؟

نجد رب العائلة مستبد او مدير دائرة ما مستبد وفي كل مفصل من مفاصل الحياة نجد من يمتلك هذا السلوك، واغلب مجتمعاتنا تميل للإنسان الشرس او الدكتاتور وهذا ينافي الفطرة السليمة للإنسان.

هل قدمت لنا الديكتاتورية البناء والاعمار والحرية والتنمية ام الصراعات والحروب والمقابر الجماعية، لذلك علينا ان نعتمد مبدأ تعدد السلطات الصحيح وكل سلطة تعرف حدودها ولا تتغول على السلطات الأخرى.

الشراكة بين السلطات

الدكتور علاء الحسيني، باحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

لا يمكن ان نؤمن بوجود فصل بين السلطات، لان التداخل موجود بين كل السلطات وفي معظم دول العالم، ومبدأ الفصل بين السلطات هو يميل للفلسفة اكثر مما يميل لمشرعي القوانين والدساتير في الدول.

لذلك يجب أولا تقسيم السلطة ومن ثم الفصل ومن ثم التوزيع والتوظيف لكل سلطة.

لا يمكن ان تعمل السلطة التشريعية بدون السلطة التنفيذية التي تكون هي الأقرب للشارع وهموم المواطن وهي من يقدم الكثير من القوانين لغرض دراستها من قبل المشرع وصياغتها بالشكل الأمثل، مثال على ذلك قوانين المرور فهي تحتاج من ضابط المرور في الشارع مثلا ان يأخذ دور القاضي احياناً بالفصل بين النزاعات وتقدير الموقف في الميدان، لذا يجب توزيع السلطات وتوظيفها بالشكل الصحيح لان الفصل بينها امر مستحيل.

عندما وصل مبدأ الفصل بين السلطات الى بلدان العالم الثالث والعراق خصوصاً تم إساءة استخدامه بشكل كبير منذ العهد الملكي وتأسيس الدولة العراقية والى يومنا هذا، لا يمكن ان تؤدي السلطة التنفيذية عملها بدون الشراكة مع السلطة القضائية والتشريعية والعكس صحيح والفصل بينهم مستحيل، التعاون والتوازن يجب ان يكون هو الأساس في العمل.

الوعي المجتمعي هو الضمان

الدكتور قحطان حسين طاهر، مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية:

التخوف من تحول السلطة الى جهة او افراد مستبدون هو تخوف له ما يبرره، لكن في الوقت ذاته تشتيت السلطة وضياعها وكثرة التداخل فيما بين السلطات أدى الى مشاكل كبيرة تؤدي بالنهاية الى الفوضى وضعف الدولة ككل، ونحن بين هذه الإشكالية هل نذهب مع سلطة قوية قد تقودنا نحو الاستقرار واستتباب الامن وتحقيق التنمية والرفاه أم التعويل على التشتيت والضعف والذهاب بنا نحو الفوضى؟

لذا علينا دائما البحث في عدم استبداد السلطة وتوزيع بسيط وليس كامل للصلاحيات، لان الأصل في السلطة ان تكون متماسكة وقوية، خاصة في العصر الحديث أصبحت مسؤوليات الدولة كبيرة ومتشعبة وليست بسيطة كما في العصور القديمة التي كان اهم مسؤولية تقدمها السلطة هي حفظ الامن وتوفير المستلزمات الأساسية للحياة وضمان عدم تفكك المجتمع، لذا من المهم توزيع مهام السلطة على مؤسسات قوية وفاعلة بعيدة كل البعد عن المحاصصة او النفس العرقي او الطائفي تحدد مهامها وصلاحياتها وفق الدستور والقوانين النافذة بدل الارتباط بجهة أحادية ومحدودة الفكر.

الوعي المجتمعي وبنسبة كبيرة جدا هو اهم ضامن لعدم استبداد السلطة، وتفعيل اليات الرقابة بانواعها دستورية إعلامية قضائية كلها تحد من استبداد السلطة اذا اجتمعت في جهة واحدة.

صدق النية والإخلاص

الدكتور محمد مسلم الحسيني:

المجتمع القوي مرآة للمركزية ولقوة السلطة فيه فكلما انحسرت أمور المجتمع بيد أهل الخبرة والكفاءة ومريدي الاصلاح والصلاح وناكري الذات والطامحين لمرضاة الله والوطن والضمير، كلما قلت الأخطاء وتوضحت الأهداف وسبل تحقيقها. السلطة المشتتة بين الأهواء المتباينة والأفكار المتضاربة تترهل وتنكمش كبرت ام صغرت تعددت أو اختصرت تبعثرت أو تراصفت. معاناة الشعوب لا تعالج بالشعارات والعناوين بل تعالج بمداواة العلة وحيثياتها. يتساوى الدكتاتور المستبد مع الديمقراطي الفاشل في مجتمع تنقصه الادوات والمؤهلات. تبقى الديمقراطية والدكتاتورية والأحزاب مصطلحات عقيمة في مواجهة متطلبات المجتمع ومستحقاته ان لم تخفف من معاناة المجتمع ولم تعالج علله. إن لم تترجم معانيها بالفعل لا بالقول.

حكم العراق دكتاتوريين وحكام ديمقراطيين وحكمته أحزاب، الصور اختلفت والمعاناة واحدة!. المنطق الأكاديمي يبحث عن جوهر العلة وليس في اعراضها. تمني الشعوب المغلوبة على امرها نفسها بأن سعادتها ستولد مع الحكم الديمقراطي وزوال الدكتاتور غير أن الديمقراطي الطالح لا يختلف في جلب الخراب لوطنه عن الدكتاتور بل إن الدكتاتور الصالح ان وجد لهو أوفى وأرقى من الديمقراطي الجاهل. فكم من ديمقراطي فاشل بشأن البناء والاصلاح وعاجز عن تنفيذ المسؤولية المطلوبة بل حاذق في الفساد والكسب المالي الذاتي. المشكلة اذن ليست بالعناوين وانما بصدق النية وبالإخلاص والهمة والعزم يكللها جميعا الوعي والإدراك والمعرفة ونظافة الذات. ينجح النظام دكتاتوريا أو ديمقراطياً في تحقيق اماني الشعب أن تألقت نفوس منتسبيه وأصحاب الشأن فيه في تحقيق أهداف المجتمع ببناء البنية التحتية والفوقية على يد أهل الخبرة والكفاءة والمنسيين والمهمشين من العلماء.

تنشيط اركان المجتمع في تحقيق متطلباته المادية والاقتصادية بكل صنوفها وانواعها. اصلاح الصحة الجسدية والنفسية للمجتمع طبقا لرؤى أهل الإختصاص. نشر الثقافة والوعي وبث المعرفة الصادقة بين أبناء المجتمع الذين بيدهم الخيار في اختيار الصالح ونبذ الطالح. القضاء على الفساد بكل اشكاله وانواعه. نشر العدالة والمساواة بين الناس. وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. ملاحقة الخلل وأسبابه. اصلاح مؤسسات الدولة بكاملها عسكرية كانت أم مدنية. هذه شروط ومستلزمات بديهية قابلة للتنفيذ لكن اين المخلص دكتاتوريا كان أم ديمقراطياً الذي يخشى غضب الله في تحقيقها وتنفيذها وتحت أي نظام أو مصطلح؟ اين المخلص لتربة ارضه ووطنه والمتجرد عن نزوات النفس.

اين ناكري الذات والمضحين في سبيل وطنهم وشعبهم، اين الحكماء في علل بلدهم وامراضه؟

اين من يشخص ميكانيكيات الخراب وقلبه محترق، انهم كثيرون يتألمون بيننا! فارفعوا الحجز عنهم واطلقوا أياديهم لإصلاح ما خربتموه بجهلكم وانانيتكم وفسادكم أصحاب الأمر والنفوذ والقول الفصل!!!. هذا هو المدخل الصريح لصلاح الحال، هذا هو الحل البسيط الذي يحمينا من الضياع في بحوث الميتافيزيقية ونظريات أينشتاين. هل سيدرك من بيده الامر اين الصراط المستقيم فيغير مساره!؟ وهل سيدرك من يبلل اصبعه باللون الازرق خطورة واهمية ما يصنع؟ ليت شعري!.

وسائل ضبط السلطة

الدكتور اسعد كاظم شبيب:

اسهم الفكر السياسي الحديث بإيجاد نظريات سياسية تخص آليات مكافحة السلطة من العدوان والاستبداد وذلك من خلال وضع القيود القانونية صحيح ان الدولة في العصر الحديث هي الهيئة الوحيدة التي تمتلك حق احتكار القوة وعلينا في ذات السياق ان نفرق بين السلطة ذات الشرعية القانونية المتأتية من الشعب وتقرير الامة وبين السلطة التي تفتقر للمشروعية الشعبية والقانونية الأولى لها الحق في احتكار القوة وفق القانون اما السلطة الثانية فتعد سلطة غاشمة، لذا من وسائل ضبط السلطة هو القانون والدستور الوضعي العقلاني وكذلك عدم حصر السلطات بيد الحاكم، ومراقبة الأمة على السلطة من خلال مجلس النواب المنتخب.

كما أن هناك مسألة خطرة في الأنظمة التي تعرف بالفصل بين السلطات وهو التشتت وتعدد مراكز صنع القرار وتغول مؤسسات ثانوية وهنا هذه الاشكاليات تتعارض ومبادئ الأنظمة الديمقراطية الحديثة ومن واجب السلطة النيابية تشريع قوانين تحد من ظاهرة التغول واستغلال السلطة.

قوى مجتمعية فاعلة

الباحث حسن كاظم السباعي:

الإجابة على سؤال "ما هي الوسائل التي يجب على القوى المجتمعية الفاعلة استخدامها للحد من استبداد السلطة" تكمن في السؤال نفسه؛ أي وجود "قوى مجتمعية فاعلة" تشعر بالمسؤولية فوجودها بحد ذاته هو الضمان والآلية والسبيل والوسيلة، إذ ان الإستبداد والقوى الفاعلة لا يجتمعان.

ويمكن تقسيم قوى المجتمع المدني الفاعل كما عددها سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي في كتابه "ملامح العلاقة بين الدولة والشعب" إلى سبعة عشر نموذجًا ابتداءً من العائلة وحتى الجمعيات والحسينيات والمساجد والهيئات والاتحادات والنقابات والجامعات والحوزات ومراكز الدراسات والأحزاب وما أشبه.

أما شرط فاعليتها وجدارتها في مواجهة الاستبداد هو أن تكون هي في نفسها ومن داخلها قدوة وأسوة ونموذج مصغَّر للحياة الديمقراطية بتجنبها كل أنواع الاستبداد.

فالأحزاب والأشخاص يعرفون من خلال تاريخهم الماضي ومن خلال كيفية تعاملهم مع أنفسهم، وهل هم صادقون وقادرون على مواجهة استبداد الذات قبل استبداد السلطة أم لا، فكيفما تكونوا يولى عليكم. وبعبارة أخرى؛ إنَّ استبداد المجتمع يؤدي إلى استبداد السلطة والعكس صحيح حيث إن كل واحدة صورة واقعية للأخرى.

يقول عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتاب طبائع الاستبداد: "المستبد يتجاوز الحد ما لم ير حاجزا من حديد، فلو رأى الظالم بجانب المظلوم سيفًا لما أقدم على الظلم"، والسيف المقصود لدينا هو التسلح بالثقافة المسؤولة وتطبيقها على الذات أولا.

أما بالنسبة للسؤال الثاني؛ فإنَّنا لو افترضنا أن تعدد السلطات يؤدي إلى الضعف والتشتت والتأخر فإنَّ ذلك الضعف يظل أفضل ‎بكثير من الاستبداد وتمركز القدرة المؤدي إلى دمار البلاد وحدوث الأزمات وبالتالي يؤدي إلى ضعف وتشتت وتأخر مضاعف. مع انَّ تجربة بلاد العالم المتقدم أثبتت ان تعدد السلطات وتوزيع القدرة هو الذي يؤدي إلى الازدهار الفكري والعمراني في مختلف المجالات.

التخصص والفصل المرن

الباحث جواد العطار:

لا خلاف بأن المجتمعات المأزومة ليست نتاج واقع آني بل هي تراكمات الماضي وأخطاء الحاضر، فتجارب بناء الدول وتعاقب الحكومات وتغير الأنظمة وغياب التخطيط وأخطاء التطبيق والحروب والأزمات السياسية والاقتصادية وغياب الوعي عن المجتمع كلها اسباب قد تؤدي الى الاحتقان المجتمعي والى الانفجار في بعض الاحيان الذي يعبر عنه المواطن بالتظاهر السلمي او العنف او الاعتصام او الإضراب العام او مهاجمة مؤسسات الدولة او حمل السلاح في آخر المطاف وهو ما شهدته اغلب الأنظمة الديكتاتورية في الفترة الماضية.

واليوم تتجلى آفاق التغيير في المجتمعات المأزومة في المطالبات الملحة والمتكررة بالإصلاح عبر المطالبات الشعبية اولا؛ والتظاهر السلمي ثانيا؛. والى هنا تتوقف السلسلة وتنتقل الى الطبقة السياسية الحاكمة التي يجب ان تعمل على تنفيس الاحتقان اولا؛ وإزالة اسبابه ثانيا؛ والاستماع الى مطالب الجماهير ثالثا؛ والعمل الجاد على تنفيذها.

ان تعدد السلطات وتشعبها لا يجب ان يؤدي بها الى الصدام والتنازع والتناحر بل الى التخصص والفصل المرن البناء الذي يعطي قوة واستقلالية لكل سلطة على حدة وبما يؤدي الى إنفاذ القانون والالتزام بالدستور وقوة الدولة والسير في بناءها بشكل صحيح يؤمن مستقبل أفضل لأبنائها.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2021
http://shrsc.com

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد