الإعلام ودوره في زيارة الأربعين
د. خالد عبد النبي عيدان الأسدي
2025-08-09 05:18
يعدُّ الإعلام من أهم العوامل التي تروج لكل حدث ويبرزه بحسب ما يريد توجهه، لأنَّه يعمل على نقل وقائع وأحداث أو تسيير لحالة معيَّنة، أو إرشاد إلى قضيَّة ما، أو ما أشبه ذلك، ونقلها عبر وسائل مكتوبة أو مسموعة أو مرئية وقوامه: الإنسان، والتقنية، والفكرة، والمجتمع المتلقي، وحريَّة تداول الحقائق، وهذا يعتمد على أقطاب الإرسال النصي الذي يقوم على (المرسل، والمرسل إليه، والرسالة).
وكذلك يُعدَّ الوسيلة التي يتم بوساطتها نقل المعرفة وفن صياغة الأفكار والدعوة إلى المُثل والقيم النبيلة والمفاهيم الطيبة ونشرها في الأوساط المجتمعية، وتكوين المواقف الرائدة والوعي الذاتي.
وللإعلام دور بارز في تكوين المعرفة والوعي الاجتماعي في تغيير وتطوير المجتمع، وله دور أيضاً في تكوين المعارف لدى الناس ثمَّ تحويلها إلى مواقف وسلوك وعادات يتبعها الناس في حياتهم اليومية.
بالإضافة إلى العمليات التي يترتب عليها نشر المعلومات وأخبار معيَّنة تقوم على أساس الصدق والصراحة واحترام قول الجمهور وتكوين الرأي العام من طريق تنويره. (العلاقات العامَّة والإعلام: 235).
فالإعلام ضروري في جميع مفاصل الحياة حتّى عُدَّ (السلطة الرابعة) لما له من دور في إبراز الحقائق ونشرها، والترويج لحدث غاب عن فئة من الجماهير، فيعمل على إعلامهم وتنويرهم بالمعلومة.
زيارة الأربعين
حثَّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على زيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) لما لهذه الزيارة من آثار روحية ونفسية وتثبيت المواقف الإصلاحية في نهج الإمام الحسين (عليه السلام)، وأشاروا إلى الثواب الذي يحصل عليه زائر الإمام الحسين ترغيباً منهم (عليهم السلام) بها، فقد ورد عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام): "مُروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقرُّ للحسين بالإمامة من الله عز وجل"، وفي حديث آخر له (عليه السلام) أيضاً عندما سُئلَ: ما لزائر الحسين من الثواب؟ فقال (عليه السلام): "يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر وتلقاه الملائكة بالبشارة ويقال له: لا تخف ولا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك".
وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّه في كلِّ صلاة يقول: "اللهم اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر الحسين الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا ورجاءً لما عندك في صلتنا وسروراً أدخلوه على نبيك".
وغيرها من الروايات التي حثَّت على زيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد ورد لفظ الأربعين في أقوال أئمة الهدى (عليهم السلام) كثيراً؛ منها ما جاء عن زرارة عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في قوله: "إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، والأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد، والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً وما اختضبت امرأة منا ولا أدهنت ولا اكتحلت ولا رجّلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده" (مستدرك الوسائل: 215 باب 94 )، ومثلها عن الإمام الباقر (عليه السلام).
وقد جعلها الإمام الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) من علامات المؤمن؛ في قوله "علامات المؤمن خمس: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وصلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين" (تهذيب الأحكام ج 2 ص 17)، وأوَّل من زار الإمام الحسين يوم الأربعين هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله تعالى عليه).
فأخذ الناس يحجون إلى قبر الخلود ولو زحفاً على الركبِ ولا يخشوا في الله لومة لائم، وتعرضوا إلى القتل والتسليب والضريبة والتوهين والاعتقال، ولم يتوانوا في المواصلة، وبعد سقوط الطاغية في العراق حدثت انفراجة لمحبي الإمام الحسين (عليه السلام) فصاروا يسيرون إليه زرافات ووحدانا من أقصى الجنوب وأقصى الشمال إلى مهوى الفضيلة والكمال، واتجهت الأنظار إلى هذه المشاهد الحيَّة التي تأسر القلوب وتبهج النفوس وتأخذ بتلابيب الأرواح، فأراد العالم أن يعرف سبب هذا المسير؟ وإلى مَن يذهبون؟، وما هي النتيجة؟ فاحتاجت هذه الزيارة إلى البيان والتبيين، وإلى الدلالة والإيضاح؛ لذا كانت الدعوة إلى الإعلام أن يأخذ دوره في إبرازها.
دور الإعلام زيارة الأربعين
للإعلام أدوار عدَّة يلعبها في إيصال المعلومة، وعليه أن يوظفها في إبراز هذه الزيارة التي ملئت الدنيا وشغلت الناس منها:
1- التعريف بالمناسبة: تغيُّب زيارة الأربعين في الأوساط الإسلامية والعالمية؛ بسبب السياسات القمعية التي مُورست ضدَّها منذ استشهاد أبي الأحرار وملهم الثوار الإمام الحسين (عليه السلام)، فمن واجب الإعلام (المرئي والمسموع والمقروء) أن يُعرِّف بهذه المناسبة، واستطلاع الآراء الأخرى عبر افتراض أسئلة توجيهية إلى المشاة للإمام الحسين (عليه السلام)؛ وبذلك سيتم تعريف الناس بطريقة الحوار الممتع.
2- نشر المعلومات الخاصَّة بالزيارة: يحتاج الناس إلى تفهُّم الماهيَّة الخاصَّة التي تتمتع بها هذه الزيارة بوساطة إقامة برامج ومنتديات أو لقاءات مباشرة من طريق الزائرين، وهذا يتم بإعداد منهجية خاصَّة يجب على الإعلام الإلتفات إليها، وقد عمل عليها مجموعة من الجهات الإعلاميَّة، وندعو إلى تكثيف هذا الأمر ونشره بشكلٍ أوسع.
3- الحيادية الإعلاميَّة: يتجه الناس نحو الحيادية وعدم التسويق لأمرٍ ما، وهذا ينعكس على الإعلام بشكل كبير، فالقنوات والجهات الإعلامية المسيَّسة أو التابعة إلى جهة تعمل على توهين الآخر؛ تُجابه من قبل المجتمع العالمي على أنَّها لا تريد الحقيقة، وهذا من جهة يخدم الإعلام المستقل ويدعوه إلى أن يأخذ دوره الريادي وإبراز ما يُريده بحريَّة وقبول، ومن جهة أخرى؛ يتقهقر التسييس والتوجيه المقصود والغايات الرديئة، وينزوي الإعلام الإعلاني فيتجه الناس نحو الإعلام المستقل المحايد؛ ظنَّاً من المجتمع أنَّه لا غاية له سوى التعريف بالزيارة.
4- تغطية الفعاليات: الفعاليات التي يُمارسها الزائرون في سيرهم من البحر إلى النَّحر تحتاج إلى تغطية فاعلة وكبيرة -من نصب السرادق وتوزيع الطعام وتقديم الإسعافات الأوَّلية والكرم المقدَّم من قبل القائمين على الضيافة وغيرها من خدمات مقدَّمة على طول الطريق- لأنَّ العالم لم يشهد مثل هذا الكرنفال الذي يقر العيون ويُبهج النفوس.
5- عدم المقارنة: نرى أنَّه يجب على الإعلام أن ينأى بنفسه عن المقارنة بين هذا الكرنفال والمشاهد العالمية الأخرى، فلا يُقارن بين زيارة الأربعين وبين حج بيت الله الحرام، أو بينها وبين المهرجان البوذي، وغير ذلك من المشاهد العالمية، لأنَّ هذه المقارنة تُذكي روح الضغينة والحقد، وتجعل الآخر ينظر إلى هذه الزيارة على أنَّها تنحصر بفئة خاصَّة تدعو إلى فكِّ أواصر المجتمعات، وهذا غير ما يُريده الإمام الحسين (عليه السلام).
6- نقل الحقيقة أو الصورة الحقيقية: تزيفت الكثير من الصور في الأحداث العالمية مما جعل عدم الثقة هو السائد في أذهان الناس، فصار المجتمع يشكك في المشاهد ويسعى إلى كشف الزيف الذي يقبع خلف الصورة المنظورة، فعلى الإعلام أن يتوخى الحذر من الفبركة أو المونتاج المزيَّف، لأنَّ النقل المزيَّف يضر بكامل الزيارة، وهذا ما لا نُريده في هذا الحدث الرهيب، نحتاج إلى الدعوة بالحقيقة لا بالتزييف.
هذه الأدوار التي يجب على الإعلام الحسيني أن يقوم بنشرها في إرجاع العالم وهو الوسيلة الأبرز لجذب الناس إلى الإصلاح الحسيني الذي خرج من أجله الإمام الحسين (عليه السلام)، وعبره سيتم نشر الوعي في الأوساط الثقافية والمجتمعية؛ لذا نجد الأنظار تتجه إلى الإعلام لأنَّه الأقرب لتناول الناس والوصول بوساطته إلى أحداث هذه الزيارة المباركة، فعليه تسهيل وصول المعلومات الصحيحة للناس -من الزائرين إلى المجتمع إلى المناطق الإقليمية إلى العالم بالنتيجة-.
دور المؤسسات الإعلامية
على المؤسسات الإعلامية أن تعمل على جميع الاتجاهات، وكما نعلم أنَّ الناس لم تقتنِ لوناً معيَّناً من ألوان الإعلام، فمنهم مَن يستهوي الصّورة الحيَّة الطويلة (التلفزيون)، فيجب أن تكون هناك تغطيات خاصَّة ومباشرة على المحطات التلفازية تنقل الحدث لجميع المجتمعات، بالإضافة إلى تعيين ذوي الاختصاص والمتمكنين من أداء الحدث بصورته الرائعة.
ومن الناس مَن يستهوي برامج التواصل الاجتماعي: كالفيس بوك والانستكرام والتلكرام والواتس آب وغيرها، فليكن النشر على هذه المواقع نشراً داعياً جاذباً لا دافعاً منفِّراً.
ومن الناس من يستهوي المقاطع القصيرة والسريعة؛ وهذا ما تكفَّل به تطبيق (التيك توك) فعلى الإعلام أن يأخذ دوره في تجهيز مقاطع قصيرة تشتمل على فائدة سريعة يستفيد منها المشاهد على هذه المنصَّة.
بالإضافة إلى المحطَّات المسموعة (الراديو)، في مثل هذه الأيام يكون الناس كثيراً ما يخرجون من منازلهم، فالراديو يكون الأكثر استماعاً من غيره في الطرق بوساطة السيارات.
إذا ما تمت هذه الأدوار يكون للإعلام السلطة الحقيقية في إبراز هذه الزيارة المباركة وسيكون مصداقاً لقول الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): "حدِّثوا الناس بمحاسن كلامنا، فإن الناس إذا سمعوا محاسنَ كلامنا اتبعونا" وهي دعوة بالتي هي أحسن، فيجب أن يأخذ دوره الحقيقي بعيداً عن المناكفات السياسية والتسييس الحقدي والضغائني، لأنَّ الحسين للجميع.