استهداف الكابيتول: ما الدوافع وما الرسائل؟
عبد الامير رويح
2021-04-04 07:41
استهداف جديد على مبنى الكابيتول مقر البرلمان الأمريكي في واشنطن اسفر عن مقتل ضابط شرطة وإصابة آخر، هذا الهجوم الذي جاء بعد ثلاثة أشهر من أعمال الشغب الدامية في الكابيتول في يناير/ كانون الثاني، قام بها انصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهو ما اثار قلق ومخاوف الكثير خصوصاً وان هذه الاحداث كان لها انعكاس سلبي على السياسة الأمريكية، ويرى بعض الخبراء، ان تكرار عمليات الاستهداف للمؤسسات الامريكية التي مهد لها دونالد ترامب والذي نجح في إحداث انشقاقات وانقسامات داخلية كبيرة، ستستمر وستكون سلاح جديد للجماعات اليمينية المتطرفة التي تسعى الى فرض نفسها بقوة، خصوصاً وان هذه الجماعات قد اصبحت اكثر قوة في فترة حكم ترامب، والكونغرس بمجلسيه "الشيوخ" و "النواب" أهم هيئة تشريعية أمريكية تتمتع بسلطة رقابية لضمان المصلحة العامة. اضافة الى سن التشريعات والتصويت على قرارات الحكومة يقرر الكونغرس استحداث المؤسسات الحكومية على المستوى الاتحادي ويحدد امتيازاتها وسيرها ويراقب ادارتها المالية، كما يمارس نوعا من السلطة القضائية إذ يحال إليه الموظفون الاتحاديون المتهمون بالخيانة أو الرشوة أو الجرائم الأخرى المرتكبة ضد الدولة.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في وقت سابق إن المتطرفين اليمينيين توحدهم أيديولوجية عنصرية شحنتها وسائل التواصل الاجتماعي رغم افتقارهم لقيادة، وقد أنشؤوا شبكة من الاتصالات الدولية المباشرة والافتراضية باتت تثير قلق الجهات الرسمية. وذكر تقرير مطول نشرته الصحيفة أعدته كاترين بنهولد مديرة مكتب نيويورك تايمز في برلين، ومايكل شوارتز مراسل الصحيفة من مدينة نيويورك، أن أعمال الشغب التي كان مبنى الكونغرس الأميركي مسرحا لها في 6 يناير/كانون الثاني كشفت عن مدى عنف المتطرفين اليمينيين الذين يتبادلون منذ سنوات عديدة الأفكار الأيديولوجية ويلهمون بعضهم بعضا عبر عوالم الإنترنت الخفية وعلى هامش المجتمعات. وأمر الرئيس الأميركي جو بايدن بإجراء تقييم شامل للتهديد الذي يمثله التطرف اليميني العنيف المحلي على أمن الولايات المتحدة.
وقال أستاذ العدالة الجنائية مدير مركز دراسة التطرف والكراهية بجامعة كاليفورنيا بريان ليفين وكما نقلت بعض المصادر، إن إدارة الرئيس المنصرف دونالد ترامب تركت إرثا صعبا لإدارة الرئيس جو بايدن، في مواجهة جماعات اليمين المتطرف. وأوضح ليفين - أن هذه الجماعات اليمينية المتطرفة شكلت تهديدا وشنت هجمات على المسلمين في دول عديدة حول العالم، بينما لم تقم الإدارة السابقة والوكالات المختصة بمكافحة العنصرية وما يسمى بـ"استعلاء البيض" بعملها في مواجهة هذه التهديدات، وغيّرت أجندتها لأهداف سياسية، واعتبرت أن اليسار هو مصدر التهديد الأكبر.
وبعد حادثة اقتحام الكونغرس، وقف الرئيس بايدن داعيا للوحدة ومحذرا من خطر الإرهاب الداخلي، في إشارة ذات دلالة مهمة على ما تمثله الأيديولوجيا اليمينية المتطرفة من خطر على السلم الأهلي والأمن القومي الأميركي. وتكثر حركات اليمين المتطرف، وهي ذات تباينات متعددة، لكنها تتفق في معظمها على تفوق العرق الأبيض على باقي الأعراق، وتدعو لبناء مجتمع جديد.
ووفقا لمركز الأبحاث الأميركي، فإنه يوجد حاليا أكثر من 900 مجموعة كراهية ناشطة في الولايات المتحدة وحدها. ويقول محللون إن هذه المجموعات تحظى بتأييد عشرات الآلاف، وربما بدعم مئات الآلاف من الأنصار غير المعلنين. ومن أبرز هذه الحركات التي ظهرت في السنوات الأربع الأخيرة: حركة "الفتيان الفخورون" (Proud Boys)، وتعتبر من أكثر الحركات اليمينية المتطرفة شهرة، وتصنف على أنها عنيفة وخطيرة جدا. مجموعة "بوغالو" (Boogaloo)، وتضمّ نازيين جددا وفوضويين من اليمين المتطرف، يعبرون غالبا عن رغبتهم في الإطاحة بالحكومة، وينتشرون في عموم الولايات المتحدة. وتصنف هذه المجموعة على أنها خطيرة جدا.
حركة "الثلاثة في المئة" (The Three Percenters)، وهي مليشيا مسلحة تستمد اسمها من زعمها بأن 3% فقط من الأميركيين قاتلوا ضد البريطانيين في حرب الاستقلال، وينتشر أعضاؤها في عموم الولايات المتحدة، وتصنف على أنها جماعة خطيرة. حركة "حراس القسم" (The Oath Keepers)، وهي مليشيا مسلحة يقدر أعداد أعضائها بما بين ألف و3 آلاف عضو ينتشرون في عموم الولايات المتحدة، وتصنف على أنها جماعة متوسطة الخطر، ويقول محللون أمنيون إن الجماعة حققت بعض النجاح في تجنيد قدامى المحاربين.
حركة "اليمين البديل" (Alt-Right)، وتضم عناصر من القومية البيضاء والنازيين الجدد وأنصار نظرية المؤامرة، وقد تأسست منذ 10 سنوات وارتفعت شعبيتها منذ وصول ترامب للرئاسة، وأشهر رموزها ستيف بانون كبير المستشارين السابق بالبيت الأبيض، ورتشارد سبنسر أحد قادة اليمين الجمهوري المتطرف الذي وجه تحية نازية لترامب أمام حشد من النازيين الجدد.
وتستلهم حركة اليمين البديل أفكارها من حركة "كوكلوكس كلان" التي تعد من أقدم جماعات الكراهية في الولايات المتحدة، إذ يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1866، وقد عادت إلى الظهور في السنوات الأخيرة. وكانت هذه الحركة تجمع في الأساس الحركات المناهضة للسود الأميركيين، لكنها وسعت قاعدة كراهيتها لتشمل مناهضة اليهود والمهاجرين والشواذ والكاثوليك.
هجوم جديد
أسفر هجوم جديد في محيط عن مقتل ضابط شرطة وإصابة آخر. وقالت الشرطة إن سيارة اصطدمت بحاجز أمني قبل أن يخرج سائقها ويندفع باتجاه ضباط حاملا سكينا. وفتح ضباط الشرطة النار على المهاجم، فأردوه قتيلا. وقالت السلطات إن الهجوم، لا يبدو أنه مرتبط بالإرهاب. وقال روبرت كونتي، القائم بأعمال رئيس قسم شرطة العاصمة واشنطن، في مؤتمر صحفي: "سواء كان الهجوم يستهدف مسؤولي تطبيق القانون، أو أيا كان، فإن من مسؤوليتنا الوصول إلى حقيقة الأمر. وسنفعل ذلك".
وقالت رئيسة شرطة الكابيتول بالإنابة، يوغاناندا بيتمان: "بقلب حزين للغاية أعلن أن أحد ضباطنا توفي متأثراً بجراحه". وفي بيان لاحق، أعلنت أنّ اسم الضابط هو ويليام "بيلي" إيفانز، وأنه كان عضواً في شرطة الكابيتول منذ 18 عاماً وكان جزءاً من وحدة الاستجابة الأولى في القسم. وقالت: "أرجوكم أن تبقوا الضابط إيفانز وعائلته في خواطركم وصلواتكم".
وفي تصريح لشبكة "سي بي إس"، قال اثنان من مسؤولي إنفاذ القانون مشاركان في التحقيق إن المشتبه به في الهجوم اسمه نوح غرين، وأنه كان يبلغ من العمر 25 عاماً، ومن إنديانا. وأضاف المصدران أنه لم يتم العثور على معلومات مسبقة عنه في أي من قواعد بيانات الشرطة. وفي منشور بصفحة بموقع فيسبوك، أصبحت محذوفة الآن، كتب غرين في منتصف شهر مارس/ آذار أنه ترك وظيفته مؤخراً "جزئيا بسبب معاناة، ولكن جوهرياً، سعيا وراء رحلة روحية". وأضاف أنه كان يعاني من "الآثار الجانبية للمخدرات التي كنت أتناولها دون دراية"، وكتب مطولاً عن اهتمامه بـ"أمة الإسلام"، وهي منظمة دينية قومية سوداء.
وأكد متحدث باسم فيسبوك أن الصفحة المذكورة كانت تخص غرين. وقالت الشركة في بيان: "بعد هذا الحدث المروع، خواطرنا مع شرطة الكابيتول وأحبائهم". وأضافت: "لقد صنفنا الحادث ضمن سياستنا بشأن الأفراد والمنظمات الخطرين، ما يعني أننا أزلنا حسابات المشتبه به من فيسبوك وإنستغرام، ونقوم بإزالة أي محتوى يشيد بالهجوم أو المشتبه به أو يدعمه أو يمثله". وتابعت: "نحن على اتصال مع سلطات إنفاذ القانون فيما يجرون تحقيقاتهم".
ولا يزال هناك وجود أمني مكثف حول مبنى الكابيتول، حيث يجتمع البرلمان الأمريكي (الكونغرس). والكونغرس حالياً في عطلة، وهو ما يعني أن غالبية السياسيين لم يكونوا في مجمع الكابيتول وقت الهجوم. بعد فترة وجيزة أرسل نظام تنبيه شرطة الكابيتول رسالة بريد إلكتروني إلى المشرعين وموظفيهم يأمرهم بالابتعاد عن النوافذ والأبواب الخارجية بسبب وجود تهديد. كما صدرت تعليمات لكل من يوجد خارج المبنى بالاحتماء.
وفي ذلك الوقت، صدم رجل يقود سيارة زرقاء ضابطين كانا يقفان عند الحاجز الشمالي، بحسب الشرطة. ثمّ خرج من السيارة وركض باتجاه الضباط، الذين سحب واحد منهم على الأقل سلاحه وأطلق النار على المشتبه به. ثم نُقل الضابطان إلى المستشفى، أحدهما في سيارة إسعاف والآخر في سيارة شرطة. وقالت الشرطة إن المشتبه به توفي متأثراً بجراحه وقال كونتي للصحفيين إن المشتبه به تصرف على ما يبدو بمفرده. بحسب بي بي سي.
قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إنه كان "منفطر القلب" حين أُخطر بخبر الهجوم. وقدم "التعازي الحارة لأسرة الضابط إيفانز، وكل شخص حزين على خسارته"، وقال إنه أمر بإنزال الأعلام في البيت الأبيض إلى منتصف الصواري. وقالت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الديمقراطية، إن "قلب أمريكا تحطم"، ووصفت إيفانز بأنه "شهيد لديمقراطيتنا". وقال تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، إنه "حزين على مقتل الضابط" ومدين لقوة شرطة الكابيتول. وكتب زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أنه "يصلي" من أجل أولئك الذين تعرضوا للهجوم.
ملاحقة ترامب
رفع شرطيان في قوة تأمين الكونجرس الأمريكي وكما نقلت بعض المصادر، دعوى قضائية تتهم رئيس الولايات المتحدة السابق، دونالد ترامب، بتحريضه المتظاهرين على اقتحام مقر الكابيتول في الأحداث التي شهدتها واشنطن للمرة الأولى في تاريخها يناير الماضي وأدت إلى جرح عشرات عناصر الأمن ومقتل أحدهم. وأوضح الشرطيان جيمس بلاسينغيم وسيدني هيمبي، في الدعوى القضائية، أنهما تعرّضا لـ"إصابات جسدية ونفسية" من جرّاء أعمال الشغب التي قالا إن ترامب أججها عندما كان في آخر أسابيع عهده الرئاسي ورفض القبول بهزيمته في الانتخابات.
وطالب العنصران بتعويضات قدرها 75 ألف دولار على الأقل لكل منهما إلى جانب تعويضات جزائية لم تحدد قيمتها. وجاء في نص الدعوى التي رفعت إلى محكمة فدرالية في واشنطن أن "سلوك ترامب على مدى شهور لإقناع أتباعه باتهامه الباطل بأنه يتم إجباره على مغادرة البيت الأبيض نظرًا لتزوير كبير للانتخابات حرّض المتمرّدين". وأضاف "اخترقت العصابة المتمرّدة التي أثارها ترامب وشجّعها وحرّضها وأدارها وساعدها، المتقدّمَين بالشكوى ورفاقهما من العناصر ولاحقتهم وهاجمتهم".
وأفاد الضابط الإفريقي-الأمريكي بلاسينغيم، الذي قضى 17 عامًا في قوة شرطة الكابيتول، أنه تعرّض لجروح في رأسه وظهره وعانى نفسيًّا من الأحداث، مضيفًا أنه تعرّض لاعتداءات عنصرية خلال الهجوم على الكونجرس من قبل أنصار ترامب. وتعرّض هيمبي، الذي كان شرطيا على مدى 11 عاما، لجروح في يده وركبته بعدما تم سحقه عند مدخل الكابيتول، وتم رشّه على وجهه وجسده بمواد كيميائية خلال الهجوم. وتشير الدعوى إلى عدة حوادث تقول إن ترامب شجّع على التمرّد خلالها، وتتهم ترامب بإدارة الهجوم والتحريض عليه وانتهاك قواعد السلامة العامة.