ليبيا: حكومة انقاذ أم حكومة ترضيات؟

عبد الامير رويح

2021-03-07 08:07

لا تزال ليبيا وعلى الرغم مرور عشرة أعوام على الإطاحة بحكم معمر القذافي، غارقة في فوضى سياسية وأمنية كبيرة، بسبب الخلافات والحرب المستمرة بين القوى والاحزاب، يضاف الى ذلك تدخلات بعض القوى والاطراف الخارجية التي تسعى الى تحقيق مصالحها في هذا البلد المهم. الذي يمر اليوم بمنعطف مهم وحساس، بعد التوصل إلى اتفاق جديد لطي صفحة العنف والخلافات، وتشكيل حكومة موحدة ومجلس رئاسي جديد، ويعيش كما نقلت بعض المصادر نحو سبعة ملايين شخص في البلد الشاسع الذي يشهد بعد عشرة أعوام من انطلاق انتفاضته من بنغازي في سياق ثورات "الربيع العربي" تنافسا بين معسكرين: حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت إثر حوار برعاية الأمم المتحدة عام 2016 وتتخذ من طرابلس مقرا، وسلطة في شرق البلاد يجسدها خصوصا المشير خليفة حفتر. وتتلقى حكومة الوفاق الوطني دعما من تركيا، فيما تدعم الإمارات ومصر وروسيا معسكر الشرق.

ومنذ فشل هجوم شنته قوات حفتر للسيطرة على طرابلس العام الماضي بعد أشهر طويلة من القتال على أطراف العاصمة، تسارعت مبادرات الوساطة لتسوية النزاع. فوُقّع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة في الخريف الماضي، وهو لا يزال ساريا على عكس اتفاقات سابقة اُنتهكت سريعا. لكن لا يزال آلاف من المرتزقة والمقاتلين الأجانب موجودين في البلاد، رغم أن الاتفاق نصّ على ضرورة مغادرتهم.

وطالبت الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن بمغادرة القوات الروسية والتركية ليبيا فورا. وعُيّن مؤخرا يان كوبيش مبعوثا جديدا للأمم المتحدة إلى ليبيا. وأحيت العملية السياسية الليبية الأمل في إحلال السلام في البلاد. لكن العديد من الليبيين يشككون في إمكانية نجاح هذه الهيئة السياسية الجديدة في مهمتها المتمثلة في قيادة الدولة الممزقة إلى الانتخابات المقرر إجراؤها في كانون الأول/ديسمبر المقبل. وترى "مجموعة الأزمات الدولية" أن ما تحقق لا يعدو أن يكون "مكاسب هشّة"، لأنه "لا يزال هناك العديد من الخطوات التي يتعين اتخاذها.

وسيحاول أربعة قادة جدد من المناطق الثلاث في ليبيا إعادة توحيد مؤسسات بلد يعاني انقسامات مع وجود سلطتين متنافستين في غرب البلاد وشرقها. ففي الغرب، حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج التي تتّخذ طرابلس مقرّا وتعترف بها الأمم المتحدة وتدعمها تركيا، وسلطة بقيادة المشير خليفة حفتر الرجل القوي في شرق البلاد مدعومة من روسيا والامارات خصوصا.

وانتخب المهندس عبد الحميد محمد دبيبة (61 عاما) الجمعة رئيسا للوزراء للفترة الانتقالية في ليبيا، وذلك من جانب المشاركين في الحوار الذي أطلق في تشرين الثاني/نوفمبر بين الأفرقاء الليبيين في سويسرا برعاية الأمم المتحدة. وحصدت قائمة عبد الحميد دبيبة 39 صوتا من أصل 73. وسيكون أمام هذا المهندس المتحدر من مصراتة 21 يوما كحد أقصى لتشكيل حكومته. وبعد ذلك سيكون أمامه 21 يوما آخر لنيل ثقة البرلمان، أي بحلول 19 آذار/مارس على أبعد تقدير.

كما تم تعيين مجلس رئاسي موقت الجمعة يضم ثلاثة أعضاء. وفاز محمد يونس المنفي برئاسة المجلس الرئاسي، وللمنفي نائبان هما موسى الكوني، المنتمي إلى الطوارق، وعبد الله حسين اللافي الذي يشغل عضوية مجلس النواب عن مدينة الزاوية (غرب). ورئيس الوزراء الجديد بعيد كل البعد عن الإجماع خصوصا أنه شغل مناصب مهمة في ظل نظام معمر القذافي الذي سقط عام 2011 بعد 42 عاما في السلطة. وهو كان ينتمي إلى دائرة الأشخاص الموثوق بهم للديكتاتور السابق.

كذلك، كان قريبه علي دبيبة، وهو أيضا رجل أعمال ناجح، رهن تحقيقات في ليبيا وأماكن أخرى بتهمة الاختلاس. وهو كان مشاركاً في المنتدى الذي صوت للسلطة التنفيذية الجديدة. وبالنسبة إلى الحكومة الجديدة، فإن التحدي كبير بعد أكثر من أربعين عاما من حكم سلطة لا منافس لها، أفسح المجال أمام العنف والصراعات على السلطة والتدخل الأجنبي.

وتم الترحيب بهذه الانتخابات في كل أنحاء العالم. في نيويورك، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "أعتقد أن ذلك يمثل اختراقا"، مضيفا أنها "أخبار جيدة جدا في بحثنا عن السلام" بعد اتفاق لوقف إطلاق النار. وانضمت حكومات المانيا وفرنسا وايطاليا وبريطانيا إلى الولايات المتحدة في الترحيب بالحكومة الانتقالية الليبية الجديدة، لكنها مع ذلك حذرت من أن الطريق "لا يزال طويلا". وبهذه الانتخابات، طويت صفحة مرحلة انتقالية مع اتفاق الصخيرات في المغرب الموقع عام 2015 برعاية الأمم المتحدة والذي أفضى إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني (مقرها طرابلس) برئاسة فايز السراج. لكن لم تنل هذه الحكومة قط ثقة البرلمان في الشرق، ولم تتمكن من فرض سلطتها على القوى السياسية والعسكرية في البلاد.

حكومة وحدة كبيرة

وفي هذا الشأن اقترح رئيس الوزراء الليبي المعين، عبد الحميد الدبيبة وكما نقلت بعض المصادر، تشكيل حكومة وحدة كبيرة تضم 35 عضوا، وذلك حسبما قال مكتبه ، قبل اجتماع يعقده البرلمان لمنح الثقة لحكومته. وجرت مفاوضات مكثفة بين الفصائل المتحاربة في ليبيا وزعماء إقليميين وسياسيين ذوي نفوذ بشأن قائمة مجلس الوزراء، لكن مسؤولا قال إن المفاوضات مستمرة بشأن ما إذا كان سيتم تقليص عدد الوزراء.

وتحدثت المعلومات الأولية أن حقيبة وزارة الخارجية ستُمنح للمياء بوسدرة، وزيرة الثقافة السابقة، وسيتم تعيين خالد مازن وزيرا للداخلية، وسيشغل الدبيبة نفسه منصب وزير الدفاع. وتضم الأسماء أيضا نائبين لرئيس الوزراء من شرق ليبيا وغربها. وجرى اختيار الدبيبة من خلال محادثات أجرتها الأمم المتحدة في جنيف لرئاسة حكومة وحدة مؤقتة للإشراف على الاستعداد للانتخابات في ليبيا، المزمع إجراؤها في نهاية هذا العام.

وانقسمت ليبيا منذ سنوات بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس، وقوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر. ومن المقرر أن يجتمع البرلمان، في مدينة سرت الواقعة على خط المواجهة ويسيطر عليها "الجيش الوطني الليبي"، للمصادقة على الحكومة المقترحة. وكان الدبيبة أعلن -في تغريدة على تويتر- أن لديه خيارين في تشكيل الحكومة، وأن "عدم التوافق في مجلس النواب يدفعنا للخيار الثاني"، مما يشير إلى أن مجلس النواب قد لا يتفق، وأن التشكيلة الحكومية ستختلف في حالة عرضها على ملتقى الحوار السياسي، وهو ما عبر عنه الدبيبة بالخيار الثاني في حالة فشل النواب في عقد جلسة منح الثقة للحكومة.

وقال المشاركون في محادثات الأمم المتحدة إنه إذا لم يصادق البرلمان على حكومة الدبيبة فسيتولون هم ذلك. غير أن ذلك سيهدد بتقويض مشروعية الحكومة الانتقالية. وقالت الأمم المتحدة إنها أرسلت فريقا صغيرا إلى سرت لمساعدة لجنة تشكلت من طرفي الحرب لمراقبة وقف إطلاق النار. وعبر خليفة الدغاري عضو مجلس النواب الليبي عن تفاؤله بجلسة سرت، متوقعا حضور عدد كبير من النواب في جلسة مكتملة النصاب لمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة.

وأوضح الدغاري أن جلسة النواب التي تم التنسيق والتوافق على عقدها من قبل رئاسة "النواب" ستنهى حالة الانقسام بالبرلمان. كما أشار إلى أن منح الثقة لحكومة الدبيبة "سينهي الانقسام في كل مؤسسات السلطة التنفيذية والعسكرية في ليبيا، لتنطلق في رحلة جديدة نحو تنفيذ خارطة الطريق التي ستتوج بانتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر 2021". وبعد ثورة 2011، أسس عبد الحميد دبيبة حركة ليبيا المستقبل وحافظ على حضور متواضع في الساحة السياسية. ويبدو البرنامج الذي اقترحه قبيل انتخابه طموحا بالنسبة لفترة انتقالية ستدوم بالكاد عشرة أشهر ويفترض أن تخرج البلاد من عشرة أعوام من الفوضى وصولا إلى انتخابات تشريعية.

وشدد على انتهاج التعليم والتدريب سبيلا للاستقرار، والعمل على أن تكون الأجهزة الأمنية مهنيّة وحصر السلاح في أيدي الدولة. ويرغب رئيس الوزراء الجديد في إنشاء وزارة للمصالحة الوطنية وتقليص الفوارق بين مرتبات الموظفين وتقسيم البلد إلى مناطق أمنية، وحلّ مشكلة الانقطاع المطول للكهرباء خلال ستة أشهر. وتعهّد أيضا بالعمل على إعادة كبار المستثمرين الأجانب الذين هجروا ليبيا بعد 2011، وخلق وظائف للشباب لا تكون بالضرورة في الجيش والشرطة

انهيار اقتصادي

من جانب اخر حولت عشر سنوات من الحرب ليبيا التي تملك أكبر احتياطات نفطية في إفريقيا، من بلد ينعم بالوفرة إلى اقتصاد منهار تحول سكانه إلى فقراء ومعدومين. وأحيت المحادثات السياسية الأخيرة الآمال في إنعاش اقتصاد البلاد الذي كان من أكثر اقتصادات المنطقة ازدهارًا، ولا سيما بفضل انتعاش إنتاج الذهب الأسود.

وعلى مد النظر تنتشر مئات المشاريع المهملة المقدرة بعدة مليارات من الدولارات التي أطلقتها في مطلع الألفية شركات عالمية عملاقة قبل أن يحول انعدام الاستقرار دون المضي بها قدمًا. فالنشاط الاقتصادي في ليبيا اليوم رهينة الانقسامات السياسية العميقة بين سلطتين متنافستين تتنازعان السيطرة على "الهلال النفطي" الواقع في منتصف الطريق بين طرابلس العاصمة ومقر حكومة الوفاق في شمال غرب البلاد، وبنغازي في الشمال الشرقي التي تسيطر عليها قوات المشير خليفة حفتر. وهو مشهد تعقده التدخلات الأجنبية دعمًا لطرف ضد الآخر.

ويلخص مهندس النفط المهدي عمر الوضع بقوله إن "كل ما يخص ليبيا له علاقة بالنفط دون أدنى شك". وفي العام الماضي، أغلقت فصائل موالية للمشير حفتر منشآت إنتاج النفط الرئيسية للمطالبة بتوزيع أفضل للإيرادات التي تديرها طرابلس. لكن فشل الهجوم للسيطرة على العاصمة دفعهم إلى التخلي عن هذا الابتزاز.

وانتعش الإنتاج ليبلغ 1,3 مليون برميل يوميًا في كانون الأول/ديسمبر، أي عشرة أضعاف ما كان عليه في الربع الثالث من عام 2020. لكنه ظل أقل من 1,6 مليون برميل كما كان قبل عشر سنوات. في ذلك الوقت، وبعد أن ظل نظام القذافي لفترة طويلة منبوذًا من المجتمع الدولي، تحسنت علاقة النظام بالعديد من الدول. ولم يخف "القائد" معمر القذافي طموحاته لتطوير البنى التحتية. وهكذا تبنت البلاد مشاريع عمرانية عدة من المساكن والمستشفيات والطرق والمراسي ... وهكذا وُضع الحجر الأساس لعدد لا يحصى من المشاريع.

وتقاطرت الشركات الروسية والصينية والفرنسية والكورية والإماراتية والتركية والإيطالية إلى ليبيا لنيل نصيبها من المشاريع. لكن كل شيء توقف في عام 2011. هجر المستثمرون البلاد التي احتلت المرتبة 186 من أصل 190 في تصنيف "ممارسة الأعمال التجارية". وخسرت الشركات مبالغ طائلة وكذلك الدولة التي كان عليها تعويض المجموعات المتضررة بعد أن لجأت إلى مقاضاتها.

كان العام الماضي صعبًا إلى حد كبير، فقد تسبب الهجوم على طرابلس والحصار النفطي "بأخطر الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية في ليبيا منذ عام 2011"، وفقًا للبنك الدولي. وقال الباحث في الشؤون الاقتصادية كمال المنصوري إن "ليبيا تمر بتراجع اقتصادي غير مسبوق، خاصة مع الأضرار التي لحقت ولا تزال بقطاع النفط وهو المورد الوحيد للبلاد، جراء الاغلاقات المتكررة التي أثرت سلبا على إيرادات الحكومة من النفط".

تُضاف إلى كل ذلك أزمة نقدية كبيرة بوجود مصرفين مركزيين: مصرف ليبيا المركزي في طرابلس ومصرف آخر موازٍ له في الشرق، الأمر الذي يعيق السيطرة على سياسة البلد النقدية بينما ينهار الدينار. في هذا السياق، يعجز الليبيون عن تصريف أمورهم الحياتية اليومية في ظل نقص حاد في السيولة والبنزين والكهرباء والتضخم المتسارع. وقالت سليمة يونس (57 عامًا) التي عملت "لأكثر من 20 عامًا مع شركات نفط أجنبية" وكانت تحصل على "أجر مجزٍ" لوكالة فرانس برس إن هذه الشركات "غادرت جميعها البلاد ولم تعد قط".

وأضافت "صعب علي أن أبدأ من جديد في مثل عمري. لقد وجدت للتو وظيفة سكرتيرة بدوام جزئي ... لمجرد تغطية احتياجاتي الأساسية". وتابعت: "الناس غاضبون تمامًا ... كثيرون يعيشون ... في فقر متزايد، في بلد غني. ليس من العدل أن نرى كل هذه الهدر". وأقرت وزارة الاقتصاد في حكومة الوفاق الوطني مؤخرًا بأن غالبية الضروريات الأساسية ارتفعت أسعارها بأكثر من 50% في عام 2020.

ويُعزى الأمر إلى القيود التي فرضها المصرف المركزي في طرابلس وكذلك جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى تفاقم الأزمة. وقال كمال المنصوري إن "الخطة الاقتصادية التي طبقت أولى مراحلها مؤخرا بتعديل سعر الصرف، لم تغير الكثير من أحوال المواطنين المعيشية، إذ لا يزال غلاء الاسعار مستمرا والمصارف خالية من السيولة النقدية، إلى جانب استمرار الفجوة في سعر صرف الدولار في السوق السوداء".

من جانبه، حذر الخبير الاقتصادي نوري الحامي من أنه "في ظل استمرار التراجع الاقتصادي الحاد، ستتجه ليبيا باعتقادي في نهاية المطاف للاقتراض الدولي، وفي حال الوصول إلى هذه المرحلة، ستواجه البلاد أزمات مضاعفة وربما نشهد أرقامًا مفزعة لليبيين الذين يعيشون تحت خط الفقر للمرة الأولى في تاريخ البلاد الحديث". ولمنع حالات الاختلاس، وضعت الأمم المتحدة الأصول والاستثمارات الليبية الأجنبية التي تديرها هيئة الاستثمار الليبية تحت الحراسة القضائية في عام 2011 . بحسب فرانس برس.

وبعد سنوات من الجمود، استؤنف الحوار السياسي وتم الاتفاق على تنظيم انتخابات رئاسية في نهاية السنة، وهو استحقاق مهم جدا. وقال كمال المنصوري "لا يمكن لأي خطة أن تحقق النجاح دون تحقيق الاستقرار السياسي، عبر توحيد المؤسسات الرسمية وإنهاء انقسامها. ... ولا فرصة أمام المستثمرين الاجانب للعودة حالياً، لأن ذلك يتطلب توفير مناخ أمني يشجع الشركات الأجنبية على العودة".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا