فرنسا وصناعة العدو: حرب على الارهاب ام على الإسلام؟

عبد الامير رويح

2020-11-21 04:20

قضية الرسوم المسيئة للرسول محمد (ص) التي نشرتها مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، ودفاع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عنها باعتبارها نوع من انواع حرية الرأي والتعبير. والتي أثارت وكما نقلت بعض المصادر، موجة غضب بين المسلمين في أنحاء العالم، وأُطلقت في العديد من الدول الإسلامية والعربية حملات لمقاطعة المنتجات الفرنسية، ماتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان هذه القضية قد ادخلت فرنسا وحكومة الرئيس إيمانويل ماكرون في ازمة جديدة، وجعلت فرنسا التي تسعى اليوم الى اعتماد قرارات خطيرة للحد من حرية الرأي وانتقاد المسؤولين تعيش في شبه عزلة دولية.

ولا يبدي ماكرون بحسب بعض المراقبين، أي حرج في اعتماد هذا قانون الذي انتقدته الكثير من المنظمات والحقوقية ويعتبره إعلاميو بلاده ضد حرية التعبير والصحافة، بالرغم من أنه يدافع بشراسة عن حق صحيفة شارلي إيبدو في نشر الصور الكاريكاتيرية المسيئة للرسول محمد (ص). كما ان مواقف و خطابات ماكرون المتطرفة وحربه المستمرة ضد الاسلام والمسلمين من اجل مصالح انتخابية يريد تحقيقها، ستسهم وبحسب بعض الخبراء في اثارة العنف وجرائم الكراهية في البلاد، وتعطى ذريعة للجماعات الاسلامية واليمينية المتطرفة لممارسة عملياتها الارهابية.

وأبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أسفه للدعم الدولي "الخجول نسبيا" بعد الهجمات الأخيرة في بلاده، مجددا التأكيد أن فرنسا لن "تغير" من حقها في حرية التعبير فقط "لأنه يثير صدمة في الخارج". وقال ماكرون في حوار نشرته مجلة "لو غران كونتينان": "منذ 5 سنوات، عندما قتلوا من كانوا يرسمون الكاريكاتور (في صحيفة شارلي إيبدو)، سار العالم بأسره في باريس ودافع عن هذه الحقوق. الآن، لدينا مدرس مذبوح، العديد من الأشخاص المذبوحين. لكن الكثير من رسائل التعزية كانت خجولة"، في إشارة إلى مقتل المدرس الفرنسي صامويل باتي في 16 أكتوبر و3 أشخاص في مدينة نيس في التاسع والعشرين منه.

وتابع: "في المقابل، لدينا مسؤولون سياسيون ودينيون من جزء من العالم الإسلامي (..) قالوا بشكل منظم : عليهم تغيير هذا الحق. هذا الأمر يصدمني. أنا مع احترام الثقافات والحضارات لكني لن أغير حقي لأنه يثير صدمة في الخارج". وأشار الرئيس الفرنسي بذلك إلى دعوات للتظاهر ضد فرنسا وضده شخصيا صدرت في دول مسلمة عدة، بعد تصريحاته التي دافع فيها عن حق نشر رسوم كاريكاتورية خلال مراسم تأبين باتي الوطنية.

فرنسا وحرية التعبير

قالت منظمة العفو الدولية إن "فرنسا ليست نصيرة حرية التعبير كما تزعم"، قائلة إن البرلمان يناقش حاليًا قانونا يُجرم تداول صور المسؤولين الفرنسيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأضافت العفو الدولية، في بيان، أنه ذلك يأتي بعدما "أدانت محكمة فرنسية في 2019 رجلين بتهمة "الازدراء" بعد أن أحرقا دمية تمثّل ماكرون. وحالياً يناقش البرلمان قانوناً يجرّم تداول صور المسؤولين على وسائل التواصل"، مُعتبرة أنه "من الصعب التوفيق بين هذا التوّجه وبين دفاع فرنسا الشرس عن حق تصوير النبي محمد في رسوم ساخرة".

وأشارت المنظمة إلى أن أنه بعد "المقتل المروع للمدرس الفرنسي صامويل باتي، الذي عرض رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد في فصل دراسي حول حرية التعبير" ردَ الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته على الجريمة بإعلان دعمهم لحرية التعبير. واستدركت المنظمة: "لكنهم ضاعفوا كذلك من حملتهم المستمرة لتشويه سمعة المسلمين الفرنسيين، وشنوا هجومهم الخاص على حرية التعبير". وقالت العفو الدولية: "يشمل الحق في حرية التعبير الآراء التي قد تكون مزعجة أو مسيئة أو صادمة.

إلا أنها أكدت على أن "أولئك الذين لا يوافقون على نشر الرسوم الكاريكاتورية لهم الحق أيضاً في التعبير عن مخاوفهم وانتقاد خيار تصوير الأديان بطرق قد يُنظر إليها على أنها نمطية أو مُسيئة".. وذكرت العفو الدولية أن "سجل فرنسا في حرية التعبير في مجالات أخرى قاتم بنفس القدر، ففي كل عام يُدان آلاف الأشخاص بتُهمة "ازدراء الموظفين العموميين"، وهي جريمة جنائية مُعرَّفة بشكل غامض وطبقتها سلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية بأعداد هائلة لإسكات المعارضة السلمية".

كما انتقدت المنظمة ما قالت إنه "إشارة مُقلقة من أن التاريخ يعيد نفسه"، لافتة أن الحكومة الفرنسية تعمل حاليًا على حل الجمعيات وإغلاق المساجد، على أساس مفهوم "التطرف" الغامض. وعلى امتداد حالة الطوارئ، غالباً ما كان مصطلح "التطرف" يُستخدم كناية عن "المسلم المتدين". بحسب CNN.

وقالت العفو الدولية إن خطاب الحكومة الفرنسية بشأن حرية التعبير "لا يكفي لإخفاء نفاقها المخزي"، وأنه "لا معنى لها إلا إذا كانت تنطبق على الجميع. وينبغي ألا تستخدم حملة الحكومة من أجل حماية حرية التعبير للتستّر على الإجراءات التي تعرض الناس لخطر انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب".

معركة إيديولوجية

في السياق ذاته ندد رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس بـ"المساومات" التي قامت بها أحزاب سياسية ومثقفون "على مدى سنوات" مع "التطرف الإسلامي"، داعيا إلى "معركة إيديولوجية" ضده. وحذر كاستيكس متحدثا لشبكة "تي إف 1" التلفزيونية "هذه المعركة إيديولوجية، العدو يسعى أولا إلى تقسيمنا ببث الكراهية والعنف، وإلى كسر المجتمع الوطني". وتابع "أود هنا التنديد بكل المساومات التي حصلت على مدى سنوات طويلة، التبريرات التي أعطيت لهذا التطرف الإسلامي: يجدر بنا أن نلوم أنفسنا، ونندم على الاستعمار وغيرها من الأمور".

وقال إن "الطريقة الأولى للانتصار في حرب هي أن يكون المجتمع الوطني ملتحما، موحدا، فخورا بجذورنا، بهويتنا، بجمهوريتنا، بحريتنا. يجب الانتصار في المعركة الإيديولوجية". وتابع "انتهى الأمر، لا مجال بعد اليوم لأي تساهل من قبل مثقفين وأحزاب سياسية، يجب أن نكون جميعا موحدين على أساس قيمنا، على أساس تاريخنا".

وأعلن كاستيكس عن حل "جمعيات واجهة" قريبا وعن عمليات ضد "مساجد زائفة (...) ومدارس غير قانونية". وقال "المدارس غير القانونية، نحن نغلقها، وسنواصل إغلاقها. الجمعيات الزائفة التي تقوم بغسل أدمغة، سنحلها (...) حللنا اثنتين منها، وسنواصل ذلك". وأضاف "يتحتم علينا تعزيز تشريعاتنا، وخصوصا سبل التحرك للتصدي" للكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي. بحسب فرانس برس.

كما أشار وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان إلى أن من المرجح وقوع المزيد من الهجمات على أراضي فرنسا في وقت تخوض فيه "حربا ضد الأيديولوجية الإسلاموية المتطرفة". وقال دارمانان لإذاعة (آر تي إل) "نخوض حربا ضد عدو في الداخل والخارج". وتابع "علينا أن ندرك أن مثل هذه الهجمات المروعة التي وقعت ستقع أحداث أخرى مثلها".

ميثاق للقيم الجمهورية

على صعيد متصل أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون استقبل مسؤولي الديانة الإسلامية في فرنسا الذين عرضوا أمامه، بناء على طلبه، الخطوط العريضة لتشكيل مجلس وطني للأئمة. وقالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون طلب أيضا من محاوريه أن يضعوا في غضون 15 يوما "ميثاقا للقيم الجمهورية" يتعين على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية والاتحادات التسعة التي يتألف منها الالتزام به.

وطلب الرئيس من محاوريه أن يتضمن الميثاق تأكيدا على الاعتراف بقيم الجمهورية، وأن يحدد أن الإسلام في فرنسا هو دين وليس حركة سياسية، وأن ينص على إنهاء التدخل أو الانتماء لدول أجنبية. وشارك في الاجتماع رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موسوي وعميد مسجد باريس شمس الدين حافظ بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحادات التسعة التي يتشكل منها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

وقال ماكرون لممثلي الاتحادات التسعة إنه يعلم أن عددا منها لديه مواقف غامضة من هذه الموضوعات، مشددا على أنه من الضروري "الخروج من هذا الالتباس". ومن بين هذه الاتحادات التسعة التي تمثل قسما كبيرا من مسلمي فرنسا هناك ثلاثة اتحادات لا تعتمد "رؤية جمهورية"، وفقا للإليزيه .

ويأمل ماكرون من وراء تشكيل المجلس الوطني للأئمة أن ينهي في غضون أربع سنوات وجود 300 إمام أجنبي في فرنسا "مبتعثين" من تركيا والمغرب والجزائر. ولن يكون مجلس الأئمة مخولا بإصدار التصاريح للأئمة ومنحهم بطاقة رسمية فحسب، بل سيكون قادرا أيضا على سحب هذه البطاقات منهم إذا ما خرقوا "ميثاق قيم الجمهورية".

واعتمادا على دور كل منهم - إمام صلاة وخطيب مسجد وداعية - سيتعين على كل إمام الإلمام بمستوى مختلف من اللغة الفرنسية وحيازة شهادات دراسية يمكن أن تصل إلى المستوى الجامعي. ومنذ خطابه في مطلع أكتوبر ضد "الانفصالية" و"الإسلام المتطرف" وبعد الهجوميين "الجهاديين" اللذين راح ضحيتهما المدرس سامويل باتي ذبحا قرب باريس وثلاثة أشخاص قتلوا داخل كاتدرائية في نيس، زاد ماكرون ضغوطه على قادة الديانة الإسلامية في فرنسا "لتنقيتها من النفوذ الأجنبي والتطرف والنزعات السياسية".

تهمة الارهاب

الى جانب ذلك زادت فرنسا تحركاتها لإبعاد المهاجرين المتطرفين المقيمين بشكل غير قانوني على أراضيها ومكافحة التهديد الإرهابي، وشمل ذلك جهودا دبلوماسية وتعزيز تأمين الحدود وسلسلة توقيفات. وقررت الحكومة تسريع حلّ الملف والتحرك على كلّ الجبهات عقب حصول ثلاث هجمات خلال شهر واحد، بين نهاية أيلول/سبتمبر ونهاية تشرين الأول/أكتوبر. جرى الهجوم الأول أمام المقار القديمة لمجلة "شارلي إيبدو"، والثاني في كونفلان سانت أونورين والثالث في كنيسة السيدة العذراء في مدينة نيس.

في هذا السياق بدأ وزير الداخلية جيرالد دارمانان جولة تشمل خاصة دولا من المغرب العربي مع تركيز على موضوع "مكافحة الإرهاب والهجرة غير القانونية". وانطلقت جولته في روما حيث صرح أن المعركة "ضدّ الإرهاب هي معركة نخوضها ضدّ ايديولوجيا"، ودعا إلى "معركة ثقافيّة ضدّ هذه الايديولوجيا وتمويلها ومكان تواجدها ومَن يدعمها في الخارج".

وتوجه دارمانان إلى تونس التي نقل إليها رغبة بلاده في ترحيل نحو عشرين مواطنًا تونسيًّا يُشتبه في أنّهم متطرّفون. وقال وزير الداخليّة التونسي توفيق شرف الدين إثر لقائه الوزير الفرنسي، "تحدّثنا في خطورة ظاهرة الإرهاب، وهو تحدّ يواجهه العالم بأسره... يجب أن يكون هناك تعاون دولي". وفي ما يتعلّق بعمليّات ترحيل محتملة لتونسيّين من فرنسا، أوضح شرف الدين أنّ "كلّ من يثبت أنّه تونسيّ مرحّب به في بلده، والمسألة تخضع إلى نصّ قانوني، والفصل 25 من الدستور يمنع أصلاً رفض قبول عودة التونسي إلى بلده".

ويتحدث الوزير منذ أسابيع عن وجود قائمة تشمل 231 أجنبيًّا مقيمين بطريقة غير قانونيّة في فرنسا وملاحقين بشبهات تطرّف. وينتمي سبعون بالمئة منهم إلى أربع دول، ثلاث منها من المغرب العربي، فضلاً عن روسيا التي يزورها دارمانان "في الأيّام المقبلة"، وفق أوساط الوزير. وأوضحت المصادر نفسها أنّ هناك نحو ستّين تونسيّا في وضعيّة إقامة غير قانونيّة في فرنسا، 20 منهم عرضة للترحيل الفوري عقب استنفادهم كلّ الإجراءات، قائلةً إنّ هناك عددًا مقاربًا من المغاربة والروس وآخر أقلّ من الجزائريين. وأكّد الوزير الفرنسي أنّ هناك "تعاونًا جيّدًا لضمان عدم إطلاقهم بدون رقابة".

وتواجد جيرالد دارمانان إلى جانب الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارة لنقطة على الحدود الفرنسية الإسبانية جاءت لإظهار الرغبة في "تعزيز" مكافحة الهجرة غير القانونية وشبكات تهريب البشر "التي يتزايد ارتباط كثير منها بشبكات إرهابية". وأعلن ماكرون مضاعفة عديد قوات الأمن المنتشرة عند الحدود الفرنسية، من 2400 إلى 4800. وقال مدير حرس الحدود في المكان إنّ قوات الأمن أوقفت منذ بداية العام نحو 30 شخصا مصنفين على انّهم يهددون الأمن الوطني.

وأوضحت وزارة الداخلية الفرنسية أنه جرى حتى الآن ترحيل 26 من بين الأجانب الـ231 الذين تحدث عنهم دارمانان. كما يوجد "أكثر من مئة" في مراكز الاحتجاز الإداري التي يوضع فيها المقيمون بشكل غير قانوني في انتظار ترحيلهم. ورغم صعوبة إجراء عمليات الترحيل حاليا، طلب وزير الداخلية من محافظي المناطق الاحتفاظ بجميع هؤلاء في مراكز الاحتجاز. وأقرت وزارة الداخلية أنه "توجد صعوبة متزايدة" لإجراء الترحيلات "أولا بسبب كوفيد-19 وغلق الحدود. بحسب فرانس برس.

كما يجب على البلدان الأصلية قبول ترحيلهم، ويتطلب ذلك وقتا. ويمكن أيضا لهؤلاء الأشخاص أن يقدموا طعونا إدارية. يمنع القانون الدولي ترحيلهم إلى دول تشهد حروبا على غرار سوريا وليبيا". من جهته أكد حسن نداو المسؤول في جمعية "ريفوجي كوسي" التي تقوم بأنشطة في عدة مراكز احتجاز إداري، أنه "من الواضح أن الأولوية تمنح لإيداع هؤلاء الأشخاص (في المراكز)". ونبّهت سيلين غويو من جمعية "أسفام" من احتمال استعمال التهديد الأمني كمسوّغ "لتسهيل ترحيل عدد أكبر من الناس".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا