جحيم اليمن: حرب ومجاعة وجائحة كورونا وما خفي كان أعظم
عبد الامير رويح
2020-10-12 04:15
تفاقمت معاناة الشعب اليمني بشكل كبير بسبب الحرب المستمرة منذ سنوات، حيث يعيش هذا البلد الفقير اصلاً وبحسب بعض المصادر في أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم، إذ يحتاج نسبة 80% من سكان اليمن للمساعدات الإنسانية، ولا يمكن لليمن الحصول على المساعدات الإنسانية والطبية بسبب الحصار الذي فرضه قوات التحالف بقيادة السعودية، والتي سعت ايضا الى استهداف وتدمير البنى التحتية اليمنية وهو ما تسبب بانتشار الامراض والاوبئة الخطيرة ومنها كوليرا وفيروس كورونا. وقالت منظمة أوكسفام البريطانية في وقت سابق، إن هناك 50 حالة كوليرا تظهر كل ساعة، كل هذا بسبب عدم توفر مياه الشرب الصحية، وفي هذه الظروف يمكن لفيروس كورونا الانتشار بسرعة.
وبحسب إحصاءات منظمات حقوقية، فخلال خمس سنوات من الحرب، قصف التحالف السعودي المستشفيات والعيادات 83 مرة، وتقول منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، إن اليمنيين عرضة للخطر أكثر من الآخرين بالمنطقة. ووثقت المنظمة، الدمار الذي أصاب القطاع الطبي. ويقول العاملون الطبيون إنهم لا يملكون المعدات لمعالجة الجرحى ومرضى الكوليرا وفقر التغذية حتى يكونوا في وضع لمكافحة فيروس كورونا.
جرائم حرب
وفي هذا الشأن قال محققون من الأمم المتحدة إن الأسلحة التي تزود بها القوى الغربية ودول اخرى الأطراف المتحاربة في اليمن تؤجج الصراع المستمر منذ سنوات، والذي شهد ضربات جوية فتاكة شنها تحالف تقوده السعودية وحملة قصف تنفذها جماعة الحوثي. وأضافوا في تقرير أن الضربات الجوية التي شنها التحالف خلال العام المنصرم قد تصل إلى حد جرائم الحرب. وهذا هو العام الثالث على التوالي الذي تتوصل فيه لجنة الخبراء المستقلين إلى أن جميع الأطراف انتهكت القانون الدولي. وتناولت النتائج هذا العام الأحداث من يونيو حزيران 2019 إلى الشهر نفسه من عام 2020.
وقال كمال الجندوبي رئيس مجموعة الخبراء “بعد سنوات من توثيق الثمن الفادح لهذه الحرب، ليس بمقدور أحد أن يقول: لم نكن نعلم ماذا كان يحدث في اليمن”. وقالت عضو اللجنة ميليسا بارك للصحفيين “المسؤولية عن هذه الانتهاكات تقع على عاتق جميع أطراف النزاع- وهي الحكومة اليمنية وسلطات الأمر الواقع (الحوثيون) والمجلس الانتقالي الجنوبي وأعضاء التحالف، لا سيما السعودية والإمارات العربية المتحدة”. وجاء في تقرير للجنة بعنوان “اليمن: جائحة الإفلات من العقاب في أرض معذبة” أن دولا منها بريطانيا وكندا وفرنسا وإيران والولايات المتحدة تواصل دعم الأطراف المتحاربة “بما يشمل نقل السلاح وتساعد بالتالي في إطالة أمد الصراع”.
وقال عضو اللجنة أردي إمسيس “أضفنا كندا هذا العام لأنه كانت هناك زيادة طفيفة في مبيعات الأسلحة الكندية عام 2019”، مضيفا أن إسبانيا وإيطاليا باعتا أسلحة أيضا. وأضاف “لذلك نكرر دعوتنا للدول لوقف نقل الأسلحة إلى أطراف الصراع” وحث الخبراء الثلاثة مجلس الأمن الدولي على إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية من أجل إجراء محاكمات محتملة وعلى توسيع قائمته للأفراد المشمولين بالعقوبات.
وتدخل التحالف بقيادة السعودية في اليمن في مارس آذار 2015 بعد أن أطاحت جماعة الحوثي بالحكومة المعترف بها دوليا من السلطة في العاصمة صنعاء عام 2014. ويُنظر على نطاق واسع إلى الصراع في اليمن على أنه حرب بالوكالة بين السعودية وإيران. وتقول وكالات إغاثة إن ما يربو على مئة ألف شخص قُتلوا وأصبح الملايين على شفا المجاعة. وأشار التقرير إلى التحالف الداعم لحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قائلا “خلال الفترة التي غطاها التقرير، تحققت المجموعة من أربع ضربات جوية أخرى أو سلسلة من الضربات الجوية انطوت على تقاعس مشابه في اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين والأهداف المدنية”. وأضاف “الهجمات غير المتناسبة تعتبر جرائم حرب بموجب القانون الدولي المتعارف عليه”. بحسب رويترز.
وأشار إلى أن هذه الهجمات تشمل “إحدى أكثر الضربات الجوية دموية عام 2020” وشنها التحالف على قرية في منطقة الهيجة بمحافظة الجوف “مما أسفر عن سقوط قرابة 50 مدنيا بين قتيل وجريح”. وقالت اللجنة التابعة للأمم المتحدة “القيود التي يفرضها التحالف على الواردات ودخول ميناء الحديدة ساهمت في نقص الوقود وغيره من الضروريات وفي التضخم وبالتالي فاقمت الأزمة الاقتصادية والإنسانية”. وجاء في التقرير أن قذائف مورتر أطلقها الحوثيون أصابت سجنا مركزيا في مدينة تعز خلال شهر أبريل نيسان وأدت إلى مقتل ست نساء وفتاتين وذكر أن الهجوم قد يصل إلى حد جريمة حرب.
نقص المساعدات
من جانب اخر قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إنه يجب وقف تدخل أطراف صراع اليمن في عمليات الإغاثة مشيرة إلى أنه يثني المانحين عن تقديم مساعداتهم ويعرض الملايين الذين يعتمدون على المساعدات للخطر. وتتوقف تدريجيا خدمات الصحة والصرف الصحي والتغذية التي تحمي الملايين من الجوع والمرض بجميع أنحاء البلاد وسط نقص حاد في التمويل. وتعد مخاوف المانحين من عرقلة المساعدات والتدخل في عملياتها من أسباب انخفاض التمويل.
وقالت الأمم المتحدة إن المانحين تعهدوا في يونيو حزيران بتقديم 1.35 مليار دولار فقط من 2.41 مليار دولار لازمة للأنشطة الإنسانية الأساسية حتى نهاية عام 2020. وقال عمال إغاثة في أنحاء مختلفة من اليمن لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن من بين العوامل التي أعاقت عملهم اللوائح والتأخير في الموافقات وأعمال العنف التي تستهدف الموظفين والتدخل في تقييم الاحتياجات والرقابة عليها وقوائم المستفيدين.
ووصفت الأمم المتحدة اليمن بأنه يعاني من أكبر أزمة إنسانية في العالم إذ يعتمد 80 في المئة من سكانه على المساعدات. وانهار نظام الرعاية الصحية هناك حتى قبل ظهور فيروس كورونا المستجد. واليمن غارق في الصراع منذ تدخل تحالف تقوده السعودية في مارس آذار 2015 لإعادة الحكومة التي أطاحت بها قوات جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران من العاصمة صنعاء في عام 2014. ويقول الحوثيون، الذين يسيطرون على معظم المناطق الحضرية، إنهم يحاربون نظاما فاسدا.
وذكرت هيومن رايتس ووتش في تقرير أن سلطات الحوثيين، والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والقوات التابعة لها، والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة تتدخل بشكل منهجي في عمليات الإغاثة. وقالت سلطات الحوثيين للمنظمة إن مزاعم التدخل في عمليات الإغاثة “لا أساس لها”. وذكر التقرير أنه لم يرد رد من الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي على تقرير المنظمة. وقالت المنظمة إن القانون الإنساني الدولي يطالب أطراف النزاع بالسماح وتسهيل تقديم المساعدات دون عوائق للمدنيين المحتاجين.
وشهدت الأشهر الماضية بعض التحسن في التعامل بين المنظمات الإنسانية وسلطات الحوثيين في أمور منها منح التصاريح، لكن عمال الإغاثة قالوا لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنهم قلقون من ظهور قيود جديدة. وقال معد التقرير جيري سيمبسون “الملايين يعانون في اليمن لأن الحوثيين والسلطات اليمنية الأخرى منعوا الأمم المتحدة ووكالات إغاثة أخرى من الوصول دون عائق إلى المحتاجين”.
يعاني الشطر الشمالي من اليمن، الخاضع لسيطرة الحوثيين من نقص الوقود على مدى خمسة أعوام من الحرب الأهلية التي أنهكت نظام الرعاية الصحية اليمني. وقالت الأمم المتحدة إن واردات الوقود اللازم لتشغيل مولدات الطاقة ومضخات المياه ونقل البضائع تراجعت بشدة خلال الأشهر الماضية مما عمق الأزمة الإنسانية التي جعلت 80 بالمئة من اليمنيين يعيشون على المساعدات.
ويعاني محمد الغزالي من التوقف المتكرر لجهاز غسيل الكلى في العاصمة اليمنية صنعاء بسبب النقص الحاد في الوقود بشمال البلاد. وعند توقف المولدات الكهربائية بسبب نفاد الديزل يلجأ الممرض محمد الحطامي لتشغيل جهاز تنقية الدم يدويا لمنع حدوث جلطات. ويقول الحطامي ”نبذل قصارى جهدنا“. وتقول الأمم المتحدة إن الوقود في السوق السوداء بالشطر الشمالي يباع بضعف الثمن الرسمي. وأصبحت الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود مشهدا مألوفا، وقال الغزالي إنه دفع مبلغا ”ضخما“ لسيارة أجرة قبلت أن تقله إلى المستشفى.
وواردات المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين يجب أن تمر عبر ضوابط صارمة يفرضها التحالف العسكري الذي تقوده السعودية والذي يقاتلهم. ويتهم الحوثيون التحالف بشن حرب اقتصادية من خلال منع للسفن التجارية الحاصلة على إذن من الأمم المتحدة من تفريغ حمولاتها في الشمال. ويقول التحالف الذي يسيطر على البحر والمجال الجوي إنه يمنع تهريب الأسلحة.
وفي وقت سابق علق الحوثيون الرحلات الجوية التي تنظمها الأمم المتحدة ورحلات نقل المساعدات من الهبوط في صنعاء في تحرك يبدو احتجاجيا، ويؤثر لاحقا على توفير المساعدات في وقت يعاني فيه البلد من تفشي فيروس كورونا أيضا. وعملية الكشف عن إصابات كورونا وتسجيلها منخفضة في اليمن، وتقول الأمم المتحدة إن الفيروس ينتشر دون رصد.
هروب جديد
على صعيد متصل تلا مقاتلون موالون للحكومة المدعومة من السعودية في منطقة مأرب الغنية بالنفط في اليمن آيات من القرآن قبل أن يطلقوا وابلا من قذائف المورتر ونيران المدافع الرشاشة على جبال صخرية في محاولة مستميتة لدفع قوات الحوثيين للتراجع. وعلى مسافة بضع عشرات من الكيلومترات كان مئات من المدنيين النازحين ينتظرون في مخيمات مؤقتة وصول الماء والطعام والدواء من المنظمات الإنسانية في علامة أخرى على استمرار الحرب الدائرة منذ قرابة ست سنوات رغم مساعي السلام التي تبذلها الأمم المتحدة.
وقال مدير مخيم السويداء الواقع على بعد 15 كيلومترا من مدينة مأرب "لدينا أكثر من 1500 أسرة في هذا المخيم وقد تنقلوا بالفعل ثلاث مرات ... لأن القتال يلاحقهم". وأضاف "ليس لديهم ماء ولا كهرباء ولا مستشفى وأقرب بلدة على بعد عشرة كيلومترات. ومجرد جلب المياه مشقة كبيرة". ويدور القتال منذ شهور في مأرب آخر معقل للحكومة المعترف بها دوليا في اليمن. يقول بعض الدبلوماسيين والخبراء إن تحقيق الحوثيين نصرا في مأرب سيحقق للحركة السيطرة الكاملة على النصف الشمالي من اليمن وقد تكون له تداعيات على الصراع كله في مختلف أنحاء اليمن ويفسد جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد.
وقد فتحت قوات الحوثي ثلاث جبهات في منطقة مأرب فتقدمت في الشهور الأخيرة من مديرية مدغل الشمالية ومن بلدة رحابة الجنوبية ومن صرواح في الغرب. وسيطرت الحركة على ست مديريات ونواح واسعة في صرواح الواقعة على مسافة 80 كيلومترا من مدينة مأرب آخر خط دفاعي يحمي أكبر حقول النفط والغاز في اليمن.
وتصاعد القتال منذ طالب مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن مارتن جريفيث الجانبين بالاتفاق على وقف لإطلاق النار من شأنه أن يمهد السبيل لمفاوضات أوسع بهدف إنهاء الحرب التي سقط فيها أكثر من 100 ألف قتيل. وفي الآونة الأخيرة قال جريفيث لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنه أرسل مسودة منقحة من الاتفاق إلى الطرفين وحذر المجتمع الدولي من التهوين من الأهمية السياسية لمأرب.
وقالت الأمم المتحدة إن القتال في مأرب تسبب في نزوح ما يقرب من مليون شخص وإنه يهدد حوالي 750 ألفا من اللاجئين الذين استقر بهم الحال في المدينة منذ بدأت الحرب في 2014. وقالت ليزا جراندي منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن "نحن نعلم أن أي تصعيد للصراع سيعرضهم (المدنيين النازحين) لخطر شديد ونحن في غاية القلق من أن يصبح كثيرون ممن يعيشون في مدينة مأرب نازحين بسبب الصراع".
وبعد ست سنوات من الاقتتال على السلطة في نزاع حصد أرواح الآلاف، يشهد اليمن انهيارا في الصحة والاقتصاد والتعليم وغيرها من القطاعات، فيما يعيش أكثر من 3,3 ملايين نازح في مدارس ومخيمات تتفشى فيها الامراض كالكوليرا بفعل شح المياه النظيفة. وبحسب تقرير صادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في محافظة مأرب، فإن 4847 أسرة يمنية نزحت في الفترة من 20 آب/اغسطس إلى 15 من أيلول/سبتمبر الماضي في المحافظة. وتضم المحافظة 140 مخيما للنازحين بينها مخيم الجفينة وهو الأكبر في اليمن حيث يعيش فيه نحو 40 ألف شخص بحسب السلطات المحلية. بحسب فرانس برس.
وتؤكد المتحدثة باسم منظمة الهجرة الدولية في اليمن أوليفيا هيدون أنه في أيلول/سبتمبر "أدى التصعيد في القتال إلى نزوح 8000 شخص". ومنذ نهاية كانون الثاني/ يناير مع بداية المعارك للسيطرة على مدينة مأرب، نزح أكثر من 70 ألف شخص إلى أو داخل المحافظة. ووفقا لهيدون، فإن مدينة مأرب مزدحمة بالفعل إذ لم يجد نحو 80% من القادمين الجدد إي مكان للذهاب إليه مؤخرا "واضطروا للاستقرار في مخيمات مزدحمة للغاية"، مؤكدة "هذا أمر يبعث على القلق خاصة مع تفشي فيروس كورونا المستجد.