الحياد الباكستاني وسياسة مسك العصا من المنتصف
كمال عبيد
2015-04-14 01:37
يبدو ان باكستان اختارت حلا وسطا للخروج من مأزق الاشتراك في الحرب السعودية على اليمن باستخدام الدبلوماسية والسياسة الناعمة للتشبث بجميع الخطوط وعدم اتخاذ موقف حاسم قد يهدد مصالحها محليا واقليميا، ففي الوقت الذي كانت تأمل في السعودية المشاركة العسكرية من حليفتها باكستان، صوت البرلمان الباكستاني لصالح عدم الانضمام للتحالف العسكري الذي تقوده المملكة الخليجية في اليمن مما بدد آمال الرياض في الحصول على دعم قوي من خارج المنطقة في معركتها الرامية لوقف تقدم الحوثيين.
ويعزو اغلب المحللين رفض باكستان المشاركة عسكريا في التحالف ضد اليمن لعدة اسباب قد تفرض تحديات جما على هذا البلد الاسيوي الصديق الخاص للسعودية، ويرى هؤلاء المحللون أن الانضمام باكستان إلى التحالف الذي تقوده السعودية قد يؤجج الصراع الطائفي في الداخل حيث يمثل الشيعة نحو خمس السكان كما أن الهجمات على الشيعة تتزايد مما يزعزع بشكل أكبر استقرار باكستان المسلحة نوويا والتي يبلغ عدد سكانها 180 مليون نسمة، في الوقت نفسه يرى محللون آخرون أن تدخل باكستان ربما يؤدي إلى إثارة غضب إيران التي تتقاسم معها حدودا طويلة مليئة بالثغرات في منطقة تعاني من تمرد انفصالي، من جانب آخر يقول محللون كثيرون إن الجيش الذي حكم باكستان أكثر من نصف تاريخها منذ استقلالها له الكلمة الأخيرة. وحتى الآن لزم قادة الجيش الصمت، في حين يعارض الرأي العام الباكستاني إلى حد كبير التدخل في أي عمل تقوده السعودية في اليمن.
لكن يرى محللون آخرون الرفض قد يؤدي الى تحديات ايضا خصوصا وأن رئيس الوزراء نواز شريف في مواجهة الرأي العام الباكستاني الذي مل الحرب، كما انه مدين للسعوديين. ويعني تفشي التهرب الضريبي احتياج باكستان لضخ منتظم للنقد الأجنبي لتفادي حدوث انهيار اقتصادي. وفي العام الماضي أعطت السعودية باكستان 1.5 مليار دولار. واستضافت السعودية شريف بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1999.
ويخشى مشرعون باكستانيون أن يتطور صراع اليمن إلى حرب بالوكالة بين السعودية وإيران اللتين تتنافسان على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط كما يخشون أن يؤجج الصراع توترا طائفيا في باكستان.
فقد جاء في القرار انه على باكستان ان تقوم بدور الوسيط والا تتورط في القتال ليرفض بذلك طلب السعودية من اسلام آباد ارسال قوات وطائرات وسفن لدعمها، الا ان باكستان دعت الى التوصل الى حل دبلوماسي، مؤكدة انها لا تريد المشاركة في نزاع من شأنه ان يزيد سوءا الانقسامات المذهبية في العالم الاسلامي.
في الوقت نفسه كثفت باكستان من الجهود الدبلوماسية وعقدت محادثات مع مسؤولين اتراك وايرانيين، فقد اقترحت إيران بناء خط أنابيب لتصدير الغاز إلى باكستان المتعطشة للغاز وهو مشروع تأجل بسبب تهديد العقوبات الأمريكية وافتقار باكستان إلى الأموال والمستثمرين، وتشترك باكستان في حدود طويلة يسهل اختراقها مع إيران عند إقليم بلوخستان الغني بالغاز والمعادن حيث يقاتل متمردون انفصاليون الحكومة منذ سنوات.
وعليه تظهر التحديات التي توجهها باكستان السياسية الخارجية الباكستانية لضمان مصالحها ستكون سياسية مسك العصا من المنتصف وبأكثر واقعية وابعد عن الشعارات خلال المرحلة القادمة، وذلك باعتماد مبدأ البراغماتية في التعامل مع الحلفاء بطابع متوازن سياسيا، لكن رغم كل ذلك يرى بعض المحللين ان باكستان قد تغير مواقفها بناء على مصالحها وفي نهاية الأمر هي لا تريد ان تخسر مصالحها لا مع السعودية ولا مع ايران.
حياد باكستان
في سياق متصل صوت البرلمان الباكستاني لصالح عدم الانضمام للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن مما بدد آمال الرياض في الحصول على دعم قوي من خارج المنطقة في معركتها الرامية لوقف تقدم المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع إيران.
كانت السعودية قد طلبت من باكستان إمدادها بسفن وطائرات وقوات في حملتها التي دخلت الآن أسبوعها الثالث لإنهاء النفوذ الإيراني فيما يبدو أنها حرب بالوكالة بين القوتين المهيمنتين بالمنطقة، وفي حين تتمتع السعودية بدعم دول الخليج صوت البرلمان الباكستاني ضد المشاركة العسكرية.
وأقر البرلمان مشروع قانون يدعو جميع الأطراف الى حل خلافاتهم سلميا وسط "تدهور الوضع الأمني والإنساني في اليمن وتداعيات ذلك على السلام والاستقرار في المنطقة"، وقال مشروع القانون إن البرلمان "يود أن تلتزم باكستان بالحياد في الصراع في اليمن حتى تتمكن من لعب دور دبلوماسي وقائي لإنهاء الأزمة"، ولم تعلق الحكومة الباكستانية بعد على مشروع القانون لكنها قالت إنها ستلتزم بقرار البرلمان.
وهونت السعودية من شأن القرار وقال المتحدث باسم التحالف العميد الركن أحمد عسيري للصحفيين "الموقف الذي يعلن هو موقف البرلمان ... الحكومة الباكستانية لم تعلن موقفا رسميا إلى الآن"، وأضاف "انضمام القوات الباكستانية لقوات التحالف يصب في مصلحة اليمن ... وجود الأخوة الباكستانيين إضافة ولكن عدم تواجدهم على المستوى البري أو البحري أو الجوي لن يعيق عمليات التحالف".
ولم يتضح على الفور ما الذي سيحدث لاحقا بالنسبة لمشروع القرار لكن الحكومة أشادت بشفافية العملية، وقال وزير الإعلام الباكستاني برويز رشيد لوسائل الإعلام "هذه هي المرة الأولى التي لا يتم فيها صنع السياسة الخارجية الباكستانية خلف الأبواب المغلقة.. في الخفاء"، وأضاف "هذه هي المرة الأولى التي تصنع فيها السياسة من خلال البرلمان وممثليه الذين اختارهم 180 مليونا من سكان البلاد. كل كلمة في مشروع القرار لها قدسية"، وقال رئيس الوزراء نواز شريف مرارا إنه سيدافع عن السعودية ضد أي تهديد.
وقال مشروع القانون إن البرلمان "يعبر عن دعمه الكامل للمملكة العربية السعودية ويؤكد أن في حالة انتهاك سلامة أراضيها أو وجود أي تهديد للحرمين الشريفين فإن باكستان ستقف كتفا بكتف مع السعودية وشعبها".
واكد شريف ان اي تدخل باكستاني يتطلب دعم البرلمان، ولذلك طلب عقد جلسة استثنائية لبحث القضية، وقال للنواب "لم نطلب عقد هذه الجلسة الاستثنائية للتلاعب بكم للحصول على تفويض. خذوا وقتكم، نحن بحاجة الى نصائحكم الصادقة وسنأخذ بالاعتبار آراءكم الاكثر منطقية في سياستنا"، وتابع "خذوا وقتكم، لسنا على عجلة من امرنا، اريد من البرلمان ان يقول شيئا حول طلبات اصدقائنا"، مشيرا الى انه لا يستطيع ان يشارك النواب بكافة التفاصيل حول الطلب السعودي، التقى شريف نظيره التركي احمد داود اوغلو في انقرة يوم الجمعة، وقال بعد اللقاء ان الدولتين تريدان حلا سلميا للازمة اليمنية، وتشارك تركيا وايران وباكستان في محادثات خلال الايام المقبلة حول الازمة، اذ يزور الرئيس التركي رجب طيب اردوغان طهران. بحسب فرانس برس.
وقال شريف للبرلمان انه يتوقع نتائج مثمرة من هذه الجهود الدبلوماسية. وقال "نحن في الحقيقة ننتظر اجابة، اعتقد انها ستصلنا غدا"، مشيرا الى ان تركيا قد ترسل وزير خارجيتها او تبلغ باكستان بالنتيجة عبر الهاتف.
وتابع "سنرى ما باستطاعتنا فعله بعد ذلك. قد نكون بحاجة لزيارة دول اسلامية سويا".
ويزور وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف اسلام آباد لبحث الازمة.
وتحاول اسلام آباد تجنب اغضاب حليفها السعودي من جهة والجارة ايران التي تعارض بشدة الحملة العسكرية.
وقال الميجر جنرال المتقاعد محمد علي دوراني وهو مستشار سابق للأمن القومي إنه حتى على الرغم من أن السعودية "صديق خاص" لكل من الحكومة والجيش فإن التدخل الباكستاني في اليمن قد يكون غير حكيم، وأضاف "إذا كان هدفه الدفاع عن السعودية ضد عدوان على الرغم من التزاماتنا فأعتقد أننا سنجد صعوبة في إرسال قوات، "أعتقد أن إرسال قوات تابعة لنا إلى بلد ثالث سيكون حماقة. أيا كان سيكون خيارا صعبا جدا تقرره باكستان".
ايران في باكستان
فقد وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى باكستان ومن المرجح أن يدعو لرفض طلب للانضمام إلى الحملة التي تقودها السعودية ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.
ودعا رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إيران إلى المشاركة في محادثات بشأن الأمن في اليمن بينما يناقش البرلمان ما إذا كان ينبغي لباكستان الانضمام إلى العملية التي تقودها السعودية. بحسب رويترز.
وقال ظريف مرارا إنه يجب التغلب على الصراع في اليمن من خلال الحوار وليس من خلال القوة العسكرية. وتتهم دول أخرى إيران باستخدام الصراع كغطاء لتوسيع نفوذها الإقليمي، وقال ظريف الشهر الماضي "يجب على جميع الدول العمل نحو تحقيق الاستقرار ومنع انتشار انعدام الأمن في المنطقة"، وتريد السعودية أن تنضم باكستان حليفتها السنية القوية للتحالف وقد طلبت طائرات وسفنا وجنودا من إسلام آباد.
وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية إن ثمانية من حرس الحدود الإيراني قتلوا في جنوب شرق إيران في هجوم مسلح عبر الحدود بالقرب من الحدود مع باكستان، ويعاني إقليم سستان وبلوخستان الإيراني منذ فترة طويلة من الاضطرابات بسبب عصابات المخدرات والمتشددين. ويغلب السنة على سكان الإقليم.
الحزب الاسلامي الافغاني يعرض ارسال "آلاف" المقاتلين الى اليمن
الى ذلك عرض الحزب الاسلامي الذي يقوده قلب الدين حكمتيار احد قدامى الذين قاتلوا القوات السوفياتية في افغانستان ارسال "آلاف" المقاتلين الى اليمن لدعم التحالف السعودي، وفي بيان نشر بلغة الباشتو على الموقع الالكتروني الرسمي للحزب وتأكدت وكالة فرانس برس من صحته، قال الحزب الاسلامي ان "المسلمين يجب ان يتحدوا ضد ايران" التي "تتدخل" اليوم في شؤون اليمن بعد العراق ولبنان. بحسب فرانس برس.
وقال بيان الحزب الاسلامي "اذا كانت هناك امكانية للذهاب الى العراق او الى اليمن، فان آلاف المجاهدين الافغان سيتوجهون الى هناك لتطويق تدخل ايران والدفاع عن اخوتهم المسلمين"، وكان الحزب الاسلامي استفاد من دعم السعودية وافغانستان في ثمانينات القرن الماضي "للجهاد" ضد القوات السوفياتية في افغانستان.