السعودية بعد الاتفاق النووي.. بين هاجسي نفوذ ايران وتخلي الغرب

كمال عبيد

2015-04-05 11:27

كشفت التطورات والمتغيرات في المشهد السياسي الدولي والاقليمي الراهن بعد الاتفاق النووي، عن ردود افعال غير مسبوقة من لدن بعض دول الشرق الاوسط وأهمها السعودية التي كانت أبان حكم ملكها الراحل عبد الله تحث واشنطن على مهاجمة البرنامج النووي الإيراني، بينما اليوم تعلن السعودية ترحيبها بالاتفاق الإطاري الذي توصلت إليه القوى العالمية مع طهران مؤخرا لكن يظل في مكنوناتها انعدام ثقة عميق.

ويعزو المحللون الترحيب العلني للسعودية حول الاتفاق النووي محاولة لاستمالة حليفها الرئيسي امريكا، بعد ما بدأت الاخيرة تغرد خارج السرب، حيث التحالف مع المملكة تضارب مع التقارب الأمريكي الإيراني غير المسبوق، ونجمَ عنه موجة فتور حادة شابت العلاقات الأمريكية السعودية، وقد شكل هذا التقارب صدمة كبرى لحكام السعودية قد يهدد بضياع نفوذها إقليميا، اذ كانت المملكة تطمح للهيمنة الإقليمية على لبنان والعراق وسوريا، ويرى هؤلاء المحللون إن ما يثير قلق السعودية وحلفائها لا يتعلق كثيرا بالتوصل لتسوية نووية نهائية وإنما بحدوث تقارب أمريكي إيراني يقوي شوكة طهران ويشجعها على تعزيز نفوذها بالمنطقة.

حيث تخشى السعودية ودول الخليج عدا سلطنة عمان ما سينطوي عليه اتفاق الإطار الذي توصلت إليه إيران والقوى العالمية الست مؤخرا بهدف فتح الطريق أمام التفاوض على تسوية نهائية بحلول منتصف العام.

ويرى الكثير من المحللين المتخصصين بشؤون الشرق الاوسط أن الرياض شعرت بأنها محاصرة بالنفوذ الإيراني المتنامي في دول عربية منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وهي تعتبر إمكانية حصول إيران على سلاح نووي أكبر كوابيسها، وكذلك يبدو أن السعودية قلقة أيضا من أن يتيح الاتفاق ورفع الضغط الدولي عن إيران -بما في ذلك العقوبات- مجالا أرحب لها لتسليح وتمويل وكلائها الذين تعارضهم الرياض في المنطقة.

إذ يرى الكثير من المحللين ان مشكلة السعودية مع ايران لا تقتصر على الاتفاق النووي، بل في مدى تمدد ايران في الشرق الاوسط وهو نفس غاية السعودية، كما اذكى التقارب السطحي الأمريكي الإيراني غير المسبوق، مخاوف عميقة لدى حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، فقد نشأت مخاوف السعودية نتيجة إجراء مفاوضات سرية على مدى شهور بين إيران وإدارة أوباما في 2013 على نحو جعل الرياض تجهل جوانب المسألة.

وأسهم ذلك في تعميق مخاوف السعودية من أن واشنطن ترفع أيديها تدريجيا من الشرق الأوسط مع تقلص وارداتها النفطية من المنطقة ولم يعد يعول عليها في مساندة حلفائها القدامي ومراقبة أنشطة الخصوم المشتركين، وتطرق أوباما لتلك المخاوف حين طمأن دول الخليج العربية إلى أن الاتفاق لن يؤثر على معارضة واشنطن لسلوك إيران في المنطقة ووعد بدعوة قادتها قريبا إلى واشنطن.

إذ ترى المملكة السعودية أن إيران أخطر خصومها، ومنذ أكثر من أسبوع تقصف طائرات السعودية جماعة الحوثيين المتحالفة مع طهران في اليمن الذي يمثل مجرد ساحة واحدة من عدة ساحات تؤيد الدولتان جانبين متحاربين فيها.

وتشعر السعودية التي تتنافس مع إيران على النفوذ في المنطقة بالقلق من أن يتيح تخفيف العقوبات لطهران مجالا أوسع لتدعم وكلاء ترفضهم الرياض في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط.

لكن على الرغم من تحفظاتها غير الرسمية عبرت الرياض عن تأييدها للمحادثات بين إيران والقوى العالمية منذ الإعلان عنها أواخر 2013 ما دامت ستؤدي إلى اتفاق يضمن ألا تتمكن طهران من امتلاك أسلحة نووية.

فيما اعربت بعض الدول العربية عن ارتياحها من الاتفاق النووي على غرار سوريا وسلطنة عمان، وقالت من شأن هذا الاتفاق ان يعزز استقرار منطقة الشرق الاوسط، وكانت عمان وسيطا مهما عندما أطلقت طهران وواشنطن محادثات سرية بشأن اتفاق نووي محتمل في 2013، وتتابع سلطنة عمان بقلق اتساع نطاق التنافس على النفوذ بين السعودية وإيران في المنطقة. وتعتقد الرياض وبعض دول مجلس التعاون الخليجي -الذي تنتمي إليه السلطنة- أن طهران تستغل الطائفية للتدخل في شؤون الدول العربية بغية توسيع نطاق نفوذها في الشرق الأوسط.

وفي اطار الموضوع نفسه يرى بعض المراقبين أن شبح انطلاق سباق للتسلح النووي في أخطر منطقة بالعالم يزيد من المخاطر المحيطة بالمحادثات النووية الإيرانية بعد أن لمحت السعودية اكثر من مرة الى أنها ستسعى لامتلاك أسلحة ذرية اذا قامت طهران بذلك.

ويظهر قرار الرياض غير المسبوق بتشكيل تحالف مع دول سنية أخرى لقصف الحوثيين حلفاء طهران في اليمن الأسبوع الماضي مدى الجدية التي تتعامل بها المملكة مع التهديد الذي تمثله ايران وكيف تطورت سياستها الخارجية.

بالنسبة للسعودية التي تخوض صراعا بدأ قبل عشر سنوات ضد حكام ايران من رجال الدين فإن احتمال امتلاك طهران قنبلة نووية سيناريو كابوسي. وتنفي طهران السعي لحيازة سلاح نووي.

لكن ليس واضحا ما اذا كانت أسرة آل سعود الحاكمة ستجازف فعلا بأن تصبح المملكة دولة منبوذة من خلال انتهاج سياسة ستقود الى دعوات بفرض عقوبات عليها أم أنها تراوغ. وكان كبار أمراء الأسرة الحاكمة قد ذكروا مرارا أن الرياض ستسعى للحصول على نفس الحقوق النووية التي تتفق القوى العالمية عليها مع ايران في المحادثات التي جرت في مدينة لوزان في سويسرا ولمحوا ايضا الى أنه اذا فشلت المفاوضات في منع طهران من امتلاك أسلحة نووية فإن المملكة ستسعى لامتلاكها.

وعليه على الرغم من الجهود الدبلوماسية التي تبديها الحكومة السعودية الجديدة من أجل توطيد التعاون مع ايران سعيا لتخفيف بواعث القلق لدى دول الخليج المجاورة بشأن نفوذ طهران في أعقاب اتفاقها النووي مع القوى العالمية، الا ان صراع السعودية مع إيران لا يضفي مؤشرات حقيقة للظفر بعلاقات جيدة على المدى القريب، خصوصا وان حكام السعودية وإيران يخوضون صراع حياة أو موت على مستقبل الشرق الأوسط.

السعودية ترحب باتفاق إيران النووي

ففي اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عبر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز عن أمله في أن تعزز تسوية نهائية للنزاع النووي من استقرار وأمن المنطقة والعالم، وقال مصدر قريب من الفك السعودي الرسمي إن الاتفاق "يدور حول مسألة التحقق. فإذا لم يلتزموا ستفرض المقاطعة من جديد. هذه نتيجة مطمئنة." لكنه أضاف أن الرياض لا تزال قلقة إزاء دور إيران في المنطقة، وتابع "ربما تظن إيران أنها وضعت بهذا الاتفاق قدمها على طريق التمتع بالاحترام". بحسب رويترز.

أعرب علي الخضيري المستشار السابق للسفراء الأمريكيين في بغداد عن قلقه من أن يكون الاتفاق يعترف فعليا بإيران كدولة على أعتاب اكتساب قدرة تسلح نووي، وتساءل الخضيري هل تريد إيران أن تصبح عضوا يتمتع بالاحترام في المجتمع الدولي أم ستستمر في تصدير الفكر الثوري كدولة دينية شيعية متشددة ومتطرفة على حد تعبيره، وقال "إذا كانت الحالة الأخيرة فستكون كارثة وسيتمكنون من تعزيز سيطرتهم على مناطق عربية ينشطون فيها"، وأعربت وزارة الخارجية في البحرين التي تحكمها أسرة سنية وتتهم إيران بإثارة القلاقل بين أغلبيتها الشيعية عن أملها في أن ترى تغيرا نوعيا في السياسة الإيرانية يدفعها لعدم التدخل في الشأن الداخلي لدول المنطقة، وتنفي إيران إثارة قلاقل في البحرين.

وبحذر رحبت وسائل الإعلام السعودية بالاتفاق الإطاري. وقالت صحيفة الوطن التي يملكها فرع في الأسرة الحاكمة يوم الجمعة "يبدو أن حلم إيران بامتلاك أسلحة نووية تبدد في مدينة لوزان السويسرية أمس".

أظهرت برقيات دبلوماسية أمريكية نشرها موقع ويكيليكس كيف أن عددا كبيرا من أمراء السعودية -بينهم ولي العهد الحالي الأمير مقرن- يعتقدون أن زعماء إيران عازمون على الهيمنة الإقليمية، وقال رجل أعمال سعودي قريب من الفكر الرسمي "المسألة لا تكمن في أننا نتوقع أن تكون علاقة الغرب بإيران دافئة... بل في أن رفع العقوبات سيساعد إيران حتى إذا كانت أسعار النفط أضعف وهذا قد يزيدها جرأة".

وحذر أمراء بارزون من أن الرياض ستسعى لحصول محطاتها النووية المدنية على نفس المعاملة التي ستمنح لإيران في اتفاقها مع القوى العالمية ولمحوا أيضا إلى أنه إذا ظل باستطاعة إيران الحصول على سلاح نووي فسيسعون لذلك أيضا، قال خالد الدخيل أستاذ العلوم السياسية في الرياض "أوباما قال إن خلافاتنا مع إيران حول سلوكها السياسي واستعمالها وكلاء لزعزعة استقرار المنطقة لا تزال قائمة وإن العقوبات المتصلة بهذه الخلافات ستظل قائمة"، وأضاف "إذا كان الحال هكذا -كما يبدو الوضع الآن- فأعتقد أن الاتفاق سيلقى قبولا لدى السعوديين".

تفاؤل سلطنة عمان وسوريا

بدورها رحبت سلطنة عمان باتفاق إطار توصلت إليه إيران مع القوى العالمية بعد أن كانت قد ساعدت في استضافة بعض الجهود الدبلوماسية التي أدت إليه، وذكرت وكالة الأنباء العمانية أن وزارة الخارجية في السلطنة وصفت الاتفاق بأنه "مرحلة أساسية ومهمة على درب اتفاق نهائي بحلول 30 يونيو القادم والذي من شأنه أيضا أن يفتح مرحلة جديدة نحو مزيد من الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا". بحسب رويترز.

وقال بدر البوسعيدي أمين عام وزارة الخارجية العمانية عبر حسابه على موقع تويتر "إن الاتفاق الدولي بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد يعد إنجازا للمجتمع الدولي وانتصارا للسلام ودبلوماسية السلام".

من جهتها قالت سوريا إن اتفاق الإطار الذي أبرمته طهران مع القوى العالمية بشأن البرنامج النووي الإيراني جاء نتيجة لجهود إيران لتهدئة التوتر السياسي، ونقل بيان نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصدر بوزارة الخارجية السورية قوله "حكومة الجمهورية العربية السورية ترحب بالبيان الصادر عن مباحثات الجانبين". بحسب رويترز.

وقال المصدر إن سوريا "تعتبر أن هذا الاتفاق الإطاري وما سيليه من خطوات إيجابية سيكون مساهمة أخرى من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية على طريق تعزيز قيم الأمن والسلام الدوليين وفي تخفيف حدة التوتر في المنطقة والعالم".

عين على امتلاك برنامج نووي

في سياق متصل قال عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث ومقره جدة وجنيف "اذا امتلكت ايران قنبلة نووية فإن السعودية سيكون عليها أن تفكر بجدية شديدة في موازنة ذلك. السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي"، ولم تغب عن الدول التي تفاوضت على الاتفاق المبدئي الإيراني فكرة أن المملكة وغيرها من دول الشرق الأوسط يمكن أن تسعى للحصول على نفس الشروط التي تحصل عليها ايران بموجب الاتفاق لإنشاء برامج نووية سلمية خاصة بها.

وتعثر البرنامج النووي السعودي المقترح في السنوات الأخيرة بسبب خلافات على نطاقه واي الهيئات الحكومية ستتولى السيطرة عليه لكن على الرغم من ذلك وقعت الرياض اتفاقيات للتعاون النووي مع عدة دول. بحسب رويترز.

ويدل التعامل بجدية مع دراسة الرياض امتلاك برنامج للتسلح النووي على حجم التغير الذي طرأ على علاقاتها مع الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بعد خلافات بشأن التعامل مع الأوضاع في مصر وسوريا إثر انتفاضات الربيع العربي.

وعلى الرغم من أنها مازالت تنظر الى واشنطن باعتبارها حليفة وثيقة فإن السعودية لم تعد تعتقد أن باستطاعتها الاعتماد على الولايات المتحدة للدفاع عنها وعن حلفائها في مواجهة ما تعتبرها سياسة توسعية إيرانية في الدول العربية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 للإطاحة بصدام حسين.

وينظر الى تحرك السعودية بشأن اليمن داخل المملكة على أنه دليل على حقبة اكثر صرامة وحزما للسياسة الخارجية السعودية أساسها القيام بتحركات مباشرة ضد ايران بدلا من الاعتماد على مساعدة غربية.

وقال سعود السرحان الباحث بمركز الملك فيصل بالرياض "اذا انتصرنا في اليمن كما هو مرجح فإن هذا سيمثل نهاية عقد من القوة لإيران في المنطقة وسيصبح النفوذ السعودي أقوى وأقوى"، وأضاف أن المواجهة الآن ستصبح مباشرة، وتمثل العلاقات مع دول سنية أخرى بالمنطقة عنصرا أساسيا لهذا الموقف السعودي الاكثر حزما خاصة العلاقات الأمنية مع مصر وباكستان، وقام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف بزيارة الرياض فيما سعى الملك سلمان الى بناء تحالف إقليمي لمواجهة ايران.

ينطوي امتلاك أي قدرة على إنتاج أسلحة نووية على مخالفة بنود معاهدة حظر الانتشار النووي ويحتمل أن يعرض الرياض لأن تصبح دولة منبوذة او لفرض عقوبات قاسية كتلك التي فرضت على ايران.

ويعتمد الاقتصاد السعودي على التجارة الدولية اكثر من اعتماد الاقتصاد الإيراني لكن صادراته من النفط الخام اكثر أهمية بكثير للاقتصاد العالمي مما يجعل من الصعب فرض اي عقوبات اقتصادية بفاعلية، وقال الدبلوماسي "لا أظن أنها ستواجه عقوبات. اذا كان لديك ربع احتياطيات العالم من الطاقة فإنك لا تخضع لعقوبات. فكرة أن المجتمع الدولي يستطيع فرض عقوبات على السعودية مخادعة منه"، ومن بين الاحتمالات التي تتردد كثيرا أن بوسع السعودية شراء سلاح من باكستان أو الدخول تحت مظلتها بدلا من محاولة استخدام برنامجها النووي المدني لإنتاج قنبلة وهي عملية معقدة يصعب الحفاظ على سريتها، وقال بن صقر من مركز الخليج للأبحاث "أرسلت السعودية ما يكفي من المؤشرات. تتمتع بعلاقة قوية جدا مع باكستان التي تملك بعض القدرات. اذا كان جيراني يمتلكونها فلماذا علي أن أنتظر لحين أن أصبح تحت تهديد؟. سأحمي مصالحي".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي