مستقبل بريكست: انهيار وشيك أو خروج دونما تنازلات!

عبد الامير رويح

2018-06-27 05:57

مفاوضات بريكست الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ربما ستستمر لفترة طويلة بسبب بعض القضايا الخلافية المهمة، التي تحاول الحكومة البريطانية الاتفاق عليها باقل خسائر ممكنة هو ما قد يخفف انتقادات الرأي العام البريطاني المقسم بخصوص الانفصال البريطاني عن التكتل الأوروبي، ويرى بعض المراقبين ان التوصل الى اتفاق خاص يرضي جميع الاطراف امر صعب ولكنه قد يطول، خصوصا وان المسائل الخلافية كثيرة ومتشعبة ويصعب حصرها في وقت معين، هذا الامر قد يزعج الكثير من قادة الاتحاد الذين عمدوا الى وضع شروط قاسية بهدف الحفاظ على وحدة اوروبا، وفي هذا الشأن حذّر كبير مفاوضي الاتحاد الاوروبي في ملف بريكست ميشال بارنييه من ان التكتل لن "يخضع للترهيب" جراء الاتهامات المتبادلة التي تمارسها بريطانيا في المفاوضات، موضحا ان مهلة التوصل لاتفاق حول مغادرة الاتحاد بدأت تنفد.

وتاتي انتقادات بارنييه ردا على مؤيدي بريكست في الحكومة والبرلمان البريطانيين الذين يتهمون الاتحاد الاوروبي باتخاذ موقف متشدد يبطئ وتيرة المفاوضات التي من المقرر ان تنجز اواخر اذار/مارس 2019. وقال بارنييه "لن نخضع للترهيب جراء لعبة الاتهامات المتبادلة هذه". وتابع بارنييه ان على بريطانيا "قبول نتائج" الاستفتاء الذي اجرته في حزيران/يونيو 2016 حول الخروج من الاتحاد الاوروبي، مضيفا انه لن يكون بامكانها الاستمرار بالاستفادة من الاحكام التي كانت تنطبق عليها عندما كانت في الاتحاد.

وقال بارنييه "اذا اردنا بناء علاقة جديدة يجب ان يكون هناك ثقة اكبر وواقعية اكبر حول ما هو ممكن وما هو غير ممكن". وقال متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إن الحكومة تثق أن خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي لن يكون نهاية العالم وذلك ردا على تقرير أفاد بأن مسؤولين توقعوا حدوث نقص في البنزين والغذاء والدواء إذا لم يتم التوصل لاتفاق. وردا على سؤال عما إذا كان تقرير نشرته صحيفة صنداي تايمز وجاء فيه أن عدم التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي سيكون بمثابة نهاية العالم في بريطانيا قال المتحدث للصحفيين ”هناك الكثير من العمل وصنع القرار فيما يتعلق بخططنا في حالة عدم التوصل لاتفاق خاصة فيما يتعلق بالموانئ ونعلم أنه لن يحدث شيء من ذلك“.

وكرر المتحدث ثقة الحكومة أنها ستتوصل إلى اتفاق جيد للانفصال عن الاتحاد الاوروبي. وحذر مسؤولون في المملكة المتحدة في وقت سابق، الاتحاد الأوروبي من أن مقاربته لمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد تؤدي إلى الإضرار بعلاقاته الأمنية والاقتصادية معها.

خلافات داخلية

الى جانب ذلك حذر نائب في البرلمان البريطاني مؤيد للاتحاد الأوروبي من أن الحكومة قد تنهار بسب خلاف بشأن دور البرلمان في إجراءات الخروج من الاتحاد لكنه قال إنه يأمل في إيجاد سبيل لتجنب ذلك. ويدور خلاف بين حكومة المحافظين التي تمثل الأقلية وتتزعمها رئيسة الوزراء تيريزا ماي ومعارضين من داخل الحزب على الصياغة النهائية للقوانين التي من شأنها إنهاء عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهو خلاف مرير يهدد بتقويض سلطاتها. وقال دومينيك جريف، وهو نائب عن حزب المحافظين، يتفاوض مع الحكومة على الصياغة النهائية للقوانين التي من شأنها إنهاء عضوية بريطانيا في التكتل ”يمكننا إسقاط الحكومة، وأؤكد لكم أنني أستيقظ في الثانية صباحا أتصبب عرقا وأنا أفكر في المشكلات التي وضعناها على كاهلنا“.

وقال مساعد النائب العام روبرت باكلاند المسؤول عن هذه المفاوضات إن حكومة المحافظين وهي حكومة أقلية متمسكة باقتراحها الذي رفضه أعضاء في الحزب كانوا يعارضون الانسحاب من الاتحاد. ويتركز الخلاف على ما يمكن أن يحدث في حال رفض البرلمان الاتفاق الأولي للخروج من التكتل الذي تتفاوض عليه ماي وفريقها مع بروكسل.

ويريد جريف ومجموعة من المحافظين لديهم ما يكفي من الأصوات لهزيمة الحكومة أن يكون للبرلمان نفوذ أكبر، مما يبدو أن الوزراء مستعدون لمنح له، فيما يتعلق بالخطوات التالية. وانهارت المفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية وعدت بها ماي في وقت سابق لتجنب الهزيمة عندما قال المعارضون إن الحكومة غيرت صياغة الاتفاق. وقال جريف ”أول ما أريد فهمه هو لماذا رفض ذلك... أحث ديفيد ديفيز (وزير الخروج من الاتحاد الأوروبي) ... أن يذهب للنظر في الأمر والحديث مع النواب عن الحكومة ليتأكد أنه لن يتسبب فيما يخشاه“. بحسب رويترز.

وقال ديفيز وماي إنهما لا يمكنهما قول أي شيء يعطي البرلمان سلطة فرض قيود عليهم في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي أو يفتح الباب أمام النواب لتغيير نتيجة استفتاء 2016 على الخروج من التكتل. وسيعرض اقتراح المعارضين أمام اقتراح الحكومة على المجلس الأعلى غير المنتخب بالبرلمان وسيجري بحثه مرة اخرى في المجلس الأدنى المنتخب.

انهيار بريكست

على صعيد متصل حذر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون من "انهيار" بريكست" وعبر عن اعجابه باسلوب الرئيس الاميركي دونالد ترامب في التفاوض والذي كان سيعتمد القوة لو كان في موقع رئيسة الوزراء تيريزا ماي. وتحدث جونسون في تصريحات لموقع اخباري الكتروني عن العلاقات مع روسيا والصين واشار الى وجود "اسلوب في جنون" مقاربات ترامب السياسية. ورفض الناطق باسم رئيسة الوزراء البريطانية التعليق على تصريحات جونسون التي سربت الى وسائل الاعلام وكشفها موقع "بازفيد" الاخباري اولا.

ولم يسع جونسون المعروف بتصريحاته التي تفتقد الى الدبلوماسية على الرغم من منصبه، الى انتقاء كلماته في تصريحاته التي ادلى بها خلال عشاء اقامته مجموعة ضغط محافظة، وكان يفترض الا تكشف لكن وسائل اعلام عديدة حصلت على تسجيلات لها. وقال جونسون في التصريحات التي نقلها موقع "بازفيد نيوز" في انتقاد ضمني لطريقة عمل ماي انه "اذا لم تكن لديكم الشجاعة للرغبة في سياسة مستقلة، فلن تحصلوا على الارباح الاقتصادية لبريكست. لن تحصلوا ابدا على الارباح السياسية لبريكست".

واشار الوزير المشكك في الوحدة الاوروبية الى ان ماي "ستدخل في مرحلة سنصبح فيها اشرس مع بروكسل"، في اشارة الى المفوضية الاوروبية التي وصفها ب"العدوة"، قائلا "سنحارب العدو وهذا صحيح تماما. علينا ان نفعل ذلك". لكنه اضاف "لكن عليكم القبول بواقع ان الامر قد ينهار الآن. اريد الا يصاب اي شخص بالهلع خلال هذا الانهيار. لا هلع. من اجل الناس، لا هلع وكل شيء سيكون على ما يرام في نهاية المطاف".

وتابع جونسون ان بريكست "لا رجعة فيه" لكنه "يمكن ان لا يكون بالشكل الذي نريده نحن". وأضاف ان الطبقة الحاكمة -- وخصوصا الخزانة اتي يديرها وزير المالي فيليب هاموند -- تسعى الى ان يجري "بريكست باقل قدر ممكن من التغيير". واضاف ان هناك احتمالا كبيرا ان نرى المملكة المتحدة تقبل باتفاق يتجاوز "خطوطا حمر" عديدة لمؤيدي بريكست بلا تنازلات وجونسون احدهم، بما ان البلاد "عالقة الآن في فلك الاتحاد الاوروبي، في الاتحاد الجمركية وبشكل اوسع في السوق المشتركة".

يفترض ان تغادر بريطانيا الاتحاد في نهاية آذار/مارس 2019 مع البقاء في الاتحاد الجمركي حتى نهاية 2020، الوقت اللازم لاعداد شراكة جديدة. ويمكن تمديد هذه المهلة الى نهاية 2021 اذا لم يتم التوصل الى حل يضمن ابقاء الحدود مفتوحة بين ايرلندا الشمالية وجمهورية ايرلندا العضو في الاتحاد الاوروبي. ويخشى مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد بلا تنازلات، ان يستمر هذا الوضع الى ما لا نهاية.

ورأى جونسون ان ترامب كان سيواجه المفوضية الاوروبية بقوة. واضاف "ازداد اعجابا بدونالد ترامب. ازداد قناعة بان هناك اسلوبا منظما في جنونه". واعترفت الناطقة باسم ماي بوجود "جدل حاد" داخل الحكومة. وقال ان "رئيسة الوزراء تعتقد ان مكتبها وحكومتها يعملان بجد لتنفيذ ارادة الشعب". الا انه رفض تصريحات جونسون بشأن الحدود الايرلندية.

وقالت ان تجنب المراقبة على الحدود بين ايرلندا الشمالية ودبلن "اولوية لدى رئيسة الوزراء من اليوم الاول". واضافت ان "رئيسة الوزراء ملتزمة الاتحاد (المملكة المتحدة) وظهور حدود عملية سيعرض ذلك للخطر". وقال الوزير البريطاني "تصوروا لو ان دونالد ترامب يصنع بريكست". واضاف "سيقوم بذلك باكبر قدر من القوة (...) ستكون هناك كل انواع القطيعة وكل انواع اللحظات الفوضوية. الجميع سيعتقدون انه اصيب بالجنون. لكن في نهاية المطاف سنصل الى امر ما. انها فكرة لطيفة جدا".

على الصعيد الدولي، اكد جونسون ان تيريزا ماي ستعرض على قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في كندا، خطة تقضي بانشاء "وحدة للتدخل السريع" في مواجهة "الاعتداءات الروسية" وخصوصا الهجمات الالكترونية. واوضح ان وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو طلب من المملكة المتحدة استخدام "خبرتها النووية لتفكيك الصواريخ النووية لكيم جونغ اون" الزعيم الكوري الشمالي. بحسب فرانس برس.

وحول الصين، قال جونسون "نحتاج الى مواجهة الصين دبلوماسيا، الى معاملتها كصديقة وشريكة لنا، لكن ان نعترف ايضا بانها منافستنا التجارية وستحاول الاحتيال علينا". وصرح مصدر قريب من جونسون ان "تسجيل" التصريحات التي ادلى بها وزير الخارجية في هذا العشاء الخاص، "وتوزيعها على وسائل الاعلام" امر "محزن جدا ومخيب للآمال". وجونسون معروف بهفواته التي تصل الى حد ارباك تيريزا ماي، لكن تصريحاته الاخيرة هذه اثارت ذهول المراقبين. وقال الصحافي جاك بلانشار من موقع "بوليتيكو" الالكتروني "لم يحدث يوما في الماضي ان سمعت وزيرا للخارجية البريطانية يدلي بتصريحات كهذه حول حلفاء واعداء وحول حكومته".

لقاءات سرية

من جهة اخرى عقد احد كبار مانحي حملة بريكست اجتماعين سريين مع السفير الروسي قبل استفتاء انفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي في 2016 وبعده، وعرضت عليه عقوداً لاستثمار ستة مناجم للذهب في روسيا، كما ذكرت صحيفة بريطانية. وجاء في تقرير نشرته صحيفة صنداي تايمز أن ارون بانكس مؤسس حملة "ليف اي يو" (اخرجوا من الاتحاد الاوروبي) الداعمة لبريكست، تم تعريفه على السفير الروسي في لندن الكسندر ياكوفينكو عبر الكسندر اودود "المشتبه في انه ضابط استخبارات" روسي.

وأقر بانكس بانه سلّم أرقام هواتف اعضاء في الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي دونالد ترامب لمسؤولين روس، بعد لقائه بالرئيس الأميركي المنتخب آنذاك في تشرين الثاني/نوفمبر في نيويورك. وردا على سؤال رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بخصوص التقرير اثناء حضورها قمة مجموعة السبع في كندا، قالت "انا متأكدة أنه إذا وجدت أية مزاعم تحتاج لتحقيق فإن السلطات المعنية ستقوم بذلك".

وقال وزير مكتب رئاسة الحكومة ديفيد ليدينغتون لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" إن المزاعم الواردة في التقرير "خطيرة" وتستحق أن تنظر فيها السلطات المختصة. وقالت الصحيفة إن هذا الكشف يثير "شكوكا متفجرة حول محاولات روسيا التأثير على نتائج الاستفتاء"، لكن بانكس رفض هذه الاتهامات التي اعتبرها جزء من "المطاردة" الجارية ضد بريكست وترامب. وكان بانكس، وهو مليونير في قطاع التأمين، قد قال في وقت سابق إن "غداء فاخر لست ساعات" جمعه مع ياكوفينكو في السفارة الروسية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

ونقلا عن رسائل البريد الالكتروني، قالت صحيفة صنداي تايمز إن الاجتماع أعد بواسطة اودود، وهو أحد 23 جاسوسا مشتبه بهم طردتهم بريطانيا بعد حادث تسميم العميل الروسي المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في آذار/مارس الفائت. ونقلت الصحيفة تصريحات آندي ويغمور احد مساعدي بانكس الذي حضر اللقاء قوله إنهم لم يقدموا "أي معلومات (للسفير) او اي مسؤول روسي حول تفاصيل حملتنا".

وذكر التقرير ان بانكس وويغمور التقوا ياكوفينكو مجددا لتناول الشاي في 17 تشرين الثاني/نوفمبر في اجتماع ضم قطب التعدين سيمان بوفارياكين لمناقشة صفقة تتضمن ستة مناجم ذهب في روسيا. وفي شباط/فبراير 2016، زار بانكس، المتزوج من روسية، روسيا في أوج الاستفتاء على بريكست فيما وصفه بانه "رحلة عائلية" لم تتضمن لقاءات مع مسؤولين روس.

وقالت الصحيفة إن داعمي بريكست دعوا ياكوفينكو واودود لحفل في لندن نظمه بانكس، كما دعي السفير الروسي لحضور حفل للاحتفال بالنتائج في ويستمنتسر. ولاحقا، دُعي بانكس وويغمور للقاء السفير الروسي بعدما التقوا رفقة احد ابرز داعمي بريكست نايجل فاراج، ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بعد وقت قصير من انتخابه. وقال ويغمور إن "السفير (الروسي) كان مهتما بشكل واضح بمعرفة كيف سار لقاؤنا" مع ترامب.

واستند تقرير صنداي تايمز إلى رسائل بريد الكتروني مررت للصحيفة من الصحافية ايزابيل اوكشوت الكاتبة السرية لمذكرات "رجال بريكست السيئون" وهي الان تؤلف كتابا حول المحاولات الروسية للتأثير على السياسة البريطانية. وكتبت اوكشوت في الصحيفة أن "بانكس وويغمور تم استخدامهما بلا خجل من قبل الروس". لكن بانكس أخبر الصحيفة "تناولت الغداء مرتين مع السفير الروسي ومرة أخرى تناولنا فنجان شاي. إنها مطاردة سياسية غير مريحة بشأن بريكست وترامب". بحسب فرانس برس.

وقال إن النقاشات لم تتطرق إلى اتفاق بخصوص منجم الذهب "لم نستفد من اي اتفاقات تجارية لانني لم اسع لذلك ابدا". وأخبر الصحيفة أنه كشف تفاصيل اتصالاته مع الروس للمسؤولين الاميركيين. وقال "لقد قابلنا بالفعل مسؤولين من السفارة الأمريكية قدمونا إلى وزارة الخارجية لشرح ما حدث، ثم قمنا بإطلاع الاميركيين على لقاءاتنا مع الروس". ويحقق المدعي الخاص روبرت مولر في مزاعم وجود اي تواطؤ بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا. ووصف ترامب التحقيقات بانها "مطاردة".

ذات صلة

لماذا لا يدفعون الثمن؟التنفيذ المركزي واللامركزي في العراق.. التخصيصات الاستثمارية مثالاًالتفكيرُ عراقيَّاًفكرة المشروع الحضاري في المجال العربي.. التطور والنقدالإرهاب الصامت