قمة أنقرة الثلاثية: بناء فوق الركام الأمريكي

مسلم عباس

2018-04-05 06:44

اختُتمت القمّة الثلاثية بين رؤساء إيران وتركيا وروسيا، الأربعاء، بتأكيد ضرورة الوقوف ضد أي "أجندة انفصالية" أو مخطّطات تمسّ وحدة سوريا وسيادتها. جاء ذلك في بيان مشترك صدر حول اللقاء عقده الزعماء؛ التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، في العاصمة التركية أنقرة.

واتّفق المجتمعون على عقد القمة المقبلة (بشأن سوريا) في العاصمة الإيرانية طهران، تلبية لدعوة الرئيس روحاني، دون تحديد موعدها. كما اتفق القادة على ضرورة تهيئة الظروف لعودة السوريين النازحين بفعل القتال في بلدهم، وعلى أن "يواصلوا التعاون لإحلال السلام والاستقرار في سوريا".

وشدّدوا على الحاجة لـ "مساعدة السوريين على استعادة الوحدة وتحقيق الحل"، مؤكّدين أن النزاع في هذا البلد لا يمكن حله بالقوة العسكرية. وأكّدوا "مجدداً" عزمهم على مواصلة تعاونهم "النشط" حول سوريا؛ لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار (الموقّع نهاية 2016)، والدفع بالعملية السياسية بموجب قرار مجلس الأمن".

ورحّب الرؤساء التركي والروسي والإيراني بالقرار 2401 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، نهاية فبراير الماضي، لمعالجة الحالة الإنسانية الكارثية في سوريا. وناشدوا "أطراف النزاع التصرّف (في سوريا) بالامتناع عن انتهاكات وقف إطلاق النار، بما يتفق مع بنود القرار (2401)"، بحسب نص البيان.

استانا نافذة الحل

وأعلنت الدول الثلاث اعتبار "عملية أستانة صيغة ناجحة وحيدة للمفاوضات حول تسوية الأزمة السورية"، مؤكّدين دعم قرارات "مؤتمر الحوار الوطني السوري" في سوتشي. وأشار البيان إلى سعي رؤساء الدول الثلاث إلى مواصلة التعاون لدحر تنظيمات: "الدولة" (داعش)، و"جبهة النصرة"، ومجموعات وشخصيات إرهابية أخرى.

يُذكر أن الدول الثلاث زادت من تنسيقها لإنهاء الحرب الدائرة في سوريا؛ فعقدوا أول قمة لهم بتاريخ 22 نوفمبر 2017 بمنتجع سوتشي الروسي، وبحثوا مساعي حل الأزمة وخطواته. واتفقوا آنذاك على "تنظيم مؤتمر حوار تشارك فيه كل المكوّنات السورية، وتعزيز وقف إطلاق النار، وزيادة المساعدات للمتضرّرين من الحرب، وإنشاء مناطق لخفض التصعيد".

الثلاثة الكبار

وعلقت وسائل الاعلام الامريكية على القمة الثلاثية، كما اكدت ان سوريا باتت بيد هذا الحلف الذي لا يزال في طور الولادة، فرغم الحرص على إعلان انحسارها، لا يُحتمل أن تكون الحرب في سوريا قد اقتربت من نهايتها ببساطة لأنَّ فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان، وحسن روحاني يتقابلوا في أنقرة بتركيا، وفق تقرير نشرته شبكة CNN الأميركية.

نعم، يمثل القادة أكبر 3 قوات عسكرية أجنبية تُجري عملياتها الآن داخل سوريا، باستثناء الولايات المتحدة الأميركية التي قال قائدها الأعلى نهاية الأسبوع الماضي إنَّ أميركا قريباً ستترك العناية بسوريا "للآخرين". يمكنك المجادلة بأنَّ النظام في دمشق سيفعل ما تخبره به طهران أو موسكو (بحسب الشبكة الامريكية).

لكنَّ احتمالية اتفاق روسيا وتركيا وإيران على الشكل الذي يجب أن يكون عليه الوضع في سوريا مستقبلاً هو خطوة قصيرة المدى في أفضل أحوالها، وتتجاهل الأسباب الكامنة للحرب التي ما زالت دون حل حتى الآن.

الحل المقبول حالياً

يضيف تقرير شبكة "سي ان ان" أن المنطلق المقبول لهذا الحل الثلاثي هو أنَّ إيران وروسيا راضيتان بتحكم النظام السوري المطلق في الساحل، وامتلاكه لقناة مفتوحة إلى العاصمة العراقية بغداد، يمكن لإيران من خلالها أن تضايق إسرائيل وتسيطر على المنطقة ببطء، كما يمكن لموسكو أن تتحكم في قاعدةٍ بحرية على البحر الأبيض المتوسط.

وستكون تركيا سعيدةً، إذ يُسيطر حلفاؤها على المنطقة الغربية لنهر الفرات حتى حلب، ويوفرون مساحةً للسنة ليقيموا مجتمعاتهم الخاصة، التي يمكن لملايين اللاجئين السوريين المقيمين حالياً في تركيا أن يعودوا إليها.

أما النتائج غير المعلنة والملحقة بهذا الاتفاق هي أنَّ الأميركيين سيبُقون على قوةٍ عسكرية كافية ونفوذٍ في الشمال الشرقي، لتبقى المنطقة بحكم الواقع جيباً سورياً كردياً طوال السنوات القادمة.

عيوب الحل

أصبحت عيوب هذا الحل قصيرة المدى واضحة. فأنقرة تستهدف الأكراد في مدينة منبج السورية غرب الفرات، المحكومة حالياً من الأكراد السوريين المدعومين من أميركا. ويتطلع النظام السوري إلى أكثر المناطق كثافةً سكانية في الشمال الغربي، وهي أدلب، حيثُ تمتلك تركيا نفوذاً قوياً، وهي المكان الذي نزح إليه المقاتلون السوريون من المعارضين من الغوطة وحلب وأماكن أخرى، بالإضافة إلى آلاف المدنيين.

وهذه هي فقط المشكلات قصيرة المدى، أما طويلة المدى فهي أصعب في حلها. يقول تقرير شبكة CNN الأميركية إن هذا التوافق الثلاثي يفشل بشكلٍ أساسي في التعامل مع المشكلات الديموغرافية والطائفية الكامنة التي بدأت الحرب في البداية.

انتفض سُنِّيو سوريا ضد نظامٍ يهيمن عليه الشيعة في عام 2012. وهؤلاء السنة ما زالوا يفتقرون إلى التمثيل المناسب أو إلى وطنٍ حقيقي. فهم متكدسون في جيبٍ صغير في الشمال الغربي، وخارج حدود سوريا ناحية تركيا، والأردن، ويتواجد الكثيرون أيضاً في لبنان. وقد تُرك هؤلاء السكان المحرومون، والمحاصرون، ومعدومو الموارد في الأنقاض، والخيم والسهول الريفية بإدلب.

هناك أمران يمكن أن تعول عليهما في الشهور القادمة، الأول هو أنَّ روسيا والنظام السوري سيقصفان إدلب وآلالاف المدنيين فيها، وأنَّ المسلحين الذين يحتمون بها سيردون بأقصى ردٍ ممكن. وكلا الجانبين سيستمران في فعل ما قاما به من قبل. والثاني هو أنَّ الأكراد السوريين يسيطرون على منطقةٍ كبيرة من الشمال الشرقي الآن بفضل هزيمة داعش شبه الكاملة في سوريا. كل ما هو شرق الفرات لم يكن كردياً قبل داعش، وليس كذلك بالكامل الآن، لكنَّ القوات السورية الديمقراطية هي القوة الراسخة هناك. في حالة المغادرة المحتملة للقوات الأميركية حسبما أعلن الرئيس دونالد ترامب، حينها سيتحتم على الأكراد السوريين إما أنَّ يصيغوا اتفاقاً للتعايش مع النظام السوري، أو أن يواجهوا بمفردهم القوات التركية وقوات النظام على الأرجح.

3 قوى وثلاث أجندات مختلفة

نعم، عزز النظام المدعوم من إيران وروسيا سيطرته على المناطق التي أرادها، لكنَّ الأغلبية في الدولة، لم يستقروا على إجابة سؤال أين سيعيشون، ومن سيحكمهم. هذا هو ما بدأ المشكلة، ويجب أن يُجاب هذا السؤال إذا أرادوا حلها.

أخيراً، القوى الثلاث المهيمنة في سوريا، وهي القوات المدعومة من تركيا، والأكراد السوريون المدعومون من أميركا، والنظام السوري نفسه، لديها أنصار وأجندات مختلفة تماماً. فالنظام يريد أن يهزم القوات التي تدعمها تركيا، ويُخرج أميركا خارج سوريا.

وتريد أميركا أن تهزم الإيرانيين وأحلام النظام السوري في المنطقة، بينما تُبقي روسيا السيطرة تحتها. يمكن أن تبتسم إيران وروسيا وتركيا أمام الكاميرات في أنقرة، لكنَّ الثلاث ما زالت أمامها مشكلاتٌ كثيرة في سوريا.

عدو ثلاثي

وفي الجانب الاخر من المنتظر أن يكون القضاء على حليف الأميركيين بالنسبة لطهران وموسكو وعدو الأمن القومي التركي بالنسبة لأنقرة، ممثلاً بـ"العمال" الكردستاني، على رأس اهتمامات الحلف الثلاثي، مع نجاح أنقرة إثر عمليات "غصن الزيتون"، وبعد جهد جهيد، بإيجاد حلفاء لها ضد "الكردستاني" وجناحه السوري "الاتحاد الديمقراطي"، بعد أن كان الأخير محط جهود كبيرة لجذبه من قبل كل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في القضية السورية.

وتمكنت الإدارة التركية بعد التنسيق العالي مع كل من طهران وموسكو من توجيه ضربات كبيرة لـ"الكردستاني" في كل من سورية والعراق، وتمّت السيطرة على منطقة عفرين بالتعاون مع الروس. وعبر التعاون والتنسيق مع كل من طهران وبغداد، تمكنت أنقرة، من دفع الجيش العراقي لطرد "الكردستاني" من منطقة سنجار التابعة لولاية نينوى العراقية التي كان من المقرر أن تكون بديلاً لمقرات الحزب في قنديل في شمال العراق، والتي تعرضت بدورها لواحدة من أعتى الهجمات من قبل الجيش التركي. وسيطرت القوات التركية على كل من منطقتي خاكورك وخاني رش في إقليم كردستان العراق، التي كانت خاضعة لـ"الكردستاني" منذ التسعينيات، وتمّ استخدامها لشن الهجمات في العمق التركي، بل بدأت العمل على إنشاء ثلاث قواعد عسكرية دائمة فيها. وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، عن "وجود ألف من عناصر الجيش التركي، في المنطقتين، إضافة إلى باقي القواعد العسكرية والمكاتب الاستخباراتية التركية الموزعة في مختلف مناطق الإقليم".

ومع هذه التطورات الأخيرة، اتضحت الاستراتيجية التركية في الحرب على "الكردستاني"، متمثلة بضرب مناطق نفوذ الأخير في العراق وغرب الفرات وحصاره في المناطق السورية شرق نهر الفرات، وهي مناطق سهلية، حيث سيكون من المستحيل على "الكردستاني" استخدام تكتيكات حرب العصابات المُعتاد عليها في المناطق الجبلية.

وإن كانت التحركات الأميركية في سورية لا توحي بقرب تنفيذ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب نيته سحب قوات بلاده منها بأسرع وقت ممكن، إلا أن الضامنين الثلاثة مهتمون بتقاسم الفراغ الذي سيخلفه الأميركيون خلفهم، في حال تم الانسحاب، وسط إصرار تركي على السيطرة على المناطق الحدودية السورية بعمق 30 كيلومتراً، ورغبة روسية إيرانية جامحة للسيطرة على المناطق الغنية بالنفط في ريف دير الزور وتأمين خط طهران بغداد دمشق بيروت.

داعش باقية

هذه الرؤية الضبابية اخترقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، بتاكيده إن قوات بلاده في سوريا تمكنت من هزيمة تنظيم "داعش".وبحسب "سبوتنيك" الروسية قال بوتين في برقية ترحيبية لمشاركي مؤتمر موسكو للأمن الدولي، والموجود حالياً في أنقرة لحضور قمة مع نظيريه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني، حول سوريا، أن "داعش" يستعيد قدراته ويمكنه تنفيذ هجمات في مناطق مختلفة من أنحاء العالم.

وقال بوتين: "على الرغم من هزيمتها العسكرية لداعش، تحتفظ هذه المجموعة الإرهابية بإمكانيات مدمرة كبيرة، والقدرة على تغيير التكتيكات بسرعة والقيام بحملات في مختلف البلدان والمناطق في العالم، كما أن الهياكل المتطرفة الأخرى هي أيضاً خطر كبير".

وأشار الرئيس الروسي إلى أن هناك "ضرورة للتفكير معاً بأشكال جديدة للتعاون المتعدد الأطراف، الذي من شأنه أن يسمح لنا بتوطيد المكاسب التي تحققت في مكافحة الإرهاب، ومنع المزيد من انتشار هذا التهديد".

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة