نتنياهو وخطابه الدعائي..
مصالح أحادية تهدد العلاقات الامريكية الإسرائيلية
كمال عبيد
2015-03-03 04:08
يبدو ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي سيلقي خطابه المثير للتوتر والجدل امام الكونجرس خلال الشهر الثالث من العم الحالي، يسير على حبل مشدود وبخطوات تعنت على مسار تصادم مع البيت الأبيض، فمن شأن هذا الخطاب - السياسي الدعائي- ان ينسف العلاقات الهشة اساسا مع الرئيس الاميركي باراك اوباما وان يشكل تحديا للروابط بين البلدين.
فقد شكل الجدل حول الخطاب المزعوم أحدث حلقة في سلسلة من التراشق المتوتر بين حكومة نتنياهو اليمينية وادارة الرئيس باراك اوباما مما دفع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إلى أسوأ حالاتها على مدى عقود.
ويرى المحللون انه أغضب الادارة الأمريكية لسببين: أولهما أن نتنياهو ينضم إلى الجمهوريين في انتقاد استراتيجية أوباما بشأن إيران ومحاولة ضمان فرض عقوبات أمريكية جديدة.
وثانيهما أنه يتعارض مع البروتوكول الدبلوماسي بدعوة زعيم أجنبي قبل ايام من انتخابات يخوضها في بلده. وسيتحدث نتنياهو قبل اسبوعين فقط من انتخابات برلمانية اسرائيلية يوم 17 مارس آذار سيسعى فيها للفوز بفترة ولاية رابعة. ونتيجة لذلك فلن يلتقي اوباما معه أثناء الزيارة لواشنطن.
ويعزو بعض المتخصصين في الشؤون الدولية ان العلاقات بين أوباما ونتنياهو غير مريحة على الدوام لكن الاحساس بتبادل المضايقات تزايد في الشهور القليلة الماضية مع انتقاد نتنياهو بصورة متزايدة للسياسة الأمريكية بشأن ايران والضغوط الأمريكية بشأن أمور تمتد من المستوطنات الاسرائيلية حتى عدم إجراء محادثات مع الفلسطينيين.
بينما يرى محللون آخرون بما ان اعادة انتخاب نتانياهو تبدو مرجحة، فان المجموعات المؤيدة لإسرائيل في واشنطن تريد ان تتفادي ان يتحول الخلاف بين اوباما ونتانياهو الى شقاق استراتيجي بين البلدين.
وقد واجه نتنياهو انتقادات في الداخل والخارج لخططه الرامية لإلقاء كلمة في الكونجرس قبل أسبوعين فقط من الانتخابات الإسرائيلية وفي مرحلة حرجة من المفاوضات الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
حيث شكك مسؤولون أمريكيون في حكم نتنياهو على الأمور واعتبروا أن استنكاره الصريح لجهود التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي أدخل الصراعات الحزبية الهدامة إلى العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل.
لذا يرى الكثير من المحللين ان عزم اسرائيل على كبح البرنامج النووي الايراني وهو ما كشف عن نفاد صبر اسرائيل من الولايات المتحدة حليفتها الرئيسي، يهدف الى الضغط وابرز خطر هذا الاتفاق بتصعيد الحرب الكلامية والدبلوماسية من أجل استفزاز الام الحنون "أمريكا"، التي باتت اليوم تغرد بعيدا عن سرب طفلها المدلل "إسرائيل" خاصة في الآونة الأخيرة، إذ تموج الخلافات بين رئيس حكومة إسرائيل والادارة الديمقراطية في امريكا بين المناورات السياسية والتصريحات الملتهبة وهو ما شكل صراعا جدليا بينهم، ليكشف ازدواجية أجنداتهم الاستراتيجية، وهو ما قد يرسخ تداعيات دائمة تصدع العلاقات الاسرائيلية في المستقبل القريب.
نتنياهو يسير على حبل مشدود
في سياق متصل عندما وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تلبية دعوة الكونجرس الأمريكي لإلقاء خطاب أمامه قبل أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية بدا أن لهذا القرار بعض الآثار السلبية لكن مع اقتراب الموعد يبدو أن المشاكل المحتملة في تزايد.
والهدف الرئيسي للخطاب هو تحذير المشرعين الأمريكيين من مخاطر التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي والإبقاء على احتمال فرض المزيد من العقوبات على طهران على الطاولة وهو ما يحبط السياسة التي يتبعها الرئيس الأمريكي باراك أوباما منذ فترة طويلة وهي التفاوض مع الجمهورية الإسلامية. بحسب رويترز.
وفي الوقت عينه كان من الصعب تجاهل الدفعة التي سيقدمها الخطاب لنتنياهو وحزبه قبل الانتخابات البرلمانية المزمعة في 17 مارس آذار المقبل خصوصا أنه سيلقيه في ساعة الذروة وسيتناول قضية حساسة، ويسعى نتنياهو إلى الفوز بولاية رابعة في الانتخابات الوشيكة.
لكن مع تبقي بضعة أيام على الخطاب الذي يلقيه في الثالث من مارس آذار يبدو أن تحقيق أي من الهدفين سواء إجهاض الاتفاقية الإيرانية أو تعزيز موقفه في الانتخابات غير مؤكد بينما بدأت تظهر على السطح المخاوف من تأثيره على الأمد الطويل على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
وقال ايتان جيلبوا الاستاذ في جامعة بار ايلان والمتخصص في العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية "لهذا الوضع مخاطر تفوق حسناته بدرجات"، وأضاف "أنا فقط لا أستطيع أن أرى كيف يمكن لهذه الاستراتيجية أن تنجح. هذه الزيارة ستظهر عمق الصدع بين حكومته (نتنياهو) وبينه شخصيا وبين الولايات المتحدة". بحسب رويترز.
وحتى إذا ألقى نتنياهو الخطاب الأقوى في حياته فإن قدرته على إخراج المفاوضات عن مسارها أو حشد أغلبية الثلثين المطلوبة في الكونجرس لفرض المزيد من العقوبات على إيران محدودة وهو ما اعترف به ضمنيا.
وقال نتنياهو في خطاب الأسبوع الماضي "هل باستطاعتي أن أضمن أن يمنع خطابي في الكونجرس توقيع اتفاقية خطرة مع ايران؟ بكل صدق لا أعرف.. لكنني أعرف أنه من واجبي المقدس كرئيس وزراء إسرائيل أن أطرح وجهة نظر إسرائيل".
وعلى الجبهة الانتخابية تظهر استطلاعات الرأي الحالية أن حزب ليكود الذي يتزعمه نتنياهو يتساوى في الشعبية مع المعارضة المنتمية ليسار الوسط وتوقعت أن يفوز الجانبان بنحو 24 مقعدا في البرلمان المؤلف من 120 مقعدا.
كيري يشكك في قدرة نتنياهو على تقدير الامور
في المقابل شكك مسؤولون أمريكيون في قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الحكم على الأمور واعتبروا أن استنكاره الصريح لجهود التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي أدخل العصبيات الحزبية إلى العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية على نحو مدمر.
وفي تصعيد للتراشق اللفظي العدائي بين الحليفين قبل ستة أيام على الخطاب الذي سيلقيه نتنياهو أمام الكونجرس بشأن خطر إيران اتهم الزعيم الإسرائيلي الدول الكبرى بالتخلي عن تعهدها بمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري المنغمس في المحادثات الدولية مع طهران بشأن برنامجها النووي إن نتنياهو ربما يكون على خطأ، وقال كيري في جلسة استماع أمام الكونجرس "لديه حكم على الأمور ربما ليس صحيحا حيال هذا الشأن"، ونصح كيري بالانتظار لسماع ما لدى نتنياهو ليقوله في خطابه يوم الثلاثاء المقبل.
وكان الجمهوريون الذين يسيطرون على الكونجرس وجهوا الدعوة لنتنياهو لإلقاء خطاب أمام الكونجرس وهم يتفقون معه في معارضته لإبرام صفقة مع إيران، غير أن كيري قال إن نتنياهو كان "قصير النظر بشكل كبير وتحدث صراحة عن أهمية غزو العراق في عهد (الرئيس الأمريكي الأسبق) جورج بوش وجميعنا نعلم ماذا حدث جراء ذلك القرار"، بدوره حذر جوش إرنست المتحدث باسم البيت الأبيض في تكرار لتصريحات سابقة لمستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس من اختزال العلاقة الأمريكية - الإسرائيلية إلى مسألة سياسية بين حزبين مشيرا إلى أن هذا الأمر سيكون مدمرا.
وقال للصحفيين في إشارة إلى حزب نتنياهو "قال الرئيس إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا يمكن أن تختزل إلى علاقة بين الحزب الجمهوري وحزب ليكود"، ولم يستشر الجمهوريون أوباما أو الديمقراطيين في الكونجرس بشأن دعوة نتنياهو كما جرت العادة قبيل توجيه اي دعوة.
وازاء ذلك أعلن الرئيس الأمريكي أنه لن يلتقي نتنياهو بسبب قرب موعد زيارته إلى واشنطن من موعد الانتخابات الإسرائيلية في 17 مارس آذار المقبل، وفي خطاب لنتنياهو في مستوطنة إسرائيلية قرب القدس قال إن القوى الدولية تعهدت بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية ولكن يبدو أنهم تخلوا عن هذا الالتزام، وأضاف نتنياهو "أحترم البيت الأبيض ورئيس الولايات المتحدة لكن في قضية مصيرية كهذه يمكن أن تحدد وجودنا من عدمه يجب أن أفعل كل شيء لمنع مثل هذا الخطر العظيم على إسرائيل"، واتهم المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست الأسبوع الماضي إسرائيل بتشويه الموقف الأمريكي في المحادثات من خلال تسريبات منتقاة لتؤدي هذا الغرض، وتؤكد إيران إن برنامجها النووي مخصص فقط للاغراض السلمية.
تهديد العلاقات بين البلدين
من جانبه قال جيريمي بن عامي رئيس ومؤسس مجموعة جاي ستريت للضغط (يسار) "بالنظر من بعد، يتبين ان هناك تحالفا استراتيجيا حول الاهداف، بينما الخلاف هو بين الحزبين الحاكمين"، لكن وفي حال فوز نتانياهو في الانتخابات فان بن عامي يتوقع ان يفكر في عمل عسكري احادي الجانب ضد ايران حتى لو تم التوصل الى اتفاق حول برنامجها النووي مما يمكن ان يشكل تحديا كبيرا للعلاقات بين الولايات المتحدة اسرائيل. بحسب فرانس برس.
وصرح بن عامي لوكالة فرانس برس ان "نتانياهو يلعب بالنار من خلال تأجيجه الخلاف الى هذا الحد"، وتابع ان "ذلك يمكن ان يضر على المدى الطويل بالإجماع بين الجمهوريين والديموقراطيين حول الدعم الاميركي الاساسي وهذه مجازفة لا يريد القادة في اسرائيل ان يقوموا بها"، واعلن عدد من اعضاء الكونغرس من الديموقراطيين انهم لن يحضروا كلمة نتانياهو. وقال السناتور تيم كاين "القضية مجرد خطاب سياسي".
في الوقت نفسه رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعوة للاجتماع مع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي خلال زيارته لواشنطن الأسبوع المقبل، وكتب نتنياهو رسالة حصلت رويترز على نسخة منها إلى السناتور ريتشارد دوربن والسناتور ديان فينشتاين قائلا "على الرغم من تقديري الشديد لدعوتكما الكريمة للاجتماع مع أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين اعتقد أن القيام بذلك في هذا التوقيت قد يعقد سوء الفهم فيما يتعلق بالزيارة المقبلة"، كان دوربن وفينشتاين قدما دعوة لنتنياهو إلى اجتماع مغلق مع الديمقراطيين في رسالة وحذرا من أن تحويل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إلى قضية حزبية قد يؤدي إلى "تداعيات دائمة".