هل تعيد الانتخابات المبكرة رسم السياسة الداخلية البريطانية؟
عبد الامير رويح
2017-04-30 09:24
وافق البرلمان البريطاني بغالبية كبيرة، على اقتراح رئيسة الوزراء تيريزا ماي إجراء انتخابات نيابية مبكرة في 8 حزيران/يونيو المقبل، ما يزال محط اهتمام اعلامي واسع داخل وخارج بريطانيا التي تعيش وبحسب بعض المراقبين حالة من الانقسام السياسي، بسبب الاستفتاء الذي قضى بخروج لندن من الاتحاد الأوروبي، فمن الممكن أن تعيد هذه الانتخابات المبكرة، التي فاجأت الساسة البريطانيين، رسم المشهد السياسي بعد أن كشف الاستفتاء عن تصدعات عميقة في بريطانيا إذ صوتت اسكتلندا وأيرلندا الشمالية لصالح البقاء في الاتحاد بينما أيدت إنجلترا وويلز الخروج منه.
وكانت ماي التي فاجأت الجميع بدعوتها الى انتخابات مبكرة، تحتاج الى موافقة ثلثي مجلس العموم لدعوة البريطانيين الى الاقتراع قبل ثلاث سنوات من الموعد المرتقب. وكان بإمكان زعيم المعارضة تعطيل هذه الدعوة تحت قبة البرلمان، إلا أنه حض نواب حزبه على التصويت، لمصلحة خيار الانتخابات المبكرة. وقد صوت النواب في مجلس العموم بأغلبية 522 صوتا لمصلحة إجراء انتخابات مبكرة مقابل 13 ضدها، الأمر الذي مهد الطريق لحملة انتخابية لسبعة أسابيع فقط بعد هذا الاعلان المفاجئ.
ويرى بعض الخبراء ان المعركة الانتخابية بين الأحزاب المتنافسة في بريطانيا وعلى الرغم من التوقعات والاستطلاعات الحالية، ستكون مختلفة وغير تقليدية فالمعركة تدور اليوم بين أحزاب وشخصيات لها خطط وأهداف مختلفة عما كانت تطرح في السابق، اهمها ملف العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول الاخرى، يضاف الى ذلك الملف الاقتصادي وقضايا الهجرة والقضايا العسكرية وغيرها من الملفات، يضاف الى ذلك قضية انفصال اسكتلندا التي تؤيد البقاء في الاتحاد الأوروبي.
فوز كاسح
وفي هذا الشأن تدل الشواهد على أن تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا في طريقها لتحقيق فوز كاسح في الانتخابات التي تجري في يونيو حزيران المقبل بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي أنها تحظى بتأييد نحو 50 في المئة من الناخبين مقابل نصف هذه النسبة لحزب العمال المعارض. وكان قرار ماي الدعوة لإجراء انتخابات في الثامن من يونيو حزيران قد أذهل خصومها السياسيين وأشارت سلسلة من استطلاعات الرأي نشرت نتائجها إلى أن هذه المقامرة كانت لها نتيجة إيجابية.
وأوضح استطلاع أجرته كومريس أن حزب المحافظين الذي كانت تتزعمه مارجريت ثاتشر يتمتع بشعبية لم يشهدها منذ عام 1991. وقالت ماي إنها بحاجة لإجراء الانتخابات لكي تضمن التفويض الذي تعمل على أساسه وتعزز موقفها في مفاوضات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي مستقبلا. وكانت ماي قد عينت رئيسة للوزراء في الاضطرابات التي أعقبت الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد في يونيو حزيران الماضي.
وتتطلع ماي أيضا لاستغلال حالة من الفوضى يمر بها حزب العمال الذي صدعته الانقسامات الداخلية بسبب زعيمه جيريمي كوربين. ويبدو أيضا أن الناخبين يحيدون عن حزب الاستقلال البريطاني المناهض للاتحاد الأوروبي، والذي كان له دور في حملة الدعاية من أجل الانفصال عن الاتحاد، ويتجهون لحزب المحافظين الذي يرجح أن يحول فكرة الانفصال إلى واقع ملموس.
وقال جيمس كراوتش من مؤسسة أوبينيام لاستطلاعات الرأي "من الواضح أن الإعلان عن الانتخابات المبكرة بلور آراء الناخبين." وفي استطلاعين آخرين حقق المحافظون مكاسب في اسكتلندا على حساب الحزب القومي الاسكتلندي الأمر الذي يحتمل أن يضعف مطلب القوميين إجراء استفتاء آخر على استقلال الإقليم. وقد حذرت ماي حزبها من اعتبار الفوز أمرا مسلما به وأكدت مؤسسات استطلاع الرأي هذا الأمر.
فقد قال أندرو هوكينز رئيس كومريس "رغم أنه لا يمكن لأي حزب سياسي أن يعترض على تجاوز حاجز الخمسين في المئة للمرة الأولى خلال القرن الحالي فإن هذه النتيجة العامة المثيرة تخفي خطرا حقيقيا على المحافظين." وأضاف "اعتقاد ستة من كل عشرة ناخبين أنه لا يمكن لحزب العمال الفوز في ظل زعامة كوربين يجلب معه خطر الرضا بالوضع القائم فيما بين الناخبين المحافظين الذين ربما تغريهم فكرة البقاء في بيوتهم في الثامن من يونيو حزيران وترك مهمة تحقيق النتيجة التي يتوقعونها للآخرين."
وتبين الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسات أوبينيام وكومريس ويوجوف أن المحافظين يتقدمون بفارق يتراوح بين 19 و25 نقطة مئوية وأن شعبية الحزب تتراوح بين 45 و50 في المئة. وتقول صحيفة صنداي تايمز إن ماي، التي سبق أن نفت أكثر من مرة أنها ستدعو لإجراء انتخابات، تتأهب الآن لإعلان سلسلة من المقترحات فيما يتعلق بالسياسات التي ترتبط في العادة بحزب العمال صاحب الميول اليسارية. وقالت الصحيفة إن المحافظين سيتعهدون بحماية حقوق العمال وفرض قيود جديدة على أسعار الطاقة في مسعى لمساعدة من تأثروا بارتفاع التضخم وضآلة زيادة الأجور. بحسب رويترز.
وإذا صحت استطلاعات الرأي فمن الممكن أن يحقق المحافظون انتصارا انتخابيا لا يتحقق إلا مرة في الجيل الواحد سيعيد تشكيل خريطة الحياة السياسية في بريطانيا. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب العمال فقد سمعة أفضل حزب لحماية نظام الصحة على مستوى البلاد. كذلك امتد تحسن وضع حزب المحافظين إلى اسكتلندا التي صعد فيها الحزب القومي الاسكتلندي بزعامة رئيسة وزرائها نيكولا ستيرجن دعواته من أجل إجراء استفتاء ثان على الاستقلال. فقد أظهر تحليل أجرته صحيفة تايمز أن المحافظين بسبيلهم للفوز بعدد 12 مقعدا في اسكتلندا بينما سيخرج حزب العمال من معقله السياسي السابق دون أي مقاعد. وفي الوقت الحالي للمحافظين مقعد واحد من بين 59 مقعدا مخصصة لاسكتلندا في البرلمان البريطاني. ويشغل الحزب القومي الاسكتلندي 54 مقعدا.
خطط الاحزاب المعارضة
مزيد من العطلات الرسمية وحظر النقاب.. هذه بعض من السياسات التي تأمل أحزاب المعارضة البريطانية أن تساعد في حرمان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي من تحقيق فوز كاسح في انتخابات يونيو حزيران. وتعهد حزب العمال المعارض باستحداث أربع عطلات رسمية جديدة سعيا لتوحيد بلد يعاني انقسامات عميقة بعد الاستفتاء الذي أيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكرر حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي حل في المركز الرابع في الانتخابات الماضية، رسالته ومفادها أنه الممثل اللائق الوحيد للمعارضة لحكومة وصفها بأنها تسعى لخروج صعب من الاتحاد الأوروبي بينما قال حزب الاستقلال البريطاني المعارض للاتحاد الأوروبي إنه سيحظر النقاب.
ويتوقع بعض المعلقين أن يسحق حزب المحافظين منافسه حزب العمال الذي يميل لليسار وتفوز ماي التي تولت رئاسة الوزراء بعد قليل من تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد في يونيو حزيران العام الماضي مما سيعطيها حرية حركة في المحادثات. وقال زعيم حزب العمال جيرمي كوربين إن بريطانيا تشهد انقساما نادرا أكبر من أي وقت مضى بسبب "السياسات المضرة والمثيرة للانقسامات التي تطبقها حكومة المحافظين" معلنا خططه لإضافة أربع عطلات رسمية إضافة جديدة.
وطغت على نبرته تصريحاته عن تعليق الضربات الجوية على سوريا وأتاح للمحافظين فرصة أخرى لترديد عبارتهم الانتخابية الرئيسية وهي أن ماي هي الفرصة الوحيدة من أجل قيادة "قوية ومستقرة". وقال الديمقراطيون الأحرار إنهم سيجرون استفتاء ثانيا على أي اتفاق للانسحاب من الاتحاد الأوروبي بينما نفى حزب الاستقلال ميله لليمين بمقترحه حظر النقاب.
وتعهد زعيم المعارضة في بريطانيا، جيريمي كوربن، بقلب ما سماه "النظام المزيف" ووضع السلطة والثروة "في أيدي الشعب". وفي أول أيام حملته الانتخابية، شدد الزعيم العمالي بأنه "سيغير اتجاه الانتخابات" وسيثبت خطأ "خبراء المؤسسة الرسمية" الذين أشاروا إلى تقدم حزب المحافظين في استطلاعات الرأي.
وشدد كوربن في قلب خطابه على أنه لن يخضع لقواعد اللعبة السياسة السائدة إذا انتخب رئيسا للوزراء وقال كوربن في خطاب ألقاه في لندن إن "الكثيرين في وسائل الإعلام والمؤسسة الرسمية يقولون إن نتيجة هذه الانتخابات أمر مفروغ منه". واتهم "أشخاصا متنفذين" بأنهم لا يريدون له الفوز في الانتخابات العامة المبكرة في الثامن من يونيو/حزيران. وأضاف "يعتقدون أن ثمة قواعد في السياسة، يجب أن تتبعها بأن ترفع قبعتك للأشخاص الاقوياء "المتنفذين" وتقبل بأن الأشياء لا يمكن أن تتغير، ومن ثم لا يمكنك الفوز (إذا لم تتبعها)، لكن هؤلاء الناس، بالطبع، لا يريدون لنا الفوز، لأننا إذا فزنا فالشعب هو من سيفوز وليس المتنفذون".
وأوضح "يقولون إنني لا انهج وفق القواعد - قواعدهم . وإننا لن نفوز، كما يقولون، لأننا لا نلعب وفق قواعد لعبتهم". وأكمل "هم محقون تماما أنا لا أفعل ذلك، وحكومة العمال المنتخبة في 8 يونيو/حزيران لن تلعب وفق قواعدهم". ويسعى كوربن في حملته الانتخابية إلى مهاجمة المؤسسة الرسمية القائمة وتقديم نفسه بوصفه مدافعا عن مصالح الناس المستضعفين بوجه النخب السياسية والاقتصادية المهيمنة.
وهاجم كوربن من سماهم المحافظين "المفلسين أخلاقيا" الذين لا يجرؤون على الوقوف بوجه المتهربين من الضرائب وأعضاء "النخبة المذّهبة" الذين يمتصون الثروات من "جيوب" الناس العمال العاديين. وأشار كوربن في خطابه إلى ما يقول إنه "كارتل يتلاعب بالنظام لمصلحة ثلة من الشركات والأفراد الاثرياء والمتنفذين"، مشددا على أن حزب العمال "سينهي هذا الاحتيال" و"سيطيح بالنظام المزيف" الذي وضعه الأثرياء الذين يستحوذون على الثروات من أجل مصلحتهم.
ولمح الزعيم العمالي إلى بعض رؤساء الشركات أمثال السير فيليب غرين، الذي يواجه انتقادات شديدة بشأن أزمة الرواتب التقاعدية في مؤسسة "بي أج أس" ورئيس شركة "سبورت دايركت" مايك أشلي ، مشيرا إلى أن عليهم أن "يقلقوا بشأن الحكومة العمالية". وشدد كوربن على أن كل السياسات العمالية، ومن ضمنها زيادة الضرائب على الشركات الكبيرة، وتقديم المزيد من الأموال للرعاة الاجتماعيين، وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 10 جنيهات استرلينية في الساعة، قد قدرت كلفها تماما.
وأشار كوربن إلى ضعف موقف حزب العمال في استطلاعات الرأي، قائلا إنه أعطي نسبة واحد إلى 200 للفوز بقيادة حزب العمال في عام 2015، ولكنه دحر هذه التوقعات الغريبة. وكانت ماي قد سعت إلى وضع مفهوم القيادة "القوية والراسخة" في قلب خطابها للناخبين الذي ألقته أمام مؤيديها في بولتون. وشددت على "وحدة الهدف" في البلاد اليوم، وعلى رغبة الحكومة في متابعة تطبيق اجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي "وتحقيق نجاح فيها". بحسب رويترز.
وحذرت رئيسة الوزراء من احتمال ما سمته بـ "تحالف الفوضى" يقوده كوربن، على الرغم من استبعاد الزعيم العمالي لاحتمال إنشاء تحالف مع الحزب الوطني الاسكتلندي. وواجهت ماي انتقادات من الأحزاب المنافسة لرفضها المشاركة في مناظرات تلفزيونية مباشرة مع القادة السياسيين الآخرين خلال الحملة الانتخابية. وقالت ماي إنها تفضل لقاء الناخبين والتوجه إليهم مباشرة. وقال مصدر في داوننغ ستريت (رئاسة الوزراء البريطانية) إن رئيسة الوزراء لن تظهر على منصة واحدة مع أي زعيم سياسي آخر، بيد أنها لا تستبعد المشاركة في فعاليات مع جمهور أو أفراد في الاستوديو.
من جانب اخر قال جيريمي كوربين زعيم حزب العمال البريطاني إنه قد يعلق مشاركة بلاده في الضربات الجوية على سوريا إذا فاز بالانتخابات المقررة في الثامن من يونيو حزيران وتولى رئاسة الوزراء. واستعرض كوربين الناشط المخضرم في مجال الدعوة للسلام وزعيم حزب المعارضة الرئيسي في بريطانيا مواقفه من قضايا الأمن والسياسة الخارجية قائلا إنه سيعيد النظر في سلاح الردع النووي البريطاني وأوضح أنه يعارض استخدام الأسلحة النووية.
وقال كوربين لبرنامج أندرو مار شو الذي بثه تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إنه يعتقد أن "الحل الوحيد في سوريا سيكون حلا سياسيا". وأضاف "أود أن أقول: اسمعوا... دعونا نجمع الناس حول الطاولة سريعا ومن سبل تحقيق هذا... ربما تعليق الضربات." وقال الزعيم اليساري الذي كثيرا ما تخالف آراؤه حول السياسة الخارجية آراء النواب الآخرين لحزبه إنه سيفكر فيما إذا كان سيصدر أمرا بتنفيذ ضربة بطائرة بدون طيار ضد زعيم تنظيم داعش للحد من سقوط قتلى مدنيين.
اسكتلندا والاتحاد
في السياق ذاته قالت نيكولا ستيرجن رئيسة وزراء اسكتلندا إن قرار رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الدعوة لانتخابات مبكرة في الثامن من يونيو حزيران يمنح اسكتلندا فرصة تعزيز مسعى محلي لإجراء استفتاء على الانفصال. ويسعى الحزب القومي الاسكتلندي الذي تتزعمه ستيرجن لإجراء استفتاء على الاستقلال عن المملكة المتحدة.
وقالت ستيرجن في بيان "فيما يتعلق باسكتلندا هذه خطوة غير موفقة سياسيا بدرجة كبيرة من جانب رئيسة الوزراء." وأضافت "سيمنح هذا الشعب مجددا الفرصة لرفض أجندة (حكومة المحافظين) المحدودة المثيرة للانقسامات وسيعزز أيضا التفويض الديمقراطي الموجود بالفعل لمنح شعب اسكتلندا فرصة اختيار مستقبله." وصوت الاسكتلنديون بهامش عشر نقاط في عام 2014 للبقاء ضمن المملكة المتحدة. بحسب رويترز.
غير أن حزب ستيرجن يريد إجراء استفتاء جديد خلال العامين المقبلين إذ يرى أن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي يغير الأوضاع بشكل جذري. وصوتت اسكتلندا لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو حزيران العام الماضي. غير أن المملكة المتحدة ككل صوتت لصالح الانفصال عن الاتحاد.
من جانب اخر قال وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل إنه يأمل أن تؤدي الانتخابات المبكرة التي دعت لها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى مزيد من "الوضوح" في المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشأن انفصالها عن التكتل. وقال الوزير في مقابلة مع صحيفة فونكه ميدينجروبه "المصداقية الآن أهم منها في أي وقت مضى بعد تصويت البريطانيين لصالح الخروج" من الاتحاد. وأشار إلى أن فترات الضبابية لا تخدم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. وقال "نأمل أن تؤدي الانتخابات الجديدة التي أعلنت عنها رئيسة الوزراء ماي اليوم إلى مزيد من الوضوح والمسؤولية في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي".