الغضب مشكلة العالم المنسيّة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2019-04-25 08:00

يشير علماء النفس إلى أن الشخص الغاضب ممكن أن يكون مخطئ، فالغضب يتسبب في فقدان القدرة على مراقبة وضبط النفس، والقدرة على الملاحظة الموضوعية.

وبحسب المختصين الغضب هو انفعال وقيل هو تغيّر يحصل عند غليان دم القلب؛ ليحصل عنه التشفّي للصدر. ويشمل التأثير الجسدي للغضب زيادة في معدل ضربات القلب وضغط الدم، ومستويات الادرينالين والنورادرينالين.

التعبير الخارجي عن الغضب يمكن العثور عليه في تعبيرات الوجه، ولغة الجسد، والاستجابات الفسيولوجية، فالبشر وبعض الحيوانات على سبيل المثال تقوم  بأصوات عالية، محاولة جعل شكلها الخارجي أكبر، وتحدق بأعينها، ونادرا ما تحدث مشاجرة بدنية من دون التعبير المسبق عن الغضب، على الأقل من واحد من المشاركين في الصراع أو الاختلاف.

وفي زيارة قام بها أحد الشباب المتميزين إلى سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، استطلع هذا الشباب من سماحته سائلا: (سيّدنا نحن نريد منكم موعظة في جهاد النفس. فقال سماحته: هي موعظة مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، التي قال فيها، لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب. فرسول الله صلى الله عليه وآله عنده مواعظ بالألوف ونصائح بالألوف، ولم يكُ من عادته صلى الله عليه وآله أن يكرّر الموعظة، ولكن هذه الموعظة كرّرها ثلاث مرّات). 

فتأكيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على تجنّب الغضب، فيه دلالة واضحة وكبيرة على تأثيراتها في السلوك الفردي والمجتمعي، وفي تأكيد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على هذه الوصية النبوية، تنبيه وإشارة قوية للشباب خصوصا، والمجتمع عموما كي يتجنبوا الغضب في حياتهم.

ماذا يقول علماء النفس؟

يبدو أن قلّة الاهتمام بهذه الظاهرة جعل نتائجها الكبيرة تدفع إلى التدقيق بها، والبحث عن سبل ناجعة لمكافحتها، يقول علماء النفس الحديث (إن الغضب غير المتحكَّم فيه يمكنه أن يؤثر على الصلاح النفسي والاجتماعي، في حين أن العديد من الفلاسفة والكتاب قد حذروا من نوبات الغضب التلقائية والغير محكومة، وهذا ينعكس على تفكير الإنسان وسلوكه ومن ثم ينعكس على المجتمع كله كما يحدث اليوم في المجتمع الغربي الذي يعاني من مشاكل خطيرة يعزوها العلماء المختصون إلى ظاهرة خطيرة وهي الغضب الذي يتسبب بتداعيات اجتماعية عدائية تصاعدت بشكل لافت).

من هنا يركّز سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) على الأهمية القصوى لتجنّب الغضب، وينصح شبابنا بالابتعاد عنها لأنها أشبه بالوباء العصبي السلوكي الذي يهدد النسيج المجتمعي، فيؤدي ذلك إلى خلخلة البنيان الاجتماعي ويعصف بالأفراد والعائلات، وينشر الكثير من مظاهر العنف والقلق وعدم الاستقرار الذي يؤدي بالنتيجة إلى مجتمع مدجج بالمشكلات التي تحرمه من العيش بهناء وسلام وتماسك.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(ابدؤوا من الآن بالعمل بهذه الموعظة التي فيها الكثير من المواعظ. وهذه هي وصيّتي لكم. فلا تغضبوا في حياتكم، سواء في البيت وبالدراسة وفي المدرسة، وفي الحسينية وفي المسجد، وغيرها).

وفي دراسة لظاهرة الغضب في الغرب، حذر عدد من الأطباء البريطانيين من تفشي ظاهرة انعدام السيطرة على المزاج، مؤكدين أنها تعد مشكلة كبيرة على الرغم من أن أحداً لا يعتبر أنها تحتاج علاجاً، وقال الأطباء إن عدم التمكن من السيطرة على الغضب، أصبح ظاهرة تتزايد وتتسبب بارتفاع أعداد الأعمال الإجرامية، وتفكك عائلات وتزايد المشاكل الصحية الجسدية والعقلية.

العلاقة بين الغضب وأخطر الأمراض

كما وجد الأطباء علاقة قوية بين الغضب المزمن الحاد، وأمراض القلب والسرطان والجلطات والإحباط وحتى الإصابة بالزكام بشكل متكرر!!، وكانت مؤسسة العناية بالصحة العقلية قد أطلقت مسحاً، يُظهر خطر هذه الظاهرة، داعية إلى مواجهة خطرها لأنها تؤذي حياة الكثيرين.

فيما قال المدير التنفيذي في المؤسسة الدكتور "أندرو ماكالوك" إنه من الغريب أن يترك الناس وحيدين عندما يتعلق الأمر بشعور قوي مثل الغضب في مجتمع يستطيعون فيه أن يحصلوا على مساعدة، عند المعاناة من الإحباط والقلق والذعر والخوف واضطرابات الأكل وغيرها من المشاكل النفسية.

إن هذا الغضب إذا استمر، فسوف يهدم حياة الفرد، وأقر الباحثون بأن معالجة مشكلة الغضب ليست بالأمر السهل لكن منافعها كبيرة جداً!! وأكدت هذه الدراسة أن الغضب أصبح مشكلة كبرى، تشمل ربع المجتمع وتسبب الكثير من الإحباط، ولذلك أطلقوا نداءً موحداً يؤكدون من خلاله على أهمية ألا يغضب الإنسان، كوسيلة لعلاج معظم مشاكل المجتمع وبخاصة الشباب.

ما يعني أن الغرب يكتشف الآن، أي بعد موعظة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، بأن الغضب هي المشكلة الأكبر والأخطر التي تتفرع منها جميع المشكلات الاجتماعية والأخلاقية التي تعصف بمجتمعاتهم اليوم.

لا تغضب لا تغضب لا تغضب

هذا يؤكده إصرار سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) وهو يطالب الشباب، والفئات العمرية الأخرى بالابتعاد عن الغضب وإطفاء جذوته، والتحكم بالنفس والأعصاب وردود الأفعال، لأن الغضب هو الأساس الذي تكمن فيه أسس المشكلات المتفرّعة، الفردية منها والجمعية، وهذا ما أكد عليه العلماء والأطباء المختصون أيضا.

كما يُسهم تجنّب الغضب في أنشطة إصلاح الشاب، فيجعل منه متوازنا وقورا متيقنا مما يقوله ويفعله، بعيدا عن الضغوط النفسية المدمرة التي يسببها الغضب إذا وقع الإنسان تحت سطوته، ففقدان الأعصاب والتحكم بالنفس أول مؤشر من مؤشرات الغضب الحاد، فيدفع الإنسان إلى القيام بأفعال وإطلاق أقوال قد يندم عليها بعد أن يهدأ، لكن المشكلة تكون قد حدثت بعد ردود الأفعال المتبادلة بين الأطراف الغاضبة، فيستمر العراك والسباب لتأتي النتائج الاجتماعية الوخيمة.

في الخلاصة هناك سؤال يقول في فحواه، لماذا التركيز على تجنُّب الغضب؟، كما لاحظنا ذلك من إصرار سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على الشاب الزائر، ومن خلاله إلى جميع الشباب، هذا يدل على أن الفرد الذي يفقد السيطرة على نفسه، يمكن أن يتسبب بتداعيات لا أول لها ولا آخر، ويمكن أن تحدث سلسلة من العداوات تؤدي إلى جرائم وتجاوزات ينتج عنها ظلم كبير.

فتضيع الحقوق وتُهدَر الكرامات، وترسخ العداوات التي قد تزلزل السلم الأهلي، وتضعف أسس التعايش بين مكونات المجتمع المختلفة، هذه بعض ألأسباب الملحة التي جعلت الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أن يكرر موعظته (لا تغضب) ثلاث مرات، وسماحة المرجع الشيرازي يذكّر بها الشباب ويطالبهم بالكف عنها أو تحجيمها ومحاصرة آثارها التي يمكن أن تكون ذات نتائج مدمرة للمجتمع.

في النتيجة نصل إلى أن الغضب يشكل اليوم مشكلة تعصف بالغرب والشرق ولكن في مستويات متباينة، أي أن الغرب يشعر اليوم بخطرها الكبير عليه، لذلك علينا أن نستبق نتائج الغضب ونحاصر تداعياتها الاجتماعية والأخلاقية، من خلال السيطرة على هذه الظاهرة النفسية السلوكية التي قد تزلزل ثوابتنا وقيمنا وتزعزع استقرارنا، فيما لو أهملنا مواجهة الغضب.  

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة