ثقافة الصوم
علي حسين عبيد
2016-06-07 01:17
الصوم في اللغة هو الإمساك أو الكف عن الطعام والماء في المعنى الظاهر له، ولكن هناك صوم آخر قد يتعلق بالكف عن الكلام، وهناك ايضا صوم الجوارح، ومنه قول الله تعالى عن مريم: قالت إني نذرت للرحمن صوما.
أي: إمساكا عن الكلام. وفي الشرع الإسلامي عبادة بمعنى: إمساك عن المفطرات على وجه مخصوص من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، بنية. وفرض الصوم على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، بأدلة منها؛ قول الله تعالى: ﴿كتب عليكم الصيام﴾ إلى قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه.
وايضا لدينا حديث شريف: (بني الإسلام على خمس)، وذكر منها: (صوم رمضان)، وصوم شهر رمضان من كل عام فرض بإجماع المسلمين، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة. وفضائله متعددة، ويشرع قيام لياليه، وخصوصاً العشر الأواخر منه، وفيه ليلة القدر، وتتعلق به زكاة الفطر.
ويعني تعريف الصوم في اللغة الإمساك عن أي فعل أو قَوْل كان فضلا عن الطعام والسوائل، وللصوم منزلة كبرى عن الله تعالى كما ورد في الحديث الشريف.. قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي.
وإنما خص الله تبارك وتعالى الصوم بأنه له وهو يجزي به، وإن كانت أعمال البر كلها له وهو يجزي بها؛ لأن الصوم ليس يظهر من ابن آدم بلسان، ولا فعل فتكتبه الحفظة، إنما هو نية في القلب وإمساك عن حركة المطعم والمشرب يقول الله تعالى فأنا أتولى جزاءه على ما أحب من التضعيف وليس على كتاب كتب له؛ ولهذا قال النبي (ليس في الصوم رياء).
اذاً هناك قيم كثيرة ترافق الصيام وتعمل في صالح الانسان، لهذا يعد الصيام ثقافة يمكن أن تدخل في تعزيز التفكير والسلوك السليم للانسان، فالصوم بهذا المعنى ثقافة تسعى لتهذيب الانسان وتشذيب ما يزلّ منه في المعنى او المبنى أو القول او الفعل، وصولا الى أعلى درجة ممكنة من درجة اكتمال الانسان من حيث قضايا التعاون مع الآخرين في خلق بيئية تحيط بها وتتوغل فيها مفاهيم انسانية تدعمها ثقافة الصوم التي تدفع الانسان نحو السمو الروحي والاخلاقي، وتدفع به الى درجة قصوى من نكران الذات وقتل الدوافع الأنانية في نفسه، وتحقيق درجة عالية من ضبط النفس والتحمل والالتزام بثقافة الصوم كتجسيد عملي يومي في الحياة.
الشباب ومناهج الصوم
لماذا يتم التركيز على الشباب في هذا الجانب، لماذا يُنصح قادة المجتمع وسادته باستغلال شهر رمضان في قضية التعامل مع الشباب، وتوجيههم نحو بوابات الخير والعمل الصالح؟، ماذا يمكن أن يقدم الصوم للشباب، يقول متخصص في علم النفس، ان الصوم فرض ديني أوجبه الاسلام ضمن الفرائض الخمس، ولكنه في الوقت نفسه، يعد طريقة مجربة ومضمونة وناجحة لتربية النفس على التعامل مع المصاعب، والسيطرة على رغبات النفس، والتحكم بها بدلا من أن يحدث العكس.
ويمكن أن نتخيل الفارق الكبير بين شخصين، أحدهما صائم، والآخر لا يهتم بالصيام لأسباب قد يجهلها هو نفسه، فمعظم حالات عدم الصيام تأتي من حالة جهل الانسان بالصوم وبالدين وبالفوائد النفسية الكبيرة التي تنعكس على صحة الانسان، كما يقول الطب النفسي، فلإنسان تحكمه عاداته، ويصل به الأمر الى أن يصبح مجموعة من العادات، فتتحكم به ويخضع لها ويعدو معها، كأنه آلة من الآلات فيبتعد عن المرونة التي تفرق بينه وبين الآلات، والإنسان الذي تحكمه عاداته يخضع لسطوتها، لذلك الصوم كطريقة او وسيلة لمساعدة الانسان كي يتحرر من طغيان نفسه، فيكون اكثر قدرة للسيطرة عليها وقيادتها نحو الصلاح وليس العكس.
ان ثقافة الصوم يمكن أن تحسن الاداء الاجتماعي بصورة كبيرة، وتعمق الهاجس الانساني لدى الناس، وخصوصا أولئك القادرين على مساعدة الضعفاء والفقراء فهناك فائدة عظيمة تنتج عن الصيام ليحس الغني بألم الجوع، فيحسن على الفقير، وبذلك يتم العطف وتقوم المودة بين شرائح متنوعة من المجتمع، وينشأ عنهما تماسك المجتمع الاجتماعي، وهنا تبدو قيمة مساعدة الاغنياء للفقراء جلية وتظهر اهميتها وانعكاسها على الاداء المجتمعي الجيد، فالذي يصل الى القمة من الاغنياء لا ينبغي أن يتربع فوقها لوحده، الصحيح هو أن يمد يده كي يسحب الفقير الضعيف الى القمة ايضا وهو قادر على أن يفعل ذلك.
متى يكون الانسان قادرا على مثل هذا الاداء الانساني العالي؟ الجواب عندما تأخذ بيده ثقافة الصوم في هذا الاتجاه، حيث تؤدي به الى تقوية العزيمة وتهذيب النفس والتعلّم على الصبر، لهذا السبب أطلق النبي (ص) على شهر رمضان بأنه (شهر الصبر) لكون المسلم يتدرب فيه ويتعود بالصوم على الصبر، والصبر يقود صاحبه الى السيطرة على نفسه، وهذه أهم نتيجة تهدف إليها ثقافة الصوم، وتسعى لتعزيزها في نفوس الناس، لاسيما الشباب منهم، كونهم الشريحة الأكثر ضعفا وانقيادا الى مغريات الحياة الكثيرة، فالصبر كما هو معروف مفتاح لنجاحات كبرى يمكن أن يحققها الانسان في اطار منهج الصوم على المستويين الفردي والجمعي.
خطوات مقترحة لنشر ثقافة الصوم
لأهمية هذه الثقافة في اصلاح الشباب، والمجتمع عموما، ينبغي أن تسهم جهات عديدة في هذا المجال، يتقدمها جهد الدولة ومؤسساتها ذات العمل التثقيفي التخصصي، مدعومة بعمل المنظمات والمؤسسات والاتحادات والنقابات ذات العلاقة بتوعية الشباب والمجتمع، فالتخطيط لتقديم خطوات عملية تسهم في نشر ثقافة الصوم، هو الخطوة الاولى، علما هناك شباب قد لا تتوفر لديهم قناعة بفوائد الصوم الروحية والعملية، لاسيما في ظل اوضاعهم المتردية حيث يعانون التجاهل والاهمال الحكومي والأهلي بل حتى عائلة الشاب (أبوه وأمه) لا يبذلون ما يكفي من الاهتمام به.
هذا الاهمال يقوده الى العزلة والكآبة ومن ثم يلقي به في مصيدة الانحراف، وهو بأوجه عديدة لا حصر لها، تبدأ من نقطة الصفر الى درجة عدم السيطرة عليها وعلى الخسائر الفادحة التي تتسبب بها في حياة الفرد والدولة والمجتمع، هذه الأمور تستدعي تضافر الجهود لاستثمار شهر رمضان وتعزيز ثقافة الصوم بما يلي:
- توفير أماكن مناسبة تشجع على تجمع الشباب.
- تقديم حوافز تخفف قليلا من معاناة الشباب كخطوة لمدّ جسور الثقة معهم.
- التعريف بثقافة الصوم والصبر والنتائج ذات الجدوى والأهمية.
- تقديم محاضرات عن الصوم بأسلوب معاصر جذّاب.
- اعتماد عنصر التشويق والاقناع للتفاعل مع مضامين ثقافة الصوم.
- تشجيع الأثرياء على الدخول في هذا المضمار وعدم الاعتماد على الجهد الحكومي وحده.
- تذكير الأثرياء بأهمية التبرع والقدرة على اقامة مؤسسات خيرة تدعم الشباب وترسخ في اذهانهم قيمة الصوم والصبر والنجاح.
- اعتماد الاسلوب الناعم مع اليائسين المعاندين، فهناك دائما توجد فرصة للعودة الى جادة الصواب.
- توفير مجالات مناسبة للحاضرين وتقديم الدعم الثقافي لهم كتوزيع الكتب وما شابة.
- للاعلام الفاعل والمنتظم دوره في تعميم ثقافة الصوم.
- بالنتيجة، سوف تتكاتف الجهود الرسمية والأهلية، مع الفعل الذي يؤديه الأثرياء للشروع بنهضة يسترك فيها الجميع، تنشر فوائد ثقافة الصوم، وتعتمد في ذلك الاقناع والنعومة، والتعاون البناء.