الإِنجاز في الوقتِ المعلُوم

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (٢٤)

نـــــزار حيدر

2023-04-16 06:17

{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}.

لكُلِّ أَمرٍ وقتٌ إِذا تجاوزهُ المرءُ ضاعَ أَثرُهُ، وإِذا عجَّلَ عليهِ فسدَ، يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا}.

المائِزُ دقيقٌ بينَ [قبلَ الأَوانِ] و [بعدَ الأَوانِ] {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ} وفي الحالتَينِ يفسدُ الأَمرُ أَو يضيعُ، كمَن يقطِفُ الثَّمَرَ قبلَ أَوانهِ أَو بعدَهُ، فالصَّحيحُ في أَوانهِ.

هذهِ القاعِدة القُرآنيَّة تُعلِّمنا أَن نضبطَ ساعاتِنا بشَكلٍ دقيقٍ من أَجلِ أَن لا نُضيِّع الفُرص من جانبٍ وحتَّى لا نسترسِلَ معَ الإِنحراف والخطأ قبلَ أَن نضعَ حدّاً لهُ في الوقتِ المُناسب، من جانبٍ آخر.

في الآيةِ الكريمةِ يُشيرُ القرآن الكريم إِلى هتَينِ القاعِدتَينِ؛

{كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ}.

{لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ}.

- فمِن جانبٍ ينبغي أَن يكونَ الإِيمان سبباً لكسبِ الخيرِ من خلالِ المُبادرةِ إِلى العملِ الصَّالح، وإِلَّا ما فائِدة الإِيمان إِذا لم يكُن حركيّاً يدفع صاحبهِ للعملِ الصَّالح وعلى أَيِّ مُستوىً مُتخصِّصٌ فيهِ أَو قادِرٌ على إِنجازهِ أَو على الأَقل المُساعدة على إِنجازهِ؟!.

يقولُ تعالى {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}.

فالإِيمانُ هوَ أَداةُ تنظيمِ الأُمورِ وضبطِ سلوكيَّاتِنا، وما ينبغي فعلهُ وما لا ينبغي فعلهُ، وما يلزَم التَّفكيرُ والإِعتقادُ بهِ وما لا ينبغي علينا ذلك.

إِنَّ الإِيمان الذي لا يُنتج حركةً دؤُوبةً لخدمةِ المُجتمع {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} وقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في وصيَّتهِ للحَسَنَينِ (ع) {وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً} لا يعتبرهُ القرآن الكريم إِيماناً حقيقيّاً ولذلكَ نُلاحظ أَنَّ الإِيمان في آياتِ الله تعالى مُقترِنٌ بالعملِ الصَّالحِ كما في قولهِ تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وقولُهُ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} وقولُهُ {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

- ومِن جانبٍ آخر فإِنَّ الإِيمان الحقيقي هو الذي يتحقَّق في الوقتِ المُناسب أَي أَنَّ توقيتهُ ليسَ عبثاً {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} وقولُهُ {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

وإِلَّا ما فائِدة الإِعتذار أَو التَّوبة أَو التَّراجُع عن [كُفرٍ] بعد فَوات الأَوان، مثلاً عندَما يُحيطُ الذَّنب بصاحبهِ ويتحوَّل إِلى أَغلالٍ تُطوِّقهُ {بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} و {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ}.

ويتأَخَّر آخرُون أَكثر من اللَّازم {وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ}.

وإِذا أَردنا أَن نفهمَ الإِيمان بشكلٍ أَوسع وأَشمل، فنظُمَّ إِليهِ الإِيمان بالفِكرةِ والقضيَّةِ والهدفِ إِنطلاقاً مِن الإِيمان القلبي، فذلكَ يدفعُنا لوعي التَّوقيت بشَكلٍ أَدق وأَفضل.

فأَنتَ لا تستفيدُ شيئاً إِذا لم تُؤمن بقضيَّتكَ في الوقتِ المُناسب، ولا ينفعكَ شيئاً إِذا تأَخَّرت في الإِيمانِ بالفكرةِ المطلُوبةِ لإِنجازِ الهدَف، وهكذا، فالتَّأخيرُ بسببِ التَّقاعس مثلاً أَو التَّسويف والتَّماهُل والتَّواكُل أَو لأَيِّ سببٍ آخر يضرُّ بكَ لأَنَّك ستقدِم [بعدَ فَوات الأَوان].

ويصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) الإِيمان بأَروعِ ما يكونُ الوَصف بقولهِ {سَبِيلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ أَنْوَرُ السِّرَاجِ فَبِالْإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ وَبِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الْإِيمَانِ وَبِالْإِيمَانِ يُعْمَرُ الْعِلْمُ وَبِالْعِلْمِ يُرْهَبُ الْمَوْتُ وَبِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا وَبِالدُّنْيَا تُحْرَزُ الْآخِرَةُ وَبِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ الْجَنَّةُ وَتُبَرَّزُ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ وَإِنَّ الْخَلْقَ لَا مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ الْقِيَامَةِ مُرْقِلِينَ فِي مِضْمَارِهَا إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى}.

وعندما سُئِلَ (ع) عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ {الْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ وَالْعَدْلِ وَالْجِهَادِ} ثم فصَّل في كُلِّ واحدةٍ من الدَّعائم الأَربعة، وهي كُلُّها عملٌ وإِنجاز في الوقتِ المعلُومِ، والذي نُسمِّيه بالإِيمان الحرَكي الذي يسعى دائماً للتَّغييرِ والإِصلاحِ.

فكيفَ نتعلَّم ضبط الوَقت؟! فنُنفِق يومَ أَن نمتلكَ قبلَ الفَقر؟! ونكونَ سبباً لنجاحِ الآخرين عندما نمتلكَ السُّلطة أَو الجاه، قبلَ أَن نفقدهُما فنُستبدَلَ بغيرِنا {هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}؟!.

الجواب؛ بالعلمِ والمعرفةِ وتراكُمِ الخِبرةِ، وإِلى حينِ أَن يكسبَها المرءُ ليتصرَّف قبلَ فواتِ الأَوان، فإِنَّ عليهِ أَن يستشيرَ [المُؤتمَن] ليكتسِبَ الخِبرة والمعرِفة فـ {مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ، وَمَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا} كما يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع).

فالقرارُ ينضجُ بوقتٍ ويُتَّخذُ بلحظةٍ مُحدَّدةٍ.

ذات صلة

الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيشالدفاع عن حقوق المرأة في منهج الصديقة الزهراءانسحاب قطر من جهود الوساطة لإنهاء الحرب في غزة وفشل المفاوضاتإمكان إزالة الغضب وطرق علاجهمرة أخرى، كان الاقتصاد هو السبب يا غبي