بدر الكبرى يوم الفرقان العظيم

الشيخ الحسين أحمد كريمو

2021-05-01 03:00

(كانت غزوة بدر في يوم 17 شهر رمضان 2 ه الموافق 13 آذار/مارس 624م)

مقدمة تاريخية

التاريخ الإسلامي يتحدَّث عن معركة صغيرة دارت رحاها بين طرفين فقط، المسلمون (مهاجرين وأنصار) بقيادة مباشرة من رسول الله (ص)، بعدد بسيط (313 مقاتل)، وعُدَة بسيطة جداً أيضاً فلم يكن معهم إلا فرسان، وسبعين بعيراً، وكان بعضهم ليس معهم سيوف أصلاً وربما عصي وجريد ومن سعف النخل.

وأما الطرف الآخر فهي قريش بطغاتها، وكُبرائها، وعظمائها، بقيادة مشتركة من قبل عمرو بن هشام المخزومي أبو الجهل، مع عتبة وربيعة من بني عبد الدار، ومعهم ألف مقاتل بكامل تجهيزاتهم وسلاحهم، وفيهم أكثر من ثلاثمائة فارس، خرجوا على بطر واشر مع عبيدهم وغلمانهم وإمائهم ومغنياتهم وكل أبهتهم لأنهم كانوا قد استهانوا بالمسلمين فلما رآهم أبو الجهل قال: "ما هم إلا أكلة رأس".

وتقع منطقة بئر بدر على بعد 153 كيلو متراً جنوب غربي المدينة المنورة، كما وتقع في شمال مكة المكرمة وتبعد عنها 300 كيلو متراً تقريباً، فسار المسلمون تلك المسافة جنوباً، وسارت قريش مسافتها شمالاً، وكان اللقاء المقدَّر في وادي يقع في فمه بئر بدر.

مقدمات من العداء القرشي

قريشٌ المشركة الظالمة التي لم تترك طريقة في أذى رسول الله (ص) في مكة المكرمة، وكذلك استمرَّت في عدائها بعد هجرة النبي (ص) إلى المدينة، واستمرت في مشوارها العدائي وبأشكال مختلفة، وراحت تتحالف مع القبائل العربية وتُحرِّضها على عدائهم، وراحوا يعملون لترتيب حصارٍ اقتصادي على المدينة والمسلمين لمنعهم من الحركة التجارية، ومن الذهاب إلى الأسواق في المناطق المجاورة وعند القبائل القريبة من المدينة، بالمقاطعة كما فعلوا في شعب أبي طالب، وبدؤوا يُعدُّون العدَّة من أجل أن يقوموا بعمليةٍ عسكريةٍ وغزو المدينة نفسها؛ لاستئصال النبي والمسلمين، والقضاء على الدِّين الإسلامي، وعملت على هذا الخطة والأساس، تحالفت مع بعضٍ من القبائل العربية لأجل ذلك.

قافلة العدوان الكبيرة

ولكن كانت قريش تحتاج إلى التمويل المالي اللازم لتلك العملية التي تريدها أن تكون عمليةً حاسمة، فأعدَّت أكبر قافلةً تجاريةً إلى الشام، فكانت تضم أكثر من الف بعير محملاً ذهاباً وإياباً والربح كله مخصصاً لتمويل تلك الحرب المنتظرة، فالهدف من هذه القافلة؛ أن تحصل قريش من خلالها على التمويل اللازم الكافي لغزوة كبيرة لمدينة يثرب، وكان زعيم هذه القافلة التجارية والقائم عليها صخر بن حرب بن أمية أبو سفيان، فكان الهدف من القافة التجارية هدفاً عسكرياً، من أجل التمويل العسكري، فهي قافلة عدوان وطغيان ولذا ساغ لرسول الله (ص) اعتراضها ومحاولة أخذها للاقتصاص من قريش التي أخذت كل بيوتهم وأموالهم (المهاجرين) في مكة، ولمنع هذا المخطط العسكري العدواني من أساسه.

ولذا جاء إلى النبي (ص) الأمر من الله "سبحانه وتعالى" بالتحرك لمواجهة هذا التهديد، وهذا الخطر، فتحرك رسول الله (ص) من لحظته في المدينة وجمع مَنْ استجاب له من المهاجرين والأنصار، وكان أول تحركٍ عسكريٍّ رسمي ورئيسي لهم، وكل ما قبله كان سرايا صغيرة لا أثر لها، أو سرايا استطلاعية في معظم الأحوال، تجمع المعلومات عن تحركات قريش والأعداء، فكان ذلك أول تحركٍ عسكريٍ للمسلمين بقيادة رسول الله (ص) شخصياً، وبتوجيهٍ وتسديد، ورعاية من الله "سبحانه وتعالى" وذلك بعد الإذن بالقتال والجهاد في سبيل الله، في قوله: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج: 39)

فالسابقة العدائية لقريش في محاربة الرسول الأكرم (ص) والإسلام في مكة كانت سافرة وفاجرة، ولكن لحقهم العداء إلى يثرب، فمظلومية المسلمين واضحة جداً، فاستجرَّت قريش الطاغية المسلمين إلى حالة من الصراع العسكري، بسبب هذا العداء، وهذا الإصرار على نقل المعركة إلى مدينة يثرب بلا مبرر عرفي أو عقلي حتى، فكان لا بدَّ من وضع حدٍّ لهذا الطغيان والعدوان فجاء الأمر من الله تعالى لنبيه (ص) وللمسلمين أن يتحركوا عسكرياً لمواجهة هذا التهديد، ووضع حد لهؤلاء الأشقياء من طغاة قريش وجباريها.

وهكذا تحرك النبي (ص) بالمسلمين، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً تحركوا معه، ولذا كانت المسألة في بداياتها مسألة صعبة جداً بالنسبة للمهاجرين خاصة، والمسلمين عامَّة، لما يتمتع به طغاة قريش من سمعة وهيبة في القلوب، ولذا تقاعس وتخاذل الكثيرون عن التحرك، وهذه الظروف يصفها الباري تعالى في قوله: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال: 49)، فالمنافقون نشطوا إعلامياً بشكل كبير لنشر دعائي للتخذيل والتثبيط في داخل المدينة، وأرجفوا وكذبوا على الناس، وأشاعوا بأن المسلمين لا يمتلكون القوة الكافية من حيث العدد، والعدُّة لمواجهة قريش القوية فهذا الخطر عليهم، والنتيجة الحتمية هي الخسارة والهزيمة والنهاية لهذا الدِّين الجديد الذي تحاربه قريش.

"وعندما لم يقبل النبي ومَن تحرك معه من المسلمين هذا الإرجاف، ولم يتأثروا بهذا التهويل، ولم يقعدوا بسببه عن التحرك والاستجابة لله "سبحانه وتعالى"، قالوا عنهم هذا التعبير: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ)، فهم يعتبرونهم من اغتروا بالوعود الإلهية، وصدَّقوا بها، وهي وعود بالنسبة للمنافقين والذين في قلوبهم مرض خيالية، لا يمكن أن تكون صحيحة، فلا يمكن لتلك القلة القليلة من المؤمنين المجاهدين، بإمكانياتهم البسيطة المتواضعة، من حيث الإمكانات المادية أن يحرزوا النصر".

ولذا تأثر بعض المؤمنين في صفوف الجيش الإسلامي فخافوا إلى درجة الاعتراض على النبي (ص)، ومحاولة ثنيه عن التحرك والخروج لقتال قريش، كما بيَّنته الآية القرآنية: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) (الأنفال: 5-6)، فالبعض منهم كانت هذه التجربة الأولى بالنسبة لهم في إطار حركة الإسلام والجهاد في سبيل الله، فكانوا قلقين خائفين، كما تصوِّرهم الآية الكريمة في قوله تعالى: (كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)، فهم في وضعية كانوا فاقدين فيها الأمل بالنصر، وكانت حالة اليأس من النصر بارزةً بالنسبة لهم، حتى كأنهم إنما كانوا يساقون إلى الموت بأقدامهم، وكأن المعركة ستكون نهايتها الحتمية هو القضاء عليهم، ولكن النبي القائد (ص) كان مؤيداً ومسدداً بالوحي المقدَّس وواثقاً بوعد الله تعالى؛ لأنه قال له: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ) (الأنفال: 7)

الله غالب على أمره

كان التحرَّك العسكري من أجل اعتراض القافلة التجارية التي كانت قد عادت من الشام، وهي في طريقها إلى مكة، وكان أمل المسلمين أن يلتقوا بهذه القافلة، وأن يأسروا أبا سفيان، وأن يسيطروا على القافلة التي كانت كبيرة وفيها كل أموال قريش، فخرجوا برغبة بالمال الذي كان في القافلة.

فالكثيرون خرجوا بهذه الأحلام، وربما لم يخطر ببالهم حرب قريش لأنهم يكادون يموتون فرقاً وخوفاً من مجرَّد ذكر قريش كما ظهر ذلك من أقوالهم عندما استشارهم رسول الله (ص)، فقام أبو بكر، فقال: "يا رسول الله؛ إنها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، وما ذلت منذ عزت، ولم تخرج على هيئة الحرب". (كتابنا الإمام علي (ع) وحروب التنزيل: ص103)

فقال له رسول الله (ص): إجلس؛ فجلس؛ فقال (ص): أشيروا عليَّ.

فقام عمر وقال مثل أخيه: "يا رسول الله إنها قريش وعزها والله ما ذلَّت منذ عزت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لتقاتلنك فتأهَّب لذلك أهبته، وأعدد لذلك عدته".

فأمره النبي (ص) بالجلوس، فجلس، ثم قام المقداد بن الأسود، فقال: "يا رسول الله، إنها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا؛ أن ما جئت به حق من عند الله، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا (نوع من الشجر صلب)، وشوك الهراس لخضناه معك، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى: (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، ولكنا نقول: إذهب أنت وربك؛ فقاتلا، إنا معكم مقاتلون والله لنقاتلن عن يمينك وشمالك، ومن بين يديك، ولو خضت بحراً لخضناه معك، ولو ذهبت بنا برك الغماد لتبعناك".

فأشرق وجه النبي (ص)، ودعا له، وسرَّ لذلك، وضحك. (السيرة الحلبية: ج ٢ ص ٣٨٦)

ثم قال (ص): أشيروا أيّها الناس؛ فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول الله تريدنا! قال: أجل. قال: إنك عسى أن تكون خرجت عن أمرٍ قد أوحى إليك في غيره، وإنا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن كل ما جئت به حقٌّ، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي الله، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما بقي منا رجل، وصل من شئت، واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت. والذي نفسي بيده، ما سلكت هذا الطريق قط، وما لي بها من علمٍ، وما نكره أن يلقانا عدونا غداً، إنا لصبرٌ عند الحرب، صدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك.

وفي الواقدي قول سعد: يا رسول الله، إنا قد خلفنا من قومنا قوماً ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولا أطوع لك منهم، لهم رغبةٌ في الجهاد ونبةٌ، ولو ظنوا يا رسول الله أنك ملاقٍ عدوا ما تخلفوا، ولكن إنما ظنوا أنها العير".. فقال له النبي (ص): أو يقضي الله خيراً من ذلك يا سعد!

فلما فرغ سعد من المشورة، قال رسول الله (ص): (سيروا على بركة الله، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله، لكأني أنظر إلى مصارع القوم).

قال: وأرانا رسول الله (ص) مصارعهم يومئذٍ، هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فما عدا كل رجلٍ مصرعه.

فالرغبة السائدة في أوساط المسلمين: أن يسيطروا على القافلة، وأن يتفادوا المعركة العسكرية، وغير استخدام القوة (ذات الشوكة)، ولكن كانت إرادة الله أمراً آخر، بما فيه الخير للمسلمين، قال سبحانه: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (الأنفال: 7-8)، بحيث كان القتال العسكري مع قريش المشركة سيضع حدَّاً لغطرسة هؤلاء الطغاة، باستئصال كُبراءهم بالقتل والأسر، فستكون النتائج أفضل للمسلمين بكل المقاييس، وستكون النتائج أكثر أهمية من مسألة الحصول على القافلة، أو بعضٍ الأموال والأسرى منها، لأنه لا بدَّ من المواجهة العسكرية مع هؤلاء لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وقطع دابر الكافرين وهذه نتائج مهمة في التكتيك والاستراتيجيا.

ولهذا شهدت المعركة كثيراً من مظاهر الرعاية الإلهية للمؤمنين، فكانت آيات ربانية لتثبيت قلوبهم مع الرسول القائد (ص) ويطمئنوا لنتيجة المعركة التي كانت تخطيط رباني وتنفيذ نبوي، فأظهرت عبقرية القائد العظيم، وقوته وشجاعته، لأنه اختار مكان المعسكر بحكمة في بطن الوادي، وحدد الأماكن، وصفَّ الصفوف وكانت أوَّل مرة يرى العرب القتال بطريقة الصفوف.

ومن آيات الله التي شملت المسلمين، هي أنهم ناموا بعمق رغم خوفهم، وتعبهم، فاستغرقوا بالنوم حتى حلم بعضهم، فأتى المطر، والغيث، فتوفرت المياه للمسلمين، وخفف من تعب أجسامهم، فاغتسلوا وتطهَّروا به كأفراد وأشخاص، كما استفادوا منه لتثبيت أرض المعركة الرملية، فصار تحركهم أقوى وأسهل وأنزل الله ثلاثة آلاف من الملائكة الكرام لتقدم الدَّعم والاطمئنان للمؤمنين، فنزلت السكينة مع الملائكة، فاجتمعت مجموعة من العوامل والظروف التي ساعدت المسلمين على تحقيق النصر، وتيقنوا أنه؛ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (الأنفال: 10)

من حيث العدد: كانوا قلة في مقابل عدد جيش المشركين، (ثلث جيش قريش).

من حيث الإمكانيات: كانت إمكانياتهم متواضعة، ولم يكونوا- في بعض الروايات- يمتلكون إلَّا فرساً واحداً، وكانت السيوف عندهم محدودة، ليس لهم أي سلاح احتياطي، إذا انكسر سيف أحدهم لا يوجد البديل، ولم يكونوا مدرعين، فلم يلبسوا الدروع لعدم وجودها عندهم، في مقابل ما كان لدى أعدائهم من المشركين من العدة العسكرية، والدروع، والخيول، والعدة الكافية والكبيرة مقارنةً بما كان عليه حال المسلمين، وتلك الوضعية التي كانوا فيها مع مخاوفهم الشديدة، وقلة تجربة الكثير منهم في القتال ممَّن خرج مع النبي (ص)، والقرآن الكريم يصف لنا حالة المسلمين بقوله تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران: الآية123)

يوم الفرقان العظيم

إن ضعف المسلمين، وقلَّة عددهم، وانتشارهم، وبساطة إمكانياتهم، وكثرة قريش وجبروتها وإمكانياتها، وظروفها الاجتماعية، فكان أكثر الناس ليس لديهم احتمال النَّصر للإسلام وأهله، بل كانوا يرونها – حتى من بعض المسلمين أنفسهم لا سيما رجال قريش – أنها انتحار، لأنهم كانوا على شك من أمرهم، وخفي عنهم التخطيط الإلهي للمعركة، قال تعالى: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (الأنفال: 44)

هذا ترتيب رب العالمين للمعركة، فالمسلمين رأوا المشركين أقلاء، فلم يخافوا، والمشركون رأوا المسلمين أقلاء فتجرَّأوا أكثر حتى قال أبو جهل: "ما هم إلا أكلة رأس"، فتشجَّع المسلمون على القتال، وتجرَّأ المشركون أكثر وتمادوا في غيِّهم وظنوا أنهم بهجمة واحدة يقتلون مَنْ يريدون ويأسرون مَنْ يشاؤون، ولذا كانوا يتواصون بأسر المهاجرين، وقتل الأنصار.

ولذا كانت نتائج هذه الواقعة ذات أثر عظيم جداً على كلا الطرفين، لأن الانتصار فيها كان كبيراً، والضربة كانت موجعةً لقريش المشركة الظالمة، وبقي وجعها مستمراً، وأثرها امتد لما بعدها حتى يومنا هذا وسيبقى إلى آخر الزمن، فكان أثر تلك المعركة يتجلى في كل المعارك التي خاضتها قريشٌ مع المسلمين، لأنها قتلت سبعين من القيادات والصف الأول من الطغاة في القريش الذين يُعتمد عليهم، ولذا كان لها صداها في بقية القبائل والمناطق العربية، ووصل أثرها حتى في داخل المدينة نفسها بالنسبة للمنافقين، والذين في قلوبهم مرض، والمتربصين، والمترددين، واليهود الذين قال قائلهم: "بطن الأرض خير من ظهرها إذا قتل مثل هؤلاء".

فكان لها وقعها على الجميع والأثر البالغ والمهم عليهم جميعاً، ولذلك سُمِّيت هذه الغزوة المهمة سمَّاها الله في القرآن الكريم بيوم الفرقان، لأنها مثَّلت مرحلةً فارقة، ما قبلها وما بعدها يختلف كلياً، فالمسلمون فيما بعدها أهل عزة، وشوكة، وقوة، وهيبة، فأصبحت النظرة إليهم وإلى الإسلام بنظرة مختلفة من كل المجتمعات، من أصدقائهم وأعدائهم، وهم حتى على المستوى النفسي شعروا بالعزة، والقوة، والاطمئنان تجاه مستقبلهم ومستقبل دينهم، فثقوا بالله أكثر، وتعزز إيمانهم، وارتفعت معنوياتهم، وكان لهم آثار ونتائج إيجابية على كل المستويات.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا