من مفاتيح السعادة في القرآن: الاستغفار وحتمية التغيير
هدى محمد
2015-06-29 03:11
ذهبت ذات مرة انا وابني لكي اتبضع بعض اللوازم المدرسية فعرض علينا صاحب المحل مختلف اللوازم فأخذنا حاجتنا منها وأصر ولدي الصغير على شراء ممحاتين لأنه أعجب بشكلهما الغريب نوعاً ما.
عند رجوعنا للبيت اخذ ابني بتجربة المشتريات الخاصة به وعندما حان وقت تجربة الممحاتين نظرت لوجهه وقد علاه الحزن سألته عن سبب حزنه: رد علي بان الممحاة قامت بإتلاف دفتره وتركت ورائها آثار الكتابة. قلت له لا بأس جرب الثانية عسى ان تصلح ما اتلفته الاولى، وبالفعل كانت الممحاة الثانية ذات جودة عالية فقلت له: اتعلم ياولدي باننا نحتاج كثيراً الى مثل ممحاتك ذات الجودة العالية كي نمحي ذنوبنا.
فسألني مستغرباً: وهل هناك ممحاة للذنوب؟
فأجبته: نعم ياولدي، أما سمعت قول الإمام الباقر (ع) حين يصف الاستغفار بالممحاة في قوله: "ألحوا في الإستغفار فانه ممحاة للذنوب".
فكما ان هناك ممحاة جيدة واخرى رديئة لمسح الكتابة كذلك هي ممحاة الاستغفار فمنها المزيف الذي هو لقلقة باللسان وهو لا يغير من حياة الانسان شيء لأنه يبقي أثر للذنوب التي ارتكبها مما يحتمل عودتها مرة اخرى فالذنب كالمرض الخبيث اذا لم يستأصل من جذوره فتك بصاحبه. ورحت اجول بفكري حول النوع الثاني من الاستغفار.
فالاستغفار الحقيقي الذي يحصل معه التغيير حتما في حياة الفرد فكلنا يفهم الاستغفار وحتى معناه اللغوي والاصطلاحي بسيط وقريب للأذهان.
فهو في اللغة جاء من الفعل غفر اي ستر وغطى، اما في الاصطلاح طلب المغفرة والستر على الذنوب من الله تعالى ولكن هل فقط مجرد الطلب يكفي ام للاستغفار شروط؟
طبعاً للاستغفار شروط لكي يكون ممحاة جيدة لمحو الذنوب، فالعارفون بحقيقة الاستغفار هم الأقلون عددا والأعظمون عند الله قدرا، وما أكثر الذين يضيفون الى ذنوبهم ذنوبا اخرى باستغفارهم المزيف الذي يحمل الاستهزاء بالله واوامره. فلقد روي ان الامام علي (عليه السلام) سمع قائلاً يقول: استغفر الله. فقال له: ثكلتك أمك أتدري ما الإستغفار؟
الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان:
أولها: الندم على ما مضى.
والثاني: العزم على ترك العود إليه ابداً.
والثالث: ان تؤدي الى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.
والرابع: ان تعمد الى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.
والسادس: ان تذيق الجسم الم الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية. فعند ذلك تقول "استغفر الله".
فبهذه الشروط يعلمنا امامنا ما هو الاستغفار فأوله الندم وهي حالة تحدث داخل الانسان تدفعه نحو التغيير، ومشارطة النفس على عدم العودة للذنب، وبعد ذلك ينطلق لتغيير واقعه عمليا من خلال تصفية حساباته مع الله ومع الناس الذين ظلمهم عند ذلك سوف يستشعر التغيير الايجابي والعملي في حياته.
فعندما يقرأ القرآن ويصل لهذه الآية (استغفروا ربكم انه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) يحصل على مفتاح من مفاتيح السعادة القرآنية. فقد اثبتت الدراسات إن السعادة تؤثر بشكل عجيب على الانسان من الناحية النفسية والجسدية فقد اكدت دراسة امريكية بان الحزن قد يهلك صاحبه خاصة لمرضى القلب في حال أكثروا من الحزن والتعاسة، وقد اكتشف في دراسة اخرى ان 10% فقط من سعادة الانسان تتوقف على الظروف الخارجية والمحيطة به مما يعني ان نسبة 90% تتوقف على ما بداخله فالاستغفار يحقق لنا هذه السعادة كما جاء في الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا....)، فثبت ان الاستغفار اخصائي بإزالة الهموم والمصاعب لا فقط محي الذنوب والمعاصي وهو كفيل بتغيير حياة الفرد من خلال ما ذكرته الآية من آثاره، ان الله يرسل السماء مدرارا كناية عن كثرة الخير وادرار الرزق كما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله: اذا استبطأت الرزق فاكثر من الاستغفار.
اما عن نعمة الذرية فالاستغفار الحقيقي كفيل بتحقيقها فقد روي عن علي بن مهزيار عن حماد بن عيسى عن محمد بن يوسف عن ابيه قال: سأل رجل الامام ابا جعفر الباقر (عليه السلام) وانا عنده فقال لهب: جعلت فداك إني كثير المال وليس لي ولد فهل من حيلة فقال (عليه السلام): الله يقول " استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين".
فاذا حصل الانسان على الأموال والأولاد وهم زينة الحياة الدنيا كما عبر عنهم في القرآن الكريم بقي له الطموح الأخير وهو ان يكون من اصحاب الجنة، وهذا ايضاً وعد الله به المستغفرين في نهاية الآية الكريمة وبهذا يكون الانسان قد كسب مفتاح من مفاتيح السعادة والتغيير.