الجوع مقابل العلم

علي حسين عبيد

2018-06-13 05:20

يبتكر العالم المتقدم في كل يوم جديد، طرائق جديدة لتطوير الإنسان الفرد والمجتمع، وخصوصاً شريحة الشباب، فإذا ضمنتَ شبابا مثقفين مبتكرين نازعين نحو العلم، مقبلين على المغايرة وضرب السائد من التفكير، سوف تضمن السير في جادة التقدم بلا توقف، وما أحرانا كدول وشعوب متأخرة أن نركّز على هذا الهدف، ونستوعب حاجتنا له، فنحن في واقع الحال نعيش في وادٍ والعالم المتقدم في واد آخر، وهذا الأمر أو التوصيف لا يحتاج إلى إثبات أو دلائل لأنه مكشوف وواضح لنا قبل غيرنا، فما هي طرائق القفز على السائد، واللبوث في المغايرة من الأفكار والابتكارات، إننا نعيش في كنف الإسلام، نلتزم به، نؤدي فرائضه كما يحددها الدين، فهل درسنا الفرص التي يمكن أن يمنحها لنا الصيام ونحن نعيش شهره مرة كل عام؟، فمن ضمن الطرائق التي ينبغي أن نستفيد منها لاكتشاف طرائق التطور، هو ما يمكن أن يقدمه لنا شهر رمضان من فرص كبيرة لتغيير الفكر وتطوير الرؤية والسلوك.

أما الكيفية التي تتم به هذه الآلية، فهي تعود بالمحصل إلى النخب الفكرية، كالثقافة والدين، لأن الثقافة والتطوير الفكري يلزم تدعيم القيم وتطويرها، خصوصا لدى الشباب، وفي شهر رمضان تبدو إمكانية ذلك متاحة أفضل من أي وقت أو شهر آخر، ولا شك أن القيم الاجتماعية والحفاظ عليها، هي هدف دائم ويعد من مسؤولية الجميع، لكن فئة الشباب تختلف عن غيرها من الفئات العمرية التي تتوزع على الطفولة والمراهقة والكهولة وكبار السن، إذ أن مرحلة الشباب هي الأكثر حيوية ونشاطا وحماسا أيضا، لذا غالبا ما يحتاج الشباب الى آفاق واسعة رحبة من الحرية، للتعبير عن طاقاتهم وتقديم إبداعاتهم الكثيرة والمتنوعة، ولتحويلها من كونها تصورات او أحلام او أفكار الى حالة ملموسة، وان أي خلل في هذا الجانب يؤدي الى تعثر مواهب الشباب وحياتهم أيضا، وفي شهر رمضان تتضاعف فرص التطوير الشبابي، فالغرض من الصيام هو تشذيب النفس، وجعلها أكثر صبرا على تحمل الجوع والعطش، كذلك يساعد الصيام الإنسان كي يسيطر على نفسه بخصوص الملذات، والابتعاد عن المحرمات، وتجريب الجوع الذي يمكن أن يجعله المجتمع وسيلة أو طريقة من طرائق الفوز بالعلم، فأنت يمكن أن تجرب شتى أنواع الجوع عبر الصيام ولكن هذه الفريضة تخلق فرصا للتجمع والتلاقي والجمهرة، ومن الممكن جلب الشباب وضمّهم إلى هذه التجمعات، وتقديم وجبات العلم والثقافة والوعي لهم، عبر المجالس الثقافية خصوصا المدنية أو الأهلية منها.

كيف تكسب فرصة جيدة للتعيير؟

بمعنى أنك كشاب يمكن أن تتعرض للجوع والعطش في شهر رمضان، لكنك يمكن أن تكسب فرصة جيدة للتغيير، إذ أن فرص الشباب وغيرهم يمكن أن يحصلوا على فرص التطوير في شهر رمضان أكثر وذلك لتعميق القيم، في مجالات التعبير عن مواهبهم وطاقاتهم، وتحويل أفكارهم وإبداعاتهم الى عمل مجسّد، ولكن يبقى الأمر منوطا بالجهات الثقافية ذات العلاقة، سواء الأهلية او الرسمية الحكومية، حيث تنشط العديد من المنظمات والمجالس الثقافية والدينية في هذا الشهر الكريم، ولكن طرائق التغيير والتجديد لا تأتي مصادفة، لأن الأمر بحاجة إلى تخطيط مسبق، ووضع خطط للتطوير الثقافي في شهر رمضان على وجه الخصوص، وترغيب الشباب على الحضور والاستنارة، لكن الملاحظ أن الشباب خاصة مهمَلون على الدوام، فليس هناك برامج وخطط عملية لاستيعاب مواهبهم، وهذا الوضع لا يتعلق بشهر رمضان وحده، بمعنى أن الشباب – على نحو خاص- معرَّضَون الى حالات الإهمال المزمن، لذا حين يأتي شهر رمضان المبارك قد يشكل حافزا للفاشلين المتلكئين من المعنيين باستيعاب طاقات الشباب، لهذا نرى أن هذا الشهر يمكن أن يجوع فيه الإنسان، ويمكن أن يتعرض الشاب إلى اختبار عسير للنفس، لكن في نفس الوقت يمكن أن يشكل ذلك حافزا لتقديم العلم والإبداع بجميع صوره للشريحة الشابة المعزولة أو المنسية.

كيف نكسر نمطية الزمن؟

لذا ينبغي التفكير بجدية كيف نضرب السائد من التفكير في هذا الشهر، لأنه يكسر نمطية الزمن، ويغير المتعارف والنمطي في الحياة، لذا كلنا عايشنا الأنشطة الاجتماعية والثقافية والفنية التي تأخذ طابعا ترفيهيا مفيدا، حيث تقدم الأعمال الفنية او الأدبية او التاريخية، فيما تنشط العلاقات الاجتماعية، وتزداد المحافل ذات الطابع الديني أيضا، وهكذا يتحول المجتمع برمته، (بعد الإفطار) الى خلية نحل منتجة في عموم المجالات، لذا يمكن للجميع لاسيما الشباب منهم أن يعبروا في هذا الشهر عن مواهبهم وطاقاتهم وقدراتهم الكامنة، فيما لو قامت الجهات المعنية بتوفير الفرص المناسبة لذلك، على أننا يجب أن نفهم بأن شهر رمضان فرصة لتقويم الشباب، وتركيز القيم وترسيخها في سلوكهم وطباعهم وأفكارهم، خاصة أننا كمجتمع عراقي نعاني من اختلال قيمي واضح، فقد انتشرت ظاهرة الرشوة، كما تم تكريس ظاهرة الاختلاس والتجاوز على المال العام، وحالات التزوير والاحتيال وغسيل الأموال والمضاربات والمتاجرة بما يسيء للطبقات المتدنية، وهكذا حدث هذا التغيير الملحوظ في منظومة القيم، التي دخلت فيها مضامين، أخلاقية وسلوكية غريبة، على المجتمع العراقي، وقد أصبح الاختلاس والسرقة وتعاطي الرشوة، نوعا من الشطارة، لبناء حياة الفرد والعائلة العراقية، لذا ليس كثيرا على الشباب البحث عن طرائق لتنظيم القيم وطرد الرديء منها، ولا بأس أن يكون شهر رمضان منطلقا لهذا الفعل البنّاء، ويصبح الجوع هنا بمثابة طريقة جديدة لتحصيل العلم عبر الصيام، وصفاء النفوس وتجديد نقائها، وتوجيه الشباب نحو التفكير المحدث والقيم البنّاءة.

وتظهر حاجتنا لتعميق القيم وتحديثها متزامنة مع البحث عن طرائق جديدة للوصول إلى العلوم المطورة، لذلك فإن تنامي الظواهر السلبية التي تم ذكرها في أعلاه، يعد تغييرا خطيرا، في منظومة قيم المجتمع عموما، وعلى الأفراد والنخب، ورؤساء العشائر، ورجال الدين، وكل من يهمه الأمر ملاحظة هذا التغيير الفادح، في منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية، وخطورة التساهل الخطير مع السلوكيات المنحرفة، واعتبارها نوعا من الشطارة، بل على العكس ينبغي ضربها وفضحها وتكريس القيم الصالحة كبديل لها، كما ينبغي على الجميع انتهاز فرصة شهر رمضان لإعادة التوازن لمنظومة القيم وترسيخها لدى الشباب كونهم، الفئة الأكثر في المجتمع، على ان يتصدر الجهد الحكومي جميع الجهود المعنية بالشباب، واستثمار هذا الشهر ثقافيا وأدبيا ودينيا وفنيا، لتربية الشباب والمجتمع عموما، علما يجب أن يتم ذلك وفق أطر محدث تشرك الشباب بصورة فاعلة في جميع الأنشطة، أما التركيز على شهر رمضان لبناء وتنفيذ خطط المغايرة وتثبيت القيم، فلأن هذا الشهر هو الأكثر تناسبا من سواه لتحقيق هذا المطلب المهم.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا