كيف نواجه فيروس الجيل الجديد؟
محمد علي جواد تقي
2018-05-23 07:02
حضر النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، عند رأس شاب على فراش الموت، وهو في لحظاته الاخيرة، فطلب النبي من الشاب أن يتشهد الشهادتين لينتقل الى ربه مسلماً مؤمناً بالله واليوم الآخر، فكانت المفاجأة في عجز الشاب عن النطق بالشهادتين كلما حاول ذلك، فالتفت النبي الى من حوله، وسأل عن والدته فجاءت اليه، فسألها عما اذا كانت راضية عن ولدها فأجابت بالنفي! لما تسبب لها من الأذى خلال سنوات حياته، فطلب منها النبي مسامحته والرضا له، فرفضت بشكل قاطع، عندها طلب النبي من اصحابه ان يأتوا اليه بالحطب والنار ليشعله ويحرق به الشاب، فرتاعت الأم وتغير موقفها الى الحنان والرأفة بابنها من الاحتراق بالنار، فتوجه الى اليها النبي الأكرم، وقال لها: "يا أمة الله، ان ابنك هذا يستحق النار لما اقترفه بحقك، وان رضاك عنه يخلصه من نار جهنم التي هي أشد بكثير من هذه النار، عندها اعلنت الأم رضاها على ابنها وفوراً انطلق بلسانه ليتشهد الشهادتين وتفيض روحه راضية مرضية بين يدي رسول الله.
من حيث المبدأ ومن الناحية النظرية، يحرص الأبوين على ابعاد ابنائهم عن أي نوع من المخاطر والمكاره، بيد أن الواقع العملي ينبئ عن شيء مغاير في كثير من الاحيان، ولعل السبب في ذلك التركيز على ظواهر الامور، واعتماد ما يستشعرونه من المخاطر بحواسهم، كأن يكون التعرض لفيروس مزعج يجعله طريح الفراش، او يتعرض لحوادث سير، الى جانب حوادث العنف المجتمعية والسياسية التي تكثر في بلادنا، بيد أن الفيروس الاكثر فتكاً ذلك الذي لا يمكن استشعاره بالحواس الخمس، او اكتشافه بالفحص الطبي، لانه يخترق الفكر والقلب فيأخذ بصاحبه الى متاهات الانكفاء على الذات، ثم اليأس وتزايد المشاعر السلبية، ثم التشكيك بالقيم والثوابت مهما كانت متطابقة مع الفطرة والعقل.
ولعل خطورة هذا الفيروس تأتي من استهدافها لخارطة طريق الانسان في الحياة، فتجعله يعيش حالة العبث واللاهدف التي تسلب منه السعادة وتمنحه الشقاء في هذه الدنيا ثم الخسارة الكبرى في الآخرة، ولكن هذا لا يعني نهاية الطريق والاستسلام للأمر الواقع، ففي شهر رمضان فرص عديدة للقضاء في مقدمتها الانطلاق في رحاب القرآن الكريم، ثم الانفتاح الكامل اللامحدود على الأدعية والاعمال العبادية المروية عن المعصومين، عليهم السلام، هذه الاجواء تصون صاحبها من ضبابية الفكر وتسطيح الوعي، وتسلحه برؤية ثاقبة في الحياة، ثم تمكنه من اختيار المنهج الصحيح للوصول الى الحقائق واتخاذ المواقف السليمة الي لا يندم عليها طوال حياته.
إن السلامة في جانبها المعنوي لها بالغ الأثر في تقرير مصير الانسان، فاذا ضمن البعض يومه ومستقبله بامتلاك البيت المرفه، وفرصة العمل ذات المردود المالي الجيد، ثم يحرص على سلامته البدنية بمختلف اشكال الأطعمة والاشربة ذات الخواص الغذائية العالية، فان عليه ايضاً التفكير بالسلامة المعنوية لانها تضمن ما لا يراه الانسان في حاضره ومستقبله، فهي لا تخضع لحسابات المال والاجراءات الحكومية وحركة السوق والاقتصاد، علماً ان الصدمات الفجائية التي يتعرض لها الكثير في العالم المادي لا تقل خطورة وتأثير مدمر على حياة اصحابها، بيد أن وقوف أب الى جانب ابنه أمام الجيران والمجتمع وقد ارتكب مخالفة منكرة، تمثل لحظة انهيار لكل ما بناه من ثقة ورصيد اجتماعي طيلة سنوات من عمره، والامر يشتد اكثر اذا وصلت المخالفة الى مركز الشرطة والمحاكم حينها يجد الأب وعلى حين غفلة بانه وسط صحراء قاحلة وحيداً لا يسمعه أحد، حتى أقرب المقربين منه، يراه بعيداً جداً لان ليس بوسعه فعل شيء يغير الواقع الفاسد الذي صنع الابن الشاب في لحظة طيش وغرور.
وحسناً قال آية الله السيد محمد رضا الشيرازي – طاب ثراه- عن رواد المجالس الحسينية ومن أهل الشعائر وإحياء قضية الامام الحسين، عليه السلام، بأنهم قلما تضمهم جدران السجون، ونفس القاعدة تنطبق على رواد المحافل القرآنية والبرامج الثقافية والفكرية والعقائدية في شهر رمضان، فمن النادر ان تجد من امثال هؤلاء خلف القضبان إلا لاسباب تتعلق بحوادث سير، او مشاكل تجارية في السوق، مثل العجز عن الايفاء بالديون بسبب خسائر او تحولات في البورصة وعموم الوضع الاقتصادي في البلاد.