رهاب البدايات: لماذا نخشى الخطوة الأولى؟
عزيز ملا هذال
2025-08-27 03:50
نحتاج في الكثير من أمور حياتنا إلى الخطوة الأولى التي نضع عبرها بداية لإنجاز عظيم بعد ذلك. ولا نعني أن نخطي هذه الخطوة بدون التخطيط لها، بل نعني الابتعاد عن التردد الذي يمكن أن يضيع الفرص التي يمكن أن تخدم مصلحة الإنسان خدمة عظيمة. ورغم الحاجة لذلك، هناك من يفتقد إلى إمكانية البدء في الخطوة الأولى، وهو ما يُعرف نفسيًا بـ(رهاب البدايات). فما هو هذا الرهاب؟ وكيف يمكن التخلص منه؟
ما هو رهاب البدايات؟
يُعرف رهاب البدايات على أنه الحالة النفسية الداخلية التي تمنع الإنسان من الخوض في غمار تجربة حياتية لم يألفها سابقًا، مما يؤدي به إلى تركها وبالتالي يُحرم من عائدها الإيجابي عليه، تحت سطوة الحيرة والتردد والضياع.
من الواقع:
في حديث لي مع أحد زملائي في العمل، كنا نستعرض سلبيات مرور الفرص على الإنسان والإحباط الذي يتسبب لمن يضيع الفرص بعد أن يرى غيره قد استثمر الفرصة. فتحدث لي بحسرة أنه أحد ضحايا الخوف من الدخول في معتركات الحياة وتجريب الجديد، مما فوت عليه فرصة الحصول على شهادة أكاديمية أعلى كانت ستمنحه مكتسبات علمية ومادية كبيرة. فهو يتمنى لو تعاد نفس تلك الفرصة ليستثمرها، لكنه استدرك بالقول: "لا أعرف إذا كنت سأستثمر الفرصة هذه المرة أم أنني سأفوتها مثل كل مرة خشية الفشل؟". حينها أدركت أنه مصاب بهذه اللعنة المؤذية.
المشكلة تكمن في أن الفرص تمر مرور السحاب كما يُقال، وحين تفوت الإنسان فرصة تترك فيه غصة تؤذيه نفسيًا، مما يشكل لديه أشبه بالعقدة النفسية السلوكية التي تؤثر على مجريات حياته. ومن هذه العقدة تحديدًا تتولد سلوكيات غير جيدة مثل الحسد وجلد الذات وتحقيرها وغيرها من السلوكيات التي تبقي الإنسان يصارع ذاته.
لماذا نخشى البدايات؟
لعدة أسباب محتملة يخشى الكثير من الناس البدايات الجديدة، من أهم هذه الأسباب ما يلي:
المرور بتجربة سابقة: كانت بدايتها فاشلة ومتعبة أو أنها لم تأتِ بالنتائج المرجوة منها. وحينها، ستصبح كل بداية بالنسبة لمن تعرض للتجربة تمثل نقطة خوف وخشية من تكرار التجربة السابقة، وبالتالي يفضل عدم الخوض في بداية جديدة.
رهاب المجهول: قد يتولد لدى الإنسان رهاب البدايات لكونه في الأساس مصابًا برهاب آخر يُعرف برهاب المجهول أو الخوف من المجهول، وهو القلق من أي شيء غير مألوف، أو لا نملك معلومات عنه. وتفاقم حالة القلق والخوف تؤدي إلى اضطراب قد يعطل حياة المصاب ويفقده القدرة على التكيف مع الجديد، وكذلك يفقده الرغبة في أي خطوة نحو التغيير.
التوقعات السنوية (الطالع والأبراج): فخوف الإنسان من المستقبل وعدم إيمانه بالله تعالى وبتقديراته، علاوة على متابعة التوقعات التي يمليها المنجمون وغيرهم عن العام الجديد وماذا سيحدث فيه، كلها أسباب تجعل الإنسان يخشى البدايات.
ماذا يجب؟
يجب على الإنسان إذا أراد أن يغادر رهاب البدايات أن يؤمن بأن الله جل في علاه يهيئ أسباب النجاح والتوفيق لكل ساعٍ ومجتهد. وحين يُخفق في تجربة ما، فلا يعني أن كل التجارب اللاحقة سيُخفق فيها أيضًا، فهذا التعميم من الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها الإنسان بحق نفسه.
كما عليه أن يؤمن بحقيقة أن الله هو من يعلم الغيب ولا يعلمه غيره، وهو ما يجعله يبتعد عن مشاهدة المنجمين وسواهم الذين يظهرون في مواقع التواصل والقنوات الفضائية بشكل مستمر، وهذا ما يمد الإنسان براحة بال وقناعة ورضا بما يقسم الله له. كما أن الإيمان بقضاء الله سيبعد الإنسان عن الخوف من المستقبل المجهول. فالالتزام بما ذكرناه سيعدل من سلوك الفرد المصاب برهاب البدايات ويعيده إلى حالة السواء.