تصابوا مع اطفالكم تملكون قلوبهم

عزيز ملا هذال

2023-03-19 04:15

ما العيب ان شاركت طفلك العابه وان كنت تراها تافهة؟، وما العيب ان تدربت معه في حديقة منزلك او الملعب القريب منك؟، وما العيب ان قلدت ضحكته ورقصته ومشيته في محاولة منك لجعله يشعر بالاهتمام؟، وهل من خطأ سيحدث ان مسكت معه الاصباغ ولونت دفتر رسمه؟، وما العيب ان حملته على ظهرك كما فعل النبي الاكرم صلى الله عليه وعلى آله مع الحسنين عليهما السلام؟، كل تلك الممارسات ليست عيوباً ياسيدي بل العيب هو استخدام القسوة والجفاء والجدية الدائمة مع الطفل وعدم النزول إلى مستوى الصغار والحلول بساحتهم، وتخصيص مقدار من الوقت لمشاركتهم سلوكياتهم.

عبثاً يحجم الكثير من الوالدين عن البحث عن اهتمامات اطفالهم ومشاركتهم ساعات فرحهم وحزنهم بداعي الخوف من الانتقاد او بداعي العيب من المجتمع فلا يمارسون التصابي الذي تؤكد عليه التربية الحديثة وقبل ذلك اكد النبي محمد صلى الله عليه وآله: (من كان عنده صبي فليتصاب له)، رغم ان الأمر لا يفقد اللياقة الاجتماعية للوالدين بل يربطهم بأطفالهم نفسياً مما يجعل التربية قائمة على الاحترام والتزام الحدود التي يضعها الاباء طوعاً لا كرهاً.

ما نقصده في التصابي هو فهم الابوين لشخصية الطفل وذهنيته ولغته ومشاعره والتعامل بالمثل معها بحيث يشعر ان طفلاً يكلمه ويتعامل معه وليس شخصاً كبيراً يثقله بتقيدات الكبار وطريقتهم في التعامل مع الحياة مما قد لا يستطيع فهمه وتقبله وليس المقصود أن يفقد الأب أو الام اتزانهما بما يبعدهما عن المقبولية الاجتماعية التي تعرضهما للانتقاد.

انا شخصياً لم اتذكر ان والدي لعب معي يوماً في المنزل او انه اصطحبني او احد من اخواني لمدينة العاب او حديقة او ما شاكل من اماكن التسلية والترفيه، ولا اعرف السبب الحقيقي وراء ذلك لكني اعتقد البيئة الريفية البسيطة التي نشأ فيها لم تكن تمده بمقومات التربية السليمة فكان طابع العيب هو السائد ومن ضمن الامور التي حضرها العرف هو نزول الوالد الى مستوى الطفل، ياله من عرف متعجرف ما ابعده عن الانسانية والمنطق.

ان التربية السليمة تريد للانسان ان يخطط في اي شأن ينمي في الانسان انسانيته وقيمه على اساس التوازن بين قيمة وقيمة، فلا تسقط إحداها بتأكيد الأخرى، فالتربية تريد للوالدين أن يقدما التنازل للولد في أسلوب التعامل معه ليقتربا منه روحياً ونفسياً مما يسهل عملية التربية ويجعلها منظمة وعلمية اكثر على عكس التربية التي تقوم على الاستعلاء والاوامر التي يحكمها الرسمية والتشنج والكبت والحرمان ومصادرة الحقوق التي سرعان ما يبدأ الانسان في التعويض عنها حين تسنح له الفرصة.

الفائدة العظمى التي تتحقق عبر التصابي على الصعيد التربوي والنفسي للطفل هي انها تقوي لديه عامل الثقة بالنفس من خلال شعوره بأهمية عمله الذي لم يتوانى حتى والده ذلك الرجل الناضج عن مشاركته فيه، وبالتالي فإنها تلبي لديه حاجة طبيعية وهي الارتواء العاطفي والتي إذا ما لبيت له فإنها ستنعكس إيجابياً على حياته وستجعل منه في المستقبل إنساناً سوياً خالياً من أي عقدة نفسية وبالتالي يبتعد عن التعويض ويكون ذا مبادرة وحضور فاعل في الكثير من المحافل والمناسبات الاجتماعية.

اما فائدة التصابي بالنسبة للأبوين فأنه عاملاً مساعداً في إزالة الكبر والفخر عن نفسيهما، كما انه يجعل منهما متواضعيين لينيين متعاطفين ليس مع ابناءهم فقط بل من في محيطهم، ومن جهة اخرى فأن التصابي يعمل على تنفيس الكثير من مخزونات الانسان المزعجة والمتعبة سواء في العمل او غيره من مجالات الحياة، وبالتالي حين يمارس الاب مثلا التصابي فأن يشعر بالراحة النفسية ما كان ليحصل عليها لو لم يسلك هذا السلوك، ولأجل هذا كله هي مني دعوة لمن يقرأ كلامي ولديه اطفال ان يتصابى معهم ليتذوق حلاوة ما فيه.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا