كيف تمتلك شجاعة الاعتذار؟
عزيز ملا هذال
2021-05-12 04:23
لماذا يرى الكثير من الناس ان الاعتذار من صفات ضعف الشخصية؟، وان الاشخاص اللذين يبادرون اليه جبناء ومهزوزي الشخصية؟، اليس هذا الاعتقاد غير مصيب على الاطلاق كما ينم عن خلل كبير في طريقة تفكير اصحابه؟، الى ماذا اوصلنا تعنتنا وامتناعنا عن الاعتذار؟، اذا كنا نستثقل الاعتذار لماذا نستخف بالخطأ؟، متى نتمكن نأسس لبعض الثقافات التي تحفظ المنظومة الاخلاقية من الانهيار والتشظي؟
الحال ان الإنسان القوي هو من يبادر الى الاعتذار حين يرى نفسه قد أخطأ في سلوك معين او كلام، والعكس صحيح فضعاف الشخصية والنفوس هم الذين تأخذهم العزة بالإثم ويتهربون من الاعتذار عن الأخطاء التي يرتكبونها بمبررات واهية.
الاعتذار قيمة سلوكية عالية وسمو نفسي كبير لا يستطيع أي فرد ممارسته، فلنوعد أنفسنا عليها وننعم بحلاوة طعمها وعظم أثرها، فالكثير من المشكلات والمواقف التي تحدث لنا في ايامنا بمقدورنا ان نحلها حل سليم بالابتعاد عن التعصب القبلي المتأصل في نفوس الكثير من المجتمعات العربية والمجتمع العراقي على وجه الخصوص.
لذا ينبغي ان لا نعلم صغارنا على رفض الاعتذار مما يثبت هذه الصفة غير السليمة كعادة في سلوكهم، فالكثير منا يربي طفله على الاصرار على الخطأ وعدم الاعتراف به باستخدام اساليب مختلفة وغير مقنعة ولا منطقية حتى لا يضطر الى الذهاب الى الاعتذار لمن اخطأ بحقه هو ما يعقد حل المشكلات او يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.
نلاحظ على الدوام وجود رغبة كبيرة بدافع (الانا) للابتعاد عن الاعتذار وعدم ممارسته على اعتبار ان هذه الصفة لا تناسبنا أو أن عليها علامات استفهام جدلية.
ولان ابن آدام خطاء فمن الطبيعي جدا ان يخطئ مع اخيه وابيه وامه وجاره وزميله في العمل وغيرهم من الاشخاص الذي يكون معهم في علاقة، لكن من غير الطبيعي التمنع من الاعتذار لإصلاح الأمور التي ساءت جراء فعلته وما ارتكبته يداه.
وبذلك وتقديم الصورة البهية عن الشخصية الانسانية السوية، لكن التعالي والمكابرة والاصرار على المضي بالخطأ تعقد الامور وتأزم المواقف وبالتالي انفراط عقد الكثير من العائلات وتشتتها وحرمان الاطفال من حقهم في التمتع بالحنان الابوي.
والمصداق هو مئات الالاف من حالات الانفصال التي تشهد ارتفاعا كبير يوم بعد آخر، فهذه الحالات امكانية حلها متاحة والامر ليس مستحيلا فلو تصرفنا بعقل ورشاد لما وصل الامر الى طريق مسدود بين الطرفين.
لو أقدم المخطئ بتقديم اعتذاره لمن اخطأ بحقه، وقابله الطرف الآخر بقبول الاعتذار فكما للاعتذار شجاعة ووعي فأن لقبوله أيضاً شجاعة وكرم.
لكننا اسسنا لمفاهيم مغلوطة في نفوسنا واصبحت سنة نسير عليها بدون وجهة حق ولا منطق، ولعل مقولتي ان (الرجل لا يقول كلمتين _الرجل لا يتراجع عن كلامه) فهم منهما ان الرجولة هي أن ترتكب تفرض عدم الاعتراف بالخطأ وبالتالي عدم الاعتذار عنه لان الاعتذار ليس من شيم الرجولة ومنقص لها.
لو تمعنا النظر في لحظة تقديم الاعتذار وكم انها صعبة على النفس لوجدناها تعكس قوة شخصية المعتذر فهو تحدى نفسه ووجد أن قيمته تكبر مع كل اعتذار يصحح فيه خطأ كان سيؤثر على حياته وحياة غيره.
ولو امتلكنا شجاعة الخروج من حب الذات والاصرار على الخطأ لوجدنا الكثير من السلوكيات تستحق الاعتذار فالتشهير بالمختلفين عنا وتوصيفهم بأوصاف مشينة بغية تسقيطهم والحط من مكانتهم واتهامهم بالشذوذ والتطرف الفكري و ما نتفاخر به ونتخذه قدوة وإرثاً لنا هو في الحقيقية تأسيس لعوالم متطرفة داعية للموت وكارهة للحياة.
هو ما يؤدي الى صراعات واسعة قد تتعدى حدود الجغرافية للبلدان وراح ضحيتها مئات الالاف الأبرياء حول العالم، ألا تجدون أن هذه تستوجب منا الاعتذار للضحايا عما اقترفناه وعما خطته أيدي البعض منا؟
بعض العلاجات التي نسلكها لنأسس لثقافة الاعتذار وجعلها سلوكية جميلة الاثر هي: ينبغي علينا اعادة النظر في العديد من القيم الخاطئة التي تشكلت في شخصيتنا وان نعيد ترتيب الاولويات التربوية التي تعلمها واعتقد بها الاجيال السابقة وتعديلها في الجيل الحالي واللاحق.
فالاعتذار وفنونه وحالات وجوب ممارسته من هذه الاولويات واجبة التعديل في مجتمعاتنا فهو خُلُق وصفة عظيمة قد تحل الكثير من المشاكل وتسير بنا نحو السلام والامن المجتمعي الذي ننشده.
كما يعيد الاعتذار للإنسان الى ادميته التي سلختها منه افكار واعتقادات التشدد والغلو والانا الفارغة والانتقاص من الغير وغيرها من المسببات التي جعلتنا نستكبر على انسانيتا وتحولنا الى اشبه بالحيوان المتعنت الذي لا يكترث لمحددات المجتمع وعاداته ولا حتى لمحددات الطبيعة والمنطق.
فلنتعلم ثقافة الاعتذار حين نخطأ وان كان الامر ثقيلا على النفس، وليكون ثقل الاعتذار سبب في ايقاف التجاوزات بحق الاخرين، ولا نستكف من الاعتذار لمن هم اقل منا عمرا او وظيفة او ومكانة علمية واو غيرها من الاعتبارات الاخرى ما دمنا قد اخطأنا بحقهم وهذا هو السداد.