لماذا أصبحت الانعزالية مرغوبة في عالمنا المعاصر؟
عزيز ملا هذال
2021-05-10 04:56
طبيعة الانسان ميالة الى الانخراط في تجمعات ابناء جنسه، فهو يحب الاختلاط والتجانس والانتماء لهم كي يمدونه بالطاقة الكفيلة باستمراره على السواء وهذا المبدأ قائم منذ خليقة الانسان الى يومنا هذا، غير ان المبدأ بدأ يخترق ولم يعار له اهمية وأصبح الانعزال اكثر تحبيذاً من ذي قبل.
لنتسائل مالذي حدا بالكثير من الناس الى تفضيل الانعزال سيما في وقتنا الحالي؟، وهل صار الانعزال باباً للهروب من الواقع؟، من الذي تغير طبيعة الانسان ام الظروف المحيطة هي التي تغيرت وزادت معها رغبة الانسان الى العزلة؟، وهل لوعي الفرد وذكاءه دور في الانعزال بالتعامل مع المحيط البشري من دون ان يتلقى اضرار؟، وهل يوجد اعتزال سلبي واخر ايجابي؟
نظرية التحليل النفسي لعالم النفس (سيغموند فرويد) تقول ان الانعزال هو حيلة نفسية وقد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالكبت في احد صوره واشكاله، ويصفه بأنه عملية عقلية تتضمن إحداث فجوة بين إدراك بغيض أو تهديد وبين الأفكار والمشاعر الأخرى و يعمل على تقطيع الصلات الترابطية مع الأفكار الأخرى سيما الافكار غير المريحة التي تجتاح النفس الانسانية وتحدث ضرراً فيها، وفي الوضع الطبيعي للانسان يكون الانعزال كآلية دفاع ربما غير شعورية تقف بالضد من الافكار الضارة وتمنع تسللها الى النفس وتمنع النفس من أن تسمح لهذه الإدراكات أن تتكرر وأن تسبب ضررًا ممكنًا لمفهوم الذات والذي يجهد الانسان في سبيل حمايته.
وقد اتفقت الكثير من الأبحاث على الرأي القائل بأن الانعزال هو إحدى الآليات المؤثرة والهامة للدفاع والوقوف ضد الإدراكات المحيطة وهي آلية ملائمة لا تتطلب تغييرًا للحقيقة او التلاعب فيها بقدر ما يتطلب التعامل معها بفطنة وذكاء وهذا يجعل العزلة مقبولة أكثر من بعض اليات الدفاع اللاشعورية الاخرى مثل (النكران والتعلية النفسية والإسقاط النفسي، إلخ).
نتفق جميعنا الى ان الوحدة صعبة التحمل ولن يقدم عليها احد الا لضرورة وفق المعطيات الطبيعية فهي في احيان تأتي بمثابة الدواء الذي نتجرعه لنوقف الم ما، لكن الدواء قليله نافع وكثيره ضار وهذا ما ينطبق تماماً على الوحدة ايضاً فالجرعات العالية منها قد تؤدي إلى مرض نفسي وانعزال عن المحيط بلا مسوغ لم ولن يأتي بنتيجة مريحة، فأن لم يكون ما يدعوا الاعتزال يعد سلوكاً انطوائياً يدل على حالة مرضية تستوجب المراجعة والعلاج.
مر عليه مصطلح يعرف بأسم (الانحصار المؤقت) وعند التحري عنه تبين انه ضرب من ضروب العزلة يتم من خلاله إخفاء بعض حالات الفشل أو العجز في ماضي الشخص وبالتالي التخلص من تأثيرها على النفس بطريقة فعالة، وهذا النوع ممكن الظهور في حالات التخلص من الادمان او عند انقضاء فترة امتحانات مرهقة وشاقة او عند الخروج من السجن مثلاً، وهذه الممارسات مقبول الى حد بعيد لان العزلة هنا تقوم بالتخفيف من الضغوط المترسبة من أحداث ماضية.
النفس البشرية على الرغم من كونها ذات طبيعة اجتماعية الا انها تحتاج الى العزلة بنسبة معقولة من دون تفريط، فالإنسان يحتاج الى التحدث لنفسه على انفراد معظم الافكار الابداعية التي تحول فيما بعد الى نتاجات عظيمة تولد من رحم الوحدة.
وصحياً جدا ان يبتعد الفرد عن مجتمعه لفترة طلباً للراحة عن ضجيج البشر وشغبه والتهائه توافه الاشياء التي لا تسمن ولا تغني من جوع اضافة الى الانتشار المخيف للغيبة والنيمة والنفاق الذي قتل ادميتنا وحولنا الى مسوخ متوحشة، فما أجمل أن يقضي الإنسان وقته وحيداً مع كتاب مثلاً أو أمام طبيعة يتأمل عظمة صانعها او مع عائلته التي تحتاج منه الدافع النفسي والغذاء الفكري.
ومن اهم ما الايجابيات التي تمنحها العزلة للانسان ايضاً هي انها تعزز ابداعه، فبحسب المختص في علم النفس الابداعي السيد (غريغوري فيست) وهو مدرس في جامعة سانت هوزيه بكاليفورنيا ان الابداع يولد من لحظات تأمل وتفكر، كما يقول: ان الابداع يرتبط بالعزلة وتقبل الافكار والافادة من التجارب الجديدة وعدم الاكتراث ببعض العادات الاجتماعية السائدة.
كما يدعم الانعزال من حرية الفرد لذا يلجأ الكثير من الناس اليه لتمتع بنوع من الحرية يرونها اساساً لاستمرار الانسان متجدداً، بالإضافة إلى ان العزلة تساعد في التحكم في العواطف وتوجيهها، و تمكن من تحديد شدة تأثيرها على الإنسان مما يجعل شخصيته أقوى، في الختام اود التنبيه الى ان ما ذكرت هي بعض من الإيجابيات وهذا لا يعني انه ايجابي مطلق فهو ذو كفتان احدهما مفيد واخرى ضارة ان افرطنا، ولك عزيزي القارئ ما تشاء انعزال ام اجتماع.