السفر اثراء وأثر

عزيز ملا هذال

2021-04-11 04:00

براً او بحراً او جواً، لغرض السياحة او للتعليم او للعمل وهما قصرت المسافات او بعدت يبقى السفر من أكثر التجارب افادة للإنسان في النواحي النفسية والثقافية والاجتماعية والصحية، فحين نسافر نثري معلوماتنا ونطلع على ثقافات البلد الذي نحط رحالنا فيه اضافة الى الاستمتاع بمناظر الطبيعة والاماكن الاثرية والمعالم الرئيسة التي تشير الى المكان او تدل عليها.

اهتمام الانسان بالسفر ليست حديث عهد بل هو قديماً بقدم الدهور، فقد اختلفت وسائله تبعاً لاختلاف الازمنة، بعد عن كان بواسطة الحيوانات الذي يعد من اكثر انواع السفر بساطة واقلها اجراً غير انها متعبة جداً بالمقارنة بما تلها من وسائل نقل حديثة، لكن توفر وسائل النقل الحديثة عقد من العملية لان الاجور باتت اكثر ارتفاعا والكثير من الناس ليسوا قادرين على شراء تذاكر الطيران او اجرة القطار او حتى اجرة السيارة مما قلل من امكانية التنقل سيما لدى الشباب الطامحين في اكتشاف العالم والخوض في غمار عوالم اخرى مختلفة، فأحلامهم اصطدمت بضعف الحالة المادية او عدم تحقق شروط السفر سيما ان الكثير من البلدان صعبت من شروط دخول الوافدين اليها من منح تأشيرة الدخول والاقامة وغيرها.

ولمعرفة تأثير السفر من الناحية النفسية اجرى باحثون في (مؤسسة مارشفيلد للبحوث الطبية) بولاية ويسكونسن الأميركية على عدد من النساء قسمن الى مجموعتين الاولى كانت تحظى فيها النساء على اجازات شبة مستمرة للسفر اما الثانية فهي على العكس، النتائج بينت ان المجموعة الاولى اقل عرضة للشعور بالتعب والإجهاد، وكذلك أقل عرضة للتوتر والاكتئاب، كما تتميزن بعلاقات جيدة مع أزواجهن، بينما تقع نساء المجموعة الثانية على الطرف الاخر من المعادلة، وتشير ذات الدراسة الى فوائد السفر ادت الى الرغبة والميل الى تحسين نوعية الحياة وتحسين نوعية العمل وتحسين العلاقات الاجتماعية في محيط العمل والمنزل.

والكثير من الفوائد يضفيها السفر على حياة البشر منها: تعزيز الصحة العقلية وخلق او تجديد الابداع للفرد فعبره تتوسع مدارك الانسان وتزاد قدراته الإدراكية، وهذا ما يجعل علماء الاعصاب والنفس يشتركان في تأكيده، فقضاء الكثير من الوقت في أماكن مختلفة عن تلك الاماكن التي نرتادها بصورة مكررة يحدث تغيير في عقلية الشخص وطريقة تفكيره حيث يتعرض إلى أصوات جديدة، وروائح مختلفة، ولغات متباينة، والكثير من الأذواق والأحاسيس المتفاوتة التي تثير نقاط الاشتباك العصبي المختلفة بخلايا المخ مما يؤدي الى زيادة قدرته المعرفية وتنشيط العقل، فالكثير او اغلب الذين يسافرون باستمرار يكونون اكثر انفتاحًا واستقرارًا نفسياً وعاطفيًا عن غيرهم.

من الفوائد الاخرى للسفر زيادة الاهتمامات الشخصية او تعلم هوايات جديدة غير مألوفة في بلدك الاصلي فعلى سبيل المثال إذا سافرت الى بلد يكثر في تساقط الثلوج ستحاول تعلم التزلج على الجليد، وكذا الحال في بعض البلدان التي تشتهر برياضات مختلفو كممارسه الركبي او السباحة في البحر او صعود التليفريك او حضور مهرجانات مختلفة تقام في تلك البلدان من وقت لآخر، وفي السفر تحدي يعلنه الفرد ضد نفسه او ضد مجتمعه او رغبة في تحقيق هدفه سيما في حالات السفر من اجل الدراسة او تعلم مهنة معينة.

وتعلم لغة البلد الذي تسافر اليه من اكثر الفوائد واهمها رغم انها قد تكون اجبارية بالنسبة اليك للتواصل مع السكان المحليين هناك فتعلم اللغة ليس هيناً و يحتاج قراءة كتب تخص ذلك البلد وتعميق المعارف بنفس لغة البلد او المنطقة، ويساعد السفر على كسر الحاجز النفسي مع الناس المختلفين عنك ويمنحك قدرة على تقبلهم والتعاطي معهم وبالتالي انماء ثقافة التسامح وابعاد التعصب والعنصرية التي انبتها التخلف والجهل.

ويعزز السفر من الاستقلالية للفرد فقد يمنحك فرص لتقوية ثقتك بنفسك والاعتماد عليها واتخاذ القرار بعيداً عن تأثير عائلتك او المقربين منك، بالإضافة الى تعلم مواجهة التحديات التي ستواجهك مما يزيد من قدرتك على التعامل مع أي مشكلة في المستقبل، ويبعد السفر الانسان عن الروتين الممل الذي يجعله غير راغب لفعل اي شيء فالبعض يصل الى مرحلة يكون فيها غير قادر على انجاز مهامه العلمية او الحياتية او الوظيفية، فيقوم السفر بدور المنشط للأنظمة الجسم والنفس البشرية وبالتالي اعادتها الى مستويات انجاز اعلى.

واخيراً من اكثر ايجابيات السفر هو تعزيزه لصحة الانسان الجسدية فوفقاً للدراسة التي أجرتها (اللجنة العالمية للشيخوخة) والتي قالت ان الرجال اللذين يسافرون مرتين سنوياً على اقل تقدير تقلّ نسبة إصابتهم بالنوبات القلبية او الجلطات الدماغية مقارنةً بالرجال الذين يسافرون في فترات اكثر او لم يسافروا ابداً.

ومن اهم ما نوصي بها ممن يروم السفر الى بلد بعيد كان او قريب هو الدخول في ادق تفاصيل المكان بهدف اكتشافه، والركوب في وسائل النقل المحلية هناك فقد تجد وسائل تختص بمنطقة او دولة دون اخرى، كما من الاهمية بمكان ان تجرب الاكلات الشعبية في ذلك المكان، اضافة الى ارتداء الزي الشعبي للبلد والتقط الصور فيه، ومن المهم ايضاً توثيق اللحظات من خلال التصوير ولو بهاتف التليفون، وكتابة الذكريات في دفتر صغير سيكون في يوم من الايام مصدر سعادة ونشوة حين قراءتها، هذه التفاصيل التي تجعل للسفر متعة واثارة وجمال لذا ينبغي الاهتمام بها ما استطعنا.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي