هل أنت مدمن على السلطة؟
انسياد
2018-05-21 06:30
مانفرد كيتس دي فريز
هيكلية الشركات تعزز هوس السلطة عند القياديين
غريج تنفيذي كبير في مؤسسة مالية كبرى، يشعر بالرضا عن الأمور التي تؤول إليها حياته المهنية، والاهتمام الذي يلقاه بجود أشخاص يلجؤون إليه. كما يتلذذ بعلاقته مع الآخرين من أصحاب السلطة. خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، اعتاد الشعور بالفخر لتبادله الخبرات والأفكار مع أشخاص لطالما قرأ عنهم في الصحف. بالنسبة إلى غريج، فإن الحياة تتمحور حول المال والسلطة. وخسارته لعمله هو أسوأ شيء قد يحصل له.
تغيرت حياة غريج بين ليلة وضحاها بشكل دراماتيكي. فالأشخاص اللذين كانت تربطه بهم صلة لم يعودوا مهتمين بذلك. كما تم إبعاده عن دائرة الأضواء وتحييده في العمل. وكانت تتلاشى جميع المزايا الاجتماعية الممنوحة له بحكم منصبه. أدرك غريج أنه لم يكن لديه علاقات حقيقية في العمل. وشعر بالتوتر وأصبح غير متأكد من حقيقة ما هو عليه.
كانت حياته العائلية أيضاً تعاني من المتاعب، وتوترت علاقته مع زوجته. للخروج من تلك الحالة، حاول غريج تعويض ذلك خارج المنزل ولكن ذلك لم يعطيه شعوراً بالراحة. تلقى عروضاً من شركات عدة، ولكنها لم ترقى إلى المستوى الذي وفره له منصبه. تكشف له أنه يمتلك موارد داخلية بسيطة يعول عليها. وتساءل حينها إذا ما أجبره نمط حياته السابقة على التخلي عن المعنى الحقيقي للحياة مقابل الشهرة والمال والسلطة.
التعامل مع السلطة
في حال تأثرت بقصة غريج، عليك النظر بالتساؤلات التالية: هل تشعر بالرضا عن إملاءك الأوامر على الآخرين؟
- هل تقدر نفسك بناءً على منصبك وما تملكه؟
- هل تسعى دائماً نحو الفوز؟
- هل تستمتع بمعاملتك بطريقة مميزة بناءً على المنصب الذي تتقلده؟
- هل تسعى إلى إثارة إعجاب الآخرين بك؟
إذا ما كانت إجابتك على الأسئلة أعلاه إيجاباً، فقد تكون شخصاً متعلقاً بالسلطة بكل ما تحمله من مظاهر. وإذا كان الأمر كذلك، فأنت لست الوحيد. يجب عليك إدراك أن السلطة أمر زائل. فالتاريخ مليء بقصص أشخاص مهووسين بالسلطة تسببوا في دمار أنفسهم بالنهاية. ولإشباع التعطش نحو السلطة، يلجأ العديد إلى المساومة، الأمر الذي يتسبب بشعورهم بالندم لاحقاً.
يعد فيلم "سيد الخواتم" مثال بارز على الهوس بالسلطة وقدرتها على تغيير الأشخاص. فالخاتم يقضي تدريجياً على حامله. وقد حول سمياجول إلى جولوم، وهو شخصية متعددة الصفات، من التقهقر إلى العزلة والشك والغضب، وهي سلوكيات تؤدي في النهاية إلى زواله. حتى فرودو، بطل القصة، يظهر نوعاً من الإدمان، وأثبت أنه غير قادر عن التخلي على الخاتم من تلقاء نفسه.
أسباب السعي خلف السلطة
تعد السلطة بالنسبة للعديد من الأشخاص القدرة على السيطرة والتحكم. بالتالي بإمكاننا أن نفترض نظرياً أن أولئك الذين يسعون خلف السلطة يحاولون بذلك التغلب على شعورهم بالعجز. فهي طريقتهم للتعويض عن شعورهم بعدم الأمان، ومحاولة للدفاع بصورة استباقية عن شعورهم بالضعف وعدم الكفاءة والخوف أو عدم كونهم محبوبين. وغالباً ما تكون مظاهر التسلط على الآخرين لإخفاء ضعفهم.
يظهر أغلب أصحاب السلطة حول العالم مثل تلك السلوكيات. والعديد منهم كان بلا حول أو قوة في فترة الشباب. ويمكن أن ينظر إلى تعطشهم للهيمنة على أنه طريقة لضمان عدم عودتهم للموقف الأضعف مرة أخرى.
السعي خلف السلطة قد يكون سببه عصبي أيضاً. فممارسة السلطة على الآخرين له تأثير مسكر كونه يعزز التستيرون الذي يقوم بدوره بتغذية الدوبامين (الذي يؤدي دوراً بشعورنا بالسعادة) في نظام المكافأة في الدماغ. تدفق الدوبامين يفسر الإدمان على السلطة ولماذا يصعب التخلي عنها.
اختبار الشخصية
يؤثر ارتفاع الدوبامين على الأداء المعرفي والعاطفي. وقد يقلل من الشعور بالتعاطف، ويعزز السلوك الانطوائي والاندفاعي. وبالتالي يؤثر في قابليتنا على الحكم واتخاذ القرارات مما يعرضنا للمخاطر. قد يفقد أصحاب السلطة في نهاية المطاف الإحساس بالواقع وسلوكهم الأخلاقي. وقبل أن يعوا ذلك يعيشون داخل قوقعة ليصدقوا الهالة التي رسموها لأنفسهم ويتخيلون أنهم معصومون عن الخطأ.
تعد عبارة اللورد أكتون: "السلطة تميل لأن تفسد، والسلطة المطلقة تفسد حتماً" أقرب ما تكون إلى الحقيقة. لا عجب أن تتزايد مطالب المجتمع للسلطة الأخلاقية بحسب أهمية الموقف. فامتلاك سلطة أكبر يفرض مسؤولية كبيرة.
لسوء الحظ، بالنظر إلى السلوكيات الإدمانية للسلطة، لا أحد ممن يمتلكون السلطة يتمتع بالحكمة الكافية لنستطيع منحه الثقة. فنادراً ما نجحت محاولات جمع الحكمة بالسلطة. فكلما زادت السلطة، يزداد احتمال إساءة استخدامها. قال نابليون بونابرت ذات مرة: "السلطة بمثابة عشيقتي. فقد بذلت جهداً كبيراً للوصول إليها ولن أسمح لأي شخص كان بسلبي إياها". فالأشخاص الذين يمتلكون السلطة لن يتخلو عنها عن طيب خاطر، غير مدركين للجذور النفسية-الفيزيولوجية للسعي خلف السلطة. وبحسب ابراهام لنكولن: "يستطيع جميع الرجال تقريبًا مواجهة المحن، ولكن إذا أردت أن تمتحن رجلاً، فامنحه السلطة".
المراجعة والتوازن مطلوبين
يتم انتهاج مبدأ حرية الصحافة والفصل بين السلطات في الدول الديمقراطية لتقليل احتمالات إدمان السياسيين للسلطة. تواجه الشركات أكبر التحديات في تاريخها. فبغض النظر عن كونها مؤسسات ديمقراطية، تحصر أغلب الشركات السلطة بالإدارة العليا، وتعزز بذلك الإدمان على السلطة. في الواقع توجد أمثلة عديدة على سلوكيات متهورة وغير مدروسة. منها توجه الرؤساء التنفيذيين نحو مغامرات الدمج والاستحواذ التي نادراً ما تعود بالفائدة على مؤسساتهم. كما ساهم كبار المصرفيين وغيرهم في حدوث أزمات مالية كارثية. ويمكن النظر إلى حزم التعويضات المبالغ بها كأحد الآثار السلبية للسلطة. والقائمة تطول.
يجب في عالم الأعمال (على غرار الأنظمة السياسية) وضع المعايير المؤسساتية موضع التنفيذ لتفادي حدوث إساءة. وتشمل العوامل التقليدية، الصحافة والنقابات العمالية ومنظمات الدفاع عن المواطنين. علاوة على ذلك، تساعد التغذية الراجعة كأحد أساليب القيادة والثقافة التنظيمية على تحديد المجالات التي قد ينجم عنها مشاكل. كما تمثل المجالس العمالية في العديد من الدول مركزاً آخر للسلطة. وبالطبع وجود ثقافة تنظيمية تتمثل بعدم تقديس أصحاب السلطة هو الأسلوب الأمثل. فعندما يملك الأشخاص حرية التعبير عن رأيهم، سيساعد ذلك أصحاب السلطة على عدم الانجراف خلف الأوهام.
قد يتعامل الأشخاص مع السلطة بطريقة جيدة في حال لم يرغبوا بها في المقام الأول. وبالرغم من ذلك، يجب أن يكونوا حذرين من الوقوع بوهم إدمانها إذا ما أرادوا الحفاظ على سلامة عقلهم. ونقتبس عن الفيلسوف الصيني لاو تزو: "فهم الآخرين قوة. بينما فهم نفسك هو القوة الحقيقية."