حلفاء الصحفي والزعيم
مسلم عباس
2023-09-27 07:22
يطلق بعض الصحفيين على عدد من المحللين السياسيين الذين يظهرون في وسائل الإعلام بشكل متكرر ومفرط، صفة غير لطيفة للدلالة على أنهم عبروا حدود التحليل إلى مجالات أخرى سيئة السمعة، لكنها لا تخلو من تعبير عميق عن حالة استسهال التحليل واستخدامه لغير أغراضه وبشكل لا تخطئه عين المتابع العادي، لأن التحليل السياسي صار أسهل من عملية فتح كافتريا لبيع الوجبات السريعة.
التحليل السياسي مطلوب كوجبة إخبارية سريعة، لا مجال فيها لمطبخ الأفكار المتمثل بالأبحاث العلمية الرصينة، لأن هذا الأسلوب لا يتناسب مع طبيعة العمل الإعلامي السريع، والمتطلب إلى كمية هائلة من المعلومات اليومية، وإذا ما انتظرت وسائل الإعلام من الباحثين إجراء بحوثهم حول كل قضية تفقد قدرتها على المواكبة، وبشكل طبيعي تفقد جمهورها.
بعبارات بسيطة، تحتاج وسائل الإعلام إلى خبراء يشرحون الأحداث والتي غالباً ما تكون أحداثاً سياسية، بينما تأخذ عملية الشرح الدقيقة لوقت طويل يجعل وسيلة الإعلام التي تنتظر من يشرح لها بدقة تتأخر عن أقرانها.
الجانب المهم فيما نتحدث عنه، أن وسائل الإعلام منحازة، وكل منها تنتمي إلى توجه سياسي معين، ورغم انحيازها تحتاج إلى شخصيات تبدو محايدة من وجهة نظر الجمهور، لكنها منحازة في الواقع، لذلك ابتكرت طريقة جديدة وهي مجموعة المحللين السياسيين ممن يقدمون وجبات تحليلية سريعة.
والدور المناط بالمحللين السياسيين اليوم تعدى حدود تقديم الشرح والتحليل للأحداث، ليقوموا بأدوار سياسية أكثر، ففي إحدى القنوات الفضائية المحلية اشتكى مقدم البرنامج من تكبر النواب والسياسيين العراقيين، ما اضطره وزملائه إلى الاستعانة بالمحللين السياسيين لتعويض الفراغ السياسي.
والتبرير الذي عرضه مقدم البرنامج يعني أن المحللين السياسيين صارت لهم وظيفة جديدة فالحكومة والقوى السياسية تريد استغلال سمعتهم باعتبارهم اطرافاً محايدة، وعن طريق هؤلاء المحللين الذين يعتبرون محايدين يمكن تمرير الرسائل السياسية.
وفي هذا السياق تذكر الباحثة اللبنانية وفاء أبو شقرا في كتابها "عندما تتكلم المصادر، الصحافيون ومصادر معلوماتهم"، أن هؤلاء الخبراء يطلق عليهم بالمصادر الخبيرة، وهي تلك الشخصيات التي تتوافر لديها معلومات ومعارف تتعلق بتخصص محدد، ويلجأ الصحفي إلى هؤلاء الخبراء عادة عندالحاجة للحصول على المعلومات والآراء التي تتعلق بتخصصهم. وتدعو الصحفيين للتأكد من أنهم فعلاً خبراء في مجالهم وفي الوقت نفسه ليسوا أصحاب مصلحة في القضية التي يتحدثون عنها، لأن هذا يعني أنهم قد لا يكتفون بأداء دور الخبراء، بل يتطلعون إلى ترجيح كفة طرف على حساب آخر، ما ينعكس بلا ريب على موضوعية الرأي الذي يطرحونه أو المعلومة التي يقدمونها.
من يعمل بالمعايير التي تتحدث عنها أبو شقرا؟ قلة تكاد لا تذكر، فقد صار مفهوماً لدى المواطن المهتم بالشأن السياسي أن لكل حكومة محلليلها السياسيين، فهم خطوط الدفاع الأولية، لا يخجلون من الدفاع عن إجراءات حكومية خاطئة، والحجة أن هذا جزء من تحليل الواقع الراهن.
وإذا ما كانت الحكومة تصدير محللين سياسيين إلى الواجهات الإعلامية، تحاول الأحزاب تصدير محللين لمواجهة محللي الحكومة، يدافعون بشراسة عن متبنيات أحزابهم، ينتشرون عبر الفضائيات، وربما يعادلون محللي الحكومة عدداً، فكل برنامج فيه محلل للحكومة تجد المحلل المضاد من الأحزاب المخاصمة له.
وفي المجمل فإنه ونتيجة للصراع السياسي الشرس، لم يعد للتحليل السياسي العلمي مكان في وسائل الإعلام العراقية، ففقدنا الرأي السديد الذي يسهم في بناء رأي عام مقتدر على فهم الأحداث الجارية، وعلى هذا الأساس لم يعد وضع محللين منحازين من اتجاهين مختلفين علامة على التوازن الإعلامي، فالتوازن الحقيقي هو باستضافة محللين سياسيين ينحازون للحقيقة فقط، وليس بجلب أشخاص يسبقون أسمائهم بدال الدكتوراه ويمدحون أخطاء القوى المسيطرة (حكومة وأحزاب متنفذة).
من واجب وسائل الإعلام إذا ما أرادت العمل بالمعايير المهنية أن تبحث وتتقصى عن الخلفيات العلمية ثم التواجهات السياسية للمحللين السياسيين، فلا يمكن أن يكونوا حلفاء للصحفيين يجلبهم للاستوديو متى شاء، وهم في ذات الوقت حلفاء للزعامات السياسية غير الديمقراطية.
أما أذا بقيت وسائل الإعلام العراقية على أسلوبها بعدم التقصي عن المحللين المحترفين، فهي شريك فعلي بعملية تسويق شخصيات تنشر البروباغندا للأحزاب والقوى المتنفذة.