نظرية الفن للفن
علي حسين عبيد
2023-07-05 05:18
ما هو المعنى المقصود من جملة نظرية الفن للفن؟، هنالك ارتباط وثيق بين الأدب والفن، ولهذا يقول النقاد إن مهمة الشعر جمالية فنية، وهناك من حصر الأجناس الأدبية بالجماليات وفنونها، ولم يحمل تلك النصوص أية مسؤوليات فكرية أو دينية أو سياسية أو سواها، وهذا هو المقصود بمدرسة أو نظرية الفن للفن.
أي أن الفن غير مسؤول عن إنتاج أدب رسالي توجيهي، بل مهمته محصورة بتقديم الجمال عبر فنون الكتابة الإبداعية، وهناك من يؤيد هذه الآراء، وآخرون رفضوها وقالوا بأهمية الدور التوجيهي الأخلاقي الذي تلعبه النصوص والفنون حتى لو كان الجمال من أهم أهدافها وأبرز معانيها، لكن يبقى الهدف والجدوى حاضرا في التأثير بحياة الإنسان.
لقد شهدَ الأدب العالمي في السنوات الأخيرة العديد من التطورات، وهذا أدّى إلى ظهور أنماط جديدة في الكتابة الأدبية في العديد من أجناسه، وعلى مرِّ تاريخ الأدب العالمي ظهرت العديد من المدارس الأدبية التي كان لها بصمة دامغة في تاريخ الأدب العالمي، هذا ما يعتقده محمد السالم في مقال له عن نظرية الفن للفن، وكان ذلك من خلال رواد المدارس الأدبية الذين كان لكل منهم أفكاره الخاصة التي تحولت إلى أعمال أدبية عكست أفكار تلك المدارس الأدبية ومؤسسيها ومؤيديها، وكان لهذه المدارس الأدبية العديد من النظريات الخاصة بالأدب والكتابة الأدبية، ومن أبرز هذه النظريات نظرية الفن للفن التي سيتم شرحها خلال هذا المقال.
كما يؤكد المهتمون بمدارس النقد الأدبي المختلفة بأن نظرية الفن للفن لها مؤسسون ومؤيدون يقدمون أفكارهم من خلال النصوص الأدبية التي تلتزم بضوابط هذه النظرية التي لا تحمّل الفن أية رسالة أو مسؤولية غير جمالية.
تجريد الفن من الأفكار والفلسفة
وبحسب المختصين فيما يأتي بعض المعلومات عن هذه النظرية الأدبية وارتباطاتها بغيرها من المذاهب والمدارس الأدبية الأخرى: تعدّ نظرية الفن للفن من أهم النظريات الأدبية التي ارتبطت بشكل مباشر بالمذهب البرناسي، حيث ظهر هذا الفن في القرن التاسع عشر، أما لفظة برناس فإنها أتت من الجيل اليوناني البرناسي الشهير، ومن خلال نظرية الفن للفن يتم تجريد الفن من أي ملابسات تختص بالفكر أو الفلسفة أو الدين أو أي أيديولوجيات أخرى، حيث إنها تبغي الجمالية والفن من الفن وحسب، كما ينظر مفكروها إلى أن الغائية والنفعية من ذلك تلخص الأدب، حيث إن الأدب في عامّته يهدف إلى نحت الجمال وإظهاره بصورة مُجرّدة ليصبح أشبه بالواحة الخضراء التي تُنسي الإنسان عناء الحياة. الجذور الفكرية للنظرية تعد جذور نظرية الفن للفن عميقة في تاريخ الأدب العالمي، فقد كان أرسطو يُعلي من شأن الشعر والشعراء، كما أشار القديس أوغسطيوس إلى المتعة الفنية التي يتحصل عليها الإنسان من تذوق جماليات اللغة، وفي القرن السابع عشر، وبعد تخلُّص أوروبا من سيطرة الكنسية عادت العديد من الأصوات التي تشيد بمواطن الجمال الفنية، وأكَّد على ذلك بيركورتي الذي ذكر أن الغرض الأساسي من شعر المسرحية هو المتعة الفنية، أما كنت فقد ذلك أن الفن يعطي متعة جمالية خاصة وأنه شيء حرٌّ، وأن الغاية الأصيلة له هي اللذة الفنية التي يتحصل عليها الإنسان منه.
وكما ذكرنا سابقا لكلّ نظرية في أيّ علم من العلوم الأدبية أو الإنسانية العديد من الدعاة والمؤيدين لها، والذين يعملون على نقل أفكار هذه النظريات وإيصالها إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس، وكان فيكتور هوجو أول من أطلق عبارة الفن للفن في عام 1829 في إحدى النقاشات الأدبية مُحاجِجًا فولتير، كما ظهر العديد من المؤيدين لهذه النظرية ومن أبرزهم: لو كانت دي ليل. شارل بودلير. تيوفيل جوتييه. مالا راميه. بودلير.
الأدب رسالة تصنع الحياة
ظهرت المدرسة البرناسية في أواخر المدرسة الرومانسية محتجة على توغُّل الرومانسية في الذاتية إلى حدِّ اللامبالاة بكل ما هو خارج الذات، كما أخذت البرناسية على الشعراء الرومانسيين مسألة التهاون في الصياغة الفنية، حيث نظرت المدرسة البرناسية بتجرّد، أما البرناسيّون فقد كانوا يحتفون بالشكل الفني للنص الأدبي، وكانت منابع إلهام الشعراء في المدرسة البرناسية المضادة للرومانسية والثقافة القديمة، والتشاؤم، والتولّع بالغرابة.
الخلاصة التي يمكن أن نقدمها في نهاية هذا المقال، إن الأدب رسالة، ومن الصعب فصله عن الأهداف الإنسانية التي تقع على عاتق الأديب والفنان والمفكر، والسؤال المهم هنا ما فائدة الكلمات والأفكار والنصوص إذا كانت خالية من خدمة الإنسان، وتطوير رؤيته للحياة وتنويره وزيادة المساحة الفكرية والإبداعية التي تفتح آفاق الجمال والتفكير السليم أمامه؟
إن الإنسان يحتاج إلى من ينير له دروب الحياة المعتمة، وهذا لن يتحقق عبر الجماليات المحضة التي ينتجها الفن، فحين نقول إن الفن يجب أن يتفرغ للفن حصرا، وإنه غير معني بمهمة رسالية أو أخلاقية، فهذا يعني تطويق جماليات الكتابة ومنعها من القيام بأي دور يرسم مسالك جيدة وصحيحة ويفتح الأبواب المغلقة أمام البشر.