متى يسيء الإعلام للمجتمع؟

علي حسين عبيد

2018-09-29 04:40

لم يعد خفيا ذلك الدور المؤثر للإعلام في جميع القضايا التي تهم الدول والمجتمعات، وكلما تقدم عالما تكنولوجيا، صار الإعلام ذا تأثير فاعل لدرجة أنه يمكن أن يقلب النتائج رأسا على عقب، ولسنا هنا بصدد تناول القواعد التي تؤكد قدرة وسائل الإعلام التأثيرية، لكننا نريد أن يفهم القائمون على الفضائيات (الوطنية) التي تعمل ضمن الإطار العراقي بأن هذه الوسيلة الإعلامية تجاوز في تأثيرها الكثير من الوسائل المؤثرة الأخرى.

ومما لوحظ أن عددا من الفضائيات تسعى لمحو السلوك الوسطي وتنحو إلى إشعال فتيل الضغينة والاحتراب بين مكونات المجتمع العراقي، في حين أن واجب الإعلام الوطني هو القضاء على مثل هذه الأفكار والتوجهات، ونشر الفكر والسلوك الوسطي بعيدا عن التطرف، وهناك مهمة أخرى على الإعلام والفضائيات باعتبارها ضيف يومي في كل البيوت هي زرع الأمل في عقول ونفوس الناس وليس اليأس كما تفعل بعض القنوات عندما تطفئ كل ضوء للأمل من خلال المنهج السوداوي الذي تبثه في منهجها (برامجها)، فتسيء بلك للشعب والدولة والحكومة ولنفسها أيضاً.

إن مثل هذه الوسائل الإعلامية – خصوصا القنوات الفضائية- لا يمكن أن تكون حيادية أو ذات أهداف إنسانية وسطية، ولا يمكن أن تسهم في صناعة ودعم المجتمع المدني الوسطي الذي يمثل حالة توازن بين الخنوع التام والعنف المطلق، فعندما يغيب السلوك الوسطي سوف يعيش المجتمع حالة من حالتين، أما الخضوع المطلق للحكومة بكل قراراتها حتى لو كانت جائرة وظالمة، أو ينحو الى العنف المطلق في سلوكه، وبهذا فإن حالة الاستقرار لن تتحقق، ويصبح بناء الدولة أمرا عسيرا إن لم يكن مستحيلا، ولا يقف الأمر عند علاقة العب بالحكومة وإنما يتعداه إلى مجمل العلاقات بين الأطراف والجهات المختلفة.

صناعة التفكير الوسطي

لا ينبغي أن يُسهم الإعلام بصورة وخاصة الفضائيات، بصناعة الوسطية في التفكير والسلوك، وتعمم هذا النوع في العلاقات المختلفة، فالمجتمع الوسطي هو صانع الاستقرار، وهو المحفّز على الإبداع والتجدد، وهو الطريق الى بناء الدولة المستقرة القوية المتقدمة، وعندما يصبح المجتمع خانعا أو عنيفا بصورة مطلقة، هذا يؤكد فشل الدولة وتراجع المؤسسات المعنية –وخاصة الإعلامية- وتلك المعنية ببناء المجتمع، وعدم أدائها للدور المنوط بها، فضلا عن ضعفها وافتقارها للقدرة على البناء المجتمعي السليم، بالإضافة الى الأسباب التي يقف وراءها المجتمع ذاته، ولكن يبقى دور الإعلام حجر الزاوية في نشر الثقافة الوسطية ومحاربة التطرف بكل أشكاله ومصادره المختلفة.

لذلك فإن السلوك المريب لوسائل الإعلام يثير أسلة كثيرة ينبغي الإجابة عنها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، متى يكون المجتمع خانعا بصورة مطلقة، أو عنيفا الى حد التطرف، وما هي الأسباب التي تقف وراء ركون المجتمع الى إحدى هاتين الحالتين المتناقضتين من حيث الموقف المتطرف، وهل هناك سبل وخطوات معينة تتم من خلالها معالجة هذا التطرف المجتمعي الحاد، ثم ما هو دور وسائل الإعلام في ها المجال، وهل ينبغي أن تُترك الفضائيات حرة في برامجها التي تزرع اليأس والسوداوية في نفوس الناس، خصوصا أن هناك رغبة جامحة للمعد والمقدِم للحصول على شهرة تقوم على مبدأ (خالف تُعرف)؟.

وقد أشار أحد البرامج في إحدى القنوات الفضائية إلى ظاهرة تيئيس المجتمع، ونشر الوضع السوداوي، وغلق كل نافذة للأمل بالتغيير أو التطور، بالطبع نحن نؤيد بأن هناك أسبابا ودوافع هي التي تجعل المجتمع بعيدا عن الوسطية، ومنحرفا باتجاه بوصلة الخنوع او العنف، أما الخنوع فهو نوع من السلوك السلبي، قد يلجأ إليه الفرد في ظل مصادرة الرأي، واستخدام النظام السياسي الحاكم للقسوة والقوة المفرطة، في مقارعة الرأي والفكر والكلمة التي لا تتفق مع ثقافة وأهداف الحكم.

تفعيل الاعلام الاستقصائي في المجتمع

فحين يقمع النظام الحاكم حرية المجتمع، يهدف من ذلك الى حماية عرشه، ومكاسبه المادية المتمثلة بالنفوذ والجاه والقوة، والاستحواذ على المناصب والأموال، ونشر الفساد في مفاصل الدولة كلها، حتى يسهل على رموز السلطة سرقة الشعب ومصادرة حقوقه وحرياته، كل هذا يحدث بقوة القمع، وهذه الظاهرة تحدث في ظل الأنظمة الدكتاتورية والأنظمة الفاسدة أيا، وقد عايشها المجتمع العراقي وعانى منها طويلا، في هذه الحالة يكون دور الإعلام الإرشاد والتثقيف وتوضيح الموقف بوسائل وطرق لا تنشر اليأس بين الناس، بل ينبغي أن تكون قوة ضاغطة على النظام السياسي لإنجاز التغيير، وليس صنع وتعميم حالة الإحباط عبر البرامج المنتجة للسوداوية واليأس.

بالطبع نحن لا ندعو لغض الطرف عن الفساد والأخطاء الحكومية، ولكننا نرفض أن يتحول الشعب من الفاعلية والتأثير إلى الكسل والخمول، فحالة او ظاهرة الخنوع تضر كثيرا في بناء الدولة نفسها، عندما يصبح المجتمع عاجزا عن التأثير في مسار الأنشطة المختلفة للدولة، لاسيما عندما تفشل السلطة التنفيذية في إدارة الملفات التي تعنى بشؤون المواطنين، مثل خدمات البلدية والصحة والتعليم، والارتفاع بالقدرة الشرائية للفرد، ومراعاة الجانب الترفيهي وسوى ذلك، فاذا كان المجتمع عاجزا عن التعامل بحزم مع الحكومة، من خلال وسائل الضغط المتعارف عليها، فإن تراجع الدولة والمجتمع سوف يستمر، حتى تصاب الدولة وكيانها المجتمعي بالضعف والإنهاك والتخلف، ولكن هذا لا يعني لوسائل الإعلام والفضائيات أن تستبدل دورها التنويري بدور آخر أقرب إلى التيئيس والتجهيل.

كما أننا لا ندعو هذه الوسائل للتحريض لأن النتائج معروفة مسبقا وقد جربها العراقيون أيضا، فإذا لجأ المجتمع الى العنف المطلق، واستخدم القوة في مقارعة السلطة، فإن هذا السلوك يشكل فشلا آخر للدولة والمجتمع أيضا، لان الصحيح لا يتمثل باللجوء الى العنف المطلق، ولا بالخنوع المطلق، إنما المطلوب في هذا المجال، تعضيد السلوك الوسطي القادر على تحقيق التوازن بين الحالتين، لكي تتم عملية بناء الدولة بالصورة السليمة، وهذه بالضبط مهمة الإعلام عموما والفضائيات والشاشات الصغيرة تحديدا، إذ بإمكان التلفزيون أن ينشر حالات الأمل (الواقعي) بين الشعب، ويؤشر الخلل الحكومي ويشكل وسيلة ضغط قوية، تساعد الجميع على تغيير الأوضاع الى الأفضل، وتبتعد عن أسلوب التحريض والسوداوية وقتل الأمل بالتغيير.

ذات صلة

الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيشالدفاع عن حقوق المرأة في منهج الصديقة الزهراءانسحاب قطر من جهود الوساطة لإنهاء الحرب في غزة وفشل المفاوضاتإمكان إزالة الغضب وطرق علاجهمرة أخرى، كان الاقتصاد هو السبب يا غبي