حزب الله المصغر: الحرس الثوري ومستقبل وكلاء إيران المتشددين في العراق
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
2017-06-05 05:58
بقلم: مايكل نايتس، ومايكل آيزنشتات
الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
نقلا عن موقع: “war on the rocks” للدراسات الامنية الامريكي
ترجمة بتصرف: هبة عباس محمد
في اطار حالة الاستقطاب الطائفي السائدة في الشرق الأوسط، وما يرتبط بها من صراع محتدم على السيطرة والنفوذ، مع وجود تقاطع واضح للمصالح الإقليمية والدولية في هذه المنطقة الحيوية من العالم، لم تكف أقلام الكتاب والمحللين عن التطرق الى جوانب مختلفة من هذا الوضع الإقليمي والدولي، فكانت الدراسة الموسومة: حزب الله المصغر...الحرس الثوري ومستقبل وكلاء ايران المتشددين في العراق، للكاتبين: (مايكل نايتس ومايكل آيزنشتات) والمنشورة في موقع (war on the rocks) الأمريكي واحدة من هذه الدراسات المهمة التي تناولت الموضوع من زاوية الجماعات المسلحة الموجودة في العراق او سوريا ولبنان والموالية بدرجة او أخرى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومحاولة ربط تجربة هذه الجماعات بتجربة الحرس الثوري وتشكيلات الباسيج الإيرانية.
ويحاول الكاتبان جاهدين تأكيد وجهة نظرهما هذه بشتى السبل، وجعل هذه الجماعات لاسيما الموجودة في العراق عبارة عن استنساخ لتجربة حزب الله اللبناني، وبالتالي أداة من أدوات إيران في مد سيطرتها ونفوذها الشرق أوسطي الذي من المحتمل ان يهدد مصالح واشنطن والغرب ويؤثر بشدة على الموقف من الحكومة والمصالح العراقية العليا. وقبل وضع خلاصة هذه الدراسة بين ايدي القراء (مع التأكيد على التحفظ حول بعض فقراتها) من الضروري ان نقدم لصانع القرار العراقي ولفصائل المقاومة المسلحة العراقية التي قدمت الكثير من اجل حماية كرامة ووحدة وسيادة العراق النصائح الآتية:
- ايمان الفصائل المسلحة بعراقيتها، وعدم إعطاء صورة خاطئة توحي بأنها مجرد ظل لمصالح خارجية من القضايا الجوهرية التي يجب أن تحرص عليها في المرحلة القادمة؛ لحفظ المصلحة الوطنية العليا للعراق، واخراس الأصوات النشاز الراغبة بتشويه سمعتها وتضحياتها.
- النأي بالنفس عن سياسة المحاور الإقليمية، ومنع الآخرين من جعل العراق ساحة لتصفية حساباتهم قضية لا يجب التفاوض حولها، فكل صراع إقليمي أو دولي يصفى داخل الأرض العراقية سيكون الخاسر الأكبر فيه العراق حكومة وشعبا.
- بناء الثقة بين العراق ومحيطه الاقليمي والدولي، بالاستناد على ثوابت معينة للسياسة الخارجية العراقية تكون بوصلة الصداقة والعداوة فيها مقدار احترام القرار السياسي، وحماية السيادة، وعدم التدخل بالشأن الداخلي العراقي ستكون استراتيجية صائبة لإعادة الاحترام للعراق وبما يتناسب مع أهمية هذا البلد الجيو استراتيجية.
- بناء الدولة وتوحيد القرار السياسي فيها، وعدم تشجيع مظاهر الخروج عليها او خلق الكيانات الموازية لها يعد أمرا حيويا؛ لكون الاستراتيجية المعادية المطبقة ضد العراق من أطراف عدة (إقليمية ودولية) تقوم على افشال الدولة ونزع هيبتها، وأي طرف (بقصد ام من غير قصد) يعمل على زعزعة استقرار العراق واضعافه يكون شريكا في هذه الاستراتيجية بشكل أم بآخر.
والآن نضع هذه الدراسة بين أيدي القراء ليدركوا كيف يفكر العقل السياسي الغربي بالشأن العراقي؟ وكيف ينظر للحراك السياسي والعسكري الدائر في هذا البلد؟
نموذج الحرس الثوري والباسيج الايراني
يقع الحرس الثوري الإيراني بشكل جوهري في مركز هيكل السلطة الإيرانية، وليس بعيدا عن الدولة، ويستجيب مباشرة لأوامر المرشد الأعلى -القائد العام للقوات المسلحة في البلاد، بينما يمكن ان يحول حزب الله التمويل والموارد من الدولة، كما يعد الحرس الثوري الايراني جزءاً هاما في الدولة ويدير العديد من المشاريع الاقتصادية فضلا على ادارة عمليات القوات العسكرية، وبموجب نموذج الحرس الثوري الايراني تدفع الحكومة الكثير من الاموال من اجل دعم الفصائل التي تكفل بقاء النظام.
تأسس الحرس الثوري الإسلامي عام ١٩٧٩ خلال الأيام الأولى للثورة الإسلامية، على هيئة منظمة عسكرية ثورية لموازنة الجيش الإيراني النظامي (أرتيش) الذي كان التزامه بالثورة مشبوها بسبب صلاته بنظام الشاه والولايات المتحدة والجيش البريطاني. وفي سياق الحرب الإيرانية العراقية، تطور الحرس الثوري الإيراني إلى قوة عسكرية تملك العديد من المعدات مثل صواريخ أرضية وجوية وبحرية وصواريخ أرض -أرض، وأحدثها ذراع سيبراني، على الرغم من بقاء روحه غير تقليدية.
ويتمثل دوره في الدفاع عن الثورة وإنجازاتها، ومنع اندلاع "الحرب الناعمة" (محاولات لإثارة "الثورة الملونة" في إيران)، وتصدير الثورة، وقد فاق دوره دور الجيش النظامي في ادارة الشؤون الخارجية والداخلية للبلاد، وقد لعب دورا هاما في القضاء على الاضطرابات الداخلية في الأعوام ١٩٩٤ و١٩٩٩ و٢٠٠٩ وهدد بالقيام بانقلاب ضد الرئيس محمد خاتمي عام 1999 في حال عدم سيطرته على الاضطرابات الطلابية، كما شارك في الصراعات الدائرة في لبنان وسوريا والعراق واليمن و إيران، الامر الذي ادى الى زيادة نفوذه الى درجة شبه مستقلة.
اما قوات الباسيج فقد تأسست عام١٩٨٠ وهي منظمة متطوعين شبه عسكرية تابعة للحرس الثوري الإسلامي انتشرت في جميع أنحاء البلاد، وكان الهدف منها تكوين جيشا قوامه٢٠ مليون رجل لمواجهة التدخل العسكري الأجنبي، وكانت المهمة الاساسية الملقاة على عاتقها السيطرة الاجتماعية التي تحققت من خلال التلقين الأيديولوجي والوجود المنتشر في الجامعات، والمصانع والمكاتب، والشارع، فضلا على حفظ الأمن الداخلي، وشن "حرب الشعوب" ضد الغزاة، وفي أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣، تم تدريب الباسيج والحرس الثوري الإيراني على شن حرب العصابات ضد قوة الغزو وفقا لمفهوم دفاعي لامركزي جديد يدعى "مذهب الفسيفساء".
نموذج حزب الله اللبناني
ساعدت إيران في تشكيل حزب الله اللبناني في مطلع عام ١٩٨٠، وتحاول تطبيقه في العراق من خلال دعمها لكتائب مثل حزب الله وعصائب اهل الحق منذ أكثر من عقد من الزمن، كما حاولت تطبيق هذا النموذج في سوريا منذ عام ٢٠١١، وذلك من خلال دعمها لقوات الدفاع الوطني الموالية للنظام ومختلف الفصائل الشيعية التابعة لحزب الله، ومن جانبهم يرغب صناع القرار في العراق بمعرفة كيفية تطبيق هذا النموذج في العراق من اجل معرفة تأثيره والتصدي له في العراق وفي اماكن اخرى.
يعد حزب الله اللبناني بمؤسساته الاجتماعية وشبه العسكرية من جهود إيران الناجحة من اجل نقل ثورتها الاسلامية، فهي تلعب دوراً محوريا في الجهود المبذولة في مساعدة الشيعة" المضطهدين" والتصدي لمصالح اسرائيل وامريكا في المنطقة وخارجها، ولتحقيق هذه الغاية لعب مقاتلو حزب الله ومستشاريه دوراً محورياً ومركزياً في الجناح الخارجي الشيعي الايراني الذي يضم مجموعة من الفصائل الطائفية من سوريا والعراق واليمن وباكستان وافغانستان.
يشير نموذج حزب الله الى التقنيات التي تستخدمها تلك المجموعة لحشد التأثير والحصول على السلطة في لبنان، وذلك من خلال استغلال الثقة الممنوحة من قبل المقاومة المسلحة وانشطة الرعاية الاجتماعية ليصبح لاعبا مهيمنا في المجتمع الشيعي ويحصل على الدعم من قبل الدوائر غير الشيعية في الداخل والخارج، واستخدام هذا الدعم الشعبي للحصول على موطئ قدم في النظام السياسي من خلال المشاركة في الانتخابات لضمان عدم الحاق الضرر بالحزب من قبل الدولة، واستخدام تأثيره على وزارات الدولة لحماية مصالحه ومصالح الراعي الايراني مع الحفاظ على وجود المنظمات شبه العسكرية ومنظمات الرعاية الاجتماعية.
وقد تم وضع شعار المقاومة في عقيدة شبه دينية من الكفاح المسلح من قبل الحزب في مطلع عام ١٩٨٠، والتي تتمتع بصدى خاص بالشيعة وتذكير باستشهاد الامام الحسين "عليه السلام" سنة ٦٨٠ م، وان نجاح المقاومة الشيعية في لبنان بين عامي ٢٠٠٠-٢٠٠٦ وفي العراق عام ٢٠١١ اثبت لأتباعهم قدرتهم على هزيمة اعدائهم، ومن اجل استخدام عقيدة المقاومة ضد اسرائيل نشأ حزب الله كقوة عسكرية شبه تقليدية ذات قدرات تفوق القدرات التي تتمتع بها القوات العسكرية اللبنانية، كما ان النجاحات التي حققها حزب الله على اسرائيل جعلت الشيعة يشعرون بالفخر والقوة والسيطرة، الا ان استخدامه للسلاح ضد خصومه اللبنانيين عام ٢٠٠٥-٢٠٠٨ ومشاركته في الحرب السورية ودعمه لنظام الاسد عام ٢٠١١ قد شوه دعايته الموسومة" بالمقاومة" في لبنان والمنطقة.
ومنذ نشأته، بدأ حزب الله بتطوير مؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة له من اجل تقديم الخدمات المالية والتعليمية والطبية فضلا على الخدمات الاخرى الى السكان الشيعة الذين يعانون من الاهمال منذ فترة طويلة في لبنان، فضلا على المحتاجين من الطوائف الاخرى، كما قامت ايران بدعم هذه الاعمال بحوالي ١٠٠-٢٠٠ مليون دولار سنوياً، وذلك لأهمية انشطة حزب الله في مجال الرعاية الاجتماعية في بناء قاعدة دعم من قبل الشيعة في لبنان كما زادت اهميتها في السنوات الاخيرة، وقد اسهم هذا الدعم في تقليل تأثير الحرب التي شنها حزب الله عام ٢٠٠٦ ضد اسرائيل والتي اسفرت عن قتل اكثر من ١٠٠ لبناني و دمرت آلاف المنازل والحقت الضرر بالبنية التحتية ببلايين الدولارات، فضلا على مشاركته في سوريا عام ٢٠١١ والتي اسفرت عن قتل ١٧٠٠ مقاتل من الحزب وجرح ٧٠٠٠ اخرين، لكن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الحزب بسبب تدخله في سوريا حالت دون تقديمه المساعدات في مجال الرعاية الاجتماعية في السنوات الاخيرة الامر الذي تسبب في اثارة التذمر في صفوفه.
لكن بعد ذلك اصبح حزب الله حزبا سياسيا ناجحا، كما ساعد تحوله من حركة مقاومة عسكرية الى حزب سياسي على سعي الفصائل التي يقودها الشيعة بالدخول الى الساحة السياسية في العراق، اما في لبنان فقد سعى حزب الله في البداية الى تعزيز ودعم الطائفة الشيعية من خلال العمل كحركة اجتماعية خارج اطار الدولة اللبنانية، وبعد ذلك تطورت اهدافه ومواقفه تجاه السياسة، اذ ترشح بعض اعضاءه للبرلمان عام ١٩٩٢ والمجالس البلدية عام ١٩٩٦ وانظموا للحكومة كوزراء عام ٢٠٠٥، لكن تخلى الحزب "على الاقل في الوقت الحالي" عن هدفه المتمثل في اقامة دولة اسلامية في لبنان وبدأ بالسعي الى العمل داخل النظام الحكومي للنهوض بمصالحه وذلك من خلال التصويت في مجلس الوزراء على حق النقض ضد اجراءات الحكومة التي تتعارض مع مصالحه او مصالح ايران، وحاول في السنوات الاخيرة تشكيل تحالف بين الطوائف في لبنان تحت عنوان" تحالف ٨ اذار" لتعزيز نفوذه السياسي، كما مكنته مشاركته في الحكومة اللبنانية وعلاقته بالجيش وعناصر الاجهزة الأمنية من استخدام موارد الدولة اللبنانية لمصلحته وذلك من خلال حماية مؤيديه والحصول على المعلومات الاستخبارية السياسية والعسكرية التي يصعب الحصول عليها، بينما تنظر اليه الفصائل اللبنانية غير الشيعية على انه حصن ضد الجماعات السنية الجهادية التي تعمل في لبنان وسوريا، ويعد هذا امر مهم بالنسبة للبنان.
حزب الله العراقي
في الوقت الذي تقترب فيه المعركة ضد تنظيم "داعش" من نهايتها، ولم يتبق سوى ربع الاراضي التي لم تحرر بعد في المدينة، يجب ان تقرر الحكومة العراقية فيما اذا كانت ستسمح لبعثة التدريب والمساعدة بالبقاء في العراق، ويبدو ان للفصائل العراقية المدعومة من ايران تأثير على هذا الجانب، ففي مطلع شهر ايار عام ٢٠١٧ صرح جعفر الحسيني الناطق الرسمي باسم كتائب حزب الله لوسائل الاعلام الايرانية بالقول " اذا فشلت الولايات المتحدة في مغادرة العراق بعد هزيمة تنظيم" داعش" سوف تتعرض للمقاومة من قبل المقاومة الاسلامية العراقية، وبهذا تثير هذه التصريحات تساؤلاً حول هوية المسؤول الفعلي والمباشر في العراق.
يعد مستقبل الحشد الشعبي او قوات التعبئة الشعبية من اكثر التحديات السياسية التي تواجهها الحكومة العراقية وشركائها مثل الولايات المتحدة، وبفضل الفتوى الدينية التي اطلقها اية الله العظمى السيد علي السيستاني والنظام التنفيذي السياسي كان للحشد الشعبي دورا حاسما في ايقاف تقدم تنظيم" داعش" في شهر حزيران عام ٢٠١٤ كما انظم اليه عدد من المقاتلين الشيعة وغير الشيعة مثل: الفصائل الشيعية المدعومة من ايران، وقوات الدفاع الشعبي السنية، والجيش العراقي، وقوات مكافحة الارهاب والشرطة، لكن قوات الحشد الشعبي تختلف نوعاً ما عن غيرها كما يشكل مستقبلها مصدر قلق بالنسبة للولايات المتحدة.
ومن جانبهم يركز صناع القرار في الولايات المتحدة على الدور الذي تلعبه فصائل الحشد الشعبي المدعومة من طهران في الجهود الايرانية الرامية الى اعادة تشكيل اجزاء من المنطقة وفق وجهة نظرها وخطتها، واحد الاحتمالات هو نموذج حزب الله اللبناني اي من خلال تحويلها الى حركات سياسية بأجنحة عسكرية واجتماعية خارج سيطرة الدولة لكن بالاتفاق مع الحكومة، وبدمج الحشد الشعبي مع القوات العراقية من المحتمل ان يصبح مؤسسة عسكرية رسمية تشبه الى حد ما الحرس الثوري الايراني، وبوجوده في صفوف قوات الامن العراقية سيصبح قوة موازية الى حد ما لقوة وحدات التدريب التابعة لقوات التحالف والقوات الامريكية.
وهنا يثار تساؤل عن الصلة الحالية والمستقبلية التي تربط هذه الفصائل بالفصائل الشيعي المدعومة من طهران في العراق؟ اذ تشير الابحاث الى ان بعض عناصر قوات الحشد الشعبي التي تربطها علاقات مع ايران مثل كتائب حزب الله او عصائب اهل الحق تسلك طريقا مجهولاً وربما تواصل تطوير نفسها لتصبح نموذجاً مشابها لحزب الله، وعلى الرغم من معارضتها لإيران لكن ربما تكون الحركة التي يقودها السيد مقتدى الصدر نموذجا عراقيا مشابها لنموذج حزب الله، وفي الوقت ذاته فان انشاء جيش مشابه للحرس الثوري الايراني على الاقل في هذا الوقت يعد امر غير محبذ، وذلك لان منظمة بدر تقوم بالفعل بتحويل عناصر من قوات الأمن العراقية الى قوة موازية لا تخضع لسيطرة رئيس الوزراء العراقي، وبالتالي تمثل هذه الاحتمالات تهديدات حادة للمصالح المشتركة بين العراق والولايات المتحدة والتحالف لذلك ينبغي تقييدها من خلال عمليات المعلومات وبمساعدة قوات الامن واصلاح قطاع الامن وجهود المساعدة السياسية والاقتصادية."