الأحجار الكريمة في العراق: قصص عجيبة من الحسد والشفاء الى الثراء
عدي الحاج
2016-09-25 12:16
في بعض مُدن العراق وحصراً بـ (الكاظمية المُطهّرة والنجف الأشرف وكربلاء المُقدسة)، تصطف مئات الأحجار الكريمة بألوانها الزاهية الواحدة تلو الأخرى وهي تشكل أثارة وأعجاب بالنسبة للزائرين العرب والأجانب، فهي تستعمل كأداة للشفاء والتداوي وإبعاد الحسد ويتختم بها البعض ليس للزينة فقط بل لأعتقادهم إنها تجلب الرزق أو تستعمل للمحبة أو تبرّكاً بمكان تكونها وتقرباً لله تعالى بالتسبيح له.
وفي رحلة شبكة النبأ للمعلوماتية الميدانية للتعرّف عن كثب عن أسرار هذه الأحجار وكراماتها ألتقينا ببعض الباعة المتجوّلين وبعض أصحاب المحال الخاص ببيعها، وكان حديثنا الأول مع السيد حسن الموسوي وهو أحد الباعة المتجوّلين في شارع أبي الفضل العباس (عليه السلام).
ما هي الأحجار الكريمة؟
"الأحجار الكريمة بطبيعتها هي مواد معدنية معظمها يتكون من السيليكا، تدخل في صناعتها الكثير من المواد عدا الذهب والفضة، وقد عُرفت الأحجار الكريمة منذ عصور قديمة فهناك قطع من الأحجار تعود إلى حضارات إندثرت منذ آلاف السنين كأحجار حضارات مابين النهرين وقطع الأحجار التي تعود إلى العصور الفرعونية وغيرها كثيراً من الحضارات".
ما هي أصناف الأحجار الكريمة؟ وما أشهرها؟
"الأحجار الكريمة على أصناف عدة منها جبلية ومنها برية وأخرى بحرية، الجبلية مثل العقيق والياقوت أما البرية مثل الدُر والعقيق الأرضي السليماني، أما البحرية مثل المرجان واللؤلؤ، وهناك صنف نباتي بحري مثل اليُسر، أما أشهر هذه الأصناف هو العقيق اليماني الذي يوجد بـ (72) نوع".
بعدها أتجهنا لأحد المحال الخاص ببيع الأحجار الكريمة وتحدثنا مع صاحبه السيد محمد صاحب ليجيبنا على بعض الأسئلة.
لماذا سميّت بالأحجار الكريمة؟
"عُرفت الأحجار الكريمة قبل خلق البشرية، إذ خلق الله سبحانه وتعالى الأرض والسماء في ستة أيام، وإن أول جبل سجد لله تعالى وشهد ( أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ) هو جبل اليماني، لذا تكريماً لها سميت بالأحجار الكريمة وقد كرمت على غيرها من الأحجار وكرمت بعضها على بعض، ونحن كمسلمين بشكل خاص أصبح للأحجار الكريمة قيمة عندنا لأننا نعتقد إنها أكتسبت كرامتها من الأحاديث النبوية الشريفة وأحاديث الأئمة الأطهار (عليهم السلام)".
كيف يتم الكتابة والنقش على الأحجار؟
"كانت الكتابة والنقوش على الأحجار سابقاً بأداة تدعى بـ (الشفرة)، وكانت الكتابة آنذاك بأسطر قليلة ولمدة زمنية طويلة بعض الشئ، ولكن العلم في تطور والحمد لله فقد دخل تطور الصناعة على بعض أدواتنا وتم إختراع (البريمة) التي نستخدمها اليوم في كتابتنا ونقوشنا على الأحجار".
بعدها حدثنا صاحب أحد محال بيع الأحجار الكريمة في سوق الحجارة ويدعى الحاج ميثم علوان ردّاً على أسئلتنا.
من أكثر السوّاح إنتقاءً لهذه الأحجار الكريمة؟
"تُعتبر مدينة كربلاء المقدسة من المدن المقدسة والسياحية في نفس الوقت والتي يرتادها ملايين السواح من مختلف بقاع العالم علاوةً على زوارها من المدن الإسلامية، وإن أكثر السواح الذين يرتادون لشراء وإنتقاء هذه الأحجار الكريمة هم من دول الخليج وإيران ولبنان والهند وباكستان وحتى دول الغرب، لأن مدينة كربلاء زاخرة بتراثها ومعالمها وتاريخها المشرف الذي أستمدته من سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)".
ما هي استعمالات الأحجار الكريمة؟
"تُستعمل الأحجار الكريمة على أختلاف أنواعها وأصنافها لمختلف الأغراض منها ما يستعمل للزينة مثل اللؤلؤ والمرجان ومنها ما يتختم به مثل العقيق بأنواعه والفيروزي وغيره، وتستعمل بعض الأحجار الكريمة في جلب الرزق وضد الحسد وطرد الشياطين ويستعمل البعض الآخر منها للمحبة والكراهية والعدو لأعتقاد بعض الناس بها، أما ما يستعمل كأداةٍ للشفاء فمنها حجر الملكايت الذي يفيد لأمراض الكلية وحجر الياقوت الذي يفيد لتوسيع شرايين الجسم وتخفيف ضغط الدم على القلب كذلك حجر الفيروزي الذي يفيد الدورة الدموية وخفقان القلب، أما حجر اللازورد فيفيد لأرتفاع درجات الحرارة".
ما هي نقوش خواتم الأنبياء والأئمّة (عليهم الصلاة والسلام)؟
وفي حديث مع رجل الدين الشيخ علي الخزاعي حول النقوش على الأحجار الكريمة وما كانت نقوش خواتم الأنبياء والأوصياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام)، قال: "هناك روايات وردت في بيان ما يُنقش على الأحجار الكريمة من غير تقييد بجنس خاص من الأحجار، فقد روي أنّه كان نقش خاتم آدم (عليه السلام): (لا إله إلا الله محمّد رسول الله)، كان قد أتى به معه من الجنّة، وكان نقش خاتم نوح (عليه السلام) الذي نجى به في السفينة من الغرق (هو هو هو يا بارىء إتقن)، وهذا الكلام بالسريانية وتفسيره بالعربية (لا إله إلا الله ألف مرّة يا الله أصلح)، وكان نقش الخاتم الذي بعث الله به الى إبراهيم (عليه السلام) وأمره بلبسه ليجعل له النار برداً وسلاماً: (لا إله إلا الله محمّد رسول الله، لا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم، فوّضت أمري الى الله، أسندت ظهري الى الله، حسبي الله)، وكان نقش خاتم موسى (عليه السلام) حرفين أشتقهما من التوراة: (إصبر تُؤجر، أصدق تنج)، وكان نقش خاتم سليمان (عليه السلام) حرفين أشتقهما من الإنجيل: (سُبحان من ألجم الجنّ بكلماته)، وكان نقش خاتم عيسى (عليه السلام) حرفين أشتقهما من الإنجيل أيضاً وهما: (طوبى لعبدٍ ذكر الله من أجله، وويل لعبدٍ نسي الله من أجله)، أما نقوش خواتم نبيّنا رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانت: (محمّد رسول الله)، (لا إله إلا الله محمّد رسول الله)، (صدق الله)، فيما كان نقش خاتم مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام): (المُلك لله)، وفي رواية أخرى: (نعم القادر الله)، ولا مُنافاة بينهما، أما نقش خاتم مولانا الحسن (عليه السلام): (العزة لله)، وفي رواية أخرى: (حسبي الله)، وكان نقش خاتم مولانا الحسين (عليه السلام): (إنّ الله بالغ أمره)، وكان لكل من أئمتنا (عليهم السلام) نقش خاتم خاص به".
ما هو رأي أهل البيت (عليهم السلام) في تلك الأحجار؟
"عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): (يا علي تختّم باليمين، تكن من المُقرّبين) قال (عليه السلام): (يا رسول الله ومن المُقرّبون؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (جبرائيل وميكائيل)، (الوسائل ج3ص397)، وعن محمّد بن أبي عمير قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): أخبرني عن تختّم أمير المؤمنين (عليه السلام) بيمينه لأي شيءٍ كان؟ فقال (عليه السلام): إنّما كان يتختّم بيمينه لأنّه إمام أصحاب اليمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد مدح الله أصحاب اليمين وذم أصحاب الشمال وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتختّم باليمين وهو علامة لشيعتنا يُعرفون به وبالمحافظة على أوقات الصلاة وإيتاء الزكاة ومُواساة الإخوان والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، (الوسائل ج3ص396)، وروي في مُستدرك الوسائل مُسنداً عن عبد الرحمن بن سمرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لمّا خلق الله تعالى إبراهيم الخليل (عليه السلام) كشف عن بصره، فرأى نوراً الى جنب العرش فقال (عليه السلام): إلهي ما هذا النور؟ قال الله سبحانه وتعالى: يا إبراهيم هذا نور محمّد، صفوتي من خلقي..الى أن ذكر أنوار الأئمة (عليهم السلام)، فقال إبراهيم (عليه السلام): إنّي أرى أنواراً قد أحدقوا بهم لا يُحصي عددهم إلا أنت، قال عزّ وجلّ: يا إبراهيم هذه أنوار شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقال إبراهيم (عليه السلام): فبما تُعرف شيعتهم؟ قال الله سبحانه وتعالى: بصلاة إحدى وخمسين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والقنوت قبل الركوع وتعفير الجبين والتختّم باليمين، فقال إبراهيم (عليه السلام): اللهم إجعلني من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، قال تبارك وتعالى: قد جعلتك منهم، فلهذا أنزل الله تعالى فيه في كتابه ((وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبرَاهِيمَ))".
فاجئنا أحد الزبائن المُرتادين لأحد محال بيع الأحجار الكريمة لإقتنائها ويُدعى (علي رضا محمد 34 سنة) بحديث وقصة حول هذا العالم الصامت قائلاً:
ما هو سبب إقتنائك لهذه الأحجار؟ وما القصة التي تُريد أن ترويها لنا؟
"إن إقتنائي الأحجار الكريمة لم يأت من فراغ، إذ إنعدمت الثقة بالأدوية والعلاجات بسبب تشخيص بعض الأطبّاء الخاطئ للمرض، كما إنّ سوء الخدمات الطبيّة في الكثير من المُستشفيات جعل المريض يبحث عن العلاج بالأحجار الكريمة، لأن فيها طاقة تنبعث منها فتمنح حاملها النشاط والثقة بالنفس، وأثبتت التجارب قدرتها العلاجيّة، فبإختيار اللون والنوع المُناسبين للحجر ووضعه على منطقة مُحدّدة في الجسم، يسري مفعوله في الشفاء من الحالات النفسية والأمراض العضوية، وذلك بالتضافر أيضاً مع قراءة القرآن الكريم، وفي إحدى المرّات وعندما كنت أتردّد للعلاج عند رجل معروف باستخداماته الأحجار الكريمة في الشفاء من الأمراض بإذن الله تعالى، جاء رجل ومع ولده البالغ من العمر 11 سنة وقد لدغته إحدى العقارب، فمسح بإحدى الأحجار التي كانت بحوزته على مكان اللدغة، فرأيت السم يخرج من قدم ذلك الفتى وهو يبكي، بعدها قال مُبتسماً: أحسّ بأنّ قدمي بدأت تبرد كالثلج، وبعدها قام من مكانه مُعافىً في نفس اللحظة".
تبقى الأحجار الكريمة التي أرتبط رونقها وجمالها بحكاية أو عُرف أو مُعتقد ديني أستقر في حياة الناس، عالم واسع يتميّز بالجمال والإبداع والثراء لما لها من قيمة تجارية عالية نظراً لطبيعتها أو لمعانها أو شفافيتها.