الورش الصناعية والمعامل الصغيرة.. "وباء سرطاني" يتسع داخل الاحياء السكنية
بغداد - سوزان الشمري
2016-06-26 04:34
"الدار للبيع" ليس لخطب ما او نزاع عشائري، او لسوء الخدمات هي ما اضطرت ابو سعد الرجل الستيني الذي ولد في تلك الدار المعروضة للبيع ورزق فيها بخمسة عشر حفيداً، لكن أصوات قرع المطارق والآلآت الحديدية التي "نغصت عليه حياته كما يقول واضطرته لفكرة تغير مكان سكناه بعد أن حول جاره الجديد جزء من الدار التي أبتاعها مؤخراً لورشة حدادة.
حال ابو سعد لا يختلف عن الكثيرين ممن يعانون مشكلة أنتشار وتوسع الورش والمعامل الصناعية داخل الأحياء السكنية من ضوضاء، وبعثره للمخلفات الحديدية سيما تشويهها للمنظر الحضاري، ناهيك عن ما يرافق ذلك من الفاظ خادشة للحياء يتناقلها عمالها فيما بينهم على مسمع من المارة.
سكان العاصمة بغداد انتقدوا من خلال أحاديثهم لــ(شبكة النبأ المعلوماتية) أنتشار المعامل والورش الصناعية واتساع بعضها رغم عدم بعدها الا ببضعة امتار عن مركز الادارة المحلية لمحافظة بغداد وامانتها، واللتان بدورهما طرحتا بعض الحلول لمعالجة المشكلة ،والمعوقات التي تتربص بتلك المعالجات. فما بين الظاهرة ومعوقاتها وحلولها كان لــ "شبكة النبأ المعلوماتية " التحقيق التالي.
الضجيج المزمن
بداية مشكلة تحقيقنا يطرحها الستيني ابو اسعد والذي عبر عن استياءه من أنتشار ورش الحدادة داخل الاحياء السكنية ويقول: جاري الجديد أستحدث أنشاء ورشة حداده بمساحة الدار التي ابتاعها موخراً ويضيف لــ(شبكة النبأ المعلوماتية) قرع مطارق الحديد لا تسكن والصخب والضوضاء مستمرة لساعات متاخرة، لا نجد سبيل لنوم هادي، وأصوات الطرق وهورنات المركبات اتلفت تركيزي وبت مشدود الأعصاب طوال الوقت ،لذا قررت تغير سكناي لأنعم بالهدوء بعيدا عن ورشــة ابو هيثم.
واشار متسائلاً« اين هو القانون في محاسبة المخالفين الا يكون الاجدر بامانة العاصمة ان تنفذ حملات رفع التجاوز على اصحاب الورش الصناعية ام ان ما يدفع من رسوم مخالفات يقطع دابر الفتنة.
رخصة الحداد
التدريسي خالد محسن (33 سنة) من منطقة الشعب ببغداد مشكلته مع ورش الحدادة موسمية بحسب حديثه لــ( شبكة النبأ المعلوماتية) تتلخص بالموسم الدراسي حيث يقول: احدى الورش على مقربة من المدرسة التي اعمل فيها، قرع مطارق الحديد يربك اليوم الدراسي ويشتت تركز الطلبة بسبب الضوضاء.
ويضيف خالد: عامي التدريسي يقع ما بين الوجبتين الدراسيتين الصباحية والمسائية أستاذن صاحب الورشة (وقت مستقطع ) لغرض تهيئة جوء دراسي مناسب للطلبة ، احيان يتم الاستجابة لطلبنا واحيانا اخرى يرفض بحجة الالتزام وهو ما يضطرني للتأجيل الامتحانات او الدرس مرغماً، ولسان حالي (على هل الرنة طحينج ناعم).
الفاظ خادشة
ريم كامل وهي طالبة جامعية تقول الضرر لا يندرج ضمن قائمة الضجيج وحجم التشوه الذي طال الشوارع والارصفة بمخلفات تلك الورشة من دهون ونجاره الخشب، أذ تشكو ريم الالفاظ الخادشة للحياء لعمال تلك الورش، وتقول في حديثها لــ( شبكة النبأ المعلوماتية) أضطر يوميا للتأكد من عدم وجود احد العمال خارج الورشة فلا اكاد أتجنب مضايقاتهم في (الذهاب والاياب) ، ناهيك عن المشاجرات فيما بينهم وتلفظهم بالفاظ مخجلة وجارحة.
وتضيف: احيانا اغير مسار طريقي من والى المنزل لمسافات طويلة بغية عدم المرور من ورشة الحدادة تلك التي باتت مركز لتجمع للشباب يسبب أحراج كبير لفتيات ونسوة المنطقة.
مكب للقوارض
فيما تطرح السيدة خديجة عيدان وهي ربة بيت تسكن منطقة حي الصحة ببغداد مشكلتها في الورش الصناعية التي تطوق المحلة وتشير بانها باتت ماؤى للقوارض والحشرات التي تهاجم البيوتات في الليل مرعبة للنساء والأطفال ومدمرة للاجهزة والادوات المنزلية.
وتوضح حاولنا في احيانا كثرة مناشدة اصحاب هذه الورش وطرح مشكلاتنا بسببها فيكون الجواب؟، الورشة مصدر رزقنا ورزق اطفالنا «فيكون التغاطي المتعب عن هذه المشكلة سيد الموقف، وهو بمثابه القشة التي قصمت ظهر البعير.
اصحاب الورش
ما تقدم انفا من خلال تحقيقنا هذا هو عرض موجز لمشكلات المتضررين وهم الطرف الاول في القضية لنتوجه بملف تلك الاضرار للطرف الاخر والمتسبب لها وهم اصحاب تلك الورش لمناقشة حجم تلك الاضرار وتبادل وجهات النظر في ايجاد الحلول المناسبة فكان لــ (شبكة النبأ المعلوماتية) جولــة ميدانية لعدد من المعامل والورش الصناعية ببغداد.
اولى محطاتنا مع (وسام جعفر) صاحب معمل حدادة لصناعة الابواب والشبابيك الحديدية في منطقة الشعب بغداد اذ قال ازاول هذه المهنة بهذا الوضع منذ 10 اعوام، وبحسب وسام فان سكان المنطقة التي توجد فيها ورشته الصناعية قد أعتادوا على أصوات الطرق وضجيج مكائن قطع الحديد وبرد الخشب.
ويضيف العوائل القريبة من الورشة تعلموا المهنة اذ ان اغلب اولادهم انخرطوا للعمل ضمن الورشة وبالمصطلح العام افيد واستفيد وانا شخصيا لا اجد لعملي أي مخالفة فانا ادفع لأمانة بغداد رسوماً وضرائب المهنة والعمل، ولدينا اجازة ممارسة فأين هي المخالفة؟.
فيما يشير ابو محمد وهو يمتلك ورشة نجارة وسط مدينة الشعب ايضا يقول: وان حصلت مخالفة ما باليد حيلة فسوق العمل الوظيفي بات لايجدي نفعا مع قلة فرص التعيين، اغلب عمال لورشة هم من اصحاب الشهادات وجدوا في الورشة ملاذهم الاخير للحصول على فرصة العمل بعد أن ضاقت بيهم الوزارات.
ويضيف ابو محمد (لشبكة النبأ المعلوماتية) ما الضرر الذي يمكن ان تخلفه ورشة نجارة صغيرة فهي مصدر رزق للعديد من الشباب.
مشيرا الى ان "البعض يتحدث عن اثار صحية تخلفها ورشتي الواقعة داخل منطقة سكنية في حين اغلب العاملين فيها وانا ضمنهم لا نشكو اي تبعيات صحية ولا يعدو الامر سواء زوبعة فنجان".
التأثيرات الصحية
المواطن هو المتضرر الاول في قضية انتشار الورش والمعامل الصغيرة داخل الاحياء السكنية صحيا ونفسيا وجسديا فبين ضجيج الطرق ومخلفات المواد الحديدية والخشبية تكمن المخاطر الحقيقة لتلك الظاهرة التي يستهان بها فقد اكدت الدراسات العلمية الحديثة الاثار السلبية لتك الورش على صحة الانسان اولها لضوضاء وهو من أخطر أنواع التلوث البيئي على صحة الإنسان وأكثرها انتشاراً، لكنها كثيراً ما تُهمَل ويُستهان بأضرارها لأنه لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، ومصدرها أجهزة الصوت المستحدثة والتي لم تكن تعرف في المجتمعات البيئية الطبيعية السابقة.
وهذا ما نقله الدكتور احمد الذهبي لــ( شبكة النبأ المعلوماتية) والذي أورد تعريف الضوضاء: بأنها أصوات غير متجانسة تتجاوز شدتها المعدل الطبيعي لتصبح مؤذية للأذن ولصحة الإنسان، وخطورة التلوث الضوضائي والضجيجي أنه يُؤثِّر فينا شئنا أم أبينا، ومن غير شعور منا، فالأذن تلتقط دائماً حتى أثناء نومنا وليست كالعين التي نستطيع أن نغلقها عندما لا نريد أن نرى شيئاً.
واضاف الذهبي في حديثه لــ( شبكة النبأ المعلوماتية) أي صوت مرتفع وعالٍ ومزعج أو ضجة أو ضوضاء مفاجئة أو متعذر التحكم فيها ستشكل للإنسان ضغطاً، فيرتفع ضغط الدم وتتسارع ضربات القلب، وفي الكثير من الأحيان تكون ردة الفعل هذه قصيرة المدى ويزول الضغط بزوال المؤثّر، ويعود معدل ضغط الدم ودقات القلب إلى المعدلات الطبيعية، ولكن للأسف الشديد والمقلق أن ردود الفعل أصبحت مزمنة، نظراً للضوضاء المستمرة التي صنعتها الحياة المدنية الحديثة.
ويتابع الذهبي اثار الضوضاء على الجهاز الهضمي والذي تزداد أمراضه من تفاقمٍ لقرحة المعدة وقرحة الاثني عشر ومرض القولون العصبي وانقباضات جدار المعدة، ونظراً لزيادة إفراز هرمون الكورتيزول، فإن الجهاز المناعي يضعف ويصبح الإنسان أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المُعدية والالتهابات والأمراض السرطانية.
واوضح مسترسلاً : قد تصل الآثار السلبية إلى بطن الأم الحامل لتؤثر على الجنين اذ يمكن أن تؤدي إلى تدفق الأدرينالين الذي يقوم بدوره في تقليص الأوعية الدموية ويحرم الجنين من الأكسجين ويؤدي إلى إسقاط أو ولادة مبكرة أو تشوهات خَلقيَّة.
اما على مستوى العمل والإنتاجية فيبين الذهبي بإن" آثار التلوث الضجيجي من صداع وعدم القدرة على التركيز وضعف الذاكرة والتقلبات المزاجية والانفعالات الزائدة والقلق والتوتر والاضطرابات العصبية والاكتئاب كلها تنعكست على إنتاجية الشركات.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن الضجيج في المنزل أو المدرسة يؤثر على قدرة الأطفال على التّعلم، فوجد مثلاً أن الأطفال الذين يقطنون بجوار الورش والمعامل قد حقّقوا نسباً أقل في القراءة وتأخراً في تطوير القدرات اللغوية، وباستمرار التلوث الضوضائي يفقد القدرة على التركيز ويعاني من تقلبات في المزاج والإحساس بالإرهاق والتعب وضعف الإنجاز في الأداء المدرسي بشكل عام مع زيادة الروح العدائية وقلة وضعف التعاون.
امانة بغداد
وفي استكمال لموضوع التحقيق ومن خلال جولة (شبكة النبأ المعلوماتية) لوحظ أن اغلب الورش ومركز انتشارها لا يبعد سواء بعض أمتار محدودة عن مركز الادارة المحلية لمحافظة بغداد وامانتها في شارع السنك ،وهو ما دعنا لمخاطبة امانة بغداد كونها الجهة الرسمية الاولى المكلفة بقطاع الخدمات في العاصمة.
اذ أوضح المستشار الاعلامي لأمانة بغداد حكيم عبد الزهرة لــ( شبكة النبأ المعلوماتية ) أن" امانة بغداد تتابع عملية انتشار الورش والمعامل والمخازن وتسعى في ذلك لتقويض اتساعها من خلال فرض الغرامات المالية على اصحابها ،خصوصا فيما يتعلق بورود شكاوى من المواطنين بأن تلك الورشة او المعمل داخل الاحياء السكنية بسبب لهم ضرر.
واضاف : تندرج اجراءاتنا الى غلق وتغريم بعض الورش واحيانا يتم تغير واجهة الورش بالاتجاه المعاكس للمناطق السكنية لكن تلك الاجرءات بحسب عبد الزهرة لا تعدو بان تكون معالجات أنيه ترقيعية لا تجدي نفعاً والمشكلة يتطلب اخراج تلك الورش والمعامل بعيداً عن مركز العاصمة، وهذا ما يتطلب اجراءات جديدة من قبل محافظة بغداد التي تتجاوز صلاحياتها المساحة التي تشرف عليها امانة بغداد خارج الحدود الجغرافية للعاصمة اي مناطق ما يسمى بـ"الاطراف".
مدن صناعية
"عبد الزهرة" اوضح: يفترض كما هو معمول باغلب الدول المجاورة بان تكون الورش خارج الاحياء السكنية او على اقل حال بان تكون المكاتب داخل لمدينة والمعامل والورش خارجها،
وهذا ما يتطلب قرار دولة وحكومة يتم من خلال تخصيص قطعة ارض تتزامن مع الخطط والافكار التي تسعى لبناء مدن صناعية واستثمارية بتصماميم عصرية تتلائم والاسباب التي دعت لانشائها.
مقترح انشاء مدن صناعية ليست بالطرح الجديد فقد اعلن مجلس محافظة بغداد وعلى لسان عضو مجلسها عطوان العطواني في تصريحات صحفية ان" مجلس محافظة بغداد تخطط لانشاء مناطق صناعية خارج محافظة بغداد، لافتا الى ان هناك مشروع احيل بخصوص انشاء منطقة صناعية في مدينة النهروان، اضافة الى مناطق اخرى ستخصص للقطاعات التجارية.
واضاف انه في حال الانتهاء من انشاء هذه المجمعات الصناعية او التجارية، فان هناك اجراءات رادعة بحق كل من يرفض الانتقال اليها، مطالبا الحكومة الى توفير الدعم المالي من اجل انشاء هذه القطاعات التي ستقلل من حالة الازدحام التي تشهدها العاصمة بغداد، فما بين الوعود والتصريحات يتطلع المواطن العراقي لايجاد حلول ناجعة لازماته التي تتراكم دون جدوى حكومية في تقويضها.