ما دور الشباب في تطوير مهاراتهم ليتخلصوا من البطالة؟

حسين علي حسين

2021-07-10 04:25

الموهبة هبة إلهية لا يمتلكها كثيرون، ولا تُستغل من قبل كثيرين، فهي تولد مع الشخص منذ خلْقهِ وتكوينه، فأما أن تتطور لديه أو تندثر، بالنسبة للمهارات فهي تأتي من الخبرة المكتسبة، فنجد بعض الأشخاص يملك الموهبة لكنه لا يطورها ولا يدربها، وبالتالي لا تُبنى لديه المهارات ولا يستفيد من موهبته، وعلى النقيض من ذلك نجد شخصا يملك الكثير من المهارات ولكن الموهبة لا تتخللها. فيكون منتِجًا ولكن لا يملك أفكارا، إنما يعمل بشكل آلي على حسب ما يتميز به من مواصفات.

المجتمع العراقي معروف بشبابه من أصحاب المهارات والمواهب الكثيرة، ولكنها غير مستغلَّه بالصورة الصحيحة أو غير مستغله أساسا، فزادت ظاهرة البطالة بصورة كبيرة لأسباب، أبرزها أن غالبية الشباب حتى وإن امتلك أحدهم المهارات أو الموهبة فهو لا يطورها، ولا يعتمد عليها لمعالجة بطالته، ولا يفكر في أن هذه الموهبة ممكن أن تجعله يفتح مشروعا يضاهي به في المستقبل كبرى الشركات، ولا تضطره أن يعتمد على التعيين الحكومي.

فالفكرة الجاهزة المتولدة دائما عند الشباب، هو الاعتماد على وظيفة بالدولة، وتأمين راتب شهري يكفيه عيشته حاضراً، ولا يفكر بالموهبة التي تجعله لا يعتمد على هذه الأفكار التي تشبه التخدير.

عند تطوير ومتابعة المهارات التي يمتلكها الفرد وتشذيبها والعمل على الاستفادة منها بالصورة الأكمل، سوف يؤدي ذلك إلى إيجاد حل بديل وفوري وكامل لبطالته الخاصة، ولا تجعله ينتظر حلول الدولة التي قد تجد له حلا، ولكن بعد أن يفقد موهبته ومهارته.

لذا نجد أن الدول المتقدمة اقتصاديا وتكنولوجيا، تتجه لاستثمار رأس مالها الفكري، والأشخاص ذوي المواهب المبدعين المتميزين، فهكذا خطوة من تطوير مواهب البلد ستؤدي إلى قوته اقتصاديا واجتماعيا وحتى فكريا، فنجد المجتمع مليئا بالقيم المعنوية، ويهتم بصورة أكبر بالمواهب والمهارات، وعليه فإن احد الحلول لردع البطالة وتقليلها، يأتي من الشخص نفسه وليس من الدولة، فلو طوَّر الشخص مهارته ودربها ومكنها، فستفتح له ألف طريق ليصل إلى مبتغاه.

ولتسليط الضوء على هذه المشكلة، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) بتوجيه السؤال التالي لعدد من المعنيين الشباب: لماذا لا يسعى البعض إلى تطوير مهاراتهم من أجل حل مشكلة بطالتهم؟

كيف يطوّر الشاب مهاراته وتجاربه؟

أجاب الشاب احمد محمد مفتاح، وهو طالب جامعي:

إن المهارة غالباً ما تولد من فطرة الإنسان، فنرى بعض الأشخاص وهو في مرحلة الطفولة يتمتع بمهارة القراءة والحفظ أو الكتابة وغيرها من المهارات، ويتحلى بالفضول ومحاولة التعرّف على الأشياء وهو في عمر صغير.

إن احد أسباب عدم تطوير الشباب لمهاراتهم الذاتية هو عدم وجود الدعم الحكومي، او الأهلي لهؤلاء الأشخاص، وعدم توفر البيئة المناسبة التي تحفزهم لتطوير هذه المهارات، إضافة إلى محاربة كل من يتمتع بمهارات مختلفة، سواء في مجال التكنولوجيا او في مجال الحِرَف اليدوية أو الصناعية والخدمية، أي عدم توفر الحماية اللازمة لهم والمحافظة على حياتهم من الذين لا يريدون للبلد التطور والازدهار من كل الجوانب.

بلا شك ان تطوير المهارات احد سبل تطوير اقتصاد البلد، بل ويقوي ويطور مكانته بين دول العالم، ويساهم ذلك في تقليل نسبة البطالة نوعاً ما، لكن كل هذا يحتاج إلى إستراتيجية شاملة وواضحة، وإلى أشخاص حريصين على البلد، وهذا من المستحيل تطبيقه في بلد مثل العراق، ما لم يتم القضاء على بؤر الفساد التي تنخر في جسده منذ عقود عديدة.

دور المنافسة في تحفيز الشاب

الشاب منتظر نوري الغزالي يقول في إجابته: في جميع دول العالم المتطورة تُزرع روح المنافسة بين الجميع من أجل التطور، ويأتي هذا بمثابة حيث داعم لمستقبل الشباب من قبل الدولة، وكذلك يلقى هذا الأسلوب والتوجّه قبولا من قبل الشعب.

وهذا ما جعل الدول التي سعت نحو التطور في المقدمة من حيث التكنولوجيا والاقتصاد والى آخره، أما في العراق فإننا متأخرون في مجال تطوير المهارات بسبب غياب الدعم المعنوي أو المادي أو الثقافي، كون المهارات تحتاج إلى الدخول في مراكز متخصصة للتطوير، بمقابل مادي من أجل الحصول على المعلومات وتطوير القدرات الشبابية، ولكن إذا ترددّت الدولة في إبداء التطوير، سوف تحدث خيبة أمل وعدم ثقة بالواقع المجتمعي.

ضاعت الكثير من المواهب بسبب تلكّؤ الدولة في تطوير مهارات الشباب العملية والنظرية، وهذا تسبب في أدى بالكثير من أصحاب المهن أو المواهب أو المعرفة، بعدم التقدم نحو الأمام في المهارات والمواهب والأعمال، وهذا جزء من الأسباب العامة الخاصة بالدولة، كذلك هناك عدم مشاركة القطاع الخاص في دعم مهارات الشباب، لأسباب نحن لا نعرفها، لكن النتائج وخيمة علينا نبقى بلا فرص عمل.

أما السؤال عن مدى تطوير المهارات، كطريق لرفع اقتصاد البلد وحل مشكلة البطالة، فإن رعاية الشباب ودعمهم يشكل عنصرا مهم جداً، حيث يكون من خلاله تطوير القطاع الخاص، وفتح طرق ومشاريع كثيرة للاستثمار، وهذا يعني فتح مجال أكبر لاستقطاب العاطلين عن العمل، وبذلك سوف يحدث نمو على مستوى الاقتصاد الكلي للبلد من حيث تكثير سبل الرفاهية.

وإذا تم استثمار المهارات الشبابية بشكل صحيح، وتوفير الدعم المطلوب، سواء من الدولة أو القطاع الخاص، فهذا يعني أننا نقوم بإحداث ثورة صناعية في العراق، حيث نتحول ونصبح من بلد يحتاج إلى التنمية في الاقتصاد، إلى بلد ينافس الدول الأخرى باقتصاده القوي المزدهر، هذا يعود إلى الرغبة الصادقة من الدولة لاحتضان كفاءات الشباب، وإدخالهم في معاهد تطوير عملي، يصقل مهاراتهم ويؤهلهم كي يكونوا بناة الحاضر والمستقبل.

صعوبة الجمع بين الراحة وبناء المهارة

من جهته قال الشاب عباس سالم، وهو لا يزال طالبا جامعيا في كلية الهندسة: الإنسان بطبعه يحب المال وفي نفس الوقت هو محب للراحة، وبالعادة لا يجتمع الاثنان (حب العمل والراحة) سوياً، فالمال يأتي بالمشقة والتعب والمثابرة وبذل الجهود العملية وتطوير المهارات والعلوم والتجارب، لكن الراحة تأتي من خلال النوم والاسترخاء والكسل، والتهرّب من تقديم أي مجهود عضلي أو فكري بسبب الخمول والبحث عن راحة الجسد لتدميرهِ.

أسأل نفسي وأقراني من الشباب، لماذا لا يفكر الناس وخصوصاً الشباب بجمع المال والراحة في آن واحد؟!، والجواب هنا أن انتشار إشاعات الوظيفة الحكومية، وأنها الحل السحري لجميع المشاكل وجميع المشقات، ما هو إلا دليل على ضعف الفكر الإبداعي للإنسان والشباب على رأسهم، والاعتماد على الغير في حل ابسط المشاكل، ليس المادية (الفلوس) فقط، بل حتى المشاكل الأخرى.

وقد تعود أسباب هذا الأمر أو هذه الحالة إلى كثرة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من دون هدف، والتي ضيعت وقت الشباب، وحدَّت من تفكيرهم في مستقبلهم، وأهمية الانشغال بتطوير مهاراتهم ومواهبهم. بالإضافة إلى تخوّف الشباب من الخوض في التجارب الجديدة، والقلق المفرط من تعلم مهنة جديدة لم يجربوها سابقاً. في حين أن العكس هو الصحيح، فالشباب يجب أن يتحلى بروح الحماسة والاطلاع، والرغبة في معرفة محيطات عمل لم يدخلها من قبل.

تعلّم مهارات جديدة وتطوير الأفكار، قد يكون هو الحل الأسهل لمشكلة البطالة في العراق، ونعني بذلك زيادة الطاقة الإنتاجية للفرد، وهذا يؤثر إيجاباً على مستوى الطاقة الإنتاجية للبلد، وينعكس على مضاعفة الموارد، وتكاثر فرص العمل.

الكسل مشكلة الشباب الأزلية

نور عبد الرحيم، محامية في بداية الطريق، تخرجت حديثا من كلية القانون، وعملت في مجال المحاماة، تقول عن مشكلة تقاعس الشباب في تطوير مهاراتهم: أنا شخصيا ألقي بكثير من اللوم على الشباب العراقيين، صحيح هناك غياب لدور الحكومة والدولة، أو ضعف في دعم الشباب، لكن أين دور الشاب نفسه في إنقاذ نفسه من البطالة، أنا قبل أن أتخرج كنت أتخوّف من المجهول، لا أعرف هل أحصل على عمل أم لا، لكن قررتُ أن أقتحم العمل بنفسي، واستعنت بأبي وبأصدقاء لنا، وساعدوني على مسك إحدى الدعاوى السهلة.

وبعد نجاحي في محاولة العمل الأولى في المحاماة تشجعتُ، وتضاعف إصراري، وطالعت في مجال القانون وقرأت وازدادت معلوماتي، ومع كل يوم جديد أتعلم شيئا جديدا، وأطوّر قدراتي وأستعين بمن أثق به، والآن حين يناديني الناس بالمحامية، أفرح كثيرا وأثق أنني محامية فعلا، وأدعو الشباب إلى أن يثقوا بمهاراتهم.

الخشية الشديدة من شبح البطالة

سارة عبد الحسين، طالبة على أبواب التخرّج تقول: أكثر ما يقلقني وأنا على أبواب التخرج أن أبقى كالمقعدة في البيت، هذا هو الهمّ الثقيل الذي أحمله في صدري ليل نهار، كلّنا نتطلع إلى الوظائف الحكومية، لأن الوظيفة ضمان كي نرد بعض الديون لأهلنا، أما الفرص بالتعيين خارج الدولة، في الشركات والمؤسسات الأهلية فهو احتمال ضعيف أو منعدم.

لا أستطيع أن أطور مواهبي ومهاراتي دون أن أتلقى المساعدة، ننظر للدولة كالأم أو الأب الذي يرعى أولاده، الدولة والحكومة هي الجهة الأولى التي نتمنى أن تقوم بمسؤوليتها تجاهنا، الجهة الأولى المسؤولة عن رعايتنا، كيف أفكر بتطوير مهاراتي الذاتية وأين؟، الفرص نادرة جدا، وشبح بقائي جليسة البيت يخيفني.

أبي يخفف من خوفي، وأمي كذلك، ولكن حين أسمع بكثرة شكاوى الطلاب الشباب من شبح البطالة، أشعر باليأس، نحن البنات ليس كالشباب الذكور، حركتنا صعبة ومحدودة ومزروعة بالمضايقات، ولكن حين أفكر مع نفسي، أحاول أن أجد حلا بنفسي، تعلّمت الحاسوب وأتقنت الكثير من فنونه، قرأت واطلعت وسعيت، أعرف أن الحل يبدأ بالإنسان نفسه، لذلك لا أكف عن تطوير قدراتي بانتظار الفرصة.

شبابنا يتعرضون للإهمال

الأستاذ عبد الكريم حمزة، موظف سابق في الرعاية الاجتماعية، وله خبرة واحتكاك مع العاطلين عن العمل، يقول في إجابته: أعانَ الله شبابنا على ما يتعرضون له من إهمال، لا أحد يفكر بهم، لا أحد يفتح لهم معهدا لتطوير مهاراتهم، باستثناء بعض المشاريع التي تهدف إلى الربح قبل أي شيء آخر، وهناك مؤسسات وجمعيات تحاول مساندة الشباب، لكنها قليلة، وكما يقال في المثل (الركعة صغيرة والفتق كبير).

مشكلة الشباب والبطالة معقدة، أعدادهم كبيرة، وتزداد سنويا ورواتب العاطلين لا تجل إلا نسبة قليلة جدا من المشكلة، الحل هو أطلاق مبادرات من الدولة، تأخذ على عاتقها تدريب الشباب وتطوير مهاراتهم، نعم يوجد دور للشاب نفسه ولكن ماذا يفعل الشاب إذا يجد نفسه وحيدا يقاتل في معترك الحياة؟؟، الشاب لا يعفى من مسؤوليته لكن الدولة والقطاع الخاص يجب أن تُظهر مهاراته إلى الوجود.

هناك حلول تساعد على تقليل مضار هذه المشكلة المتعددة الرؤوس، بعضها يقع على الدولة، وأخرى تقع على المجتمع، ومنها يقع على الشاب العاطل نفسه، الدولة وجهتها الرسمية، الحكومة عليها فتح معاهد تدريب كثيرة، لتنمية مهارات الشباب بحسب رغباتهم ومواهبهم، أما مقابل أجر رمزي أو مجانا، مع منح شهادات تعضّد الجهد الذي يبذله الشاب.

المجتمع يجب أن يساعد الشباب بكل ما متاح، حتى الجانب المعنوي والتشجيع مهم، والأثرياء يجب أن يبادروا لدعم الشباب بمشاريع التدريب ورفع المهارة، يبقى لدينا الشاب، ويقع عليه مسؤولية البحث والتحرك والابتعاد عن اليأس أو البقاء في دائرة الكسل، ولنتذكر دوماً الآية الكريمة (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

بعض الحلول والمقترحات لمواجهة البطالة

إلى هنا انتهت إجابات وآراء المشاركين في هذا الاستطلاع، ونلاحظ في الإجابات المدرجة آراء صحيحة مرتبطة بمشكلة بطالة الشباب، حيث أجاب كلٌ من وجهة نظره، ونورد هنا بعض المقترحات لحل هذه المشكلة أو التخفيف من أعبائها:

- إقامة دورات تطورية وتنموية من قبل الدولة للشباب، لكي يتعرفوا على مواهبهم وكيفية استغلالها والاستفادة منها.

- أخذ الدول المتقدمة نموذجا وفهم طرقهم وتطويرها وتطبيقها على شبابنا، والاستفادة من الأساليب الحديثة في التدريب والتطوير.

- استمالة رأس المال الفكري وجذبة إلى مؤسسات الدولة التطويرية، وبناء مراكز مختصة بالبحث والتطوير، تختص بالشباب وكيفية الاستفادة منهم.

- نشر برامج علمية موجهة للشباب عبر التلفاز، ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى، لإدراك أهمية الموهبة وكيفية استغلالها.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي