غباء الذكاء الإصطناعي
د. ياس خضير البياتي
2021-11-09 07:33
في 17 مارس 2014، ضرب زلزال بقوة 4.4 درجة جنوب كاليفورنيا. وبدأت القصة الأولى مع استخدام الذكاء الاصطناعي حول الزلزال على موقع لوس أنجلوس تايمز على الويب، حيث تم كتابة الخبر بدقائق بواسطة خوارزمية. ومنذ ذلك الحين، أنتج “المراسلون الآليون” قصصًا إخبارية حول مواضيع تتراوح من ألعاب البيسبول في الدوري الصغير إلى أرباح الشركات. مما فتح الشهية لوسائل الإعلام الاستعانة بها في إنتاج المحتوى الإعلامي.
في عالم اليوم الذي يتأثر بالرقمنة، يعد الذكاء الاصطناعي الأداة السحرية التي يمنح البشر خدمات كبرى في مختلف مجالات العلم والحياة، حيث يعطي شكلاً وهوية جديدة له من خلال تميزه بالتفكير الفائق وتحليل البيانات والجمع بين المهارات المستمدة مثل الإحصاء وعلوم الكمبيوتر والمعرفة العلمية. كذلك تقليد الإنسان وأفعاله ليكون مثل البشر من خلال برمجته. مثلما يمنحه القدرة على الرؤية، والاستماع، والتحدث، والتحرك، والكتابة.
علم واسع
وبالمعنى الدقيق للكلمة، فأن الذكاء الاصطناعي هو العلم الواسع لتقليد القدرات البشرية من خلال تدريب الآلة على كيفية التعلم من التجربة. وهو يغطي العديد من التقنيات المختلفة، مثل التعلم الآلي ورؤية الكمبيوتر ومعالجة اللغة الطبيعية والتعلم العميق. كما يمكنه التحليل أو التعليق لما ينشره المستخدم، مثلما يمكنه أن يساعد على تحديد المشاعر لمعرفة ما يشعر به من خلال استخدامه مجموعة فرعية أخرى تُعرف بمعالجة اللغة الطبيعية التي تساعد أيضًا في اكتشاف الكلمات الإيجابية والسلبية في المنشور أو التعليق.
كما يمكنه تقديم خدمات كبيرة لوسائل الإعلام ولمنصات التواصل الاجتماعي باعتبارها أكبر سوق في المستقبل لتمرير الأفكار، وتسويق السلع من خلال تقديم تجربة أفضل للجمهور واستهدافهم بطريقة سريعة وعميقة، مما سيزيد من حجم أعداد المتلقين للرسالة لاستثمارها سياسيا واقتصاديا.
ولحد الآن يبدو أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام قد حدثت في ثمانية مجالات رئيسية: اكتشاف محتوى الجمهور، ومشاركة الجمهور، وتجربة الجمهور المعززة، وتحسين الرسائل، وإدارة وإنشاء المحتوى، ورؤى الجمهور، والأتمتة التشغيلية. لكن هناك تحديات كبيرة في الموازنة بين الفعالية والكفاءة والحكم البشري والذكاء الاصطناعي.
بالمختصر المفيد، فأن الذكاء الاصطناعي يساعد على تغيير وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي باستمرار، وزيادة تجربة المستخدم لإيجاد طرق أكثر فعالية لتسويق الأفكار والمنتجات. ويجعل المواطن أكثر استنارة بالمحتوى المضلل أو المعلومات الخاطئة.
بالمقابل هناك تخوف من إن يقع فريسة لتضليل الذكاء الاصطناعي، أي استخدام الغباء الاصطناعي من خلال إدخال الأخطاء عن عمد لتضليل الفكر، خاصة أن الخوارزميات قد تصبح أكثر خبرة في تلبية احتياجاتها لهذه الأذواق، وقد تسبب عواقب وخيمة على المجتمع.
الأخطر، حسب الدراسات الحديثة التي قامت بها بعض الجامعات الأجنبية الرصينة، مثل جامعتي أكسفورد البريطانية وبيل الأمريكية، فأننا مقبلون على ثورة كبرى تجعل الذكاء الاصطناعي يتفوق على الذكاء البشري في جميع المجالات في غضون 45 عاما، ويتولى كافة الوظائف البشرية في غضون 120 عاما.
فمثلا سيتفوق على البشر في ترجمة اللغات بحلول عام 2024، وكتابة المقالات المدرسية بحلول عام 2026، وقيادة السيارات بحلول 2027، والعمل بتجارة التجزئة في 2027، بل وفي كتابة واحد من أفضل الكتب مبيعا عام 2049، وفي إجراء الجراحات عام . 2053 لكن الدراسة من جانب آخر تقدم أيضا صورة قاتمة للمشكلات البشرية في ظل الذكاء الاصطناعي، فهي ترى بأن المستقبل “سيكون مخالف لاختيار البشرية، وربما احتمال انقراضهم”!
تطوير وازدهار
وبقدر ما يتمتع به الذكاء الاصطناعي من القوة والقدرة، والمساهمة في تطوير وازدهار وسائل الإعلام المتنوعة، إلا أن قوته ذاتها يمكن أن تثبت أيضًا أنه أكبر سلاح فتاك. وبالتالي، يجب توجيه الذكاء الاصطناعي بشكل فعال واستخدامه بدقة حتى يكون تقدمًا إيجابيًا.
وهذا ما أدى إلى مناقشات مثيرة للجدل حول إمكانية أن تحل أنظمة الذكاء الاصطناعي محل الأنشطة الإبداعية. حيث يُنظر إلى الإبداع على أنه مهارة بشرية ثمينة. وإذا تم استبداله بالبرمجيات والمعالجات فأنه سيكون تهديدا لوجود البشر.
وبمنطق العلم، فإن الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة معلومات أكثر من البشر، وهو امر صحيح، لكن هذا الذكاء المبرمج لا يداني قدرة الأنسان على التفكير بالقياس، واقصد به التفكير المنطقي المبني على السبب والنتيجة.
والربط بين المعرفة والمُحاججة والفعل. كذلك لا يمكنه من تحويل الكلمات إلى حوار مترابط وموثوق. إضافة إلى إن التعلم عند الإنسان مرتبط بالنمو والتغيرات في الدماغ وهذا ليس موجودا في باطن الحاسوب.
ومع ذلك ينبغي الاعتراف بأن العالم قبل الذكاء الاصطناعي ليس هو ذات العالم بعده أمام البشر. وليس أمامهم اليوم سوى خيارين؛ أما أن يسلب الأنسان الآلي منهم قدراتهم العقلية وخبراتهم الحياتية والعاطفية ليتربع بذلك على الكون، وأما أن يمنحهم قدرات إضافية للذكاء. وهنا تظهر المشكلة بين الذكاء الاصطناعي العربي الذي يستخدم للتنصت والتجسس والتضليل والتذليل، وبين الآخر المتمدن الذي يستخدمه للطب والتعليم والهندسة وابتكار الحياة الجديدة. بين قوم يستوطنوه ليكون أكثر ذكاء في خدمتهم بالصحة والرفاه، وبين قوم يستعبدوه ليــــــــــــكون أكثر غباء في تدمير ما تبقى من حياتهم الضائعة بالقيل والقال، والبائسة بالجوع والاستبداد!